الأخلاق المحمودة في الإسلام ( متجدد )

تابع – الإنصات

حُكمُ الإنصاتِ
يختلِفُ حُكمُ الإنصاتِ باختِلافِ المسموعِ؛ فإذا كان الكلامُ ممَّا يُحبُّه اللهُ ويرضاه فسماعُه مُستحَبٌّ أو واجِبٌ، مِثلُ وُجوبِ الإنصاتِ في أثناءِ الخُطبةِ، واستماعِ المأمومِ لقراءةِ الإمامِ في الصَّلاةِ؛ قال تعالى: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأعراف: 204] ، قال الإمامُ أحمَدُ: (أجمَع النَّاسُ أنَّ هذه الآيةَ في الصَّلاةِ والخُطبةِ) ، وما سِوى ذلك فالاستماعُ للقرآنِ مُستحَبٌّ، قال العُثَيمينُ: (وأمَّا الذي يقرأُ إلى جَنبِك فلا يلزَمُك أن تستمِعَ إليه) .
ولا يجوزُ الاستماعُ إلى ما يُبغِضُه اللهُ تعالى، فيحرُمُ سماعُ الغِيبةِ، والمعازِفِ، والفاحِشِ مِن القولِ؛ يقولُ الشَّاعِرُ ينعى على قومٍ ينتصِتونَ عند الغِيبةِ:
صُمٌّ إذا سمِعوا خيرًا ذُكِرْتُ به
وإن ذُكِرْتُ بسوءٍ عندَهم أذِنوا
وبالجملةِ يحرُمُ سماعُ كُلِّ ما يضُرُّ العَبدَ في دينِه؛ كسماعِ الباطِلِ كلِّه، إلَّا إذا تضمَّن ردَّه وإبطالَه والاعتبارَ به، وقصَد أن يعلَمَ به حُسنَ ضدِّه؛ فإنَّ الضِّدَّ يُظهِرُ حُسنَه الضِّدُّ، كما قيل:
وإذا سمعْتُ إلى حديثِك زادني
حبًّا له سمعي حديثَ سِواكا
وبَينَ هذا وذاك نوعٌ مُباحٌ، وهو سماعُ ما لم يمدَحِ اللهُ تعالى صاحِبَه ولم يذُمَّه .

أخطاءٌ شائِعةٌ حولَ الإنصاتِ
مِن الخطأِ أن يظُنَّ المرءُ أنَّه مَعفوٌّ مِن الإثمِ إن حضَر مجالِسَ الباطِلِ مُنصتًا لِما يُقالُ فيها دونَ إنكارٍ أو اعتِزالٍ؛ كحضورِ المجالِسِ التي تُنتهَكُ فيها حُرُماتُ الدِّينِ، أو يُستهزَأُ فيها بالمُؤمِنينَ؛ فالمُستمِعُ شريكُ القائِلِ إذا لم يُنكِرْ عليه، قال اللهُ تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا [النساء: 140] ، (يعني: وقد نزَّل عليكم أنَّكم إن جالَسْتُم مَن يكفُرُ بآياتِ اللهِ ويستهزِئُ بها وأنتم تسمعونَ فأنتم مِثلُه، يعني: فأنتم إن لم تقوموا عنهم في تلك الحالِ مِثلُهم في فِعلِهم؛ لأنَّكم قد عصَيْتُم اللهَ بجُلوسِكم معَهم، وأنتم تسمَعونَ آياتِ اللهِ يُكفَرُ بها ويُستهزَأُ بها، كما عصَوه باستهزائِهم بآياتِ اللهِ؛ فقد أتَيتُم مِن معصيةِ اللهِ نَحوَ الذي أتَوه منها؛ فأنتم إذًا مِثلُهم في رُكوبِكم معصيةَ اللهِ، وإتيانِكم ما نهاكم اللهُ عنه) ، وقال تعالى: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [الأنعام: 68] ، فيجبُ أن يُنزِّهَ الإنسانُ سمعَه كما يُنزِّهُ لسانَه، وقد أنشَد بعضُهم:
فسمعَك صُنْ عن سماعِ القبيحِ
كصونِ اللِّسانِ عن النُّطقِ بهْ
فإنَّك عندَ سماعِ القبيحِ
شريكٌ لقائِلِه فانتبِهْ
قال أحمَدُ بنُ يحيى الوزيرُ: (خرج الشَّافعيُّ يومًا مِن سوقِ القناديلِ مُتوجِّهًا إلى حُجرتِه، فتبِعناه، فإذا رجُلٌ يُسفِّهُ على رجُلٍ مِن أهلِ العِلمِ، فالتفَت إلينا الشَّافِعيُّ، فقال: نزِّهوا أسماعَكم عن استماعِ الخنا كما تُنزِّهونَ ألسِنتَكم عن النُّطقِ به؛ فإنَّ المُستمِعَ شريكُ القائِلِ) .


( يتبع )

تابع – الإنصات

الإنصات في واحة الأدب
أ- من الشعر

1- قال أبو تمَّامٍ:
مَن لي بإنسانٍ إذا أغضَبْتُهُ
وجهِلْتُ كان الحِلمُ رَدَّ جوابِهِ
وتراهُ يُصغي للحديثِ بطَرفِه
وبقَلبِه ولعلَّه أدرى به .
2- وقال عَديُّ بنُ زيدٍ:
أيُّها القَلبُ تعلَّلْ بدَدَنْ
إنَّ همَّي في سَماعٍ وأَذَنْ .
3- وقال آخَرُ:
تحسَبُه مُستمِعًا مُنصِتًا
وقَلبُه في أمَّةٍ أخرى
4- وقال ابنُ سَهلٍ الأندلُسيُّ:
وإليكَها ابنةَ ساعةٍ لا تلتقي
إلَّا بسَمعٍ مُنصِتٍ أو مُنصِفِ .
5- وقيل:
إذا قالت حَذامِ فأنصِتوها
فإنَّ القولَ ما قالت حَذامِ

ب- من الأمثالِ والحكمِ

1- مِن الأمثالِ: أصَمُّ عمَّا ساءه سميعُ.
أي: يسمعُ الحَسنَ ويتصامَمُ عن القبيحِ، فِعلَ الرَّجلِ الكريمِ .
2- (النَّدمُ على السُّكوتِ خيرٌ مِن النَّدمِ على القولِ) .
3- اسمَعْ ولا تُصدِّقْ .
4- (مُخرَنبِقٌ ليَنباعَ): والمعنى: (مُطرِقٌ ومُنصِتٌ وساكِتٌ ليثِبَ إذا أصاب فُرصةً؛ فهو ساكِتٌ لداهيةٍ يُريدُها، ويُضرَبُ في الرَّجلِ يُطيلُ الصَّمتَ والإنصاتَ حتَّى يُحسَبَ مُغفَّلًا، وهو ذو نَكراءَ) .

موضوعنا القادم سيكون إن شاء الله عن ( الإيثار )

سوف اتناول من خلال موضوعي عن الإيثار المحاور التالية إن شاء الله

1- معنى الإيثَار لغةً واصطلاحًا
2- الفرق بين الإيثَار والسَّخاء والجود
3- التَّرغيب في الإيثار
4- فوائد الإيثَار
5- أقسام الإيثَار
6- درجات الإيثَار
7- موانع اكتساب صفة الإيثَار
8- الوسائل المعينة على اكتساب الإيثَار
9- نماذج للإيثار
10- أقوالٌ وحكمٌ في الإيثَار
11- الإيثَار في واحة الشِّعر