» يومٌ من عمري « | ||||||
|
آخر 10 مشاركات |
روابط تهمك | القرآن الكريم | الصوتيات | الفلاشات | الألعاب | الفوتوشوب | اليوتيوب | الزخرفة | قروب | الطقس | مــركز التحميل | لا باب يحجبنا عنك | تنسيق البيانات |
|
الكلِم الطيب (درر إسلامية) رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا |
رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
11-21-2024, 06:15 AM | #141 |
|
رد: الأخلاق المحمودة في الإسلام ( متجدد )
موضوعنا القادم سيكون ان شاء الله عن ( التَّثَبُّتُ )
وسأقوم بتناول المحاور التالية ان شاء الله أوَّلًا: معنى التَّثَبُّتِ لُغةً واصطِلاحًا ثانيًا: الفَرْقُ بَيْنَ التَّثَبُّتِ وغيرِه من الصِّفاتِ ثالثًا: التَّرغيبُ في التَّثَبُّتِ والحَثُّ عليه رابعًا: فوائِدُ التَّثَبُّتِ خامسًا: مظاهِرُ وصُوَرُ التَّثَبُّتِ سادسًا: موانِعُ التَّثَبُّتِ سابعًا: الوسائِلُ المعينةُ على اكتِسابِ صِفةِ التَّثَبُّتِ ثامنًا: نماذِجُ من التَّثَبُّتِ تاسعًا: حُكمُ التَّثَبُّتِ عاشرًا: أخطاءٌ شائعةٌ حولَ التَّثَبُّتِ حادي عشر: مَسائِلُ مُتفَرِّقةٌ ثاني عشر: التَّثَبُّتُ في واحةِ الأدَبِ |
نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا ! و ليتني ما أرضيت سواي ! على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات ! |
يوم أمس, 08:24 AM | #142 |
|
رد: الأخلاق المحمودة في الإسلام ( متجدد )
التَّثَبُّتُ
إن للتثبت أهمية عظيمة في حياة الناس، فعندما يبني الإنسان تصوراته، ويصدر أحكامه على أساس من العلم، وليس الظن والتخريص، فإن ذلك يحميه من الوقوع في ظلم الناس، واتهامهم في أعراضهم وأموالهم والتثبت يعدّ من أجل الآداب والأخلاق التي طالب الشرع بالتحلي بها والاتصاف بها. وإن من يتأمل في واقع الناس اليوم، وينظر في الكم الهائل من الأخبار التي نسمعها في كل يوم، ويرى الاختلاف والتباين بين مصادر هذه الأخبار، يدرك عظمة هذا الدين، وسمو هذا المنهج الذي دعا إليه الإسلام، وأمر به القرآن والسنة. ولذلك يقول سيد قطب: «التثبت من كل خبر ومن كل ظاهرة، ومن كل حركة قبل الحكم عليها، هو دعوة القرآن الكريم، ومنهج الإسلام الدقيق. ومتى استقام القلب والعقل على هذا المنهج لم يبق مجال للوهم والخرافة في عالم العقيدة، ولم يبق مجال للظن والشبهة في عالم الحكم والقضاء والتعامل، ولم يبق مجال للأحكام السطحية والفروض الوهمية في عالم البحوث والتجارب والعلوم وقد جاء الأمر بالتثبت في نصوص كثيرة، منها قول الله تعالى: ياأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين [الحجرات: ٦]. قال الشيخ السعدي: «والتثبت في سماع الأخبار وتمحصيها ونقلها وإذاعتها، والبناء عليها أصل كبير نافع، أمر الله به رسوله، قال تعالى: ياأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين فأمر بالتثبت، وأخبر بالأضرار المترتبة على عدم التثبت، وأن من تثبت لم يندم، وأشار إلى الميزان في ذلك في قوله تعالى: (أن تصيبوا قوما بجهالة) وأنه العلم والتحقق في الإصابة وعدمه، فمن تحقق وعلم كيف يسمع، وكيف ينقل وكيف يعمل، فهو الحازم المصيب، ومن كان غير ذلك فهو الأحمق الطائش الذي مآله الندامة» وعبر في الآية بحرف «إن» الذي يفيد التشكيك، ولم يقل: «إذا» لأنها تفيد التحقيق؛ ليبرهن على أن وقوع مثل هذا الحدث في المجتمع الإسلامي على سبيل الندرة، وأن الأصل في المؤمن الصدق. والأمر في الآية بالتثبت من خبر الفاسق «لأن الفاسق ضعيف الوازع الديني في نفسه، وضعف الوازع يجرؤه على الاستخفاف بالمحظور، وبما يخبر به في شهادة أو خبر يترتب عليهما إضرار بالغير أو بالصالح العام، ويقوي جرأته على ذلك دومًا إذا لم يتب ويندم على ما صدر منه ويقلع عن مثله» وتتضح أهمية التثبت في العلة والنتائج التي أمر الله من أجلها بالتثبت، فالعلة في قوله: (أن تصيبوا قوما بجهالة) «أي: تثبتوا - أيها المؤمنون- من صحة خبر الفاسق؛ لئلا تصيبوا قومًا بما يؤذيهم، والحال أنكم تجهلون حقيقة أمرهم، أو خشية أن تصيبوا قومًا بجهالة؛ لظنكم أن النبأ الذي جاء به الفاسق حقًّا» وأما النتائج المترتبة على عدم التثبت فذلك قوله تعالى: (فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) أي: فتندموا على ما فرط منكم وتتمنّوا أن لو لم تكونوا فعلتم ذلك. فالآية ترشدنا إلى وجوب التثبت من الأخبار، والتحذير من الاعتماد على مجرد الأقوال؛ منعًا من إلقاء الفتنة بين أفراد وجماعتهم، وأخذًا بالحيطة والحذر، وعدم إيذاء الآخرين بخطأ فادح، فيصبح المتسرع في الحكم والتصديق نادمًا على العجلة، وترك التأني والتأمل. وما أحوجنا في هذا الزمان لهذا الأدب الذي سهل فيه انتشار الأخبار بسرعة مذهلة، فبمجرد ضغطة زر ينتشر الخبر على الآلاف بل ملايين البشر، وبعض الناس لا يحتاج أن يضغط زرًّا، بل هو بنفسه مذياع ما أن يسمع الخبر إلا ويطير به طيرانًا، وهو لم يتأكد بعد من صحة الخبر وتفاصيله وأحداثه، وإنما تلقّفه ونشره وأذاعه. قال ابن الجوزي مبينًا أهمية التثبت: «ما اعتمد أحد أمرًا إذا هم بشيء مثل التثبت، فإنه متى عمل بواقعة من غير تأمل للعواقب، كان الغالب عليه الندم، ولهذا أمر الإنسان بالمشاورة؛ لأن الإنسان بالتثبت يطول تفكيره، فتعرض على نفسه الأحوال، وكأنه شاور، وقد قيل: «خمير الرأي خير من فطيره». وأشد الناس تفريطًا من عمل مبادرة في واقعة من غير تثبت ولا استشارة، خصوصًا فيما يوجب الغضب، فإنه بنـزقه طلب الهلاك واستتبع الندم العظيم، فالله الله، التثبت، التثبت في كل الأمور، والنظر في عواقبها» وإذا كانت آية سورة الحجرات أمرت بالتثبت في جميع الأحوال، فإن التثبت في حال الحروب آكد من غيرها؛ لكثرة الإشاعات والمغرضات في التثبيط من العزائم، قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا إن الله كان بما تعملون خبيرا [النساء: ٩٤]. وببيان سبب نزول الآية يتبين المراد، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رجل في غنيمة له، فلحقه المسلمون، فقال: السلام عليكم، فقتلوه وأخذوا غنيمته، فأنزل الله في ذلك إلى قوله: تبتغون عرض الحياة الدنيا . «فإذا كان من خرج للجهاد في سبيل الله، ومجاهدة أعداء الله، وقد استعد بأنواع الاستعداد للإيقاع بهم، مأمورًا بالتبين لمن ألقى إليه السلام، وكانت القرينة قوية في أنه إنما سلّم تعوذًا من القتل وخوفًا على نفسه - فإن ذلك يدل على الأمر بالتبين والتثبت في كل الأحوال التي يقع فيها نوع اشتباه، فيتثبت فيها العبد، حتى يتضح له الأمر ويتبين الرشد والصواب (إن الله كان بما تعملون خبيرا) فيجازي كلًّا ما عمله ونواه، بحسب ما علمه من أحوال عباده ونياتهم» قال الطبري في تفسير الآية: «فتأنّوا في قتل من أشكل عليكم أمره، فلم تعلموا حقيقة إسلامه ولا كفره، ولا تعجلوا فتقتلوا من التبس عليكم أمره، ولا تتقدموا على قتل أحد إلا على قتل من علمتموه يقينًا حربًا لكم ولله ولرسوله» نرى هنا أهمية التثبت كيف وضّحها الله سبحانه وتعالى، حتى في الحرب طلب منا التثبت، وهي مظنة قتال وخداع وغيره من أمور الحروب التي جرت عليها. ويزداد هذا الواجب توكيدًا إذا تعلّق الأمر بالدّماء والأعراض والأحكام الشّرعيّة؛ لما في انتشار الأخبار الكاذبة من ضرر عظيم، وشرّ جسيم. وتتبين أهمية التثبت في ذم الله تعالى المسارعين في نقل الأخبار، فقال: (وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وهو عند الله عظيم) [النور: ١٥]. ( يتبع ) |
نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا ! و ليتني ما أرضيت سواي ! على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات ! |
يوم أمس, 08:27 AM | #143 |
|
رد: الأخلاق المحمودة في الإسلام ( متجدد )
تابع – التثبت
