الموضوع: عيد ولكن ...
عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 05-02-2022, 08:36 PM
الغيث متواجد حالياً
    Male
Awards Showcase
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 395
 تاريخ التسجيل : May 2021
 فترة الأقامة : 1100 يوم
 أخر زيارة : اليوم (07:04 PM)
 المشاركات : 314,877 [ + ]
 التقييم : 821737
 معدل التقييم : الغيث has a reputation beyond repute الغيث has a reputation beyond repute الغيث has a reputation beyond repute الغيث has a reputation beyond repute الغيث has a reputation beyond repute الغيث has a reputation beyond repute الغيث has a reputation beyond repute الغيث has a reputation beyond repute الغيث has a reputation beyond repute الغيث has a reputation beyond repute الغيث has a reputation beyond repute
بيانات اضافيه [ + ]


افتراضي عيد ولكن ...











عيد ولكن ..
اليوم عيد الفطر المبارك ، الناس سعداء ، والنفوس مبتهجة ، والأطفال فرحون بملابسهم الجديدة ،
انتظم الناس في مصلى العيد بانتظار الصلاة ، وخطبة الشيخ ( صالح ) بهذه المناسبة العظيمة ، وبعد انتهاء هذا المشهد الإيماني استقلَّ الجّدُّ سيارة ابنه الفارهة وهو يحمد الله في نفسه على أن مدَّ في عمره حتى رأى أحفاده حوله ، وهذه النعمة التي يرفل فيها ابنه ( عثمان ) .
قال أحمد الصغير لجده بعد عودتهم إلى المنزل وهو يقبل رأسه ويستعيد في خاطره الجدل الذي دار بين أبيه وجده حول مخالفة الطريق وهم عائدون من الصلاة :
ـــــ من العايدين يا جدي ، وكل عام وأنتم بخير .
رد عليه جده مبتسما ومربتا على رأسه
ـــــ بارك الله فيك يا حبيبي
وضع الصغير أحمد غترته وعقاله على علاقة الملابس ، بينما جلس الجد على ( قعادته ) الموضوعة في غرفته الداخلية من بيت العائلة والمشرفة على الصالة .
توافد بقية أفراد العائلة ، وقبلوا رأس جدهم باحترام ومحبة قائلين له :
ـــــ من العايدين يا جدنا الغالي ، الله يعيده علينا وعليك بالخير والعافية .
رد عليهم الجد بحنان ودعاء كريم :
ــــــ عيدكم سعيد ، والله يوفقكم دنيا وآخرة .
فتيات العائلة يتحركن بهمة ونشاط ويقمن بإعداد طعام الإفطار ، بعد دقائق جاء بندر داعيا جده إلى سفرة الطعام المعدة :
ـــــ هيا يا جدي ، الفطور جاهز ، تعال هنا ، اجلس جواري .
نظر الجد إلى أصناف الطعام وهو يرى أمامه أشياء غريبة على السفرة ، جبنة ، مربى ، زيتون .. حلاوة طحينية .... ، أصنافا لم يتعود أن يراها في مثل هذه المناسبة .
قال حفيده أيمن : هيا يا جدي باسم الله .
مد الجد يده إلى رقائق موضوعة في صحن بلاستيكي وسأل :
ـــــ ما هذا ؟ ! .
ـــــ شبس .
ـــــ هـه ...والله عشت وشفت الناس يأكلون ( امجبس ) .
ثم مد يده إلى صحن آخر فيه دوائر غريبة
ـــــ وهذا ؟ ! .
ـــــ مورتديلا .
ـــــ تريلا !
ـــــ يا جدِّي ... هذي أطعمة ومأكولات حديثة
تنهد الجد بحسرة وهو يقول :
ـــــ إيه .. الله يرحمك يا ذاك الزمان .. أقول لكم : ( هَبوا ) لي كِسرة عيش و( شوية ) إدام . . قال كلمته تلك وهو ينهض متجها إلى غرفته ليستقر متكئا على قعادته ، ويرحل إلى الزمن الجميل .
نظر الجد إلى سقف غرفته مسافرا بفكره إلى الماضي ، وكأن شريطا من الذكريات الجميلة يمر أمامه ، لا يقطعها عليه إلا مرور أحد أفراد العائلة متجها إلى غرفته ليلقي بجسده الذي أنهكه السهر على السرير .
ـــــ يا ألله .... هذا بيتنا القديم ، وهذه أزقة حارتنا القديمة ..
في ليلة العيد تتحول البيوت إلى حركة نشطة ، النساء يجملن الدور استعدادا لزيارات المعيدين ، ويفرشن البطانيات على القعايد المطلية بألوان زاهية من ( البوية ) ، ويكسين المخدات بأكياس قماشية ملونة ومزينة بشرائط من الدانتيلا المشغولة ، يرتبن الفناجين ودلال القهوة وأطباق الحلويات المحلية الصنع على الطاولات الخشبية ، ويصففن آنية العطور والعود والمباخر على طاولات أخرى ، ولا يغمض لهن جفن حتى يتأكدن من اكتمال لوازم البهجة في دورهن الشعبية العتيقة .
