آخر 10 مشاركات |
روابط تهمك | القرآن الكريم | الصوتيات | الفلاشات | الألعاب | الفوتوشوب | اليوتيوب | الزخرفة | قروب | الطقس | مــركز التحميل | لا باب يحجبنا عنك | تنسيق البيانات |
|
الكلِم الطيب (درر إسلامية) رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا |
رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
11-12-2024, 10:53 PM | #21 |
|
رد: الأخلاق المحمودة في الإسلام ( متجدد )
موضوعنا القادم سيكون ان شاء الله عن ( الاحترام والتوقير )
|
نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا ! و ليتني ما أرضيت سواي ! على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات ! |
يوم أمس, 09:19 AM | #22 |
|
رد: الأخلاق المحمودة في الإسلام ( متجدد )
الاحترام والتوقير
معنى الاحترامِ والتَّوقيرِ لُغةً واصطِلاحًا الاحترامُ لُغةً: الاحترامُ: مِن الحُرمةِ، وهي: المهابةُ، يقالُ: احترمه، أي: كرَّمه وأكبَرَه، وأحسَنَ معاملتَه حُبًّا ومهابةً . الاحترامُ اصطِلاحًا: الاحترامُ هو الإكبارُ والمهابةُ ورَعيُ الحُرمةِ وحُسنُ المعاملةِ . التَّوقيرُ لُغةً: والتَّوقيرُ: التَّعظيمُ والتَّبجيلُ . التَّوقيرُ اصطِلاحًا: قال ابنُ تَيميَّةَ: (التَّوقيرُ: اسمٌ جامعٌ لكُلِّ ما فيه سكينةٌ وطمأنينةٌ من الإجلالِ والإكرامِ، وأن يُعاملَ من التَّشريفِ والتَّكريمِ والتَّعظيمِ بما يصونُه عن كُلِّ ما يخرِجُه عن حَدِّ الوَقارِ) . الحث على الاحترام والتوقير أ- من السُّنَّةِ النَّبَويَّةِ النَّاظِرُ في نُصوصِ السُّنَّةِ المُشرَّفةِ يلاحِظُ بجَلاءٍ ما اشتملَت عليه من حثٍّ على التَّوقيرِ والاحترامِ في مختَلِفِ صوَرِه وأشكالِه؛ فقد أمرَت السُّنَّةُ بحُسنِ المعاملةِ والبشاشةِ، والقولِ الحَسَنِ وبَذلِ السَّلامِ، ودعَت إلى تهذيبِ اللِّسانِ، والتَّحَلِّي بالتَّسامُحِ، ونَبذِ الفُحشِ والبذاءةِ حتَّى مع غيرِ المُسلِمِ، وبالجُملةِ فهي أمثلةٌ حَيَّةٌ وصُوَرٌ مُشرِقةٌ لمعاني الاحترامِ والتَّوقيرِ. 1- عن أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، ((جاء شيخٌ يريدُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأبطأ القومُ أن يُوَسِّعوا له، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ليس منَّا مَن لم يُوقِّرْ كبيرَنا، ويرحَمْ صغيرَنا)) . وفي روايةِ عَمرِو بنِ شُعَيبٍ عن أبيه عن جَدِّه: ((ويَعرِفُ شَرَفَ كَبيرِنا)) ، وهذا زَجرٌ من النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بقَولِه: ((ليس مِنَّا)) أي: ليس من أهلِ سُنَّتِنا وهَدْيِنا وطريقتِنا مَن لم يُوَقِّرِ الكبيرَ ويُعَظِّمْه، وهو شامِلٌ للشَّابِّ والشَّيخِ . 2- عن أبي مَسعودٍ عُقبةَ بنِ عامرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه قال: ((كان رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يمسَحُ مناكِبَنا في الصَّلاةِ، ويقولُ: استَووا، ولا تختَلِفوا فتختَلِفَ قُلوبُكم، لِيَلِني منكم أولو الأحلامِ والنُّهى، ثمَّ الذين يَلونَهم، ثمَّ الذين يَلونَهم. قال أبو مسعودٍ: فأنتم اليومَ أشَدُّ اختلافًا)) . فالنَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يحرِصُ على توقيرِ ذوي المكانةِ والعِلمِ والفَضلِ، وتصديرِهم في مقدِّمةِ المجالِسِ، كما في وُقوفِ ذوي الأحلامِ والنُّهى خَلفَ الإمامِ، ولا يكونُ ذلك في الغالِبِ إلَّا لكبارِ السِّنِّ ومن لديهم من العِلمِ والمكانةِ ما يستوجِبُ احترامَهم وتوقيرَهم، كما استوجب أن يقدَّموا فيكونوا في الصَّفِّ الأوَّلِ خَلفَ الإمامِ، ولا يختَصُّ هذا التَّقديمُ بالصَّلاةِ، بل السُّنَّةُ أن يُقَدَّمَ أهلُ الفَضلِ في كُلِّ مجمَعٍ إلى الإمامِ وكبيرِ المجلِسِ، كمجالسِ العِلمِ والقَضاءِ والذِّكرِ والمشاورةِ، ومواقِفِ القِتالِ، وإمامةِ الصَّلاةِ، والتَّدريسِ والإفتاءِ، وإسماعِ الحديثِ ونحوِها، ويكونُ النَّاسُ فيها على مراتِبِهم في العِلمِ والدِّينِ والعَقلِ، والشَّرَفِ والسِّنِّ والكفاءةِ . 3- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال : ((يُسَلِّمُ الصَّغيرَ على الكبيرِ...)) . و(تسليمُ الصَّغيرِ لأجْلِ حَقِّ الكبيرِ؛ لأنَّه أُمِرَ بتوقيرِه والتَّواضُعِ له) . ب- من أقوالِ السَّلَفِ والعُلَماءِ - قال أبو حامِدٍ الغَزاليُّ: (تعلَمُ أنَّك لو طلَبْتَ مُنَزَّهًا عن كُلِّ عيبٍ اعتزَلْتَ عن الخَلقِ كافَّةً، ولن تجِدَ مَن تصاحِبُه أصلًا؛ فما من أحَدٍ من النَّاسِ إلَّا وله محاسِنُ ومَساوئُ، فإذا غلبَت المحاسِنُ المساوئَ فهو الغايةُ والمنتهى، فالمُؤمِنُ الكريمُ أبدًا يُحضِرُ في نفسِه محاسِنَ أخيه لينبَعِثَ من قَلبِه التَّوقيرُ والوُدُّ والاحترامُ، وأمَّا المُنافِقُ اللَّئيمُ فإنَّه أبدًا يلاحِظُ المساوئَ والعُيوبَ) . - قال ابنُ المبارَكِ: (حَقٌّ على العاقِلِ ألَّا يستخِفَّ بثلاثةٍ: العُلَماءِ، والسَّلاطينِ، والإخوانِ؛ فإنَّه مَن استخَفَّ بالعُلَماءِ ذَهَبت آخِرَتُه، ومن استخَفَّ بالسُّلطانِ ذهَبت دُنياه، ومَن استخَفَّ بالإخوانِ ذهَبَت مروءتُه) . - عن العَبَّاسِ بنِ عبدِ العظيمِ العَنبريِّ، قال: (كنتُ عِندَ أحمدَ بنِ حَنبَلٍ وجاءه عليُّ بنُ المدينيِّ راكِبًا على دابَّةٍ، قال: فتناظَرا في الشَّهادةِ وارتفَعَت أصواتُهما حتَّى خِفتُ أن يقَعَ بَيْنَهما جفاءٌ، وكان أحمدُ يرى الشَّهادةَ، وعليٌّ يأبى ويدفَعُ، فلمَّا أراد عليٌّ الانصرافَ قام أحمدُ فأخَذ برِكابِه) . - قال ابنُ حَزمٍ: (اتَّفَقوا على توقيرِ أهلِ القرآنِ والإسلامِ، والنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وكذلك الخليفةُ والفاضِلُ والعالِمُ) . - وعن ابنِ طاوُسٍ، عن أبيه، قال: (من السُّنَّةِ أن يُوَقَّرَ أربعةٌ: العالِمُ، وذو الشَّيبةِ، والسُّلطانُ، والوالِدُ) . - وقال يحيى بنُ مُعاذٍ: (إنَّ العبدَ على قَدرِ حُبِّه لمولاه يحبِّبُه إلى خَلقِه، وعلى قَدرِ توقيرِه لأمرِه يُوَقِّرُه خَلْقُه ...) . - وعن الحُسَينِ الوَرَّاقِ، قال: سألتُ أبا عُثمانَ عن الصُّحبةِ، فقال: (الصُّحبةُ مع اللَّهِ عزَّ وجَلَّ بحُسنِ الأدَبِ ودوامِ الهَيبةِ والمراقَبةِ، والصُّحبةُ مع الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم باتِّباعِ سُنَّتِه ولُزومِ ظاهِرِ العِلمِ، والصُّحبةُ مع أولياءِ اللَّهِ بالاحترامِ والحُرمةِ، والصُّحبةُ مع الأهلِ والولَدِ بحُسنِ الخُلُقِ، والصُّحبةُ مع الإخوانِ بدَوامِ البِشرِ والانبِساطِ ما لم يكُنْ إثمًا، والصُّحبةُ مع الجُهَّالِ بالدُّعاءِ لهم والرَّحمةِ عليهم، ورُؤيةِ نِعمةِ اللَّهِ عليك أن عافاك ممَّا ابتلاهم به) . - وقال سَهلٌ التُّستَريُّ: (لا يزالُ النَّاسُ بخيرِ ما عظَّموا السُّلطانَ والعُلَماءَ، فإذا عَظَّموا هذين أصلَح اللَّهُ دُنياهم وأُخراهم، وإذا استخفُّوا بهذين أفسَدوا دُنياهم وأُخراهم) . ( يتبع ) |
نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا ! و ليتني ما أرضيت سواي ! على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات ! |
يوم أمس, 09:22 AM | #23 |
|
رد: الأخلاق المحمودة في الإسلام ( متجدد )
تابع – الاحترام والتوقير