وتتجلى أهمية التثبت في معرفة الأضرار الكثيرة الواقعة على الفرد والمجتمع من جراء عدم التثبت، فـ«المشاهد والواقع أن عدم التثبت وعدم التأني يؤديان إلى كثير من الأضرار والمفاسد، فقد يسمع الإنسان خبرًا، أو يقرأ نبأ في صحيفة، أو مجلة، فيسارع بتصديقه، ويعادي ويصادق، ويبني على ذلك التصرفات والأعمال التي يصدرها للمقاومة أو الموافقة، على أساس أنه حق واقع، ثم يظهر أنه كان مكذوبًا، أو محرفًا، أو مزورًا، أو مبالغًا فيه، أو مرادًا به غير ما فهمه الإنسان، ومن هنا يكتوي المتسرع بلهب الندم والحسرة بسبب استعجاله وعدم تثبته» وتأكيدًا لأهمية التثبت، وزيادة في الحرص على عدم ذيوع الإشاعات والأكاذيب في المجتمع، فقد أمرت الشريعة الإسلامية المؤمنين بالإعراض عن جميع أنواع اللغو وبأية صفة كانت وهيئة تبدّت، فهي من أعمال الجهل المنهي عنها، قال تعالى: وَإِذَا سَمِعُواْ ٱللَّغْوَ أَعْرَضُواْ عَنْهُ وَقَالُواْ لَنَآ أَعْمَٰلُنَا وَلَكُمْ أَعْمَٰلُكُمْ سَلَٰمٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِى ٱلْجَٰهِلِينَ [القصص: ٥٥]. وقال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ *الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ *وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ [المؤمنون: ١ - ٣]. فقد بيّنت الآيات أن التثبت والإعراض عن لغو الكلام سبب من أسباب الفلاح، وأن ذلك صفة ملازمة للمؤمنين. ولأجل ذلك حذر الشارع أشد التحذير من نقل الشخص لكل ما يسمعه، فعن حفص بن عاصم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كفى بالمرء كذبًا أن يحدّث بكل ما سمع) قال الإمام مالك: «اعلم أنّه ليس يسلم رجل حدّث بكل ما سمع، ولا يكون إمامًا أبدًا وهو يحدّث بكل ما سمع » قال النووي: «وأما معنى الحديث والآثار التي في الباب ففيها الزجر عن التحديث بكل ما سمع الإنسان، فإنه يسمع في العادة الصدق والكذب، فإذا حدّث بكل ما سمع فقد كذب؛ لإخباره بما لم يكن، وقد تقدم أن مذهب أهل الحق أن الكذب الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو، ولا يشترط فيه التعمد، لكن التعمد شرط في كونه إثمًا» وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (إن العبد ليتكلم بالكلمة، ما يتبين ما فيها، يهوي بها في النار، أبعد ما بين المشرق والمغرب) ففي قوله صلى الله عليه وسلم: (ما يتبين فيها) بيان أنه لا يتثبت من الخبر، ولا ما يدور حوله من معطيات ربما تكذّب هذا الخبر، فيكون أحد الكاذبين؛ لأنه استعجال دون تبين وتروي في الكلام. ولذلك قال ابن حجر رحمه الله: «لا يتطلب معناها، أي: لا يثبتها بفكره، ولا يتأملها حتى يتثبّت فيها فلا يقولها إلا إن ظهرت المصلحة في القول» من خلال ما سبق يتضح أن التثبت من كل الأخبار والأحداث قبل الحكم عليها هو دعوة القرآن الكريم ومنهج الإسلام الدقيق، حيث إن تلقّف الأخبار بغير تبين وتروي قد يحيلها أحيانًا إلى غير مقاصدها، وينتج عنها بعد ذلك خطر عظيم، والاستماع إلى الكذب لا يجوز؛ لأن مداومة الاستماع إليه مدعاة لتصديقه وترديده وترويجه بين الناس، وقد يلتقط بعض السامعين الأحاديث الكاذبة، ويرويها دون أن يبين حقيقتها، فيأخذها غيره ويرويها على أنها أحاديث صادقة وحقائق واقعة، وقد يؤدي الاستماع إلى الباطل والأكاذيب إلى استقرار شيء منها في النفس ولو بدون قصد. سأقوم من خلال هذا الموضوع بتناول المحاور التالية ان شاء الله أوَّلًا: معنى التَّثَبُّتِ لُغةً واصطِلاحًا ثانيًا: الفَرْقُ بَيْنَ التَّثَبُّتِ وغيرِه من الصِّفاتِ ثالثًا: التَّرغيبُ في التَّثَبُّتِ والحَثُّ عليه رابعًا: فوائِدُ التَّثَبُّتِ خامسًا: مظاهِرُ وصُوَرُ التَّثَبُّتِ سادسًا: موانِعُ التَّثَبُّتِ سابعًا: الوسائِلُ المعينةُ على اكتِسابِ صِفةِ التَّثَبُّتِ ثامنًا: نماذِجُ من التَّثَبُّتِ تاسعًا: حُكمُ التَّثَبُّتِ عاشرًا: أخطاءٌ شائعةٌ حولَ التَّثَبُّتِ حادي عشر: مَسائِلُ مُتفَرِّقةٌ ثاني عشر: التَّثَبُّتُ في واحةِ الأدَبِ ( يتبع ) |
نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا ! و ليتني ما أرضيت سواي ! على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات ! |
يوم أمس, 08:50 AM | #144 |
|
رد: الأخلاق المحمودة في الإسلام ( متجدد )
تابع – التثبت
معنى التَّثَبُّتِ لُغةً واصطِلاحًا التَّثَبُّتُ لُغةً: التَّثَبُّتُ: مَصدَرُ تَثَبَّت. والتَّثَبُّتُ: التَّأنِّي في الأمرِ وعَدَمُ الاستعجالِ فيه، يُقالُ: تَثَبَّت في رأيِه وأمرِه: إذا لم يَعجَلْ وتأنَّى فيه، واستَثْبَت في أمرِه: إذا شاوَر وفَحَص عنه . التَّثَبُّتُ اصطِلاحًا: التَّثَبُّتُ: التَّأنِّي وعَدَمُ التَّسرُّعِ في كُلِّ الأحوالِ التي يقَعُ للإنسانِ فيها نوعُ اشتباهٍ، حتَّى يتَّضِحَ له الأمرُ، ويتَبَيَّنَ الرُّشدَ والصَّوابَ والحقيقةَ، وإفراغُ الجُهدِ لمعرفةِ حقيقةِ الحالِ المرادِ . وبلَفظٍ آخَرَ: التَّأنِّي والتَّريُّثُ، وعدَمُ التَّسرُّعِ والعَجَلةِ في كُلِّ ما يأتي الإنسانُ من أقوالٍ وأعمالٍ وإصدارِ أحكامٍ، حتَّى يتَبَيَّنَ له الحَقُّ، ويظهَرَ له الصَّوابُ، ولا يندَمَ حيثُ لا ينفَعُ النَّدمُ . وقيل: التَّثَبُّتُ: تفريغُ الوُسعِ والجُهدِ لمعرفةِ حَقيقةِ الحالِ المرادِ . الفَرْقُ بَيْنَ التَّثَبُّتِ وغيرِه من الصِّفاتِ الفَرْقُ بَيْنَ التَّثَبُّتِ والتَّبَيُّنِ: يرى بعضُ العُلَماءِ أنَّ التَّثَبُّتَ والتَّبَيُّنَ بمعنًى واحدٍ، وذلك عِندَ توجيهِهم لقراءةِ فَتَبَيَّنُوا [الحجرات: 6] ، وفَتَثَبَّتُوا . فالمتَثَبِّتُ عِندَ هؤلاء متَبَيِّنٌ، والمتَبَيِّنُ متَثَبِّتٌ . ويرى البعضُ أنَّ بَيْنَهما فَرقًا؛ فقد قال أبو عليٍّ الفارسيُّ في توجيهِه للقراءةِ: (حُجَّةُ مَن قال: تَثَبَّتُوا: أنَّ التَّثَبُّتَ هو خلافُ الإقدامِ، والمرادُ التَّأنِّي، وخِلافُ التَّقدُّمِ، والتَّثَبُّتُ أشَدُّ اختصاصًا بهذا الموضِعِ. وممَّا يُبَيِّنُ ذلك قولُه: وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا [النساء: 66] أي: أشَدَّ وَقفًا لهم عمَّا وُعِظوا بألَّا يُقدِموا عليه. وممَّا يُقَوِّي ذلك قولُهم: تَثَبَّتْ في أمرِك. ولا يكادُ يُقالُ في هذا المعنى: تَبَيَّنْ. ومن قرَأ: فتَبَيَّنُوا فحُجَّتُه أنَّ التَّبَيُّنَ ليس وراءَه شيءٌ، وقد يكونُ تَبَيَّنْتُ أشَدَّ مِن تَثَبَّتُّ...، وقد قال الأعشى: كما راشِدٍ تَجِدَنَّ امرَأً تَبَيَّنَ ثمَّ ارعوى أو قَدِمْ فاستعمَل التَّبَيُّنَ في الموضعِ الذي يقِفُ فيه ناظِرًا في الشَّيءِ حتَّى يُقدِمَ عليه أو يرتَدِعَ عنه. فالتَّبَيُّنُ على هذا أَولى من التَّثَبُّتِ، وقال في موضِعِ الزَّجرِ والنَّهيِ والتَّوقُّفِ: أَزَيدَ مناةَ تُوعِدُ يا بنَ تَيمٍ تَبَيَّنْ أين تاهَ بك الوعيدُ . ومِن أوجُهِ الفَرْقِ التي وردت ما قاله أبو النَّجمِ النَّسَفيُّ: (إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا [الحجرات: 6] ، وقُرِئ فَتَثَبَّتُوا . التَّبَيُّنُ والاستبانةُ: التَّعرُّفُ والتَّفحُّصُ ليُعلَمَ، والتَّثَبُّتُ والاستِثباتُ: التَّأنِّي والتَّأمُّلُ لِيَظهَرَ) . وقال الشَّوكانيُّ: (المرادُ من التَّبَيُّنِ التَّعرُّفُ والتَّفحُّصُ، ومن التَّثَبُّتِ: الأناةُ وعَدَمُ العَجَلةِ، والتَّبصُّرُ في الأمرِ الواقِعِ والخبَرِ الوارِدِ حتَّى يتَّضِحَ ويَظهَرَ) . وقيل: (الرَّاجِحُ أنَّ بَيْنَهما فَرقًا، فلو لم يكُنْ بَيْنَهما فَرقٌ لَما جاءت القراءةُ الأُخرى باللَّفظِ الآخَرِ، فهناك فرقٌ بَيْنَهما...: أنَّ التَّبَيُّنَ يكونُ بالبَحثِ في الوسائِلِ المادِّيَّةِ التي من شأنِها أن تُرى وتُبانَ، بينما التَّثَبُّتُ يكونُ من جهةِ الأمورِ المَعنويَّةِ، كالسَّماعِ) . الفَرْقُ بَيْنَ التَّثَبُّتِ والنَّظَرِ: النَّظَرُ: تقليبُ البَصَرِ أو البصيرةِ لإدراكِ الشَّيءِ ورؤيتِه، وقد يرادُ به التَّأمُّلُ والفَحصُ، وعلى هذا فالنَّظَرُ وسيلةٌ من وسائِلِ التَّثَبُّتِ وتحقيقِه . الفَرْقُ بَيْنَ التَّثَبُّتِ والتَّحَرِّي: التَّحَرِّي: طَلَبُ الشَّيءِ بغالِبِ الرَّأيِ عِندَ تعذُّرِ الوقوفِ على حقيقتِه، وهو غيرُ الشَّكِّ والظَّنِّ؛ فالشَّكُّ: أن يستويَ طَرَفُ العِلمِ بالشَّيءِ والجَهلِ به، والظَّنُّ: أن يترجَّحَ أحَدُهما بغيرِ دليلٍ، والتَّحَرِّي: أن يترجَّحَ أحَدُهما بغالِبِ الرَّأيِ، وهو دليلٌ يُتوصَّلُ به إلى طَرَفِ العِلمِ وإن كان لا يُتوصَّلُ به إلى ما يوجِبُ حقيقةَ العِلمِ، ومن أجْلِه سُمِّيَ تحرِّيًا . ويظهَرُ من التَّعريفِ أنَّ التَّثَبُّتَ أقوى في الوقوفِ على الحقيقةِ من التَّحَرِّي؛ فالتَّحَرِّي دَرَجةٌ أدنى من التَّثَبُّتِ. ( يتبع ) |
نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا ! و ليتني ما أرضيت سواي ! على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات ! |
يوم أمس, 08:51 AM | #145 |
|
رد: الأخلاق المحمودة في الإسلام ( متجدد )
تابع – التثبت
الترغيب في التثبت والحث عليه أ- من القُرآنِ الكريمِ 1- قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ [الحجرات: 6] . أي: يا أيُّها الذين آمنوا إن جاءَكم أيُّ فاسِقٍ كان بأيِّ خَبَرٍ، فتمَهَّلوا وتوَقَّفوا عن قَبولِ خَبَرِه، حتَّى تتيقَّنوا منه، فتتَبَيَّنوا صِدقَه أو كَذِبَه، وتظهَرَ لكم الحقيقةُ، أَنْ تُصِيُبوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ أي: إنْ جاءَكم فاسِقٌ بنَبَأٍ فتَبَيَّنوا؛ لئلَّا تُصيبوا -خطَأً وجَهلًا منكم- قومًا بُرآءَ ممَّا قُذِفوا به بسَبَبِ تصديقِكم الفاسِقَ في خَبَرِه الكاذِبِ، فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ أي: فتندَموا -أيها المُؤمِنون- على إصابتِكم القومَ البُرآءَ بأذًى وضَرَرٍ؛ بسبَبِ تعَجُّلِكم في قَبوِل خَبرِ الفاسِقِ، وتركِكم التَّبَيُّنَ والتَّثَبُّتَ . قال الطَّبَريُّ بعدَ أن بَيَّنَ أنَّ عامَّةَ القُرَّاءِ قَرَؤوا (فتَبَيَّنُوا)، وقرأ أهلُ المدينةِ (فتَثَبَّتُوا)، وأنَّهما قراءتانِ معروفتانِ متقارِبتا المعنى يصيبُ القارئُ بأيَّتِهما قرأَ، وذَكَر عدَّةَ أسبابٍ في نزولِ الآيةِ: (فتَبَيَّنوا، بالباءِ، بمعنى: أمهِلوا حتَّى تَعرِفوا صِحَّتَه، لا تَعْجَلوا بقَبولِه، وكذلك معنى فتَثَبَّتوا) . وهذا من الآدابِ التي على أُولي الألبابِ التَّأدُّبُ بها واستعمالُها، وهو أنَّه إذا أخبَرَهم فاسِقٌ بخبَرٍ أن يتَثَبَّتوا في خَبَرِه، ولا يأخُذوه مجَرَّدًا؛ فإنَّ في ذلك خطَرًا كبيرًا، ووقوعًا في الإثمِ؛ فإنَّ خبَرَه إذا جُعِل بمنزلةِ خَبَرِ الصَّادِقِ العَدلِ حُكِم بموجِبِ ذلك ومُقتَضاه، فحَصَل من تَلَفِ النُّفوسِ والأموالِ بغيرِ حَقٍّ بسَبَبِ ذلك الخبرِ ما يكونُ سببًا للنَّدامةِ، بل الواجبُ عِندَ خبرِ الفاسِقِ التَّثَبُّتُ والتَّبَيُّنُ، فإن دلَّت الدَّلائِلُ والقرائنُ على صِدقِه عُمِل به وصُدِّق، وإن دلَّت على كَذِبه كُذِّب ولم يُعمَلْ به . وهذه الآيةُ الكريمةُ أصلٌ عظيمٌ في تصَرُّفاتِ وُلاةِ الأمورِ، وفي تعامُلِ النَّاسِ بعضِهم مع بعضٍ؛ من عَدَمِ الإصغاءِ إلى كُلِّ ما يُروى ويُخبَرُ به . 2- وقال تعالى مُنَبِّهًا على ضرورةِ تَثَبُّتِ الإنسانِ: وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [الإسراء: 36] . قال السَّعديُّ: (أي: ولا تَتبَعْ ما ليس لك به عِلمٌ، بل تَثَبَّتْ في كُلِّ ما تقولُه وتفعَلُه، فلا تظنَّ ذلك يذهَبُ لا لك ولا عليك) . 3- وقال تعالى آمِرًا بالتَّثَبُّتِ عِندَ وجودِ الشُّبهةِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا [النساء: 94] . فيه الأمرُ بالتَّثَبُّتِ عِندَ الشُّبهةِ، والنَّهيُ عن الإقدامِ عِندَها، وهكذا الواجِبُ على المُؤمِنِ الوقوفُ عِندَ اعتراضِ الشُّبهةِ في كُلِّ فِعلٍ وكُلِّ خَبرٍ . 4- وقال تعالى في خَطَرِ نَقلِ الكلامِ دونَ تَثَبُّتٍ منه: إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ [النور: 15] . معنى تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ أي: وَسائِلُ التَّلقِّي والعِلمِ لم تكُنْ مُعايَنةً، ولكنْ هي الألسِنةُ، وتقولونَه مُرَدِّدين ما سمِعتُم بأفواهِكم، ولم تؤمِنْ به قلوبُكم، ولم تعايِنوه وتَرَوه، بل انتقَلَت الكَلِماتُ من الألسِنةِ وردَّدتَها الأفواهُ من غيرِ عِلمٍ أو تَثَبُّتٍ؛ فالألسِنةُ قالته من غيرِ عِلمٍ، وردَّدتَه الأفواهُ من غيرِ عِلمٍ، واتَّخَذوه سَمَرًا، يُرَطِّبون فيه المجالِسَ بالإثمِ من غيرِ عِلمٍ، ظنًّا منهم أنَّه هَيِّنٌ لا أثَرَ له ولا إثمَ فيه، وأنَّ التَّفكُّهَ بهذا القولِ هو أمرٌ هَيِّنٌ، وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ، وذِكرُ اسمِ اللَّهِ تعالى توهينٌ لزعمِهم، وبيانٌ لعِظَمِ الإثمِ، وفيه توبيخٌ شديدٌ لهم؛ فليس ما ارتكبوه هَنةً صغيرةً، بل هو جريمةٌ كبيرةٌ . 5- وقال تعالى مُنَبِّهًا على ضرورةِ التَّثَبُّتِ من المعلومةِ قبلَ إذاعتِها: وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا [النساء: 83] . وفي هذا إنكارٌ على من يبادِرُ إلى الأمورِ قبلَ تحَقُّقِها، فيُخبِرُ بها ويُفشيها ويَنشُرُها، وقد لا يكونُ لها صِحَّةٌ . 6- قال اللَّهُ تعالى: وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ * لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ * فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ * إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ * أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ * اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ [النمل: 20 - 27] . قال السَّمعانيُّ: (فيه دليلٌ على أنَّ الملوكَ يجِبُ عليهم التَّثَبُّتُ فيما يُخبَرون) . قال ابنُ عُثَيمين عن قَولِه تعالى: قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (من فوائِدِ الآيةِ الكريمةِ: .... أنَّه ينبغي التَّثَبُّتُ في الخبَرِ، لا سيَّما عِندَ قيامِ الشُّبُهاتِ، وما هي الشُّبهةُ القائمةُ هنا؟ أنَّ الهُدهُدَ قال ذلك مدافَعةً، وإن كان بعيدًا؛ لأنَّه قال: وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ [النمل: 22] ، لكِنْ لمَّا كان هذا مقامَ دِفاعٍ، فإنَّه ينبغي أن يتَثَبَّتَ الإنسانُ أكثَرَ؛ ولهذا قال: سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ [النمل: 27] ، مع أنَّه قال: بِنَبَإٍ يَقِينٍ [النمل: 22] ) . ( يتبع ) |
نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا ! و ليتني ما أرضيت سواي ! على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات ! |
يوم أمس, 08:54 AM | #146 |
|
رد: الأخلاق المحمودة في الإسلام ( متجدد )
تابع – التثبت
الترغيب في التثبت والحث عليه ب- من السُّنَّةِ النَّبَويَّةِ - عن المُغيرةِ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: سَمِعتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: ((إنَّ كَذِبًا علَيَّ ليس ككَذِبٍ على أحَدٍ، من كَذَب عليَّ متعَمِّدًا فلْيتبوَّأْ مَقعَدَه من النَّارِ)) . قال الطِّيبيُّ: (فيه إيجابُ التَّحَرُّزِ عن الكَذِبِ على الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بأن لا يحَدَّثَ عنه إلَّا بما يَصِحُّ بنَقلِ الإسنادِ والتَّثَبُّتِ فيه) . وقال النَّوويُّ: (وأمَّا معنى الحديثِ والآثارِ التي في البابِ، ففيها الزَّجرُ عن التَّحديثِ بكُلِّ ما سمع الإنسانُ؛ فإنَّه يسمَعُ في العادةِ الصِّدقَ والكَذِبَ، فإذا حدَّث بكُلِّ ما سمع فقد كذَب لإخبارِه بما لم يكُنْ، وقد تقدَّم أنَّ مذهَبَ أهلِ الحَقِّ أنَّ الكَذِبَ الإخبارُ عن الشَّيءِ بخلافِ ما هو، ولا يُشتَرَطُ فيه التَّعمُّدُ، لكِنَّ التَّعمُّدَ شَرطٌ في كونِه إثمًا) . - عن بُريدةَ بنِ الحُصَيبِ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((جاء ماعزُ بنُ مالكٍ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: يا رسولَ اللهِ، طَهِّرْني. فقال: وَيْحَك! ارجِعْ فاستغفِرِ اللهَ وتُبْ إليه. قال: فرجَع غيرَ بعيدٍ، ثمَّ جاء فقال: يا رسولَ اللهِ، طَهِّرْني. فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ويحَك! ارجِعْ فاستغفِرِ اللهَ وتُبْ إليه. قال: فرجَع غيرَ بعيدٍ، ثمَّ جاء فقال: يا رسولَ اللهِ، طَهِّرْني، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِثلَ ذلك، حتَّى إذا كانت الرَّابعةُ قال له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: فيمَ أُطَهِّرُك؟ فقال: من الزِّنا. فسأل رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أبه جُنونٌ؟ فأُخبِرَ أنَّه ليس بمجنونٍ. فقال: أشرِبَ خمرًا؟ فقام رجلٌ فاستَنْكَهَه ، فلم يجِدْ منه ريحَ خَمرٍ. قال: فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أزَنَيتَ؟ فقال: نعَمْ. فأمَرَ به فرُجِمَ)) . قال القاضي عياضٌ: (وكان ترديدُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم له إذا لم يَقُمْ عليه بيِّنةٌ إلَّا لإقرارِه واستِبرائِه في إقرارِه، وتَثَبُّتًا في أمرِه، ورجاءً لرُجوعِه عن قَولِه، أو لتمامِ اعتِرافِه) . (وفيه دليلٌ على أنَّه يجِبُ على الإمامِ الاستفصالُ والبحثُ عن حقيقةِ الحالِ) . - وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه، أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إنَّ العبدَ ليَتكَلَّمُ بالكَلِمةِ ما يتَبَيَّنُ ما فيها، يهوي بها في النَّارِ أبعَدَ ما بَيْنَ المَشرِقِ والمَغرِبِ)) . قال ابنُ حَجَرٍ: (قولُه: "ما يتَبَيَّنُ فيها" أي: لا يتطَلَّبُ معناها، أي: لا يُثبِتُها بفِكرِه ولا يتأمَّلُها حتَّى يتَثَبَّتَ فيها، فلا يقولُها إلَّا إن ظهَرت المصلحةُ في القولِ) . - وعن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لو يُعطى النَّاسُ بدعواهم لادَّعى ناسٌ دِماءَ رِجالٍ وأموالَهم، ولكِنَّ اليمينَ على المدَّعى عليه)) . قال السَّعديُّ: (هذا الحديثُ عظيمُ القَدْرِ، وهو أصلٌ كبيرٌ من أصولِ القضايا والأحكامِ؛ فإنَّ القَضاءَ بَيْنَ النَّاسِ إنَّما يكونُ عِندَ التَّنازُعِ، هذا يدَّعي على هذا حَقًّا من الحقوقِ، فيُنكِرُه، وهذا يدَّعي براءتَه من الحَقِّ الذي كان ثابتًا عليه، فبيَّن صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أصلًا يَفُضُّ نزاعَهم، ويتَّضِحُ به المحِقُّ من المبطِلِ، فمَن ادَّعى عَينًا من الأعيانِ، أو دَينًا، أو حَقًّا من الحقوقِ وتوابِعِها على غيرِه، وأنكَره ذلك الغيرُ؛ فالأصلُ مع المُنكِرِ، فهذا المدَّعي إن أتى ببيِّنةٍ تُثبِتُ ذلك الحَقَّ، ثَبَت له وحُكِمَ له به، وإن لم يأتِ ببيِّنةٍ فليس له على الآخَرِ إلَّا اليمينُ، وكذلك من ادَّعى براءتَه من الحَقِّ الذي عليه، وأنكَر صاحِبُ الحَقِّ ذلك، وقال: إنَّه باقٍ في ذمَّتِه، فإنْ لم يأتِ مُدَّعي الوفاءِ والبراءةِ ببيِّنةٍ، وإلَّا حُكِم ببقاءِ الحَقِّ في ذِمَّتِه؛ لأنَّه الأصلُ. ولكِنْ على صاحِبِ الحقِّ اليمينُ ببقائِه) . ج- من أقوالِ السَّلَفِ والعُلَماءِ وغَيرِهم - قال مُعاويةُ رَضِيَ اللَّهُ عنه: (العاقِلُ يَسلَمُ من الزَّلَلِ بالتَّثَبُّتِ والأناةِ وتَركِ العجَلةِ، ولا يزالُ العَجِلُ يخشى النَّدامةَ) . - وقال سعيدُ بنُ العاصِ: (الحَزمُ في التَّثَبُّتِ، والخطَأُ في العَجَلةِ، والشُّؤمُ في البِدارِ) . - وقال الشَّعبيُّ: (أوَّلُ إشاراتِ العَفوِ التَّثَبُّتُ) . وقال أيضًا: (أصاب متأمِّلٌ أو كاد، وأخطَأَ مُستعجِلٌ أو كاد) . والمتأمِّلُ: المتَثَبِّتُ، تقولُ: تأمَّلَ فُلانٌ: إذا تَثَبَّت ونظَرَ في الأمرِ . - وقال ابنُ المقَّفِعِ: (أصلُ العَقلِ التَّثَبُّتُ، وثَمَرتُه السَّلامةُ) . وقال أيضًا: (لا يُضيعَنَّ الوالي التَّثَبُّتَ عندَما يقولُ، وعندما يُعطي، وعندما يَعمَلُ؛ فإنَّ الرُّجوعَ عن الصَّمتِ أحسَنُ من الرُّجوعِ عن الكلامِ، وإنَّ العطيَّةَ بعدَ المنعِ أجملُ من المنعِ بعدَ الإعطاءِ، وإنَّ الإقدامَ على العَمَلِ بعدَ التَّأنِّي فيه أحسَنُ من الإمساكِ عنه بعدَ الإقدامِ عليه. وكلُّ النَّاسِ محتاجٌ إلى التَّثَبُّتِ، وأحوجُهم إليه ملوكُهم الذين ليس لقولِهم وفِعلِهم دافِعٌ، وليس عليهم مُستَحِثٌّ) . - وقال يونُسُ بنُ عبدِ الأعلى: قال لي الشَّافعيُّ ذاتَ يومٍ: (يا يونُسُ، إذا بُلِّغتَ عن صديقٍ لك ما تَكرَهُه فإيَّاك أن تبادِرَ بالعداوةِ وقَطعِ الولايةِ، فتكونَ ممَّن أزال يقينَه بشَكٍّ، ولكِنِ الْقَهُ وقُلْ له: بلغَني عنك كذا وكذا، واحذَرْ أن تُسَمِّيَ المبَلِّغَ، فإن أنكَرَ ذلك فقُلْ له: أنت أصدَقُ وأبَرُّ، ولا تزيدَنَّ على ذلك شيئًا. وإن اعتَرَف بذلك فرأيتَ له في ذلك وجهًا بعُذرٍ فاقبَلْ منه، وإن لم يُرِدْ ذلك فقُلْ له: ماذا أرَدْتَ بما بلغني عنك؟ فإن ذَكَر ما له وَجهٌ من العُذرِ فاقبَلْه، وإنْ لم يذكُرْ لذلك وجهًا لعُذرٍ، وضاق عليك المَسلَكُ، فحينَئذٍ أثبِتْها عليه سَيِّئةً أتاها. ثمَّ أنت في ذلك بالخيارِ؛ إنْ شئتَ كافأتَه بمثلِه من غيرِ زيادةٍ، وإن شِئتَ عفوتَ عنه، والعفوُ أبلَغُ للتَّقوى، وأبلَغُ في الكَرَمِ؛ لقَولِ اللَّهِ تعالى: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [الشورى: 40] ، فإن نازعَتْك نفسُك بالمكافأةِ فاذكُرْ فيما سَبَق له لديك، ولا تبخَسْ باقيَ إحسانِه السَّالِفِ بهذه السَّيِّئةِ؛ فإنَّ ذلك الظُّلمُ بعينِه، وقد كان الرَّجُلُ الصَّالحُ يقولُ: رَحِم اللَّهُ من كافأني على إساءتي من غيرِ أن يزيدَ ولا يبخَسَ حَقًّا لي. يا يونُسُ، إذا كان لك صديقٌ فشُدَّ يَدَيك به؛ فإنَّ اتِّخاذَ الصَّديقِ صَعبٌ، ومفارقتَه سَهلٌ. وقد كان الرَّجُلُ الصَّالحُ يُشَبِّهُ سُهولةَ مفارقةِ الصَّديقِ بصَبيٍّ يَطرَحُ في البئرِ حَجَرًا عظيمًا، فيَسهُلُ طَرحُه عليه، ويصعُبُ إخراجُه على الرِّجالِ التُّرْكِ، فهذه وصيَّتي لك. والسَّلامُ) . - وكتب طاهِرُ بنُ الحُسَينِ لابنِه عبدِ اللَّهِ كتابًا لمَّا ولَّاه المأمونُ عبدُ اللَّهِ بنُ هارونَ الرَّشيدُ الرَّقَّةَ ومِصرَ وما بَيْنَهما، وفيه: (وقِفْ عِندَ الشُّبهةِ، وأبلِغْ في الحُجَّةِ، ولا يأخُذْك في أحَدٍ من رعيَّتِك محاباةٌ ولا محاماةٌ، ولا لومُ لائمٍ، وتَثَبَّتْ وتأنَّ، وراقِبْ وانظُرْ، وتدَبَّرْ وتفَكَّرْ، واعتبِرْ، وتواضَعْ لرَبِّك، وارْأَفْ بجميعِ الرَّعيَّةِ، وسَلِّطِ الحَقَّ على نفسِك، ولا تُسرِعَنَّ إلى سَفكِ دَمٍ؛ فإنَّ الدِّماءَ من اللَّهِ بمكانٍ عظيمٍ) . - وقال أبو عُثمانَ بنُ الحَدَّادِ: (من تأنَّى وتَثَبَّت تهيَّأَ له من الصَّوابِ ما لا يتهَيَّأُ لصاحِبِ البديهةِ) . - وقال أبو هلالٍ العَسكريُّ: (التَّثَبُّتُ والتَّأنِّي وسُكونُ النَّفسِ من تمامِ الشَّجاعةِ) . - وقال ابنُ حِبَّانَ: (الخائِبُ مَن خاب عن الأناةِ، والعَجِلُ مُخطِئٌ أبدًا، كما أنَّ المتَثَبِّتَ مصيبٌ أبَدًا) . - وقال أيضًا: (مِن علاماتِ الحُمقِ التي يجِبُ للعاقِلِ تفقُّدُها ممَّن خَفِي عليه أمرُه: سرعةُ الجوابِ، وتَركُ التَّثَبُّتِ، والإفراطُ في الضَّحِكِ، وكثرةُ الالتِفاتِ، والوقيعةُ في الأخيارِ، والاختلاطُ بالأشرارِ) . - وقال أبو حامِدٍ الغَزاليُّ: (الأعمالُ ينبغي أن تكونَ بعدَ التَّبصِرةِ والمعرفةِ، والتَّبصِرةُ تحتاجُ إلى تأمُّلٍ وتمهُّلٍ، والعَجَلةُ تمنَعُ من ذلك، وعندَ الاستعجالِ يُرَوِّجُ الشَّيطانُ شَرَّه على الإنسانِ من حيثُ لا يدري) . - وقال ابنُ الجَوزيِّ: (ما اعتَمَد أحدٌ أمرًا إذا هَمَّ بشيءٍ مِثلَ التَّثَبُّتِ؛ فإنَّه متى عَمِل بواقعةٍ من غيرِ تأمُّلٍ للعواقِبِ، كان الغالِبُ عليه النَّدَمَ؛ ولهذا أُمِر بالمشاورةِ؛ لأنَّ الإنسانَ بالتَّثَبُّتِ يفتَكِرُ، فتَعرِضُ على نفسِه الأحوالُ، وكأنَّه شاوَر، وقد قيل: خميرُ الرَّأيِ خيرٌ مِن فَطيرِه ، وأشدُّ النَّاسِ تفريطًا مَن عَمِل مبادرةً في واقعةٍ من غيرِ تَثَبُّتٍ ولا استشارةٍ، خُصوصًا فيما يوجِبُه الغَضَبُ؛ فإنَّه طَلَبُ الهلاكِ أو النَّدَمِ العظيمِ) . - وقال ابنُ تَيميَّةَ: (ما نَدِم مَن استخار الخالِقَ، وشاوَر المخلوقينَ، وتَثَبَّت في أمرِه) . - وقال الشَّاطبيُّ: (مَن طَلَب خلاصَ نَفسِه تَثَبَّت حتَّى يتَّضِحَ له الطَّريقُ، ومن تساهَل رمَتْه أيدي الهوى في معاطِبَ لا مَخلَصَ له منها، إلَّا ما شاء اللَّهُ) . - وقال السَّعديُّ: (مِن الغَلَطِ الفاحِشِ الخَطِرِ قَبولُ قَولِ النَّاسِ بعضِهم ببعضٍ، ثمَّ يبني عليه السَّامِعُ حُبًّا وبُغضًا ومَدحًا وذَمًّا، فكم حَصَل بهذا الغلَطِ أمورٌ صار عاقِبَتُها النَّدامةَ! وكم أشاع النَّاسُ عن النَّاسِ أمورًا لا حقائِقَ لها بالكُلِّيَّةِ، أو لها بعضُ الحقيقةِ فنمِيَت بالكَذِبِ والزُّورِ، وخُصوصًا مَن عُرِفوا بعَدَمِ المبالاةِ بالنَّقلِ، أو عُرِف منهم الهوى، فالواجِبُ على العاقِلِ التَّثَبُّتُ والتَّحَرُّزُ وعَدَمُ التَّسرُّعِ، وبهذا يُعرَفُ دِينُ العَبدِ ورزانتُه وعَقلُه) . ( يتبع ) |
نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا ! و ليتني ما أرضيت سواي ! على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات ! |
يوم أمس, 08:59 AM | #147 |
|
رد: الأخلاق المحمودة في الإسلام ( متجدد )
تابع – التثبت
فوائِدُ التَّثَبُّتِ 1- أنَّ التَّثَبُّتَ علامةٌ من علاماتِ الإيمانِ؛ فقد وجَّه اللَّهُ النِّداءَ لعبادِه المُؤمِنين بقَولِه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ [الحجرات: 6] ؛ فدَلَّ ذلك على أنَّ مِن علاماتِ الإيمانِ التَّثَبُّتَ في الأخبارِ. 2- السَّلامةُ من الأخطاءِ والوقايةُ من الاندفاعِ والتَّهَوُّرِ؛ لأنَّ التَّثَبُّتَ يَكسِبُ المتَثَبِّتَ القُدرةَ على التَّمييزِ بَيْنَ الحَقِّ والباطِلِ، والضَّلالِ والهُدى، والصَّوابِ والخَطَأِ. 3- التَّثَبُّتُ داعٍ إلى الثِّقةِ بالمُؤمِنين، ويُنبِئُ عن حُسنِ الظَّنِّ بهم؛ قال اللَّهُ تعالى: لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ * لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ [النور: 12-13] . 4- وقايةٌ للنَّفسِ من النَّدَمِ والحَسرةِ إذا أقدَمَت على الأمورِ دونَ تَثَبُّتٍ. 5- الاطمِئنانُ إلى ما يَصِلُ إليه المرءُ من نتائِجَ، أو يُقَرِّرُه من أحكامٍ. 6- المحافظةُ على الدِّماءِ والأموالِ. قال اللَّهُ تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا [النساء: 94] . 7- المتَثَبِّتُ يكونُ على بصيرةٍ من أمرِه، ويتجَنَّبُ الخطَأَ الذي يغلِبُ على مَن لم يتَثَبَّتْ في الأمورِ. 8- الشُّعورُ بالسَّكينةِ والطُّمأنينةِ النَّفسيَّةِ. 9- من فوائدِ التَّثَبُّتِ حينَ يلتزِمُ الإنسانُ به أنَّه لا يبقى مجالٌ للخُرافةِ والوَهمِ في جانبِ العقيدةِ، ولا يبقى مجالٌ للشُّبهةِ والظَّنِّ في جانبِ القضاءِ والحُكمِ والتَّعامُلِ، ولا يبقى مجالٌ للفُروضِ الوَهميَّةِ ولا للأحكامِ السَّطحيَّةِ في جانبِ العُلومِ والتَّجارِبِ والبُحوثِ. 10- تطهيرُ المجتَمَعِ المُسلِمِ من المُنافِقين، وكَشفُ مكايِدِهم، والحَذَرُ منها؛ فالتَّثَبُّتُ يُطَهِّرُ المجتَمَعَ المُسلِمَ من المُنافِقين وإرجافاتِهم التي لا تنفَكُّ عن الكَذِبِ، وإحداثِ البَلْبلةِ والفِتنةِ، والسَّعيِ إلى إيقاعِ المُسلِمين في الحَيرةِ والاضطرابِ. 11- يُعلِّمُ المُسلِمين أن يَضبِطوا ألسِنَتَهم، فلا تمتَدَّ إلى النَّاسِ بأيِّ سُوءٍ. 12- وقايةُ الأُسَرِ من التَّشتُّتِ والضَّياعِ الذي قد تحدِثُه الشَّائعاتُ والأكاذيبُ. 13- يحمي الجماعةَ المُسلِمةَ من أراجيفِ أعدائِها الذين يَبُثُّون شائعاتِهم لزعزعةِ وَحدتِهم، ويعيشُ المجتَمَعُ الملتَزِمُ بهذا الخُلُقِ الفاضِلِ في سلامٍ وأمانٍ؛ ممَّا يُسهِمُ في توثيقِ عُرى الأخُوَّةِ ووَحدةِ الصَّفِّ. 14- تحقيقُ العَدلِ بَيْنَ النَّاسِ. 15- يَبعَثُ الطُّمَأنينةَ في نُفوسِ النَّاسِ، فيأمَنون على أنفُسِهم وأموالِهم، ويجَنِّبُهم من وقوعِ الظُّلمِ عليهم . مظاهِرُ وصُوَرُ التَّثَبُّتِ من صُوَرِ التَّثَبُّتِ: 1- التَّثَبُّتُ في أمورِ العقيدةِ، وتَركُ اتِّباعِ الظُّنونِ فيها. قال تعالى مخبِرًا عن اعتقادِ النَّصارى الباطِلِ في عيسى عليه السَّلامُ بالظُّنونِ والأوهامِ دونَ التَّثَبُّتِ: وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا [النساء: 157] . 2- التَّثَبُّتُ قَبلَ نِسبةِ شيءٍ إلى اللَّهِ سُبحانَه، والحَذَرُ من القَولِ عليه بغيرِ عِلمٍ. قال تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [الأعراف: 33] . قال ابنُ القَيِّمِ: (فرتَّب المحَرَّماتِ أربَعَ مراتِبَ، وبدأ بأسهَلِها، وهو الفواحِشُ، ثمَّ ثَنَّى بما هو أشَدُّ تحريمًا منه، وهو الإثمُ والظُّلمُ، ثمَّ ثَلَّث بما هو أعظَمُ تحريمًا منهما، وهو الشِّركُ به سُبحانَه، ثمَّ ربَّع بما هو أشَدُّ تحريمًا من ذلك كُلِّه، وهو القولُ عليه بلا عِلمٍ، وهذا يعُمُّ القولَ عليه سُبحانَه بلا عِلمٍ في أسمائِه وصِفاتِه وأفعالِه، وفي دينِه وشَرعِه) . 3- التَّثَبُّتُ في قَبولِ الأخبارِ عن رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ لعِظَمِ خَطَرِ الكَذِبِ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. وتَركُ التَّثَبُّتِ في النَّقلِ عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قد يَدخُلُ في الكَذِبِ. عن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: ((كُنتُ في مجلِسٍ من مجالِسِ الأنصارِ إذ جاء أبو موسى كأنَّه مذعورٌ، فقال: استأذَنْتُ على عُمَرَ ثلاثًا، فلم يُؤذَنْ لي فرجَعْتُ، فقال: ما منَعَك؟ قلتُ: استأذَنتُ ثلاثًا فلم يؤذَنْ لي فرجَعْتُ، وقال رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إذا استأذَن أحَدُكم ثلاثًا فلم يؤذَنْ له فليرجِعْ، فقال: واللَّهِ لتُقيمَنَّ عليه ببَيِّنةٍ، أمنكم أحدٌ سمعِهَ من النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟ فقال أُبَيُّ بنُ كَعبٍ: واللَّهِ لا يقومُ معك إلَّا أصغَرُ القومِ، فكنتُ أصغَرَ القومِ، فقُمتُ معه، فأخبَرْتُ عُمَرَ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال ذلك)) . 4- التَّثَبُّتُ في الإفتاءِ في دينِ اللَّهِ سُبحانَه، وكان السَّلَفُ الصَّالحُ رِضوانُ اللَّهِ عليهم مع سَعةِ عِلمِهم وفِقهِهم لا يُكثِرون من إطلاقِ عِباراتِ التَّحليلِ والتَّحريمِ، وهذا من شِدَّةِ وَرَعِهم ومحاسَبتِهم لأنفُسِهم. يقول مالِكٌ: (لم يكُنْ من أمرِ النَّاسِ ولا مَن مضى مِن سَلَفِنا، ولا أدري أحدًا أقتدي به يقولُ في شيءٍ: هذا حلالٌ وهذا حرامٌ، ما كانوا يجترئون على ذلك! وإنَّما كانوا يقولون: نَكرَهُ هذا، ونرى هذا حَسَنًا، ونتَّقي هذا، ولا نرى هذا، ولا يقولون: هذا حلالٌ ولا حرامٌ!) . 5- التَّثَبُّتُ في أمرِ مَن يتعَلَّمُ منه المُسلِمُ أمورَ دينِه أو يستفتيه فيه، فينبغي عليه أن يجتَهِدَ ويتعَبَ، ويتَّقيَ اللَّهَ ويتَثَبَّتَ أشَدَّ التَّثَبُّتِ فيمن يأخُذُ منه ويرجِعُ إليه في هذا الشَّأنِ العظيمِ. قال الخطيبُ البَغداديُّ: (وإذا قَصَد أهلَ مَحلَّةٍ للاستفتاءِ عمَّا نَزَل به، فعليه أن يسألَ مَن يَثِقُ بدينِه ويَسكُنُ إلى أمانتِه، عن أعلَمِهم وأمثَلِهم؛ ليَقصِدَه ويؤمَّ نحوَه؛ فليس كُلُّ من ادَّعى العِلمَ أحرَزه، ولا كُلُّ من انتَسَب إليه كان من أهلِه) . 6- التَّثَبُّتُ وعَدَمُ التَّسرُّعِ في تنزيلِ النُّصوصِ الشَّرعيَّةِ على الواقِعِ، منها أشراطُ السَّاعةِ، وذلك بالتَّأكُّدِ من صِحَّةِ النُّصوصِ وثُبوتِها قَبلَ تنزيلِها وإسقاطِها على الوقائِعِ مع التَّحقُّقِ من مدى التَّطابُقِ بَيْنَ الحديثِ والواقِعِ، وانطباقِ جميعِ الأوصافِ الواردةِ في النَّصِّ عليه؛ فعن حَفصِ بنِ غِياثٍ، قال: قُلتُ لسُفيانَ الثَّوريِّ: يا أبا عبدِ اللَّهِ، إنَّ النَّاسَ قد أكثَروا في المَهديِّ، فما تقولُ فيه؟ قال: (إن مَرَّ على بابِك فلا تكُنْ منه في شَيءٍ حتَّى يجتَمِعَ النَّاسُ عليه) . 7- التَّثَبُّتُ في الوُقوفِ بدِقَّةٍ على المهِمَّةِ المُسنَدةِ إلى الإنسانِ حتَّى يُتِمَّها على أفضَلِ وَجهٍ، فعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال يومَ خيبَرَ: ((لأُعْطِيَنَّ هذِه الرَّايَةَ رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسولَه، يَفْتَحُ اللَّهُ علَى يَدَيْه. قال عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ: ما أحبَبْتُ الإمارةَ إلَّا يَومَئذٍ، قالَ: فتَسَاوَرْتُ لها رجَاءَ أن أُدْعَى لها، قال: فدَعا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَلِيَّ بنَ أبي طَالِبٍ، فأعطاه إيَّاها، وقال: امْشِ ولا تَلتَفِتْ، حتَّى يَفتَحَ اللَّهُ عليك. قال: فسار عَلِيٌّ شيئًا ثُمَّ وَقَفَ ولم يَلتَفِتْ، فصرَخَ: يا رَسولَ اللهِ، على ماذا أُقاتِلُ النَّاسَ؟ قال: قَاتِلْهم حتَّى يَشهَدوا أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللهِ، فإذا فَعَلوا ذلك فقد مَنَعوا منك دِماءَهم وأموالَهم إلَّا بحَقِّها، وحِسابُهم على اللَّهِ)) . ( يتبع ) |
نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا ! و ليتني ما أرضيت سواي ! على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات ! |
يوم أمس, 09:03 AM | #148 |
|
رد: الأخلاق المحمودة في الإسلام ( متجدد )
تابع – التثبت
مظاهر وصور التثبت 8-التَّثَبُّتُ قَبلَ إطلاقِ الألسِنةِ في الحُكمِ على النَّاسِ عُمومًا، والدُّعاةِ إلى اللهِ والعُلَماءِ خصوصًا بالتَّبديعِ والتَّفسيقِ والتَّكفيرِ؛ فهذه ظاهِرةٌ خطيرةٌ، لا تَصدُرُ ممَّن يتَّقي اللهَ ويراقِبُ أقوالَه. (وبهذا تعلَمُ أنَّ تلك البادِرةَ الملعونةَ من تكفيرِ الأئمَّةِ: النَّوَويِّ، وابنِ دقيقِ العيدِ، وابنِ حَجَرٍ العَسقلانيِّ -رحمهم اللهُ تعالى- أو الحَطِّ من أقدارِهم، أو أنَّهم مُبتَدِعةٌ ضُلَّالٌ! كُلُّ هذا من عَمَلِ الشَّيطانِ، وبابِ ضلالةٍ وإضلالٍ، وفسادٍ وإفسادٍ، وإذا جُرِح شُهودُ الشَّرعِ جُرِح المشهودُ به، لكِنَّ الأغرارَ لا يَفقَهون ولا يتَثَبَّتون!) . 9- التَّثَبُّتُ في مجالِ القَضاءِ بَيْنَ النَّاسِ والفَصلِ في أمورِهم: يقولُ الطَّاهِرُ بنُ عاشورٍ: (والأمرُ بالتَّبيينِ أصلٌ عظيمٌ في وُجوبِ التَّثَبُّتِ في القضاءِ، وأن لا يتتَبَّعَ الحاكِمُ القِيلَ والقالَ، ولا ينصاعَ إلى الجَولانِ في الخواطِرِ من الظُّنونِ والأوهامِ) . ومِن لوازِمِ التَّثَبُّتِ في القَضاءِ: أوَّلًا: أن يسمَعَ القاضي من الخَصمينِ، لا أن يسمَعَ كلامَ خَصمٍ دونَ الآخَرِ. ثانيًا: طَلَبُ البَيِّنةِ والدَّليلِ على الدَّعوى من خلالِ الشُّهودِ، أو طَلَبِ اليَمينِ من الطَّرَفِ الآخَرِ عِندَ النُّكولِ وعَدَمِ البَيِّنةِ، وهي وسيلةٌ من وسائلِ إثباتِ الحَقِّ الذي يدَّعيه المدَّعي؛ فقد قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لو يُعطى النَّاسُ بدعواهم لادَّعى ناسٌ دِماءَ رِجالٍ وأموالَهم، ولكِنَّ اليمينَ على المدَّعى عليه)) . ثالثًا: بناءُ الأحكامِ على العِلمِ واليقينِ، بعيدًا عن الشَّكِّ والتَّسرُّعِ؛ لأنَّ تبرئةَ المذنِبِ خيرٌ من إدانةِ البَريءِ . 10- التَّثَبُّتُ في نَقلِ أخبارِ الصُّحُفِ والمجلَّاتِ والمواقِعِ الإلكترونيَّةِ؛ حتَّى لا يندَمَ على تسرُّعِه في نَقلِ خَبرٍ يظهَرُ فيما بعدُ عدَمُ صِحَّتِه. (والمُشاهَدُ والواقِعُ أنَّ عَدَمَ التَّثَبُّتِ وعَدَمَ التَّأنِّي يؤدِّيانِ إلى كثيرٍ من الأضرارِ والمفاسِدِ؛ فقد يسمَعُ الإنسانُ خبرًا، أو يقرَأُ نبَأً في صحيفةٍ أو مجلَّةٍ، فيسارِعُ بتصديقِه، ويعادي ويصادِقُ، ويبني على ذلك التَّصَرُّفاتِ والأعمالَ التي يُصدِرُها للمقاومةِ أو الموافقةِ، على أساسِ أنَّه حَقٌّ واقِعٌ، ثمَّ يظهَرُ أنَّه كان مكذوبًا، أو محَرَّفًا، أو مزَوَّرًا، أو مبالَغًا فيه، أو مُرادًا به غيرُ ما فَهِمه الإنسانُ! ومِن هنا يكتوي المتسَرِّعُ بلَهَبِ النَّدَمِ والحَسرةِ؛ بسَبَبِ استعجالِه وعَدَمِ تَثَبُّتِه) . 11- التَّثَبُّتُ في قَبولِ الشَّهاداتِ، ولو كانت من إنسانٍ على نَفسِه؛ فعن أبي أُمَيَّةَ المخزوميِّ رَضِيَ اللَّهُ عنه: ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أُتِيَ بلِصٍّ قد اعترف اعترافًا ولم يوجَدْ معه متاعٌ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ما إخالُك سرَقْتَ! قال: بلى، فأعاد عليه مرَّتينِ أو ثلاثًا، فأمَر به فقُطِع، وجيءَ به، فقال: استَغفِرِ اللهَ وتُبْ إليه، فقال: أستغفِرُ اللهَ وأتوبُ إليه، فقال: اللَّهُمَّ تُبْ عليه ثلاثًا)) . قال الخطَّابيُّ: (وَجهُ هذا الحديثِ عندي -واللهُ أعلَمُ- أنَّه ظَنَّ بالمعتَرِفِ بالسَّرِقةِ غَفلةً أو يكونُ قد ظَنَّ أنَّه لا يَعرِفُ معنى السَّرِقةِ، ولعَلَّه قد كان مالًا له أو اختَلَسه أو نحوَ ذلك ممَّا يخرُجُ من هذا البابِ عن معاني السَّرِقةِ، والمُعترفُ به قد يحسَبُ أنَّ حُكمَ ذلك حُكمُ السَّرِقةِ، فوافقه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم واستَثْبَتَ الحُكمَ فيه؛ إذ كان من سُنَّتِه أنَّ الحُدودَ تُدرَأُ بالشُّبُهاتِ...، وأَمَرنا بالسَّترِ على المُسلِمين، فكَرِه أن يَهتِكَه وهو يجِدُ السَّبيلَ إلى سَترِه، فلمَّا تَبَيَّن وجودَ السَّرِقةِ منه يقينًا أقام الحَدَّ عليه وأمَر بقَطْعِه) . 12- التَّثَبُّتُ برَدِّ الأمورِ إلى أهلِ الخِبرةِ والدِّرايةِ والعِلمِ بها، وعدَمِ الاستعجالِ بإذاعةِ الأخبارِ التي تَضُرُّ بأمنِ الأفرادِ والمجتَمَعاتِ واستقرارِهم، وقد أخبر اللهُ سُبحانَه عن قومٍ ليسوا من أهلِ الخِبرةِ كانوا يذيعون الأخبارَ حتَّى يبلُغَ عَدُوَّهم أمرُهم قال تعالى: وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا [النساء: 83] . قال الزَّمخشَريُّ: (هم ناسٌ من ضَعَفةِ المُسلِمين الذين لم تكُنْ فيهم خِبرةٌ بالأحوالِ ولا استبطانٌ للأمورِ، كانوا إذا بلغَهم خَبَرٌ عن سرايا رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من أمنٍ وسلامةٍ أو خوفٍ وخَلَلٍ أَذَاعُوا بِهِ، وكانت إذاعتُهم مُفسِدةً، ولو ردُّوا ذلك الخبَرَ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وإلى أُولي الأمرِ منهم -وهم كُبَراءُ الصَّحابةِ البُصَراءِ بالأمورِ أو الذين كانوا يؤمَرون منهم- لَعَلِمَهُ لعَلِمَ تدبيرَ ما أخبَروا به الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ الذين يستخرِجون تدبيرَه بفِطَنِهم وتجارِبِهم، ومعرفتِهم بأمورِ الحَربِ ومكايِدِها) . 13- التَّثَبُّتُ في المجالِ الاقتِصاديِّ: للاقتصادِ أهمِّيَّتُه في حياةِ الفَردِ والمجتَمَعِ، بل وفي العالَمِ أجمَعَ. ويرتَبِطُ العالمُ اليومَ بروابطَ اقتصاديَّةٍ كبيرةٍ، فما يحدُثُ في منطِقةٍ أو دولةٍ من دُوَلِ العالمِ، غالِبًا تتأثَّرُ بها بقيَّةُ الدُّوَلِ سَلبًا أو إيجابًا، وبخاصَّةٍ في حالاتِ الحُروبِ والكوارِثِ. وبناءً على ذلك فالتَّثَبُّتُ في مجالِ الاقتصادِ من الأهمِّيَّةِ بمكانٍ؛ فيَجِبُ عَدَمُ نشرِ الإشاعاتِ والأخبارِ غيرِ الموثوقِ فيها حولَ الأمورِ الاقتصاديَّةِ، كالمسائِلِ المتعَلِّقةِ بالبيعِ والشِّراءِ، والأثمانِ، والسِّلَعِ المختَلِفةِ، وكذا الأمورُ الماليَّةُ والنَّقديَّةُ والتِّجاريَّةُ بصفةٍ عامَّةٍ؛ حيثُ إنَّ أكثَرَ من يتأثَّرُ بهذه الأخبارِ والإشاعاتِ أصحابُ الأموالِ والثَّرَواتِ الماليَّةِ الكبرى؛ ممَّا ينعَكِسُ سلبًا بالتَّأثيرِ على اقتصادِ الدَّولةِ. ومن الأمورِ الحيَويَّةِ الأكثَرِ تأثُّرًا في المجالِ الاقتِصاديِّ: سُوقُ المالِ (البورصة)، فهذه السُّوقُ تتأثَّرُ سَلبًا وإيجابًا بالأخبارِ الصَّادقةِ والكاذبةِ جرَّاءَ التَّثَبُّتِ وعَدَمِه . ( يتبع ) |
نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا ! و ليتني ما أرضيت سواي ! على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات ! |
يوم أمس, 09:06 AM | #149 |
|
رد: الأخلاق المحمودة في الإسلام ( متجدد )
تابع – التثبت
