جدّة

جدّة

لا يمكن أن تغادر هذه المدينة وأنت تضحك ، وأنت تسير على نعشك حاملاً الجنازة التي ماتت في قلبك نحو العالم وقت الرحيل ، تحمل كل شيء دون أن ترميه في لجة النسيان ، بل تتوسده في صدرك وتصنع منه ضريح لعل الذكرى تردم الجرح الكبير الذي ينزف بغزارة في الدماغ ، حتى البحر الهائج والرياح القوية التي تسلك الأماكن الضيقة من اجل أن تضغط على الغدة الدمعية بغزارة ، وتهلكك من ملوحة الدمع ، الذي ينسكب على الخد ودون أن تقاوم تجده يتسرب إلى جوفك ، فتتذكر البحر ، الشاطئ ، الكورنيش ، الأصدقاء ، الأحبة ، الأهل ، الأمة الكثيرة التي صنعت لها في مخيلتك مقام ، دون أن تطوف عليه ، لان الرائحة التي تتسرب وقتها إلى الأنف تحمل معها الشوق الكثير الذي لن يهلك من طول الطريق ، ترفع أنفك للسماء ، ثم تغمس رئتيك في البحر ، في رائحة البحر ، في الأيام التي جمعتك بجده ،!

جده بعيداً عن كل المدن تحمل طينة غريبة ، طينة ندية ، طينة مشبعة بالفرح ، تحمل قدميك دون أن تضطر للمسير ، ترفعك عن الأرض وتجول بك في أنحاءها ، بإمكانك أن تفرغ همك وحزنك في البحر ، وان تؤم الناس في صلاة الجماعة في المسجد ، ثم تخرج لتجوب الشوارع وأنت تسمع طلال ، او محمد ، المكان الذي تتحول في الأفعال إلى عبادات ، حتى الشيشة والبلوت ، والأغاني تتحول إلى شيء مقدس لا يمكن لأحد أن يستتيبك عليه ، بإمكانك أن تسقط من الغيمة التي تحملك ، لكنك لن تتأذى لأن جده وسادة قطن ما إن تنغمس فيها حتى يصعب عليك النهوض ، تلفك بشوارعها ، وطرقها القديمة ، حتى الزحمة التي تستغرق نصف مشوارك تحولك إلى كائن أليف دون أن تلعن أحد او تسب أحد ، الإزدحام في جدة يولد الحب والألفة دون ان تدري ، تجد نفسك تمد للذين يجاورونك هدايا من الإبتسامات بشفاتك ، ويتقبلونها بصدر رحب ،!
كل شيء في جده مختلف ، وعندما تدلف إليها تؤمن انك خارج السعودية التي تكبلك وتصنع لك الآف القيود ، لن تضيع فيها ولن تهلك من الجوع ، حتى الرطوبة حينما تقسو على الأنف فإنها لا تصدئة بل تحوله إلى شيء يشبه البذرة ما إن تسقيه حتى ينبت حقل أبيض من الورد ،!
في جده تتعلم البذخ والتوفير في آن واحد ، كل مشاعرك المكبوتة تتحول إلى كتلة من الوقت تريد ان تستغلها دون أن تنام حتى ،!
جدة تشبه الوطن الأم لكل من سكنها أو زارها او مرّ بها لانك ما إن تدلفها حتى تغمسك في حضنها وتحولك إلى طفل ، تربت على كتفك ثم تطلقك للعالم ، ولا تتوقف عن متابعتك بعينيها وكأنها أم كبيرة خلقها الله لتتوسط أرض المسير بين مكة والمدينة ، من أي مكان تيمم وجهك فإن جدة مابين المسجدين بساط ريح !