فوائِدُ الاحترامِ والتَّوقيرِ بَيْنَ النَّاسِ 1- يَعصِمُ من الوقوعِ في التَّعدِّي بالقَولِ أو الفِعلِ، فتُصانُ الحُرُماتُ وتُحفَظُ الأعراضُ. 2- يدفَعُ أسبابَ العداوةِ والبغضاءِ. 3- به يتحَقَّقُ العَدلُ ويُنَزَّلُ كُلُّ واحدٍ مَنزِلتَه. 4- من أسبابِ تقارُبِ وِجهاتِ النَّظرِ ودَفعِ الخِلافِ. 5- من أسبابِ تقويةِ أواصِرِ المحبَّةِ بَيْنَ النَّاسِ. 6- فيه امتِثالٌ لتعاليمِ الشَّرعِ الكريمِ. 7- يجلِبُ محبَّةَ اللَّهِ تعالى ومحبَّةَ النَّاسِ. 8- تقويةُ العلاقاتِ وغَرسُ الثِّقةِ بَيْنَ أفرادِ المجتَمَعِ. 9- من أسبابِ كَسبِ القُلوبِ ونجاحِ الدَّعَواتِ. أقسامُ الاحترامِ والتَّوقيرِ يمكِنُ تقسيمُ الاحترامِ والتَّوقيرِ إلى ثلاثةِ أقسامٍ: الأوَّلُ: الاحترامُ والتَّوقيرُ في القولِ، وذلك باستعمالِ الكلامِ الحسَنِ المشتَمِلِ على إظهارِ الأدَبِ، والتَّقديرِ وإنزالِ النَّاسِ منازِلَهم اللَّائقةَ بهم، ومخاطبتِهم خِطابًا يَدُلُّ على احترامِهم وتقديرِهم. الثَّاني: الاحترامُ والتَّوقيرُ في الفِعلِ، وذلك بالمعاملةِ اللَّائقةِ لمن نتعامَلُ معهم، وتقديمِهم والاستماعِ إليهم الثَّالِثُ: الاحترامُ والتَّوقيرُ بالتَّركِ، وذلك بتركِ كُلِّ قولٍ أو فعلٍ يتضَمَّنُ الإساءةَ، أو يَحصُلُ به الأذى أو الانتِقاصُ. مظاهِرُ وصُوَرُ الاحترامِ والتَّوقيرِ 1- توقيرُ المُسلِمِ لرَبِّه سُبحانَه وتعظيمُه بما يليقُ به، وهذا التَّوقيرُ للهِ سُبحانَه ينتُجُ عنه احترامُ أوامِرِه ونواهيه، وتعظيمُ دينِه وشَرعِه، وحِرصُ المُسلِمِ على التَّحلِّي بجميلِ الصِّفاتِ التي أَمَر بها سُبحانَه، فهذا التَّوقيرُ يُثمِرُ الخيرَ للعبدِ في الدُّنيا والآخرةِ، ويُثمِرُ التَّخلُّقَ بالأخلاقِ التي يعودُ أثَرُها ونَفعُها على النَّاسِ في معاشرتِهم والتَّعامُلِ معهم. قال اللَّه تعالى حكايةً عن نبيِّه نوحٍ عليه السَّلامُ أنَّه قال لقومِه عندما كفَروا به وبرسالتِه: مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا [نوح: 13] ، أي: ما لكم لا ترون للهِ عَظَمةً، وقيل: ولا تُعَظِّمون اللَّهَ حَقَّ عَظمتِه ، فاستخدمَ لَفظَ الوَقارِ في معنى التَّوقيرِ والتَّعظيمِ للهِ تعالى بما يليقُ به سُبحانَه من كمالِ التَّعظيمِ والتَّبجيلِ. 2- احترامُ وتوقيرُ المُسلِمِ لرَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بتعظيمِ أمرِه ونهيِه، واتِّباعِ آثارِه، والسَّيرِ على طريقتِه، وألَّا يُقدِّمَ شيئًا على ما جاء به صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ قال اللَّه تعالى: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [الفتح: 8 - 9] . قال ابنُ كثيرٍ: (لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ، قال ابنُ عبَّاسٍ وغيرُ واحِدٍ: يُعَظِّموه. وَتُوَقِّرُوهُ من التَّوقيرِ، وهو الاحترامُ والإجلالُ والإعظامُ) . وقال السَّعديُّ: (وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ أي: تُعَزِّروا الرَّسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وتُوَقِّروه، أي: تُعَظِّموه وتُجِلُّوه، وتقوموا بحُقوقِه، كما كانت له المِنَّةُ العظيمةُ برِقابِكم) . وقال اللَّهُ تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ [الحجرات: 1 - 4] ، فبيَّن سُبحانَه أنَّ الذين يَخفِضون أصواتَهم عِندَ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم توقيرًا وتبجيلًا له، أولئك هم الذين امتحَن اللَّهُ قلوبَهم لتَقواه، وأخلصَهم لها، ولهم مَغفرةٌ لذُنوبِهم، ولهم ثوابٌ عظيمٌ عِندَ اللَّهِ يومَ القيامةِ، فيُدخِلُهم الجنَّةَ . وقال اللَّهُ تعالى: لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا [النور: 63] في تلك الآيةِ يَظهَرُ الأمرُ بتوقيرِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم واحترامِه؛ فقد نهى اللَّهُ سُبحانَه المُسلِمين أن ينادوا النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِثلَ مُناداتِهم بعضِهم بعضًا، وقد التَزم الصَّحابةُ رَضِيَ اللَّهُ عنهم الأدَبَ في مناداتِه، فكانوا ينادونه: يا رسولَ اللَّهِ، ويا نبيَّ اللَّهِ، أو يا أيُّها النَّبيُّ، ويا أيُّها الرَّسولُ . وقال القاضي عِياضٌ: (اعلَمْ أنَّ حُرمةَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بعدَ مَوتِه وتوقيرَه وتعظيمَه لازمٌ كما كان حالَ حياتِه، وذلك عِندَ ذِكرِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وذِكرِ حَديثِه وسُنَّتِه، وسماعِ اسمِه وسيرتِه، ومعاملةِ آلِه وعِترتِه ، وتعظيمَ أهلِ بَيتِه وصَحابتِه) . وعن حمَّادِ بنِ زَيدٍ، قال: (كنَّا عِندَ أيُّوبَ فسَمِع لَغَطًا، فقال: ما هذا اللَّغَطُ؟ أمَا بلَغَهم أنَّ رفعَ الصَّوتِ عِندَ الحديثِ عن رسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كرفعِ الصَّوتِ عليه في حياتِه) . 3- احترامُ أُولي الأمرِ وتوقيرُهم، ومن مظاهِرِ احترامِهم السَّمعُ والطَّاعةُ لهم في غيرِ معصيةٍ، وتركُ التَّشغيبِ عليهم، وعَدَمُ سَبِّهم أو إهانتِهم، وما ذلك إلَّا لِما قد يترَتَّبُ على مخالفةِ هذه الأوامِرِ من إحداثِ الفِتنةِ بَيْنَ النَّاسِ، وما قد يُفضي إلى الشُّرورِ. قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء: 59] . قال ابنُ تَيميَّةَ: (وأولو الأمرِ أصحابُ الأمرِ وذَووه، وهم الذين يأمُرون النَّاسَ، وذلك يشتركُ فيه أهلُ اليَدِ والقُدرةِ، وأهلُ العِلمِ والكلامِ؛ فلهذا كان أولو الأمرِ صِنفَينِ: العُلَماءُ والأمراءُ. فإذا صلَحوا صلَح النَّاسُ، وإذا فسَدوا فسَد النَّاسُ) . وقال القَرافيُّ: (ضَبطُ المصالحِ العامَّةِ واجِبٌ، ولا تنضَبِطُ إلَّا بعَظَمةِ الأئمَّةِ في نفسِ الرَّعيَّةِ، ومتى اختُلِف عليهم أو أُهينوا تعذَّرت المصلحةُ) . وقال ابنُ حِبَّانَ: (الواجِبُ على كُلِّ مَن يغشى السُّلطانَ وامتُحِن بصُحبتِه ألَّا يَعُدَّ شَتمَه شَتمًا ولا إغلاظُه إغلاظًا ولا التَّقصيرُ في حَقِّه ذَنبًا؛ لأنَّ رِيحَ العِزَّةِ بسَطَت لسانَه ويَدَه بالغِلظةِ، فإن أنزله الوالي منزلةً رفيعةً من نفسِه فلا يَثِقَنَّ بها، وليجانِبْ معه كلامَ المَلَقِ، والإكثارَ من الدُّعاءِ في كُلِّ وقتٍ، وكثرةَ الانبساطِ؛ فرُبَّ كَلِمةٍ أثارت الوحشةَ، بل يجتَهِدُ في توقيرِه وتعظيمِه عِندَ النَّاسِ، فإنْ غَضِبَ فليحتَلْ في تسكينِ غَضَبِه باللِّينِ والمداراةِ، ولا يكونُ سببًا لتهييجِه) . ( يتبع ) |
نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا ! و ليتني ما أرضيت سواي ! على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات ! |
يوم أمس, 09:25 AM | #24 |
|
رد: الأخلاق المحمودة في الإسلام ( متجدد )
تابع – الاحترام والتوقير
مظاهر وصور الاحترام والتوقير 4- احترامُ وتقديرُ العُلَماءِ وإنزالُهم المنزلةَ اللَّائقةَ بهم لمكانتِهم، ومن مظاهِرِ احترامِهم التَّعاوُنُ معهم على البِرِّ والتَّقوى، والحَذَرُ من قَدْحِهم أو الوقوعِ في غِيبتِهم. قال تعالى: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ [آل عمران: 18] . قال البَيهقيُّ: (فقَرَن اسمَ العُلَماءِ باسمِ الملائكةِ كما قَرَن اسمَ الملائكةِ باسمِه، وكما وَجَب الفضلُ للملائكةِ بما أكرمَهم به، فكذلك يجبُ الفَضلُ للعُلَماءِ بما أكرَمهم به مِن مِثلِه) . ومن آدابِ المتعَلِّمِ النَّظَرُ إلى مُعَلِّمِه بعَينِ الاحترامِ والتَّبجيلِ؛ قال النَّوويُّ: (وعليه أن ينظُرَ مُعَلِّمَه بعَينِ الاحترامِ ويعتَقِدَ كَمالَ أهليَّتِه ورُجحانَه على طبقَتهِ؛ فإنَّه أقرَبُ إلى انتفاعِه به، وكان بعضُ المتقَدِّمين إذا ذهب إلى مُعَلِّمِه تصَدَّق بشَيءٍ، وقال: اللَّهُمَّ استُرْ عَيبَ مُعَلِّمي عني، ولا تُذهِبْ بَرَكةَ عِلمِه منِّي) . وقال ابنُ عُثَيمين: (وإذا كان الأنبياءُ لهم حَقَّ التَّبجيلِ والتَّعظيمِ والتَّكريمِ، فلمن ورَثَهم نصيبٌ من ذلك... وبتوقيرِ العُلَماءِ تُوَقَّرُ الشَّريعةُ؛ لأنَّهم حامِلوها، وبإهانةِ العُلَماءِ تُهانُ الشَّريعةُ؛ لأنَّ العُلَماءَ إذا ذلُّوا وسقطوا أمامَ أعيُنِ النَّاسِ ذلَّت الشَّريعةُ التي يحمِلونها، ولم يَبْقَ لها قيمةٌ عِندَ النَّاسِ، وصار كُلُّ إنسانٍ يحتَقِرُهم ويزدريهم، فتضيعُ الشَّريعةُ، كما أنَّ وُلاةَ الأمرِ مِن الأمراءِ والسَّلاطينِ يَجِبُ احترامُهم وتوقيرُهم وتعظيمُهم وطاعتُهم، حَسَبَ ما جاءت به الشَّريعةُ؛ لأنَّهم إذا احتُقِروا أمامَ النَّاسِ، وأُذِلُّوا، وهُوِّن أمرُهم؛ ضاع الأمنُ، وصارت البلادُ فوضى، ولم يكُنْ للسُّلطانِ قُوَّةٌ ولا نفوذٌ) . وقيل: (توقيرُ حَمَلةِ الشَّرعِ وحُماتِه من توقيرِ اللَّهِ سُبحانَه وتعالى، فكُلُّ ما يَشرُفُ بالإضافةِ إلى اللَّهِ تعالى فإنَّ حَقَّه التَّعظيمُ والتَّوقيرُ) . 