من الأزقة الضيقة يخرج الرجال إلى المصلى لأداء صلاة العيد ، بعضهم يمسك بطفل صغير يرفل في ثوبه الجديد ويتزين بغترة وعقال جعلته مرتبكا كثير الحركات ، يحافظ عليها من السقوط كلما هبت نسمة صباحية ، بعضهم ترك طفلتين تبكيان ورفض اصطحابهما معه .
هذا بيت عيسى ، وهذه عُشَّة حَسْنة ، وهذا العم سالم الميسور الحال ؛ لأنه يملك دكانا لبيع المراكب وأدوات البحر ، يرتدي ثوبه الجديد وعمامته المزركشة ، وحذاءه المستورد من عدن ، الذي كلما داس عليه أصدر بعض الأصوات التي تلفت أنظار الناس إليه فيبادرونه بتهنئة غامرة :
عيدك مبارك يا عم سالم ، وملبوس العافية إن شاء الله .
بعد انقضاء صلاة العيد يتبادل الرجال عبارات التهنئة ويتعانقون تعبيرا عن المحبة ، ثم يعودون إلى بيوتهم مشيا على الأقدام ، ويقطعون المسافة بين المصلى وبيوت الحارة بأحاديث المودة وضرب المواعيد لزيارات متبادلة .
في الصباح الباكر لأول أيام عيد الفطر المبارك تنهمك النساء في إعداد وجبة الإفطار ، فترى الأدخنة تتصاعد من أحواش الدور الشعبية و( العِشَش ) ، وروائح الخبز والشواء تداعب أنوف المارة .
تقف النساء خلف ( الموافيه ) يشعلن النار في حطب السَّلَم ويتركنه يتقد حتى يصبح جمرا ، ثم يقرِّصن عجين الحَب ( الذرة الرفيعة ) المخمَّر أقراصا من العيش الحامض ، أو أقراصا من عجين الدقيق الأبيض ، ثم يضعن تلك الأقراص على أكفهن المحناة ، ثم يولجنها في فوهة التنور ويخبزنها بسرعة في جانبه ، ثم يضعن أسماك العربي المُمَلَّحة في قاعِهِ .
بعد الإفطار يبدأ الرجال رحلة التزاور والمعايدة فيما بينهم .. تتعالى أصواتهم وصيحات نداءاتهم على أبواب بعضهم :
ـــــ يا بو .......
ـــــ ( أقْدُمْ ) .. أقْدُمْ ..
ويبدأ العناق بين المهنئين ، فيتواصل المتباعدون ، ويتصالح المتخاصمون ، ويجتمع المتفرقون ، وتصفو القلوب ، وتزهر الابتسامات البيضاء على الشفاه .
يسكب الزائرون كؤوس التهنئة الحارة ، ويصب صاحب الدار القهوة في فناجين فخارية جميلة ، أو يسكب الشاي الأحمر في كاسات زجاجية صغيرة منقوشة بماء الذهب ولها مقابض زجاجية صغيرة ويقدمها لزائريه ناثرا فُلَّ الكلام
ـــــ أهلا وسهلا ، زارتنا البركة ، عيدكم سعيد ومبارك إن شاء الله .
يتنقل المعيدون بين البيوت حتى يقترب الظُّهر فيعودون إلى منازلهم ببطون متخمة ، وحموضة فاضت إلى الصدور مما شربوا من أشربة وأكلوا من أطعمة وحلويات ترضية ومجاملة لمضيفهم .
أطفال وطفلات الحي ينتشرون في الأزقة ، يطرقون أبواب الجيران ، يقدمون التهنئة لأهل الدار ، ويحصلون على هدايا العيد من حلويات أو نقود ، ثم يخرجون إلى الأزقة ؛ ليعبروا عن سعادتهم بالعيد بإشعال ( الطراطيع ) ، أو إنفاق عيدياتهم في المراجيح الشعبية المنصوبة في ساحة الحي الواسعة .
عصرا يخرج النساء في ملابسهن الزاهية ، وزينتهن الجميلة من كحل وحناء ( وحُسْن ) ، وأطيابهن وزهورهن الفوَّاحة من فُلٍّ وكاذٍ ( وبعيثران ) ؛ ليزرن بعضهن بعضا ، أما الرجال فيجتمعون في أماكن فسيحة خارج الحارة لممارسة بعض الألعاب أو الرقصات الشعبية ابتهاجا بالعيد السعيد .
آاااااه يا ذاك الزمان ! .
خرج الجد من بحر ذكرياته بآهة وحسرة على زمن طويت سجلاته ، وعادات يبست أوراقها ، وبهجة أفلت في غَيابة الماضي رافعا صوته مناديا حفيدته :
ـــــ يا داليا ، هَبي لي وأنا جدك فنجان قهوة ( بحرة ) ، الله يرضى عليك
لم يرد عليه أحد ؛ لأن الكل قد غط في نوم عميق ؛ ليستيقظ ليلا ، ويعاود السهر من جديد .
عاد إلى قعادته وفي قلبه غصة طازجة ، وعلى شفتيه الجافتين أربع كلمات مرتعشة :
( الله يرْحَمِكْ يا فاطَمْ محمِّدية ) .

***
الغيث
حصري

ولكنولكنولكن
للمزيد من مواضيعي

 

الموضوع الأصلي : عيد ولكن ...     -||-     المصدر :     -||-     الكاتب : الغيث





 توقيع : الغيث

علمتني الحياة أن أبني جسرا من الأمل فوق أي بحر من الأحزان

رد مع اقتباس
 
1 1 1 2 2 2 3 3 3 5 5 5 6 6 6 7 7 7 8 8 8 10 10 10 11 11 11 12 12 12 13 13 13 15 15 15 16 16 16 17 17 17 28 28 28 30 30 30 31 31 31 32 32 32 37 37 37 38 38 38 39 39 39 41 41 41 44 44 44 45 45 45 46 46 46 47 47 47