موانِعُ التَّثَبُّتِ 1- الغَفلةُ عن أوامِرِ القُرآنِ والسُّنَّةِ الدَّاعيةِ إلى التَّثَبُّتِ. 2- التَّسرُّعُ في اتِّباعِ الظُّنونِ، والاستنادُ إليها كأنَّها حقائِقُ. 3- الاغترارُ بالألفاظِ البرَّاقةِ، فكثيرًا ما يسمَعُ الإنسانُ مجموعةً من الألفاظِ البرَّاقةِ، والعباراتِ الخلَّابةِ، فيغَتَرُّ بهذه الألفاظِ وتلك العباراتِ، وتُعجِبُه بما لها من بريقٍ وزُخرُفٍ، ويتسَرَّعُ ويأخُذُ بها دونَ تَثَبُّتٍ. 4- الطَّيشُ والتَّسرُّعُ في قَبولِ الأنباءِ والأخبارِ، وإن تعلَّقَت بأحكامِ الشَّريعةِ. 5- اتِّباعُ ما لا دليلَ عليه أو برهانَ يدعَمُه ويؤكِّدُه. 6- عدَمُ المعرفةِ بأساليبِ التَّثَبُّتِ. 7- عدَمُ الاهتمامِ بعواقبِ ما ينقُلُه دونَ تَثَبُّتٍ وإن كان كَذِبًا صريحًا. 8- الغَضَبُ الذي يحمِلُ الإنسانَ على التَّسرُّعِ وتَركِ التَّثَبُّتِ. 9- الحُزنُ أو الحماسُ الذي يَغلِبُ على عاطفةِ الإنسانِ تجاهَ بَعضِ الأمورِ، فيمنَعُه التَّثَبُّتَ في أحكامِه. 10- النَّشأةُ والتَّربيةُ؛ فقد ينشَأُ المرءُ بَيْنَ أبوينِ سِمَتُهما عدَمُ التَّثَبُّتِ أو التَّبَيُّنِ، وكذلك البيئةُ المحيطةُ التي تُحدِثُ تأثيرًا على من يعيشُ فيها. 11- التَّعلُّقُ بعَرَضٍ زائلٍ من أعراضِ الدُّنيا، وذلك أنَّ حُبَّ الشَّيءِ يُعمي ويُصِمُّ، ويحولُ بَيْنَ الإنسانِ وبينَ استطلاعِ الموقِفِ وتَبَيُّنِ الحقيقةِ. 12- التَّعصُّبُ للآراءِ وشِدَّةُ الميلِ للمَذاهِبِ: قال ابنُ خَلدونَ: (إنَّ النَّفسَ إذا كانت على حالِ الاعتدالِ في قَبولِ الخَبَرِ أعطَتْه حَقَّه من التَّمحيصِ والنَّظَرِ حتَّى تتَبَيَّنَ صِدقَه مِن كَذِبِه، وإذا خامَرها تشيُّعٌ لرأيٍ أو نِحلةٍ قَبِلَت ما يوافِقُها من الأخبارِ لأوَّلِ وَهلةٍ، وكان ذلك الميلُ والتَّشيُّعُ غِطاءً على عَينِ بصيرتِها عن الانتِقادِ والتَّمحيصِ، فتقعُ في قَبولِ الكَذِبِ ونَقلِه) . الوسائِلُ المعينةُ على اكتِسابِ صِفةِ التَّثَبُّتِ 1- تقويةُ مَلَكةِ التَّقوى والمراقبةِ للهِ سُبحانَه وتعالى؛ فإنَّ هذه إن تأكَّدت في النَّفسِ فسوف تحمِلُ صاحِبَها حملًا على التَّأنِّي والتَّروِّي والإنصافِ. 2- انشِغالُ الإنسانِ بما يعنيه وانصرافُه عمَّا لا يعنيه. 3- أن يَعلَمَ أنَّ اللهَ سُبحانَه حَثَّ على التَّثَبُّتِ وأمَر به، فيَحرِصَ على القيامِ به على أكمَلِ وَجهٍ. 4- أن يَعلَمَ أنَّ اللهَ سُبحانَه أثنى على المتَثَبِّتين في أمورِهم، فيَحرِصَ أن يكونَ منهم. 5- سلامةُ الصَّدرِ من الأحقادِ. 6- أن يَعلَمَ أنَّه بالتَّثَبُّتِ لا يبقى مجالٌ للظَّنِّ والشُّبهةِ والأوهامِ في أحكامِه. 7- أن يَعلَمَ أنَّ الجوارِحَ والحواسَّ والقَلبَ أمانةٌ يُسأَلُ عنها صاحِبُها، فيَحرِصَ أن يجنِّبَها كُلَّ ما يَشينها، وألَّا يستَعمِلَها إلَّا في الحَقِّ. 8- أن يَعلَمَ أنَّ التَّثَبُّتَ فضيلةٌ ترجِعُ إلى الأمانةِ الكاملةِ والعَقلِ النَّاضِجِ. 9- أن يَعلَمَ أنَّ في التَّثَبُّتِ والحِرصِ عليه شجاعةً في الحَقِّ، وحَريٌّ بالمُؤمِنِ أن يكونَ شُجاعًا في الحَقِّ. 10- أن يَعلَمَ أنَّ التَّثَبُّتَ فيه اقتداءٌ برسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وبالمُؤمِنين الصَّالحين. 11- أن يَعلَمَ أنَّ التَّثَبُّتَ من أعظَمِ وسائِلِ أمانِ المجتَمَعِ وسلامتِه من الظُّنونِ والتَّخرُّصاتِ. 12- أن يَعلَمَ أنَّ من تحقَّق وعَلِم كيف يَسمَعُ وكيف ينقُلُ وكيف يعمَلُ، فهو الأقربُ إلى الحزمِ والإصابةِ في القولِ والعَمَلِ. 13- أن يلجأَ إلى اللهِ سُبحانَه ويسألَه الهدايةَ للتَّثَبُّتِ في أمورِه، فهو من أحسَنِ الأخلاقِ. 14- أن يَعلَمَ أنَّ تَرْكَ التَّثَبُّتِ والعجَلةَ في الأمورِ من أبوابِ الشَّيطانِ ومَداخِلِه. 15- أن يَعلَمَ أنَّ التَّسرُّعَ في اتِّخاذِ الأحكامِ، وعَدَمَ التَّبصُّرِ في العواقِبِ: عاقبتُه النَّدامةُ، والعاقِلُ لا يُقدِمُ على أمرٍ عاقبتُه الحَسرةُ والنَّدامةُ. 16- معايشةُ ومخالطةُ مَن اشتُهِروا بخُلُقِ التَّثَبُّتِ. 17- أن يداوِمَ على النَّظَرِ في سِيَرِ السَّلَفِ وأخبارِهم؛ ففيها النَّماذِجُ الحيَّةُ التي تجسِّدُ هذا التَّثَبُّتَ. 18- أن يتصَوَّرَ المُسلِمُ نفسَه في موطِنِ مَن يؤخَذُ بغيرِ تَثَبُّتٍ أو تَبَيُّنٍ؛ فإنَّ ذلك يحمِلُه على التَّثَبُّتِ؛ إذ ما لا يرضاه لنفسِه لا يرضاه لغيرِه. 19- أن يُلزِمَ نفسَه إحسانَ الظَّنِّ بالمُسلِمين . العوامِلُ التي تساعِدُ على التَّثَبُّتِ: هناك عوامِلُ عديدةٌ تساعِدُ على التَّثَبُّتِ بشكلٍ عامٍّ؛ منها: 1- عدمُ التَّسرُّعِ في تصديقِ الأخبارِ قَبلَ التَّأكُّدِ من صِحَّتِها أو كَذِبِها. 2- التَّأكُّدُ من ضَبطِ النَّقَلةِ وصِحَّةِ فَهمِهم. 3- الاعتمادُ على القرائِنِ في قَبولِ الأخبارِ ورَدِّها. 4- عدَمُ التَّسرُّعِ في اتخاذِ الأحكامِ والقراراتِ. 5- عَدَمُ الالتِفاتِ للألفاظِ البرَّاقةِ. 6- الاستِماعُ الجَيِّدُ، والمراجَعةُ الدَّقيقةُ لكُلِّ ما يُطلَبُ من الإنسانِ تنفيذُه من أوامِرَ. 7- الحُكمُ على الآخَرينَ من خلالِ التَّجربةِ والمُصاحبةِ والمعايشةِ. ( يتبع ) |
نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا ! و ليتني ما أرضيت سواي ! على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات ! |
يوم أمس, 09:10 AM | #150 |
|
رد: الأخلاق المحمودة في الإسلام ( متجدد )
تابع – التثبت
نماذج من التثبت أ- عِندَ الأنبياءِ والمُرسَلينَ سُلَيمانُ عليه السَّلامُ يتَثَبَّتُ ممَّا قَصَّه عليه الهُدهُدُ: قال تعالى على لِسانِ سُلَيمانَ عليه السَّلامُ بعدَما رجَع الهُدهُدُ، وأخبَره بأمرِ الملِكةِ: قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ [النمل: 27] . قال السَّمعانيُّ: (فيه دليلٌ على أنَّ المُلوكَ يجِبُ عليهم التَّثَبُّتُ فيما يُخبِرون) . ب- نماذِجُ من التَّثَبُّتِ عِندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: كان صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُعَلِّمُ أصحابَه التَّثَبُّتَ ويأمُرُهم به، وكان التَّثَبُّتُ منهجًا عَمَليًّا له صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فكان شديدَ الحِرصِ عليه، وربَّما اشتَدَّ غضَبُه إذا بلغَه نبأٌ يَحزُنُه جرَّاءَ حادثةٍ كان التَّثَبُّتُ سبيلًا للنَّجاةِ من الوُقوعِ فيها. - غَضَبُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على أسامةَ بنِ زَيدٍ لقَتْلِه رجلًا نطَق بالشَّهادةِ، ظَنًّا منه أنَّه قالها تعوُّذًا دونَ أن يتَثَبَّتَ مِن حُكمِه: عن أُسامةَ بنِ زيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما، قال: ((بعَثَنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى الحُرَقةِ ، فصَبَّحْنا القومَ فهَزْمناهم، ولحِقتُ أنا ورجُلٌ من الأنصارِ رجُلًا منهم، فلمَّا غَشِيناه قال: لا إلهَ إلَّا اللهُ، فكَفَّ الأنصاريُّ فطعَنْتُه برُمحي حتَّى قتَلْتُه، فلمَّا قَدِمْنا بلغ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: يا أُسامةُ، أقتَلْتَه بعدَ ما قال لا إلهَ إلَّا اللهُ؟! قُلتُ: كان مُتعَوِّذًا، فما زال يُكَرِّرُها، حتى تمنَّيتُ أنِّي لم أكُنْ أسلَمْتُ قَبلَ ذلك اليومِ)) . وفي روايةٍ: قال: ((قلتُ: يا رسولَ اللَّهِ، إنَّما قالها خوفًا من السِّلاحِ، قال: أفلَا شقَقْتَ عن قَلْبِه حتَّى تعلَمَ أقالها أم لا؟!)) . - تَثَبُّتُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وحِرصُه على سُؤالِ حاطِبٍ عن سَبَبِ كتابتِه إلى المُشرِكين: عن عَليٍّ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: ((بعَثَني رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأبا مَرثَدٍ الغَنَويَّ، والزُّبَيرَ بنَ العَوَّامِ، وكُلُّنا فارِسٌ، قال: انطَلِقوا حتَّى تأتوا روضةَ خاخٍ ؛ فإنَّ بها امرأةً من المُشرِكين، معها كتابٌ من حاطِبِ بنِ أبي بَلتَعةَ إلى المُشرِكين)) ... وفيه: فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((ما حمَلَك على ما صنَعْتَ؟! قال حاطِبٌ: واللهِ ما بي ألَّا أكونَ مؤمِنًا باللهِ ورسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أردْتُ أن يكونَ لي عندَ القومِ يدٌ يدفَعُ اللهُ بها عن أهلي ومالي، وليس أحَدٌ من أصحابِك إلَّا له هناك من عشيرتِه مَن يدفَعُ اللهُ به عن أهلِه ومالِه، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: صدَقَ، ولا تقولوا له إلَّا خيرًا)) . - النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لا يقاتِلُ أحَدًا من الكُفَّارِ إلَّا بعدَ التَّثَبُّتِ بأنَّهم لا يقيمونَ شعائِرَ الإسلامِ: عن أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه: (أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان إذا غزا بنا قومًا لم يكُنْ يغزو بنا حتَّى يُصبِحَ ويَنظُرَ، فإن سَمِع أذانًا كَفَّ عنهم، وإن لم يسمَعْ أذانًا أغار عليهم) . قولُه: (وينظُرُ): (أي: كان يتَثَبَّتُ فيه ويحتاطُ في الإغارةِ؛ حَذَرًا من أن يكونَ فيهم مُؤمِنٌ فيُغيرَ عليه غافِلًا عنه جاهِلًا بحالِه) . ج- نماذِجُ من التَّثَبُّتِ عِندَ الصَّحابةِ: الصَّحابةُ رَضِيَ اللَّهُ عنهم أحرَصُ النَّاسِ على امتثالِ أوامِرِ اللهِ سُبحانَه وتعالى بالتَّثَبُّتِ، وعَدَمِ اتِّباعِ ما لا دليلَ عليه؛ فكانوا رَضِيَ اللَّهُ عنهم مثالًا في التَّثَبُّتِ والتَّحَرِّي والاحتياطِ، وكانوا يَبذُلون غايةَ جُهدِهم في سَبيلِ تحقيقِ ذلك. - جابِرُ بنُ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللَّهُ عنهما يسافِرُ إلى الشَّامِ مَسيرةَ شَهرٍ ليتَثَبَّتَ من حديثٍ سَمِعَه عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: عن عبدِ اللهِ بنِ محمَّدِ بنِ عَقيلٍ، أنَّه سَمِع جابِرَ بنَ عبدِ اللَّهِ، يقولُ: بلغني حديثٌ عن رجُلٍ سمِعَه من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فاشتريتُ بعيرًا، ثم شدَدْتُ عليه رَحْلي، فسِرْتُ إليه شَهرًا، حتَّى قَدِمتُ عليه الشَّامَ، فإذا عبدُ اللهِ بنُ أُنَيسٍ، فقُلتُ للبوَّابِ: قُلْ له: جابِرٌ على البابِ، فقال: ابنُ عبدِ اللَّهِ؟ قلتُ: نعم، فخرَج يطَأُ ثوبَه فاعتَنَقني واعتنَقْتُه، فقُلتُ: حديثًا بلغَني عنك أنَّك سمِعْتَه من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في القِصاصِ، فخَشِيتُ أن تموتَ أو أموتَ قبل أن أسمعَه، قال: سمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: ((يُحشَرُ النَّاسُ يومَ القيامةِ -أو قال: العبادُ- عُراةً غُرْلًا بُهمًا. قال: قُلْنا: وما بُهْمًا؟ قال: ليس معهم شيءٌ، ثمَّ يناديهم بصَوتٍ يَسمَعُه مَن بَعُد كما يَسمَعُه مَن قَرُب: أنا المَلِكُ، أنا الدَّيَّانُ، ولا ينبغي لأحَدٍ من أهلِ النَّارِ أن يدخُلَ النَّارَ وله عِندَ أحدٍ من أهلِ الجنَّةِ حَقٌّ حتَّى أُقِصَّه منه، ولا ينبغي لأحَدٍ من أهلِ الجنَّةِ أن يدخُلَ الجنَّةَ ولأحَدٍ من أهلِ النَّارِ عِندَه حَقٌّ حتَّى أُقِصَّه منه، حتَّى اللَّطمةَ. قال: قُلْنا: كيف وإنَّا إنَّما نأتي اللهَ عزَّ وجَلَّ عُراةً غُرلًا بُهمًا؟! قال: بالحَسَناتِ والسَّيِّئاتِ)) . - عُمَرُ بنُ الخطَّابِ يتَثَبَّتُ من شكوى أهلِ حِمصَ من عامِلِه سَعيدِ بنِ عامِرِ بنِ حِذْيَمٍ: عن خالِدِ بنِ مَعْدانَ، قال: (استعمَلَ علينا عُمَرُ بنُ الخطَّابِ بحِمصَ سعيدَ بنَ عامِرِ بنِ حِذْيَمٍ الجُمَحيَّ، فلمَّا قَدِم عُمَرُ بنُ الخطَّابِ حِمصَ قال: يا أهلَ حِمصَ، كيف وجَدْتُم عامِلَكم؟ فشَكَوه إليه -وكان يُقالُ لأهلِ حِمصَ: الكُوَيفةُ الصُّغرى؛ لشِكايتِهم العُمَّالَ- قالوا: نشكو أربعًا: لا يخرُجُ إلينا حتَّى يتعالى النَّهارُ، قال: أعظِمْ بها! قال: وماذا؟ قالوا: لا يجيبُ أحدًا بليلٍ، قال: وعظيمةٌ! قال: وماذا؟ قالوا: وله يومٌ في الشَّهرِ لا يخرُجُ فيه إلينا، قال: عظيمةٌ! قال: وماذا؟ قالوا: يَغنِظُ الغَنظةَ بَيْنَ الأيَّامِ -يعني تأخُذُه موتةٌ - قال: فجَمَع عُمَرُ بَيْنَهم وبينَه، وقال: اللَّهُمَّ لا تُفَيِّلْ رأيي فيه اليومَ، ما تشكون منه؟ قالوا: لا يخرُجُ إلينا حتَّى يتعالى النَّهارُ، قال: واللهِ إن كُنتُ لأكرَهُ ذِكْرَه! ليس لأهلي خادِمٌ، فأعجِنُ عجيني ثمَّ أجلِسُ حتَّى يختَمِرَ ثمَّ أخبِزُ خُبزي، ثمَّ أتوضَّأُ ثمَّ أخرُجُ إليهم. فقال: ما تشكون منه؟ قالوا: لا يجيبُ أحَدًا بليلٍ، قال: ما تقولُ؟ قال: إنْ كُنتُ لأكرَهُ ذِكْرَه! إنِّي جعَلْتُ النَّهارَ لهم، وجعَلْتُ اللَّيلَ للهِ عزَّ وجَلَّ، قال: وما تشكون؟ قالوا: إنَّ له يومًا في الشَّهرِ لا يخرُجُ إلينا فيه، قال: ما تقولُ؟ قال: ليس لي خادِمٌ يَغسِلُ ثيابي، ولا لي ثيابٌ أُبَدِّلُها، فأجلِسُ حتَّى تَجِفَّ، ثمَّ أدلُكُها ثمَّ أخرُجُ إليهم من آخِرِ النَّهارِ. قال: ما تشكون منه؟ قالوا: يَغنِظُ الغَنظةَ بَيْنَ الأيَّامِ، قال: ما تقولُ: قال: شَهِدتُ مَصرَعَ خُبَيبٍ الأنصاريِّ بمكَّةَ وقد بَضَعَت قرَيشٌ لحمهَ، ثمَّ حملوه على جَذعةٍ، فقالوا: أتحِبُّ أنَّ محمَّدًا مكانَك؟ فقال: واللهِ ما أحِبُّ أنِّي في أهلي وولدي وأنَّ محمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم شِيكَ بشوكةٍ! ثمَّ نادى: يا محمَّدُ! فما ذكَرْتُ ذلك اليومَ وتَرْكي نُصرتَه في تلك الحالِ، وأنا مُشرِكٌ لا أؤمِنُ باللهِ العظيمِ، إلَّا ظَنَنتُ أنَّ اللهَ عزَّ وجَلَّ لا يغفِرُ لي بذلك الذَّنبِ أبدًا! قال: فتُصيبني تلك الغَنظةُ. فقال عُمَرُ: الحمدُ للهِ الذي لم يُفَيِّلْ فِراستي! فبَعَث إليه بألفِ دينارٍ، وقال: استَعِنْ بها على أمرِك، فقالت امرأتُه: الحمدُ للهِ الذي أغنانا عن خِدمتِك، فقال لها: فهل لكِ في خيرٍ مِن ذلك؟ ندفَعُها إلى من يأتينا بها أحوَجَ ما نكونُ إليها! قالت: نعم، فدعا رجلًا من أهلِ بيتِه يَثِقُ به فصَرَّها صُرَرًا، ثمَّ قال: انطَلِقْ بهذه إلى أرمَلةِ آلِ فُلانٍ، وإلى يتيمِ آلِ فلانٍ، وإلى مسكينِ آلِ فلانٍ، وإلى مُبتلى آلِ فُلانٍ، فبَقِيَت منها ذُهَيبةٌ، فقال: أنفِقي هذه، ثمَّ عاد إلى عَمَلِه، فقالت: ألا تشتري لنا خادِمًا! ما فَعَل ذلك المالُ؟! قال: سيأتيكِ أحوَجَ ما تكونينَ!) . - تَثَبُّتُ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما في حديثِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: عن مجاهِدٍ، قال: جاء بشيرٌ العَدَويُّ إلى ابنِ عَبَّاسٍ، فجعَل يحدِّثُ، ويقولُ: قال رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فجعل ابنُ عبَّاسٍ لا يأذَنُ لحديثِه، ولا ينظُرُ إليه، فقال: يا ابنَ عبَّاسٍ، ما لي لا أراك تسمَعُ لحديثي، أحَدِّثُك عن رسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولا تَسمَعُ؟! فقال ابنُ عبَّاسٍ: (إنَّا كُنَّا مرَّةً إذا سَمِعْنا رجلًا يقولُ: قال رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ابتدَرَتْه أبصارُنا، وأصغَينا إليه بآذانِنا، فلمَّا رَكِبَ النَّاسُ الصَّعبَ والذَّلولَ، لم نأخُذْ من النَّاسِ إلَّا ما نَعرِفُ!) . ( يتبع ) |
نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا ! و ليتني ما أرضيت سواي ! على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات ! |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 13 ( الأعضاء 0 والزوار 13) | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
الأخلاق المذمومة في الإسلام ( متجدد ) | البراء | الكلِم الطيب (درر إسلامية) | 352 | 11-17-2024 10:26 PM |
الأخلاق أرزاق | فاطمة | الكلِم الطيب (درر إسلامية) | 14 | 07-16-2024 05:02 PM |
الأخلاق وهائب….!!!! | النقاء | الكلِم الطيب (درر إسلامية) | 12 | 02-25-2024 02:59 PM |
ربيع الأخلاق | بُشْرَى | الصحة والجمال،وغراس الحياة | 4 | 05-15-2023 12:50 PM |
الأخلاق وهائب | المهرة | الكلِم الطيب (درر إسلامية) | 5 | 03-16-2021 10:07 PM |