5- احترامُ وتوقيرُ طَلَبةِ العِلمِ الذين سلَكوا سبيلَه وسَعَوا في تحصيلِه، ومن احترامِهم إنزالُهم منزلةً تليقُ بهم وبالعِلمِ الذي يطلبونَه، دونَ التَّنقُّصِ منهم أو الاستخفافِ بجُهدِهم، أو الحَطِّ من شأنِهم ولو كانوا صغارًا، فإنَّما رفعهم العلمُ الذي يَطلُبونَه. قال السَّجزيُّ: (فالمتَّبعُ للأثَرِ يجِبُ تقدُّمُه وإكرامُه، وإن كان صغيرَ السِّنِّ غيرَ نَسيبٍ، والمخالِفُ له يلزَمُ اجتنابُه وإن كان مُسِنًّا شريفًا) . وقال ابنُ القَيِّمِ: (النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أوصى بطَلَبةِ العِلمِ خيرًا، وما ذاك إلَّا لفَضلِ مطلوبِهم وشَرَفِه) . وبوَّب الخطيبُ البغداديُّ في الجامعِ: (بابُ توقيرِ المحَدِّثِ طَلَبةَ العِلمِ، وأخذِه نفسَه بحُسنِ الاحتمالِ لهم والحِلمِ) ، وذَكَر تحتَ هذا البابِ فُصولًا كثيرةً في احترامِ وتوقيرِ طلبةِ العِلمِ. 6- احترامُ وتوقيرُ الوالدَينِ؛ فقد أكَّد الإسلامُ على ضرورةِ توقيرِ الوالِدَين، والإحسانِ إليهما والاعتناءِ بهما ولو كانا كافِرَينِ، وحرَّم الإساءةَ إليهما بأيِّ صورةٍ كانت وجَرَّمَها. قال تعالى: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا [لقمان: 15] ، فالإنسانُ مأمورٌ بتوقيرِ والِدَيه واحترامِهما حتَّى وإن طلبا منه الدُّخولَ في الكُفرِ والشِّركِ، مع عَدَمِ طاعتِهما في ذلك، ثمَّ بَيَّنَ اللَّهُ تعالى الطَّريقةَ العَمَليَّةَ لبِرِّهما وتوقيرِهما، فقال: وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا فلفظُ المصاحبةِ يدُلُّ على التَّرفُّقِ والرَّحمةِ بهما مع التَّوقيرِ الكامِلِ لهما، ثمَّ يكونُ التَّوقيرُ والمصاحبةُ بالمعروفِ . وفي آياتٍ أُخرى أمَر اللَّهُ سُبحانَه بتوقيرِ الوالِدَين خاصَّةً، وبيَّن صُوَرًا عمليَّةً لكيفيَّةِ توقيرِهما، فقال سُبحانَه: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا [الإسراء: 23 - 24] ، فمِن مظاهِرِ التَّوقيرِ للوالِدَين توقيرُهما بالقَولِ الحَسَنِ الكريمِ، وعَدَمُ التَّلفُّظِ بما يدُلُّ على الضَّجَرِ، ثمَّ التَّوقيرُ والاحترامُ بالفِعلِ، بلِينِ الجانِبِ والتَّذلُّلِ لهما مع الرَّحمةِ بهما، ثمَّ بالدُّعاءِ لهما بأن يرحمَهما اللَّهُ جزاءً وِفاقًا على تربيتِهما لأبنائِهم . قال حَنبَلٌ: (كانت كُتُبُ أبي عبدِ اللَّهِ أحمدَ بنِ حَنبَلٍ التي يكتُبُ بها: من فلانٍ إلى فلانٍ، فسألتُه عن ذلك، فقال: رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كتَبَ إلى كِسرى وقيصَرَ، وكتَب كُلَّ ما كَتَب على ذلك، وأصحابُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وعَمرٌو كَتَب إلى عُتبةَ بنِ فَرقَدٍ، وهذا الذي يكتُبُ اليومَ: لفلانٍ، مُحدَثٌ لا أعرِفُه، قلتُ: فالرَّجُلُ يبدأُ بنفسِه؟ قال: أمَّا الأبُ فلا أحِبُّ إلَّا أن يُقَدِّمَه باسمِه، ولا يبدَأْ وَلَدٌ باسمِه على والِدٍ، والكبيرُ السِّنِّ كذلك يُوَقِّرُه به) . 7- احترامُ وتوقيرُ الكبيرِ؛ فقد أعطى الإسلامُ الكبيرَ حَقَّه من الشَّرَفِ والتَّقديرِ والتَّوقيرِ، ومِن مظاهِرِ احترامِه التَّوسِعةُ له في المجلِسِ وتقديمُه، وخَفضُ الصَّوتِ عِندَ التَّحدُّثِ إليه، وإلانةُ القولِ له وإكرامُه والشَّفَقةُ عليه، والبَدءُ بالسَّلامِ عليه. يقولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن لم يرحَمْ صغيرَنا، ويَعرِفْ حَقَّ كبيرِنا، فليس منَّا)) . 8- احترامُ المُسلِمِ لأخيه المُسلِمِ وتوقيرُه بحِفظِه في غَيبتِه، وعَدَمُ الإساءةِ إليه، وإلقاءُ السَّلامِ عليه، ونُصحُه، واستعمالُ الرِّفقِ والحِلمِ واللِّينِ والسَّماحةِ معه. عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه، أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((حقُّ المُسلِمِ على المُسلِمِ سِتٌّ. قيل: ما هنَّ يا رسولَ اللَّهِ؟ قال: إذا لَقِيتَه فسَلِّمْ عليه، وإذا دعاك فأجِبْه، وإذا استنصَحَك فانصَحْ له، وإذا عَطَس فحَمِدَ اللَّهَ فسَمِّتْه، وإذا مَرِضَ فعُدْه، وإذا مات فاتَّبِعْه)) . قال الصَّنعانيُّ: (اعلَمْ أنَّه ذَكَر في هذا سِتَّةَ حُقوقٍ، ومفهومُ عَدَدِه غيرُ مرادٍ؛ فإنَّ له حقوقًا غيرَها) . والحذَرُ من الوقوعِ في عِرضِه باغتيابِه أو سَبِّه أو تحقيرِه أو فِعلِ ما يؤذيه، إلى غيرِ ذلك؛ فعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((أتدرون ما الغِيبةُ؟ قالوا: اللهُ ورسولُه أعلَمُ، قال: ذِكْرُك أخاك بما يَكرَهُ، قيل: أفرأَيتَ إن كان في أخي ما أقولُ؟ قال: إن كان فيه ما تقولُ فقد اغتَبْتَه، وإنْ لم يكُنْ فيه فقد بهَتَّه)) . وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: قال رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((المُسلِمُ أخو المُسلِمِ، لا يَظلِمُه ولا يَخذُلُه ولا يَحقِرُه)) . قال القاريُّ: (أي: لا يحتَقِرُه بذِكرِ المعايِبِ، وتنابُزِ الألقابِ، والاستهزاءِ والسُّخريَّةِ إذا رآه رَثَّ الحالِ، أو ذا عاهةٍ في بدَنِه، أو غيرَ لائقٍ في محادثتِه، فلعَلَّه أخلَصُ ضميرًا وأتقى قلبًا ممَّن هو على ضِدِّ صِفتِه، فيَظلِمُ نفسَه بتحقيرِ مَن وَقَّره اللَّهُ) . وعن ابنِ مسعودٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((سِبابُ المُسلِمِ فُسوقٌ، وقِتالُه كُفرٌ)) . قال القُرطبيُّ: (قولُه: ((سبابُ المُسلِمِ فُسوقٌ))، أي: خروجٌ عن الذي يجِبُ من احترامِ المُسلِمِ، وحُرمةِ عِرضِه وسَبِّه) . وعن عبدِ اللَّهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنهما، أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال : ((إذا كانوا ثلاثةً فلا يتناجى اثنانِ دونَ الثَّالِثِ)) . ومن ذلك احترامُ ظُروفِ النَّاسِ وحاجاتِهم ومراعاةُ مَرَضِ المريضِ منهم؛ فعن أبي مسعودٍ الأنصاريِّ قال: ((أتى رجلٌ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: إنِّي لَأتأخَّرُ عن صَلاةِ الغَداةِ من أجلِ فُلانٍ؛ ممَّا يُطيلُ بنا فيها، قال: فما رأيتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قَطُّ أشَدَّ غضبًا في موعظةٍ منه يومَئِذٍ! ثُمَّ قال: يا أيُّها النَّاسُ، إنَّ مِنكم مُنَفِّرينَ، فأيُّكم ما صلَّى بالنَّاسِ فلْيُوجِزْ؛ فإنَّ فيهم الكَبيرَ والضَّعيفَ وذا الحاجةِ)) . ومن ذلك احترامُ الأُمِّيِّ والمخطِئِ، والرِّفقُ بهما وتعليمُهما دونَ جَرحِ مَشاعِرِهما: عن معاويةَ بنِ الحَكَمِ السُّلَميِّ، قال: ((بينا أنا أُصَلِّي مع رسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذ عَطَس رجُلٌ من القومِ، فقُلتُ: يرحمُك اللَّهُ! فرماني القومُ بأبصارِهم، فقُلتُ: واثُكْلَ أُمِّيَاه! ما شأنُكم تَنظُرون إليَّ؟! فجَعَلوا يَضرِبون بأيديهم على أفخاذِهم، فلمَّا رأيتُهم يُصَمِّتُونني لكِنِّي سكَتُّ، فلمَّا صلَّى رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم... قال: إنَّ هذه الصَّلاةَ لا يَصلُحُ فيها شيءٌ من كلامِ النَّاسِ، إنَّما هو التَّسبيحُ والتَّكبيرُ وقراءةُ القرآنِ)) . ومن ذلك الاحترامُ في المجالِسِ؛ فعن عبدِ اللَّهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنهما، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أنَّه نهى أن يُقامَ الرَّجُلُ من مجلِسِه، ويجلِسَ فيه آخَرُ، ولكِنْ تَفَسَّحوا وتوَسَّعوا))، وكان ابنُ عُمَرَ يكرَهُ أن يقومَ الرَّجُلُ من مجلِسِه ثمَّ يجلِسَ مكانَه . وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ [المجادلة: 11] ، أي: إذا قيل لكم: توسَّعوا في المجالِسِ ليَجلِسَ آخرون معكم، فوسِّعوا لهم؛ فإنَّكم إن فعَلْتُم ذلك يوسِّعِ اللَّهُ عليكم في الدُّنيا والآخرةِ . إلى غيرِ ذلك من مظاهِرِ الاحترامِ والتَّوقيرِ والتَّبجيلِ بَيْنَ المُسلِمِ وأخيه المُسلِمِ. بل يمتدُّ ذلك إلى احترامِ الأمواتِ، وفي الحديثِ: ((لا تَسُبُّوا الأمواتَ؛ فإنَّهم قد أفضَوا إلى ما قدَّموا)) . وعن عَمرِو بنِ حَزمٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: ((رآني رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأنا متَّكِئٌ على قبرٍ، فقال: لا تؤذِ صاحِبَ القبرِ)) . 