قناديـلُ الحكايــــا يعدو الربيــع بعد الربيــع ويكبر البوح.. ( يمنع المنقول ) |
يعدو الربيــع بعد الربيــع ويكبر البوح..
( يمنع المنقول )
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||||||||
|
||||||||||
العمر الآخر
بني :
قبل 35 سنة، عندما أكملتَ في رحمي تسعة أشهر و أثناء حساسية هذه المرحلة من الحمل ، وأتتني فرصة زيارة الحرم النبوي الشريف نصحني الكثيرون بالامتناع فأصررت، ويكفي أن أقول بأنني كنت تواقة لنيل هذه الفرصة التي قد لا تتكرر أبدا . جهًّزت بعض الطعام لرحلة العمرة الذي لا يخلو من البروتينات كاللحم وبعض الفاكهة … بدت لي البغال في البداية كالراقصات، وكنت أشعر بنشوة في النظر إليهن، ولكن سرعان ما استحالت النشوة إلى حزم متذبذبة من الآلام والأوجاع والتي شعرت بأنها ليست في وقتها . فكرت في الرجوع ، ولكن أي رجوع هذا وقد قضينا أياما وليالي وانتصف الطريق، أحسست بشيء وسرعان ما صدق الإحساس، أسررت لزميلاتي في القافلة وسرعان ما شاع الخبر، توقفت القافلة على الفور ،التفّت النسوة حولي ،ساعدتني إحداهن على الوضع.. ولا أخفي عليك فقد كنت قاب قوسين أو أدنى من شبح الموت ، كنت متوقعة قدوم المولود ،ولكن ما لم أتوقعه قدوم مولودين في آن واحد .. فكيف - تحت هذه الظروف القاسية وسط الصحراء الشرسة - استطيع الاعتناء بمولود فضلا عن اثنين احتضنتهما على مضض وأنا مجردة من حيلة في الحفاظ عليهما سويا. وصل الخبر إلى ذوي الخبرة في القافلة، علمت ذلك من نقاشاتهم الساخنة ، وسرعان ما أتى أبوك الذي بدأ غبار الصحراء يكسو وجهه ومعه راعي القافلة : يا أم زيد ، إن ذوي الخبرة أجمعوا أن الحفاظ على المولودين في هذه الصحراء القاحلة أمر مستحيل، إنك لن تستطيعي إدرار لبن للمولودين في آن واحد ، وقد بقي من الطريق نصفه. وعقّب على كلامه صاحب القافلة الذي بدا واثقا من كلامه كالعادة : - شهدتُ مثل هذه الحادثة عدة مرات في حياتي ، وقد لاحظت أنه في كل مرة تصر الأم على حضانة الاثنين دفعة واحدة ، فإنها تخسرهما كليهما، وحدث مرة أن لحقت الأم بالطفلين بعد وفاتهما. بني.. تحت إلحاح الجميع بدون استثناء قررت ترك أحد المولودين، وكان أخوك التوأم أكثر منك حيوية وأنمى عافية فكنت أنت الضحية التي تركت وسط الصحراء المليئة بالذئاب تحت شجرة صحراوية قادتني حماقتي إليها لتظلل عليك ، ظنا مني أنها ستطيل عمرك الفاني قريبا.استطعت الحفاظ على أخيك معافى طول الطريق، ولم أستطع الحفاظ عليه من آفة كانت شائعة في المنطقة المحيطة بالحرم النبوي الشريف- آنذاك- قضت عليه، وأعتقد أن جميع عبارات الندم والأسف في لغات العالم تعجز عن وصف أحاسيس أم فقدت مولوديها رغما عنها ، خلال فترة وجيزة، كان سلاح الضعيف الوحيد هو الدموع والشكوى لله، وهذا ما فعلته، ولم يراود ذاكرتي أخوك بمثل ما راودتها أنت ، ذاك أني كنت أشعر بأني قتلتك بسلاح الحماقة. شددنا الرحال راجعين للبلاد ولا زال قلبي معتصرًا، وكان أن توقفنا قرب البقعة التي هجرتك فيها، توجهت إلى حيث تركتك تحت الشجرة لعلي أملأ عيني من بقايا رفاتك، فأعفر خدي بها،مسحت عيني، دعكتها عدة مرات، والعقل لا يستطيع تصديق رؤيا العين، كنت نائما مبتسما، وقرب رأسك ذئبة تدر لك من ثدييها، وعندما أبصرتني بعين الرحمة والشفقة، نهضت من مكانها، وكأنها انتهت من أداء واجب رباني، فانقضضت عليك أحتضنك ، وها أنت ذا في العمر الآخر.. للمزيد من مواضيعي
المصدر: منتديات مدائن البوح |
08-28-2024, 10:24 AM | #2 |
|
رد: العمر الآخر
قراءة واحدة لن تكفى
أثارت كلماتكم الكثير من الشجن والكثير الكثير من التساؤﻻت قلم جميل وفكر متميز دمتم بخير وفى انتظار المزيد |
وهــــى ...