صقر

للمزيد من مواضيعي

 

جدة ، المكان الوحيد الذي يشعرك بالإنتماء إليه حتى ولو لم يمكث مرورك بها سوى ساعة ! الناس ، البحر والأرصفة وحركة السيارات . هذا المكان .. الذي يتسلل إلى قلبك كطفلة تربط شريطة حمراء ، والساعة الخامسة عصراً ، الساعة التي يُجنّ فيها جنونك وأنت ترى أرصفة الكورنيش لا تتعب من خطى العابرين عليها ، والسقالة ( يا قلبي على السقالة ) تحتضن الكراسي التي تمتلئ بالصيادين والمتفرجين ، وتلك الإبتسامات اللطيفة والأحاديث الودّية مع الجنسين وتنتهي دون أن يعرف أحدهما اسم الطرف الآخر ، هكذا لأنها جدة ولأنها بسيطة وعفوية تشبه الفتاة التي ترتب مقدمة شعرها على غرتها بطريقة القوس ، القوس الذي يزيد غرّتها فتنة وهيبة ..


بالمناسبة قد نضطر بعد عشر سنوات إلى دخولها بتأشيرة

سُجوف ,احمد حماد ,‏يَمَامْ.! و 4 آخرون معجبون بهذا

عبدالله الصقري ,إلهام ,بُشْرَى ,النقاء

.
.

الله يبقيها جدة عامرة بكل الجمال الذي فيها ..
أهلا بالصقر
نشتاق لطرحك العذب ..
وهذا المقال حافلٌ بالمشاعر الصادقة ..
لغتك باسقة به ..

لي عودة للجمال ..
تقديري

عبدالله الصقري معجب بهذا

.

.

الوشم والتقييم
والنشر مع منح المكافأة ..

حيّاك يا راقي الحضور

عبدالله الصقري معجب بهذا

هكذا تكون المدن بعين محبّيها

رائع صقر، وافر التقدير

عبدالله الصقري معجب بهذا

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بُشْرَى

.
.

الله يبقيها جدة عامرة بكل الجمال الذي فيها ..
أهلا بالصقر
نشتاق لطرحك العذب ..
وهذا المقال حافلٌ بالمشاعر الصادقة ..
لغتك باسقة به ..

لي عودة للجمال ..
تقديري

وقد أوفيتِ كلماتي أكثر من حقها بمرورك وحروفك أختي بشرى
الشكر لا يفيك
دمتِ بألق اديبتنا

عبدالله الصقري معجب بهذا

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة إلهام

هكذا تكون المدن بعين محبّيها

رائع صقر، وافر التقدير

وهنيئا لحروفي هذا المرور الرائع
تقديري أختي

عبدالله الصقري معجب بهذا

من أجمل ما قيل في مدينتي الحبيبه و مسقط رأسي

سلمت يالصقر فقد أصبحت بك اجمل واجمل

لك جل تقديري واحترامي

مع أرق واجمل تحيه

جمل من الوفاء والحنين هنا

أبقاها الله بكل تلك البساطة والعفوية والأُلفة
تحية وتقدير

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صقر

جدة ، المكان الوحيد الذي يشعرك بالإنتماء إليه حتى ولو لم يمكث مرورك بها سوى ساعة ! الناس ، البحر والأرصفة وحركة السيارات . هذا المكان .. الذي يتسلل إلى قلبك كطفلة تربط شريطة حمراء ، والساعة الخامسة عصراً ، الساعة التي يُجنّ فيها جنونك وأنت ترى أرصفة الكورنيش لا تتعب من خطى العابرين عليها ، والسقالة ( يا قلبي على السقالة ) تحتضن الكراسي التي تمتلئ بالصيادين والمتفرجين ، وتلك الإبتسامات اللطيفة والأحاديث الودّية مع الجنسين وتنتهي دون أن يعرف أحدهما اسم الطرف الآخر ، هكذا لأنها جدة ولأنها بسيطة وعفوية تشبه الفتاة التي ترتب مقدمة شعرها على غرتها بطريقة القوس ، القوس الذي يزيد غرّتها فتنة وهيبة ..


بالمناسبة قد نضطر بعد عشر سنوات إلى دخولها بتأشيرة

وأنا اشهد على كل ما قلت
فلا زال بي حنين جارف لهذه الجدّة والتي لا تزال نسائمها تعبق في انحائي
ومع أني غادرتها منذ منذ حوالي 25 عاما الا أن بي حنين وشوق لهذه المدينة البهية
نثرت عطرا وحنينا لا فض فوك
تقديري والورد