9- الاحترامُ والتَّوقيرُ بَيْنَ الزَّوجينِ، وأساسُ هذا الاحترامِ أن يَسكُنَ كُلُّ طَرَفٍ إلى شريكِه، ويُعَظِّمَ حَسَناتِه، ويتغاضى عن سيِّئاتِه ما أمكَن، وأن يكونَ أساسُ تعامُلِهما بالمعروفِ والإحسانِ، ويُغَلِّبا جانِبَ المودَّةِ والرَّحمةِ فيما بَيْنَهما على ما يقعُ من خلافاتٍ قلَّما يخلو منها بيتٌ. قال تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الروم: 21] . فينبغي أن يُعلَمَ (أنَّ الزَّواجَ هو أهَمُّ مُقَوِّماتِ الحياةِ، والمتمِّمُ للوظائِفِ الحيويَّةِ، والحافِظُ للجامعةِ البَشَريَّةِ من الانقراضِ والزَّوالِ بإذنِ اللَّهِ، وأساسٌ لتقديرِ المرءِ في الهيئةِ الاجتماعيَّةِ، وقِوامُه وجودُ الألفةِ والتَّحابُبِ والاحترامِ والتَّوقيرِ بَيْنَ الزَّوجينِ، وبه يحصُلُ التَّعاوُنُ والتَّعاضُدُ والتَّآلفُ والتَّآزُرُ بَيْنَ الأُسَرِ المتناسِبةِ؛ بسَبَبِ ما تمَّ بينها من المصاهرةِ المقَرِّبةِ للبعيدِ، والمحَبِّبةِ للقريبِ، والمُدْنيةِ للأجنَبيِّ) . 10- ومن ذلك احترامُ الجارِ لجارِه، والنُّصوصُ في حَقِّ الجارِ والوصيَّةُ به معلومةٌ مشهورةٌ. 11- احترامُ الضُّعَفاءِ والمساكينِ والخَدَمِ، وحُسنُ معاملتِهم، وعَدَمُ الاستخفافِ بهم أو الإساءةِ إليهم. فعن أبي مسعودٍ البَدريِّ رَضِيَ اللَّهُ عنه، لمَّا ضَرَب غلامَه قال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((اعلَمْ أبا مسعودٍ أنَّ اللَّه أقدَرُ عليك منك على هذا الغُلامِ!)) . وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه ((أنَّ امرأةً سوداءَ كانت تَقُمُّ المسجِدَ -أو شابًّا- ففَقَدها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فسأل عنها -أو عنه- فقالوا: مات، قال: أفلا كنتُم آذنْتُموني، قال: فكأنَّهم صغَّروا أمرَها -أو أمرَه- فقال: دُلُّوني على قَبرِه، فدَلُّوه، فصلَّى عليها)) . 12- احترامُ المرأةِ؛ قال عُمَرُ: (واللَّهِ إنْ كُنَّا في الجاهليَّةِ ما نَعُدُّ للنِّساءِ أمرًا، حتَّى أنزل اللَّهُ تعالى فيهِنَّ ما أنزَلَ، وقسَمَ لهنَّ ما قَسَم) ، والنُّصوصُ في الوصيَّةِ بالمرأةِ أُمًّا وزوجةً وبنتًا، وصلةِ الأرحامِ: كثيرةٌ معلومةٌ. ( يتبع ) |
نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا ! و ليتني ما أرضيت سواي ! على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات ! |
يوم أمس, 09:27 AM | #25 |
|
رد: الأخلاق المحمودة في الإسلام ( متجدد )
تابع – الاحترام والتوقير
موانِعُ اكتسابِ الاحترامِ والتَّوقيرِ 1- الكِبرُ والخُيَلاءُ من الصِّفاتِ المانعةِ من الاحترامِ بَيْنَ النَّاسِ. 2- التَّعدِّي على أموالِ النَّاسِ وأعراضِهم. 3- العُبوسُ والتَّقطيبُ في وُجوهِ النَّاسِ. 4- اغتيابُ النَّاسِ ورَميُهم بالكَذِبِ والبُهتانِ. 5- الشُّحُّ والبُخلُ مَدعاةٌ لمقتِ البخيلِ الشَّحيحِ، وعَدَمِ توقيرِه أو الهيبةِ له. 6- الجَفاءُ وتَركُ التَّواصُلِ بَيْنَ النَّاسِ يكونُ سَبَبًا يحولُ دونَ استدامةِ الوُدِّ، بل يمنَعُ التَّوقيرَ والتَّبجيلَ. 7- الخُصوماتُ والنِّزاعاتُ عائِقٌ دونَ الوصولِ إلى المحبَّةِ المؤدِّيةِ إلى الاحترامِ والتَّوقيرِ. 8- الجَهلُ بأهمِّيَّةِ الاحترامِ والتَّقديرِ وما له من فوائِدَ. 9- سُوءُ الخُلُقِ. 10- إهمالُ تربيةِ الصِّغارِ على هذا الخُلُقِ. الوسائِلُ المعينةُ على الاحترامِ والتَّوقيرِ 1- قَبولُ الغَيرِ في أقوالِه وأفعالِه واختياراتِه بما لا يتنافى مع أصلٍ من أصولِ الشَّريعةِ. 2- تركُ السُّخريَّةِ والاستهزاءِ بالغَيرِ. 3- تركُ الغِيبةِ والبُهتانِ. 4- التَّواضُعُ وتَركُ الكِبرِ. 5- تذكُّرُ كِبَرِ السِّنِّ وتقَدُّمِ العُمُرِ. 6- إلقاءُ السَّلامِ وإفشاؤه بَيْنَ النَّاسِ والتَّبسُّمُ في الوُجوهِ. 7- السَّعيُ في حاجةِ الآخَرين وبَذلُ النُّصحِ لهم. 8- معرفةُ أقدارِ النَّاسِ ومنازِلِهم. 9- معرفةُ الفوائِدِ والثِّمارِ المترَتِّبةِ على الاحترامِ والتَّوقيرِ للنَّاسِ. 10- أن يُحِبَّ المُسلِمُ لأخيه ما يحِبُّه لنفسِه، فكما يحِبُّ أن يُوَقِّرَه النَّاسُ ويحتَرِموه، فعليه أن يحتَرِمَهم ويوقِّرَهم؛ فعن أنسِ بنِ مالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لا يؤمِنُ أحَدُكم حتَّى يحِبَّ لأخيه ما يحِبُّ لنفسِه)) من كُلِّ خيرٍ دينيٍّ ودُنيويٍّ . 11- التَّربيةُ من الصِّغَرِ على الاحترامِ والتَّوقيرِ. 12- الصُّحبةُ الصَّالحةُ. 13- التَّحَلِّي بالأخلاقِ الحَسَنةِ، والبُعدُ عن مساوئِ الأخلاقِ. ( يتبع ) |
نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا ! و ليتني ما أرضيت سواي ! على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات ! |
يوم أمس, 09:32 AM | #26 |
|
رد: الأخلاق المحمودة في الإسلام ( متجدد )
تابع – الاحترام والتوقير
نماذج من الاحترام والتوقير أ- عِندَ الأنبياءِ والمُرسَلينَ إبراهيمُ عليه السَّلامُ: وقد تجلَّى احترامُ إبراهيمَ عليه السَّلامُ تجلِّيًا واضِحًا في تعامُلِه مع أبيه، فلم يَحُلْ كُفرُ أبيه دونَ أن يعامِلَه معاملةً تَدُلُّ على احترامِه له وتوقيرِه؛ قال تعالى: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا * يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا * قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا * قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا [مريم: 41 - 47] . وهكذا استعمل إبراهيمُ عليه السَّلامُ أُسلوبًا رقيقًا مع أبيه يدُلُّ على بالغِ الاحترامِ والرَّغبةِ في النُّصحِ والنَّفعِ، رَغْمَ إغلاظِ أبيه له في القَولِ. وقد (صَدَّر كُلَّ نصيحةٍ بقَولِه: يَا أَبَتِ توسُّلًا إليه واستِعطافًا وإشعارًا بوجوبِ احترامِ الأبِ وإن كان كافِرًا) . موسى عليه السَّلامُ: من النَّماذِجِ العَمَليَّةِ على توقيرِ العُلَماءِ ما ورد في قِصَّةِ نبيِّ اللَّهِ موسى مع الخَضِرِ عليهما السَّلامُ؛ قال اللَّهُ تعالى: قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا [الكهف: 66] فيه دليلٌ على حُسنِ التَّلَطُّفِ والاستنزالِ، والأدَبِ في طَلَبِ العِلمِ، أخرَج الكلامَ بصورةِ الملاطفةِ والمشاورةَ، وأنَّك هل تأذنُ لي في ذلك أو لا، وإقرارُه بأنَّه يتعلَّمُ منه، بخلافِ ما عليه أهلُ الجفاءِ أو الكِبرِ، لا يُظهِرُ الواحِدُ منهم للمُعلِّمِ افتقارَه إلى عِلمِه، بل يدَّعي أنَّه يتعاونُ هو وإيَّاه، بل ربَّما ظنَّ أنَّه يُعَلِّمُ معلِّمَه، وهو جاهلٌ جدًّا، فالذُّلُّ للمُعَلِّمِ، وإظهارُ الحاجةِ إلى تعليمِه، مِن أنفعِ شيءٍ للمُتعلِّمِ . فموسَى عليه السَّلامُ راعى في ذلك غايةَ التَّواضُعِ والأدَبِ، فاستجهَل نفْسَه، واستأذَن أن يَكونَ تابِعًا له، وسأَل مِنه أن يُرشِدَه ويُنعِمَ عليه بتَعليمِ بعضِ ما أنعَم اللَّهُ عليه ! وفي هذه القِصَّةِ من الأدَبِ والفِقهِ: التَّذَلُّلُ، والتَّواضُعُ للعالمِ، وبَينَ يديه، واستئذانُه في سؤالِه، والمبالغةُ في احترامِه وإعظامِه، ومَن لم يفعَلْ هكذا فليس على سُنَّةِ الأنبياءِ ولا على هَدْيِهم . ب- نماذِجُ من الاحترامِ والتَّوقيرِ عِندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم توقيرُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم للكَبيرِ: 1- عن سَهلِ بنِ سَعدٍ السَّاعديِّ رَضِيَ اللَّهُ عنه: ((أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أُتِيَ بشرابٍ فشَرِب منه، وعن يمينِه غلامٌ، وعن يسارِه الأشياخُ، فقال للغُلامِ: أتأذَنُ لي أن أعطيَ هؤلاء؟ فقال الغلامُ: واللَّه يا رسولَ اللَّهِ لا أوثِرُ بنصيبي منك أحَدًا! قال: فتَلَّه -أي: وضَعَه- رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في يَدِه)) . فالنَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم استأذن الغلامَ في أن يبدأَ بالأشياخِ توقيرًا لهم وتقديرًا لسِنِّهم، لكِنَّه مع ذلك لمَّا امتنع الغلامُ احترم حقَّه؛ لأنَّه كان على اليمينِ، والأيمَنُ في الشُّربِ ونحوِه يُقَدَّمُ وإن كان صغيرًا أو مفضولًا؛ لذا أعطاه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الشَّرابَ. 