نبضة من عمــــــــرى ... فى بضع لحظا ت أكتبهــــــــــــــــا وأحتــــــــاج ... أكثر من نبضتيــــــن كى أرويهــــــــا فكـــم ... بعـــــــدى ... من لحظــــــات أعماركم ... ستذكرنى نبضاتكم بحروف ترسمنــــى معانيها محمد محمود
|
08-28-2024, 10:47 AM | #3 |
|
رد: العمر الآخر
ما هذا الجمال
اقشعر شعر بدني وأنا أقرأ وعيناي في سباق كي أصل إلى النهاية هي بلاغة الشف لأتعرف على الأحداث قصة تحمل الكثير من العبر أبدعت في دقه الوصف واكتمال عناصر القصة الأخ أثر أثرك واضح من مشاركتك الأولى لك تحية كبيرة |
|
08-28-2024, 12:42 PM | #4 |
|
رد: العمر الآخر
أ. أثر
لي عودة إن شاء الله لهذا النص الجميل كل التحية |
فلســــــــــــ ( الأردن ) ـــــــــــــــــــــطين
|
08-28-2024, 03:31 PM | #5 |
|
رد: العمر الآخر
كم هي محزنة هذه القصة
وفي نفس الوقت كم كنت متمكنة في السرد قصة فيها الإبداع يا أثر شعرت بمشاهدها الأليمة ريحانة لقلبك وأهلا بك للختم والمكافأة |
|
08-28-2024, 09:16 PM | #7 |
شتات
|
رد: العمر الآخر
حقيقة تملك مفهوم مغاير عن كل من قرأت لهم.
لك قوافل السعادة قصة تحمل الكثير من الحكم ما شاء الله تملك قلمًا رهن طوعك |
|
09-02-2024, 11:04 PM | #9 |
|
رد: العمر الآخر
القلم الجميل أثر ..
هذه قراءة متواضعة لقصتك الأكثر من رائعة تحكي الساردة عن زيارتها للحرم النبوي الشريف وهي حامل في شهرها التاسع، ووضعها توأمين في الطريق، وبما أن الرحلة في الصحراء قاسية، وصعب على الأم الاعتناء بالمولودين معا فقد تخلت عن أحدهما تحت شجرة في الخلاء، واصطحبت الآخر معها، ثم ما تلبث أن تفقده بسبب آفة قضت عليه، وأثناء العودة تعثر على المولود المتخلى عنه حيا بعد أن رعته ذئبة وأطعمته من ثديها. * تتمحور فكرة النص حول الاختيار والقدر، فالمولود المختار ليعيش سيموت بقوة خارجية قاهرة، والمتروك في الصحراء في حكم الميت، ستتدخل نفس القوة ليحيا لعمر آخر، وقد أوردها الكاتب في إطار ديني منحها بعدا أخلاقيا نبيلا. * يستمد العنوان علاقته بالنص من خلال تعبيره عن فكرته المحورية، والمتجلية في القدر المتدخل في حسابات البشر واختياراتهم. * أسلوب القصة مناسب لوروده على شكل رسالة أوخطاب موجه من أم إلى ابنها، * تدور أهم أحداث القصة بين مكانين الصحراء كفضاء شرس للموت والهلاك(وسط الصحراء الشرسة- الحفاظ على المولودين في هذه الصحراء القاحلة أمر مستحيل- الضحية التي تركت وسط الصحراء المليئة بالذئاب) ومنطقة الحرم النبوي المجسدة للحياة والأُمنية (كنت تواقة لنيل هذه الفرصة التي قد لا تتكرر أبدا- استطعت الحفاظ على أخيك معافى طول الطريق). |
|
09-13-2024, 05:25 PM | #10 |
ماهر الحربي
|
رد: العمر الآخر
قصة مؤلمة في تفاصيلها
اثر شكراً لأنك أمتعتنا بطرح مميز |
ورثت الصبر ميراث طفلٍ سقاه الدهر دمعاً فكفاه فباغتته السنين في عجلٍ وكأن ما كان بالأمس رآه 🌹أوراق كادح🌹 |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
الوجه الآخر للحُب | الظِّلُّ | قناديـلُ الحكايــــا | 16 | 01-28-2024 03:47 PM |
ذكر عظيم الأجر... | سلطان الزين | الكلِم الطيب (درر إسلامية) | 9 | 08-28-2022 01:23 AM |
حديث عظيم الأجر | سلطان الزين | الكلِم الطيب (درر إسلامية) | 8 | 05-21-2022 08:21 PM |
الصداقه الوجه الأخر للوجود | نبيل محمد | قبس من نور | 12 | 03-12-2022 05:45 PM |
أوقات يتضاعف فيه الأجر .. | سليدا | الكلِم الطيب (درر إسلامية) | 4 | 05-28-2021 10:32 AM |