2- روت عائشةُ أمُّ المُؤمِنين رَضِيَ اللَّهُ عنها فقالت: ((ما رأيتُ أحَدًا أشبَهَ سَمتًا ودَلًّا وهَدْيًا برسولِ اللَّهِ في قيامِها وقُعودِها من فاطمةَ بنتِ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قالت: وكانت إذا دخَلَت على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قام إليها فقَبَّلَها وأجلَسَها في مجلِسِه، وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا دخَل عليها قامت من مجلِسِها فقبَّلَتْه وأجلسَتْه في مجلِسِها)) . وعن سَهلِ بنِ أبي حَثمةَ، قال: ((انطلَقَ عبدُ اللهِ بنُ سَهلٍ، ومُحيِّصةُ بن مسعُود بن زيدٍ، إلى خيبرَ، وهي يومئذٍ صُلحٌ، فتفرَّقا فأتى مُحيِّصةُ إلى عبدِ اللهِ بنِ سَهلٍ وهو يتَشَحَّطُ في دَمِه قتيلًا، فدَفَنه ثُمّ قَدِم المدينةَ، فانطَلَق عبدُ الرَّحمنِ بنُ سهلٍ، ومُحيِّصةُ وحُوَيِّصةُ ابنا مسعُودٍ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فذهب عبدُ الرَّحمنِ يتكلَّمُ فقال: كَبِّرْ كَبِّرْ، وهو أحدثُ القومِ، فسكتَ فتكلَّما، فقال: تحلِفُون وتستحقُّون قاتلَكُم، أو صاحِبَكم، قالوا: وكيف نحلِفُ ولم نشهَدْ ولم نَرَ؟ قال: فتُبريكُم يهُودُ بخمسينَ، فقالوا: كيف نأخُذُ أيمانَ قومٍ كُفَّارٍ، فعَقَله النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن عِندِه)) . («كَبِّرْ كَبِّرْ» معناه: ليتكَلَّمِ الأكبَرُ، وأكَّده بالتَّكريرِ؛ تنبيهًا على شَرَفِ السِّنِّ) . ج- نماذِجُ مِن صُوَرِ الاحترامِ والتَّوقيرِ عِندَ الصَّحابةِ توقيرُ الصَّحابةِ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: قال اللَّه تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ [النور: 62] . 1- عن المِسْوَرِ بنِ مَخْرَمةَ، ومَرْوانَ بنِ الحَكَمِ في حديثِ صُلحِ الحُدَيبيَةِ: (ثمَّ إنَّ عُروةَ جَعَل يرمُقُ أصحابَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بعينيه، قال: فواللَّهِ ما تنَخَّم رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نُخامةً إلَّا وقَعَت في كَفِّ رَجُلٍ منهم، فدَلَك بها وَجْهَه وجِلْدَه! وإذا أمَرَهم ابتَدَروا أمرَه، وإذا توضَّأ كادوا يقتَتِلون على وَضوئِه، وإذا تكَلَّم خَفَضوا أصواتَهم عندَه، وما يُحِدُّون إليه النَّظَرَ تعظيمًا له، فرَجَع عُروةُ إلى أصحابِه، فقال: أيْ قَومِ، واللَّهِ لقد وفَدتُ على الملوكِ، ووفَدتُ على قَيصَرَ وكِسرى والنَّجاشيِّ، واللَّهِ إنْ رأيتُ مَلِكًا قَطُّ يُعَظِّمُه أصحابُه ما يُعَظِّمُ أصحابُ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم محمَّدًا، واللَّهِ إنْ تنخَّمَ نُخامةً إلَّا وقَعَت في كَفِّ رجُلٍ منهم، فدَلَك بها وَجْهَه وجِلدَه، وإذا أمَرهم ابتدَروا أمرَه، وإذا توضَّأ كادوا يقتَتِلون على وَضوئِه، وإذا تكَلَّم خَفَضوا أصواتَهم عندَه، وما يُحِدُّون إليه النَّظَرَ تعظيمًا له) . وفي القِصَّةِ نفسِها أنَّ عُروةَ بنَ مَسعودٍ (جَعَل يُكَلِّمُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فكلَّما تكَلَّم أخَذ بلِحيتِه، والمُغيرةُ بنُ شُعبةَ قائِمٌ على رأسِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ومعه السَّيفُ وعليه المِغفَرُ، فكُلَّما أهوى عُروةُ بيَدِه إلى لحيةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ضَرَب يَدَه بنَعلِ السَّيفِ، وقال له: أخِّرْ يَدَك عن لحيةِ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) . 2- عن عَمرِو بنِ العاصِ رَضِيَ اللَّهُ عنه: (وما كانَ أحَدٌ أحَبَّ إلَيَّ من رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولا أجَلَّ في عَينِي منه، وما كُنتُ أُطيقُ أن أملأَ عَينَيَّ منه إجلالًا له، ولو سُئِلتُ أن أصِفَه ما أطَقتُ؛ لأنِّي لم أكُنْ أملأُ عَينَيَّ منه) . - وعن أبي أيُّوبَ رَضِيَ اللَّهُ عنه: ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نَزَل عليه، فنَزَل النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في السُّفْلِ، وأبو أيُّوبَ في العُلْوِ، فانتبه أبو أيُّوبَ ذاتَ ليلةٍ، فقال: نمشي فوقَ رأسِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم! فتنَحَّوا، فباتوا في ناحيةٍ، ثمَّ قال للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: السُّفْلُ أرفَقُ، فقال: لا أعلو سَقيفةً أنت تحتَها، فتحوَّل النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في العُلْوِ، وأبو أيُّوبَ في السُّفْلِ، وكان يصنَعُ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم طعامًا، فإذا رُدَّ إليه سألَ عن موضِعِ أصابعِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فيتتَبَّعُ موضِعَ أصابعِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فصَنَع له طعامًا فيه ثُومٌ، فلمَّا رُدَّ إليه سأل عن موضِعِ أصابعِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقيل له: إنَّه لم يأكُلْ منه، فصَعِدَ إليه فقال: أهو حرامٌ؟ قال: لا، ولكنِّي أكرَهُه، قال: فإنِّي أكرَهُ ما تكرَهُ، أو ما كَرِهْتَ)) . - وعن البراءِ بنِ عازبٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما قال: (إنْ كان ليأتي عَلَيَّ السَّنةُ أريدُ أن أسأَلَ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن شَيءٍ فأتهَيَّبُ منه) . ( يتبع ) |
نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا ! و ليتني ما أرضيت سواي ! على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات ! |
يوم أمس, 09:35 AM | #27 |
|
رد: الأخلاق المحمودة في الإسلام ( متجدد )
تابع – الاحترام والتوقير
نماذج من الاحترام والتوقير توقيرُ الصَّحابةِ بعضِهم بعضًا: قال اللَّهُ تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا [الفتح: 29] . 1- عن عبدِ اللهِ بن عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ من الشَّجَرِ شَجَرةً لا يسقُطُ وَرَقُها، وإنَّها مِثلُ المُسلِمِ، فحَدِّثوني ما هي؟ فوقع النَّاسُ في شَجَرِ البوادي، قال عبدُ اللهِ: ووقع في نفسي أنَّها النَّخلةُ، فاستحَيَيتُ. ثمَّ قالوا: حَدِّثْنا ما هي يا رسولَ اللهِ؟ قال: فقال: هي النَّخلةُ. قال: فذَكَرْتُ ذلك لعُمَرَ، قال: لأن تكونَ قُلتَ: هي النَّخلةُ، أحَبُّ إليَّ مِن كذا وكذا)) . فابنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنهما ما منعه من الكلامِ إلَّا احترامُه لأصحابِ رَسولِ اللَّهِ وتوقيرِه لهم فإنَّه لمَّا رآهم سكَتوا سكَتَ ولم يتكَلَّمْ بَيْنَ أيديهم. واللَّهُ أعلَمُ. 2- عن سَمُرةَ بنِ جُندَبٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: (لقد كنتُ على عَهدِ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم غلامًا، فكنتُ أحفَظُ عنه، فما يمنعُني من القولِ إلَّا أنَّ هاهنا رجالًا هم أسَنُّ منِّي) . وعن أنسِ بنِ مالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: (خرجتُ مع جريرِ بنِ عَبدِ اللَّهِ البَجَليِّ في سَفَرٍ فكان يَخدُمُني، فقُلتُ له: لا تفعَلْ، فقال: إنِّي قد رأيتُ الأنصارَ تصنَعُ برَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم شيئًا، آليتُ ألَّا أصحَبَ أحدًا منهم إلَّا خدَمتُه) . 3- عن أبي سَلَمةَ، عن ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما: (أنَّه أخَذ برِكابِ زَيدِ بنِ ثابِتٍ، فقال له: تَنَحَّ يا ابنَ عَمِّ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: إنَّا هكذا نفعَلُ بكُبَرائِنا وعُلَمائِنا) . وعن ابنِ مسعودٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه قال: (لمَّا قُبِض رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قالت الأنصارُ: مِنَّا أميرٌ ومنكم أميرٌ. فأتاهم عُمَرُ فقال: ألستُم تعلَمونَ أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قد أمَر أبا بكرٍ أن يُصَلِّيَ بالنَّاسِ، فأيُّكم تطيبُ نفسُه أن يتقَدَّمَ أبا بكرٍ؟ قالوا نعوذُ باللَّهِ أن نتقَدَّمَ أبا بكرٍ) . - وعن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما قال: (لمَّا قُبِض رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قُلتُ لرجُلٍ من الأنصارِ: هَلُمَّ فلْنَسألْ أصحابَ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فإنَّهم اليومَ كثيرٌ، فقال: واعجَبًا لك يا ابنَ عبَّاسٍ! أترى النَّاسَ يفتَقِرون إليك وفي النَّاسِ مِن أصحابِ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَن فيهم؟! قال: فتركتُ ذاك وأقبلتُ أسألُ أصحابَ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وإن كان يبلُغُني الحديثُ عن الرَّجُلِ فآتي بابَه وهو قائِلٌ فأتوسَّدُ ردائي على بابِه يَسفي الرِّيحُ عَلَيَّ من التَّرابِ، فيخرُجُ فيراني فيقولُ: يا ابنَ عَمِّ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما جاءَ بك؟ هلَّا أرسَلْتَ إليَّ فآتيَك؟ فأقول: لا، أنا أحَقُّ أن آتيَك، قال: فأسألُه عن الحديثِ، فعاش هذا الرَّجُلُ الأنصاريُّ حتَّى رآني وقد اجتمَع النَّاسُ حولي يسألوني، فيقولُ: هذا الفتى كان أعقَلَ منِّي!) . توقيرُ أمِّ الدَّرداءِ لزَوجِها: - عن أمِّ الدَّرداءِ قالت: حدَّثني سَيِّدي أنَّه سَمِع رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: ((مَن دعا لأخيه بظَهرِ الغَيبِ قال الملَكُ الموكَّلُ به: آمينَ، ولك بمِثلٍ)) . قال القاضي عِياضٌ: (وقولُ أمِّ الدَّرداءِ: حدَّثني سيِّدي أنَّه سمع رسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، يعنى أبا الدَّرداءِ. فيه جوازُ دعوى المرأةِ زَوجَها سيِّدي، وتعظيمُ المرأةِ زوجَها وتوقيرُه) . وقالت امرأةُ سَعيدِ بنِ المُسَيِّبِ: (ما كُنَّا نُكَلِّمُ أزواجَنا إلَّا كما تُكَلِّمون أمراءَكم: أصلحَك اللَّهُ، عافاك اللَّهُ) . د- نماذِجُ من الاحترامِ والتَّوقيرِ عِندَ السَّلَفِ توقيرُ العُلَماءِ: 1- ضَرَب السَّلَفُ الصَّالحُ أروَعَ النَّماذِجِ في توقيرِ العُلَماءِ وإجلالِهم، ومن ذلك ما رواه إدريسُ بنُ عبدِ الكريمِ، قال: (قال لي سَلَمةُ بنُ عاصِمٍ: أريدُ أن أسمعَ كِتابَ العَدَدِ من خَلَفٍ، فقلتُ لخَلَفٍ: قال: فليَجِئْ، فلمَّا دخل رفعَه لأن يجلِسَ في الصَّدرِ، فأبى، وقال: لا أجلِسُ إلَّا بَيْنَ يدَيك، وقال: هذا حَقُّ التَّعليمِ، فقال له خَلَفٌ: جاءني أحمدُ بنُ حنبَلٍ يسمَعُ حديثَ أبي عَوانةَ، فاجتهَدْتُ أن أرفَعَه، فأبى وقال: لا أجلِسُ إلَّا بَيْنَ يديك، أُمِرْنا أن نتواضَعَ لِمن نتعَلَّمُ منه) ، وهكذا كان العُلَماءُ يُوَقِّرُ بعضُهم بعضًا ويُظهِرون هذا التَّبجيلَ والاحترامَ أمامَ النَّاسِ وأمامَ الطُّلَّابِ؛ ليتعَلَّموا ويأخُذوا منهم القُدوةَ. 2- عن عبدِ اللَّهِ بنِ أحمدَ بنِ حَنبَلٍ قال: (رأيتُ أبي إذا جاء الشَّيخُ والحَدَثُ من قُرَيشٍ أو غيرُهم من الأشرافِ، لم يخرُجْ من بابِ المسجِدِ حتَّى يخرِجَهم، فيكونوا هم يتقَدَّمونه، ثمَّ يخرُجُ مِن بَعدِهم) ، وقال المَرُّوذيُّ: (رأيتُه جاء إليه مولى ابنِ المبارَكِ، فألقى له مخدَّةً وأكرمَه، وكان إذا دخَل عليه مَن يَكرُمُ عليه يأخُذُ المخدَّةَ من تحتِه فيُلقيها له). وقال: (وكان أبو عبدِ اللَّهِ من أشَدِّ النَّاسِ إعظامًا لإخوانِه ومن هو أسَنُّ منه، لقد جاءه أبو همَّامٍ راكبًا على حمارٍ، فأخَذ له أبو عبدِ اللَّهِ بالرِّكابِ! ورأيتُه فَعَل هذا بمن هو أسَنُّ من الشُّيوخِ) . 3- روى معاذُ بنُ سعيدٍ، قال: (كنَّا عِندَ عطاءِ بنِ أبي رَباحٍ، فتحدَّث رجُلٌ بحديثٍ فاعترَضَ له آخَرُ في حديثِه، فقال عطاءٌ: سُبحانَ اللَّهِ! ما هذه الأخلاقُ؟ ما هذه الأحلامُ؟ إنِّي لأسمعُ الحديثَ مِن الرَّجُلِ وأنا أعلَمُ منه، فأُريهم من نفسي أنِّي لا أحسِنُ منه شيئًا!) ، فينبغي أن يسودَ الاحترامُ بَيْنَ السَّامِعِ والمستمَعِ، فلا يقاطِعَ حديثَه ولا يعارِضَه حتَّى ينتهيَ من كلامِه. - وعن هِشامِ بنِ سُلَيمانَ المخزوميِّ: أنَّ عَليَّ بنَ عبدِ اللَّهِ بنِ العَبَّاسِ: (كان إذا قَدِم حاجًّا مكَّةَ أو معتَمِرًا عطَّلَت قُرَيشٌ مجالِسَها في المسجِدِ الحرامِ، وهجَرَت مواضِعَ حِلَقِها، ولزِمَت مجلِسَ عليِّ بنِ عبدِ اللَّهِ إعظامًا وإجلالًا وتبجيلًا، فإن قَعَد قَعَدوا، وإن نَهَض نَهَضوا، وإن مشى مشَوا جميعًا حولَه، وكان لا يُرى لقُرشيٍّ في المسجِدِ الحرامِ مجلِسُ ذِكرٍ يُجتَمَعُ إليه حتَّى يخرُجَ عليُّ بنُ عبدِ اللَّهِ مِن الحَرَمِ) . - وعن بِشرِ بنِ الحارِثِ قال: (سأل رجُلٌ ابنَ المبارَكِ عن حديثٍ وهو يمشي، قال: ليس هذا من توقيرِ العِلمِ) قال بِشرٌ: فاستحسَنْتُه جِدًّا . - وقال الرَّبيعُ صاحِبُ الشَّافعيِّ: (ما اجتَرَأتُ أن أشرَبَ الماءَ والشَّافعيُّ ينظُرُ إليَّ؛ هَيبةً له!) . - وعن ابنِ عَرْعَرةَ قال: (كان طاهِرُ بنُ عبدِ اللَّهِ ببغدادَ، فطَمِع في أن يسمَعَ من أبي عُبَيدٍ، وطَمِع أن يأتيَه في منزِلِه، فلم يفعَلْ أبو عُبَيدٍ حتَّى كان هذا يأتيه، فقَدِم عليُّ بنُ المَدينيِّ وعبَّاسٌ العَنْبَريُّ، فأرادا أن يسمعا غَريبَ الحديثِ، فكان يحمِلُ كُلَّ يومٍ كتابَه ويأتيهما في منزلِهما فيُحَدِّثُهما فيه) . قال الخطيبُ البغداديُّ مُعَلِّقًا: (إنَّما امتنع أبو عُبَيدٍ مِن المضيِّ إلى منزِلِ طاهِرٍ توقيرًا للعِلمِ، ومضى إلى مَنزِلِ ابنِ المدينيِّ وعَبَّاسٍ تواضُعًا وتدَيُّنًا، ولا وَكَفَ عليه في ذلك، إذ كانا من أهلِ الفَضلِ والمنزلةِ العاليةِ في العِلمِ، وقد فَعَل سُفيانُ الثَّوريُّ مع إبراهيمَ بنِ أدهَمَ مِثلَ هذا) . - وعن مالكٍ (أنَّ رَجُلًا جاء إلى سعيدِ بنِ المُسَيِّبِ وهو مريضٌ، فسأله عن حديثٍ وهو مضطَجِعٌ، فجلس فحَدَّثه، فقال له الرَّجُلُ: وَدِدتُ أنَّك لم تتعَنَّ، فقال: إنِّي كَرِهتُ أن أحَدِّثَك عن رسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأنا مُضطَجِعٌ) . - وعن محمَّدِ بنِ رافعٍ قال: (كنتُ مع أحمَدَ وإسحاقَ عِندَ عبدِ الرَّزَّاقِ، فجاءنا يومَ الفِطرِ، فخرَجْنا مع عبدِ الرَّزَّاقِ إلى المصلَّى، ومعنا ناسٌ كثيرٌ، فلمَّا رجَعْنا دعانا عبدُ الرَّزَّاقِ إلى الغَداءِ، ثمَّ قال لأحمدَ وإسحاقَ: رأيتُ اليومَ منكما عَجَبًا، لم تُكَبِّرَا! فقال أحمَدُ وإسحاقُ: يا أبا بكرٍ، كُنَّا ننتَظِرُ هل تُكَبِّرُ، فنُكَبِّرَ، فلمَّا رأيناك لم تُكَبِّرْ، أمسَكْنا! قال: وأنا كنتُ أنظُرُ إليكما، هل تُكَبِّرانِ، فأكَبِّرَ!) . - وقال محمَّدُ بنُ حمدونَ بنِ رُستُمَ: سَمِعتُ مُسلِمَ بنَ الحَجَّاجِ وجاء إلى البخاريِّ فقال: (دعْني أقبِّلْ رِجليك يا أستاذَ الأُستاذينَ، وسَيِّدَ المحَدِّثين، وطبيبَ الحديثِ في عِلَلِه) . - وعن عاصِمٍ، قال الكِسائيُّ: (صلَّيتُ بالرَّشيدِ، فأخطأتُ في آيةٍ ما أخطَأَ فيها صبيٌّ، قلتُ: لعَلَّهم يَرجِعينَ! فواللَّهِ ما اجترأ الرَّشيدُ أن يقولَ: أخطَأْتَ، لكِنْ قال: أيُّ لغةٍ هذه؟ قلتُ: يا أميرَ المُؤمِنين! قد يَعثُرُ الجوادُ، قال: أمَّا هذا فنَعَمْ) . - عن عبدِ الرَّحمنِ بنِ حَرمَلةَ، قال: (ما كان إنسانٌ يجترئُ على سعيدِ بنِ المُسَيِّبِ يسألُه عن شيءٍ حتَّى يستأذنَه كما يستأذِنُ الأميرَ) . - وقال ابنُ عساكِرَ: (كان العَبدريُّ أحفَظَ شَيخٍ لقيتُه، وكان فقيهًا داوديًّا، ذُكِر أنَّه دخَل دِمَشقَ في حياةِ أبي القاسمِ بنِ أبي العلاءِ، وسمِعتُه وقد ذُكِر مالكٌ، فقال: جِلفٌ جافٍ! ضَرَب هِشامَ بنَ عَمَّارٍ بالدِّرَّةِ، وقرأتُ عليه «الأموالَ» لأبي عُبَيدٍ، فقال -وقد مَرَّ قولٌ لأبي عُبَيدٍ-: ما كان إلَّا حمارًا مُغَفَّلًا لا يَعرِفُ الفِقهَ! وقيل لي عنه: إنَّه قال في إبراهيمَ النَّخَعيِّ: أعوَرُ سُوءٍ! فاجتمَعْنا يومًا عِندَ ابنِ السَّمَرْقَنديِّ في قراءةِ كتاب «الكامِل»، فجاء فيه: وقال السَّعديُّ كذا، فقال: يَكذِبُ ابنُ عَديٍّ، إنَّما ذا قولُ إبراهيمَ الجَوْزَجانيِّ! فقُلتُ له: فهو السَّعديُّ، فإلى كم نحتَمِلُ منك سوءَ الأدَبِ، تقولُ في إبراهيمَ كذا وكذا، وتقولُ في مالكٍ: جافٍ، وتقولُ في أبي عُبَيدٍ؟! فغَضِب وأخذَتْه الرِّعدةُ، وقال: كان ابنُ الخاضِبةِ والبَردانيُّ وغيرُهما يخافوني، فآل الأمرُ إلى أن تقولَ فيَّ هذا؟! فقال له ابنُ السَّمَرْقَنديِّ: هذا بذاك. فقُلتُ: إنَّما نحتَرِمُك ما احتَرَمْتَ الأئمَّةَ) . - وقال أبو بكرٍ الأثرَمُ: أخبَرَني عبدُ اللَّهِ بنُ المبارَكِ -شيخٌ سَمِع منه قديمًا، وليس بالخُراسانيِّ- قال: كنتُ عِندَ إسماعيلَ بنِ عُلَيَّةَ، فتكَلَّم إنسانٌ فضَحِك بعضُنا، وثَمَّ أحمدُ بنُ حنبَلٍ، قال: فأتينا إسماعيلَ فوجَدْناه غَضبانَ، فقال: أتضحَكونَ وعندي أحمدُ بنُ حنبَلٍ ؟! ( يتبع ) |
نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا ! و ليتني ما أرضيت سواي ! على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات ! |
يوم أمس, 09:39 AM | #28 |
|
رد: الأخلاق المحمودة في الإسلام ( متجدد )
تابع – الاحترام والتوقير
نماذج من الاحترام والتوقير هـ- نماذِجُ من الاحترامِ والتَّوقيرِ عِندَ العُلَماءِ المتقَدِّمينَ - توقيرُ أبي عبدِ اللَّهِ الحاكِمِ مِن عُلَماءِ عَصرِه: فقد كان عُلَماءُ عَصرِه يُبَجِّلونه ويُقَدِّرونَه؛ قال بعضُهم: (سمِعتُ مشايخَنا يذكُرون أيَّامَه، ويحكون أنَّ مُقَدَّمي عَصرِه، مِثلُ أبي سَهلٍ الصُّعلوكيِّ، والإمامِ ابنِ فُورَكٍ، وسائِرَ الأئمَّةِ، يُقَدِّمونه على أنفسِهم، ويراعون حَقَّ فَضلِه، ويَعرِفون له الحُرمةَ الأكيدةَ) . - توقيرُ أبي نُعَيمٍ الأصبهانيِّ لابنِ مَنْدَهْ: فقد كانت بينَه وبينَ ابنِ مَنْدَهْ وَحشةٌ شديدةٌ، فلم يمنَعْه ذلك من توقيرِه واحترامِه وإنزالِه منزلتَه اللَّائقةَ به. قال الذَّهبيُّ: (قيل: إنَّ أبا نُعَيمٍ الحافِظَ ذُكِر له ابنُ مَنْدَهْ، فقال: كان جبَلًا من الجِبالِ، فهذا يقولُه أبو نُعيمٍ مع الوَحشةِ الشَّديدةِ التي بينه وبينَه!) . - توقيرُ الخُلَفاءِ لأبي الحَسَنِ الماوَرْديِّ: قال ابنُ تَغْرِي بَرْدي: (وَلِيَ القضاءَ ببُلدانٍ كثيرةٍ، وكان محتَرَمًا عِندَ الخُلَفاءِ والملوكِ) . - توقيرُ زكي الدِّينِ المُنذِريِّ للعِزِّ بنِ عبدِ السَّلامِ: قال السُّيوطيُّ في كلامِه عن العِزِّ بنِ عبدِ السَّلامِ: (قَدِم مِصرَ فأقام بها أكثَرَ من عشرين سنةً ناشِرًا العِلمَ، آمِرًا بالمعروفِ، ناهيًا للمُنكَرِ، يُغلِظُ على الملوكِ فمَن دونَهم، ولمَّا دخل مصرَ بالغ الشَّيخُ زكي الدِّينِ المنذِريُّ في الأدَبِ معه، وامتنع من الإفتاءِ لأجْلِه، وقال: كنَّا نُفتي قبلَ حُضورِه، وأمَّا بعدَ حُضورِه فمَنصِبُ الفُتيا مُتعَيَّنٌ فيه) . و- نماذِجُ من الاحترامِ والتَّوقيرِ عِندَ العُلَماءِ المُعاصِرين - توقيرُ محمَّدِ بنِ إبراهيمَ آل الشَّيخِ واحترامُه لمشايخِه: يقولُ حمَدُ الفَهدُ: (كان يقولُ عن شيخِه الشَّيخِ سَعدِ بنِ عتيقٍ: شَيخُنا الشَّيخُ الكبيرُ والعالمُ الشَّهيرُ، وكان إذا أتاه الشَّيخُ محمَّدُ بنُ عبدِ العزيزِ بنِ مانعٍ، قام له ورحَّب به وأجلسه مكانَه، ومن ذلك أنَّه كان يحِبُّ الشَّيخَ عبدَ اللَّهِ القرعاويَّ رحمه اللَّهُ -الدَّاعيةَ في جيزانَ- ويُقَدِّرُه، فكان إذا أتى إليه يُكرِمُه كثيرًا، ومن ذلك أنَّه كان يحِبُّ الشَّيخَ حمود التَّويجريُّ رحمه اللَّهُ، وقد رأيتُ الشَّيخَ حمود مرَّةً أتى إلى الشَّيخِ محمَّد يقرأُ عليه أحدَ رُدودِه التي ألَّفها ضِدَّ بعضِ المبتَدِعةِ، فلمَّا نهض الشَّيخُ حمود وانصرف، قال الشَّيخُ محمد: الشَّيخُ حمود مجاهِدٌ جزاه اللَّهُ خيرًا. ومن ذلك أنَّه كان يحِبُّ الشَّيخَ أحمد شاكر، والشَّيخ محمَّد حامِد الفِقي رحمهما اللَّهُ تعالى، وقد رأيتُهما عنده كثيرًا إذا أتيا إلى المملكةِ، وكان يُكرِمُهما ويُجِلُّهما. ومن ذلك احترامُه وتقديرُه أيضًا للشَّيخِ محمَّد الأمين الشِّنقيطيِّ صاحِبِ أضواءِ البيانِ، والشَّيخِ محمَّد المختار الشِّنقيطيِّ) . - توقيرُ محمَّد الأمين الشِّنقيطيِّ واحترامُه للألبانيِّ: (كان الشَّيخُ محمَّد الأمين الشِّنقيطيُّ -الذي ما عُلِم مِثلُه في عصرِه في عِلمِ التَّفسيرِ واللُّغةِ- يجِلُّ الشَّيخَ الألبانيَّ إجلالًا غريبًا، حتى إذا رآه مارًّا وهو في دَرسِه في الحَرَمِ المدَنيِّ، يَقطَعُ درسَه قائمًا ومُسلِّمًا عليه إجلالًا له) . - توقيرُ عبدِ الرَّزَّاقِ عفيفي واحترامُه لابنِ بازٍ: يقولُ حَمَدُ بنُ إبراهيمَ: (أذكُرُ أنَّني زُرتُه في مخيَّمِه بمِنًى أيَّامِ الحجِّ عام 1403هـ، وقلتُ لأصحابي المرافِقين معي: ستَرَون الشَّيخَ عبدَ الرَّزَّاقِ وهو يبكي. وكانوا يتعجَّبون ممَّا أقولُ، وكنتُ أريدُ لَفتَ انتباهِهم إلى هذا الموقِفِ العظيمِ وحَفزِهم إلى التَّطلُّعِ إليه، فلمَّا سَلَّمْنا عليه يومَ النَّحرِ، قُلتُ له: يا شَيخُ، كيفكم وكيف الشَّيخُ عبدُ العزيزِ؟ فقال: بخيرٍ وللهِ الحمدُ، والشَّيخُ عبدُ العزيزِ لا يُسأَلُ عنه، ما شاء اللَّهُ، ثمَّ أخَذ في الثَّناءِ عليه حتَّى تحدَّرت دموعُه رغمَ شِدَّتِه وقُوَّتِه، وهو يقولُ: ابنُ بازٍ طِرازٌ غيرُ عُلَماءِ هذا الزَّمانِ، ابنُ بازٍ من بقايا العُلَماءِ الأوَّلينَ القُدامى، في عِلمِه وأخلاقِه ونشاطِه ... ثمَّ قطَعَ كلامَه بعَبرةٍ خَنقَتْه عن الإتمامِ!) . - توقيرُ العُلَماءِ وطَلَبةِ العِلمِ لعبدِ الرَّزَّاقِ عفيفي: (لقد كان العُلَماءُ والعامَّةُ وطَلَبةُ العِلمِ يُقبِلون على مجلِسِ الشَّيخِ، ويَستَمِعون إلى نصائِحِه القيِّمةِ وتوجيهاتِه السَّديدةِ وآرائِه النَّيِّرِة، مع توقيرِهم لشَخصِه وتقديرِهم لعِلمِه، مع محبَّةٍ صادقةٍ خالِصةٍ يُرجى بها وَجهُ اللَّهِ لعالِمٍ بذَل عِلمَه ووقتَه ومالَه دفاعًا عن دينِه، وذَبًّا عن عقيدتِه، وغَيرةً على مجتَمَعِه وأمَّتِه) . ( يتبع ) |
نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا ! و ليتني ما أرضيت سواي ! على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات ! |
يوم أمس, 09:42 AM | #29 |
|
رد: الأخلاق المحمودة في الإسلام ( متجدد )
تابع – الاحترام والتوقير
أخطاءٌ شائعةٌ حولَ الاحترامِ والتَّوقيرِ 1- وجوبُ احترامِ جميعِ الأديانِ والأفكارِ والمعتَقَداتِ، وأنَّ ذلك نوعٌ من إظهارِ السَّماحةِ، وهذا اعتقادٌ خَطَأٌ، فلا يحِلُّ لمُسلِمٍ أن يحتَرِمَ الأديانَ الباطلةَ، ولا المِلَلَ المنحَرِفةَ، ولا الأفكارَ الخبيثةَ الرَّاميةَ لتضليلِ النَّاسِ وغِوايتِهم، وكذا لا يجِبُ على المُسلِمِ احترامُ الكافِرِ لكُفرِه، أو المبتَدِعَ في بدعتِه، أو الفاسِقَ في فِسقِه، بل الواجِبُ على المُسلِمِ الاستخفافُ بكُفرِ الكافِرِ وبدعةِ المبتَدِعِ وفِسقِ الفاسِقِ، وكذلك الاستخفافُ بالأديانِ الباطِلةِ والمِلَلِ المنحَرِفةِ، وعَدَمُ احترامِها، واعتقادُ ذلك بَيْنَ المُسلِمين أفرادًا وجماعاتٍ إذا عَلِم تحريفَها، وهذا من الدِّينِ؛ لأنَّه استخفافٌ بكُفرٍ أو بباطِلٍ . 2- الغُلُوُّ في احترامِ العُلَماءِ والمبالغةُ في إطرائِهم، بحيثُ يَغلِبُ على الظَّنِّ عِصمةُ آرائِهم وصِحَّةُ أقوالِهم مُطلَقًا، والتَّعصُّبُ لتلك الآراءِ والمذاهِبِ والدِّفاعُ عنها اعتقادًا أنَّ ذلك من احترامِهم وتوقيرِهم، وكُلُّ ذلك خطَأٌ، بل إنَّ من احترامِ العُلَماءِ نُصحَهم في الدِّينِ بعِلمٍ وحِكمةٍ والاعتقادَ بجوازِ الخَطَأِ منهم، ومخالفتَهم إن تُيُقِّنَ خَطؤُهم. قال ابنُ تَيميَّةَ: (الواجِبُ أن يُقَدِّمَ مَن قَدَّمه اللَّهُ ورسولُه، ويؤخِّرَ مَن أخَّره اللَّهُ ورسولُه، ويحِبَّ ما أحبَّه اللَّهُ ورسولُه، ويُبغِضَ ما أبغضَه اللَّهُ ورسولُه، وينهى عمَّا نهى اللَّهُ عنه ورسولُه، وأن يرضى بما رَضِيَ اللَّهُ به ورسولُه، وأن يكونَ المُسلِمون يدًا واحدةً، فكيف إذا بلَغ الأمرُ ببعضِ النَّاسِ إلى أن يُضَلِّلَ غيرَه ويُكَفِّرَه، وقد يكونُ الصَّوابُ معه وهو الموافِقُ للكتابِ والسُّنَّةِ!) . وقال الزُّرقانيُّ: (اعلَمْ أنَّ هناك أفرادًا بل أقوامًا تعَصَّبوا لآرائِهم ومذاهِبِهم، وزعَموا أنَّ مَن خالَف هذه الآراءَ والمذاهِبَ كان مبتَدِعًا متَّبِعًا لهواه، ولو كان متأوِّلًا تأويلًا سائغًا يتَّسِعُ له الدَّليلُ والبرهانُ، كأنَّ رأيَهم ومذهَبَهم هو المقياسُ والميزانُ، أو كأنَّه الكتابُ والسُّنَّةُ والإسلامُ، وهكذا استزَلَّهم الشَّيطانُ وأعماهم الغُرورُ) . مَسائِلُ مُتفَرِّقةٌ ميزانُ الشَّرعِ هو معيارُ الاحترامِ والتَّوقيرِ. إنَّ الميزانَ عِندَ اللَّهِ سُبحانَه يختَلِفُ عن موازينِ النَّاسِ؛ فكثيرًا ما يقيسُ النَّاسُ بعضُهم بعضًا بموازينِ الدُّنيا من الجاهِ والمالِ والسُّلطانِ، حتَّى قيل في المثَلِ: (إنَّ الرِّقِينَ تُغَطِّي أَفْنَ الأفينِ . والمعنى أنَّ التَّوقيرَ والإجلالَ يُكتَسَبُ بوِجدانِ المالِ؛ فإنَّ المالَ يُحَلِّي المرءَ بحِليةِ الكَمالِ، ويَستُرُ ما فيه من ذميمِ الخِصالِ، ويُحَبِّبُه إلى قلوبِ الرِّجالِ، حتَّى يَرَوه بعينِ التَّوقيرِ والإجلالِ، وإن كان من أحمَقِ الحمقى وأجهَلِ الجُهَّالِ . أمَّا الميزانُ عِندَ اللَّهِ سُبحانَه فهو بتحقيقِ العبدِ للتَّقوى وقُربِه مِن رَبِّه. قال تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات: 13] . وعن سَهلٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: مرَّ رَجُلٌ على رسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: ((ما تقولونَ في هذا؟ قالوا: حَرِيٌّ إن خطَبَ أن يُنكَحَ، وإن شَفَع أن يُشفَعَ، وإن قال أن يُستَمَعَ، قال: ثمَّ سَكَت، فمَرَّ رجُلٌ من فقراءِ المُسلِمين، فقال: ما تقولون في هذا؟ قالوا: حَريٌّ إن خَطَب ألَّا يُنكَحَ، وإن شَفَع ألَّا يُشفَعَ، وإن قال ألَّا يُستَمَعَ، فقال رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: هذا خيرٌ مِن مِلءِ الأرضِ مِثلَ هذا!)) . احترامُ غيرِ المُسلِمينَ: قال اللَّه تعالى: لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ [الممتحنة: 8] ، أي: لا ينهاكم اللَّهُ -أيُّها المُؤمِنون- عن الكافِرين الذين لم يقاتِلوكم من أجْلِ دينِكم من أقارِبِكم وغَيرِهم من الكُفَّارِ، ولم يُخرِجوكم من بلادِكم كما أخرجَكم كُفَّارُ مكَّةَ؛ أن تحسِنوا إليهم وتُكرِموهم، وتعدِلوا في تعامُلِكم معهم عدلًا تامًّا . قال القَرافيُّ: (وأمَّا ما أمَر به من بِرِّهم ومن غيرِ مودَّةٍ باطنيَّةٍ، فالرِّفقُ بضعيفِهم، وسَدِّ خَلَّةِ فقيرِهم، وإطعامِ جائِعِهم، وإكساءِ عاريهم، ولِينِ القَولِ لهم -على سبيلِ اللُّطفِ لهم والرَّحمةِ لا على سبيلِ الخَوفِ والذِّلَّةِ- واحتمالِ إذايتِهم في الجوارِ مع القُدرةِ على إزالتِه -لُطفًا منَّا بهم لا خوفًا وتعظيمًا- والدُّعاءِ لهم بالهدايةِ وأن يُجعَلوا من أهلِ السَّعادةِ، ونصيحتِهم في جميعِ أمورِهم في دينِهم ودُنياهم، وحِفظِ غَيبتِهم إذا تعرَّض أحدٌ لأذيَّتِهم، وصَونِ أموالِهم وعيالِهم وأعراضِهم وجميعِ حُقوقِهم ومصالِحِهم، وأن يُعانوا على دَفعِ الظُّلمِ عنهم وإيصالِهم لجميِع حقوقِهم، وكُلِّ خيرٍ يَحسُنُ من الأعلى مع الأسفَلِ أن يفعَلَه، ومن العَدُوِّ أن يفعَلَه مع عَدُوِّه؛ فإن ذلك من مكارِمِ الأخلاقِ، فجَميعُ ما نفعَلُه معهم من ذلك ينبغي أن يكونَ من هذا القبيلِ لا على وَجهِ العِزَّةِ والجلالةِ مِنَّا، ولا على وجهِ التَّعظيمِ لهم وتحقيرِ أنفُسِنا بذلك الصَّنيعِ لهم... نعامِلُهم ... بما تقدَّم ذِكرُه امتثالًا لأمرِ رَبِّنا عزَّ وجَلَّ، وأمرِ نَبيِّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لا محبَّةً فيهم ولا تعظيمًا لهم) . بعضُ الأمورِ التي لا تتنافى مع الاحترامِ: - إن استأذَنَ أحدٌ من أهلِ البُيوتِ في دُخولِ بُيوتِهم، فلم يأذَنوا، وقالوا له: انصَرِفْ، فلينصَرِفْ بلا غَضَبٍ، ومِثلُ هذا لا يتنافى مع الاحترامِ؛ فاللَّهُ تعالى يقولُ: وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا [النور: 28] قال السَّعديُّ: (وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا أي: فلا تمتَنِعوا من الرُّجوعِ، ولا تغضَبوا منه؛ فإنَّ صاحِبَ المنزِلِ لم يمنَعْكم حقًّا واجبًا لكم، وإنَّما هو مُتبرِّعٌ، فإن شاء أذِن أو مَنَع، فأنتم لا يأخُذْ أحَدَكم الكِبرُ والاشمئزازُ من هذه الحالِ) . - إن أُذِن للصَّغيرِ أن يتكَلَّمَ بحَضرةِ الكبيرِ بعِلمٍ، فلا يتنافى هذا مع احترامِ الكبيرِ وتوقيرِه؛ فعن ابنِ عباس، رَضِيَ اللَّهُ عنهما، قال: (كان عُمَرُ يدخِلُني مع أشياخِ بَدرٍ، فكأنَّ بعضَهم وجَدَ في نفسِه، فقال: لمَ تُدخِلُ هذا معنا ولنا أبناءٌ مِثلُه؟! فقال عُمَرُ: إنَّه من حيثُ عَلِمْتُم، فدعا ذاتَ ليلةٍ فأدخله معهم، فما رُئِيتُ أنَّه دعاني يومَئذٍ إلَّا ليُريَهم، قال: ما تقولون في قَولِ اللهِ تعالى: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [النصر: 1] ؟ فقال بعضُهم: أُمِرْنا أن نحمَدَ اللهَ ونستغفِرَه إذا نُصِرْنا وفُتِحَ علينا. وسكت بعضُهم فلم يقُلْ شيئًا، فقال لي: أكذاك تقولُ يا ابنَ عبَّاسٍ؟ فقُلتُ: لا، قال: فما تقولُ؟ قُلتُ: هو أجَلُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أعلَمَه له، قال: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ فتحُ مَكَّةَ، وذلك علامةُ أجَلِك؛ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا [النصر: 3] فقال عُمَرُ: ما أعلَمُ منها إلَّا ما تقولُ) . ( يتبع ) |
نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا ! و ليتني ما أرضيت سواي ! على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات ! |
يوم أمس, 09:44 AM | #30 |
|
رد: الأخلاق المحمودة في الإسلام ( متجدد )
تابع – الاحترام والتوقير
الاحترام والتوقير في واحة الأدب أ- مِنَ الشِّعرِ 1- قال ابنُ الرُّوميِّ: أصبَحتُ شَيخًا له سَمتٌ وأُبَّهة يدعونَني البِيضُ عَمًّا تارةً وأَبَا وتلك دعوةُ إجلالٍ وتَكرِمةٍ ودِدْتُ أنِّي مُعتاضٌ بها لَقَبَا 2- وقال الشَّافِعيُّ في توقيرِ النَّاسِ واحترامِهم عِندَ الخَطَأِ: تَعمَّدْني بنُصحِك في انفِرادي وجَنِّبْني النَّصيحةَ في الجَماعَه فإنَّ النُّصحَ بَيْنَ النَّاسِ نَوعٌ من التَّوبيخِ لا أرضى استِماعَه وإن خالَفْتَني وعَصَيتَ أمري فلا تجزَعْ إذا لم تُعْطَ طاعَه 3- وقيلَ في ضرورةِ توقيرِ العُلَماءِ وإكرامِهم: إنَّ المُعَلِّمَ والطَّبيبَ كِلاهما لا ينصَحانِ إذا هما لم يُكرَمَا فاصبِرْ لدائِك إنْ أهَنْتَ طبيبَه واصبِرْ لجَهلِك إن جَفَوتَ مُعَلِّمَا 4- وقال أحمد شوقي في توقيرِ المُعَلِّمِ: قُمْ للمُعَلِّمِ وَفِّهِ التَّبجيلا كاد المُعَلِّمُ أن يكونَ رَسولَا أعلِمْتَ أشرَفَ أو أجَلَّ مِن الذي يَبني ويُنشِئُ أنفُسًا وعُقولَا سبحانَك اللَّهُمَّ خَيرَ مُعَلِّمٍ عَلَّمْتَ بالقَلَمِ القُرونَ الأُولى أخرَجْتَ هذا العَقلَ من ظُلُماتِهِ وهدَيْتَه النُّورَ المُبِينَ سَبيلَا وطبَعْتَه بيَدِ المُعَلِّمِ تارةً صَدِئَ الحديدِ وتارةً مَصقولَا 5- وقال الشَّاعِرُ: قومٌ سجاياهم توقيرُ ضَيفِهِم والشَّيبُ ضَيفٌ له التَّوقيرُ يا صاحِ - وقال الشَّاعِرُ في توقيرِ واحترامِ أستاذِه: أُفَضِّلُ أستاذي على فَضلِ والِدِي وإن نالني مِن والِدي المجدُ والشَّرَفُ فهذا مُرَبِّي الرُّوحِ والرُّوحُ جَوهَرٌ وذاك مُرَبِّي الجِسمِ والجِسمُ كالصَّدَفِ 6- وقال جميلٌ الزَّهاويُّ: أقولُ للنَّفسِ كُفِّي عن السَّفاهةِ كُفِّي إذا أردتِ احترامًا من الجميعِ فعِفِّي ب- من الأمثالِ والحِكَمِ - أولى مَن تَبذُلُ له ثَراك من أفادك عُلاك وصَقَل حِجاك . يُقالُ: في إجلالِ المعَلِّمِ والحَثِّ على تفَقُّدِه، فهو الذي أعلى قَدْرَ تلميذِه بما عَلَّمه . - وَقِّرْ نَفْسَك تُهَبْ . - ما هو إلَّا نارُ المجوسِ. يُضرَبُ لِمن لا يَحتَرِمُ أحَدًا؛ لأنَّها تُحرِقُهم وإن كانوا يَعبُدونَها . |
نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا ! و ليتني ما أرضيت سواي ! على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات ! |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 12 ( الأعضاء 0 والزوار 12) | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
الأخلاق المذمومة في الإسلام ( متجدد ) | البراء | الكلِم الطيب (درر إسلامية) | 351 | 11-12-2024 08:09 AM |
الأخلاق أرزاق | فاطمة | الكلِم الطيب (درر إسلامية) | 14 | 07-16-2024 05:02 PM |
الأخلاق وهائب….!!!! | النقاء | الكلِم الطيب (درر إسلامية) | 12 | 02-25-2024 02:59 PM |
ربيع الأخلاق | بُشْرَى | الصحة والجمال،وغراس الحياة | 4 | 05-15-2023 12:50 PM |
الأخلاق وهائب | المهرة | الكلِم الطيب (درر إسلامية) | 5 | 03-16-2021 10:07 PM |