"إن جاءكم فاسق بنبأ "

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الْياسَمِينْ

أتحدث عن الإحساس بالذنب، هذه العقدة النادرة التي تمكنت مدنية هذا القرن مشكورة من استئصال شأفتها من النفوس، حتى لم تعد توجد إلا عند شرذمة قليلة ممن لم ينصاعوا للعلاج، فظلوا محصورين ضمن تعاليم القرن الأول الهجري.
أن تحس بالذنب- حسب تعريف علم النفس- يعني أنك أدركت خطأك بعد فوات الأوان، فتضطرب، وتقلق، وتبصق على نفسك مقدارًا يتناسب مع حجم إحساسك البغيض، ولن ينفعك أن تولول كثورٍ أصيب بالفضيحة.
دعني أضعك في صورة حدث…
مثال بسيط جدًا..
لنفرض جدلا أنك- أنا لا أعنيك أنت بالذات ولكني أفترض-
لنفترض أنك تحمل فكرة قبيحة عن فلان الفلاني، أنه مثلا، نذل، ودنيء، ومنحرف وتافه، وسخيف ومؤلم ومنحط وحشرة ، وما إلى ذلك..
وهو يعرف أن هذا هو رأيك فيه
-هذه نقطة مهمة في مثالنا-
تلتقيه يوما في مناسبة ما، مصادفة أو مع سبق الترصد، فيحييك بأدب، ويجاملك بلباقة، ويحدثك بود، ويسألك عن صحة المدام، ويضحك لنكاتك السخيفة، ويقنعك بآرائه، وما أن يغادرك حتى تبدو كرجل مسلوب، كحصان مصاب بدوار الخيل..
ماذا سيحدث لك؟
إن قلت لا شيء ، فأنت أبله، غبي وبعبارة أخرى، أنت مصاب بالحضارة..
إن جهازك العصبي سيضطرب شئت أم أبيت- هذا تشخيص طبي وليس من عندي- ..
وستحدث في عقلك فوضى لا تنفعها كل هندسة الديكور، وكلما قابلته بعد ذلك، ستتخبط في كلامك مثل عصفور علق جناحه، تتعثر حول موضوع النقاش، وتناور بحثًا عن ثغرة للدخول ، وفي النهاية، تستسلم كفأر يائس، بل وأغامر بالقول أنك لن تجرؤ على تفنيد مزاعمه حتى لو أصرّ على أن كوكب الأرض شبه منحرف ، قائم الزاوية وأن لويس الرابع عشر كان عضوًا في الكونغرس الأمريكي.
إنّك تحس بالذنب- هنا بيت القصيد-
تشعر بأنك ظلمته واعتديت عليه، وإذا كنت تملك ذرة إضافية من العقل فسوف تدرك أن خيبة أملك فيه، هي دليل قاطع دامغ لاريب فيه، على جهلك وغبائك وتسرعك في إطلاق الأحكام على الآخرين.
إذا سترافق عقدة الذنب هذه، عقدة أخرى أشد استحكامًا، هي اكتشافك لنفسك الموبوءة بالرعونة والطيش ، عندما نطقت بحكمك الأول عليه.
تبدأ باستعراض الماضي: الوقائع والأدلة والقرائن والشهود، ثم حيثيات الحكم وأخيرًا قرار الإدانة.
بأمانة ذاتية وصدق مع نفسك تعترف بأنك لم تنظر في الوقائع ولا الأدلة ولا في القرائن ولا استمعت إلى شهود عدل..
فورًا قرار ظالم يستند على حيثيات منهارة، هي عبارة عن افتراءات لا محل لها من الإعراب، المشكلة الآن مع نفسك، ففلان الفلاني هذا لم يعد له دور..
كان واحدًا من اثنين:
1- إما أنه لم يبال بحكمك عليه ولم يتعطف بالرد عملًا بقول الشاعر
إذا جاريت في خلق دنئيًا
فأنت ومن تجاريه سواء
وهو كره أن يساويك فلم يجارك، فبالتالي فهو أكبر منك نفسًا.
2- إما أنه سامحك وغفر لك، وبالتالي فهو أفضل منك خُلقًا.
المشكلة الآن مع نفسك، بل المشاكل ، فهي ليست واحدة:
هناك أولًا افتراءاتك عليه، وهناك ثانيًا حكمك العلني ضده، وهناك ثالثًا تغاضيه عن حقارتك، أو عفوه عنك، أي أفضليته عليك، ثم، لماذا هو أفضل منّي ؟
-هكذا ستتساءل بكل وقاحة-
فبعد كل ما جرى تريد أن تكون أنت الأفضل؟ أمرك عجيب.
نعود الآن إلى الأمانة الذاتية والصدق مع النفس.. إذا وقعت بينهما فعلى الدنيا السلام.!
سوف تلخص كل إحساساتك في لعنة موزونة تسددها بإحكام على رأسك الأجوف، ثم تتخذ قرارًا شبه حكيم
إذا التقيت خصمك في الطريق يجب أن تفر من وجهه، طبعًا و، وإلا بأي لون تقابله؟
ليس لديك إلا احمرار الوجنتين واصفرار الشفتين وتغضن الجبين، أما اللون الوردي الطبيعي الذي يتمتع به كل خلق الله، فأنت لم تعد تملكه، أنت مسلوب الصفات النظامية، محتل، وهذا النوع من الاحتلال، هو الوحيد الذي لاتنفع معه ثورة أو تمرد أو انتفاضة، ولا يجتمع من أجله مجلس الأمن الدولي أو الأمم المتحدة.
سأسديك نصيحة لوجه الله:
لا تتسرع في إطلاق الأحكام ، ولا تستند إلى تخميناتك البتة..
" إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قومًا بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين"
وهذه الآية تنطبق عليك وعلى من يوسوس لك- شكرًا.

بقلمي…….

مقال ممتع بطريقة طرحه واسلوب سرده البديع,
شكرًا لك,
من يحمل تلك الاحاسيس تجاه أخر ( نذل، ودنيء، ومنحرف وتافه، وسخيف ومؤلم ومنحط وحشرة ، وما إلى ذلك..) لا يحملُ ضميرًا مُؤنِّبًا,
وطبيعي أن تكون ردة فعله ( ماذا سيحدث لك) هي أنه سيحكم عليه كذلك, بالكذاب والنفاق وما الى ذلك؛ اضافة لما سبق وحس به اتجاهه, لأن شعوره, في الأساس, أتى من باب الحقد لا أقل ولا أكثر,
حديثيني عن شخص طبيعي يحمل قلبًا كبيرًا وضميرًا واعيًا وأخطأ بحكم على شخص بسبب غفله عن التحقق مما سمع وعدم معرفة ذلك الشخص عن قرب, ثم صادف وقابل ذلك الشخص شخصيًا فوجده عكس ما صوّر له, هنا نراقب تصرفاته وماذا سيحدث بعد ذلك,
والشاهد هو؛ أن اخلاق الإنسان هي من تحكم تصرفاته وأفكاره, سلبًا أو ايجابا,
أما إذا كان القصد هو تعليم ذلك"عديم الاحساس" بمعنى الاحساس والذنب فسوف يعتبر هذا التعليم أو الدرس هو جهل وغباء وربما غيره على أنك لا تملك قوة وصلابة لمواجهة هؤلاء المنافقين الكاذبين,,,
وربما قد يعي ويفهم ويتعلّم,,

ذكرى معجب بهذا

شكرا دكتوره الياسمين مقال
رااقي جدا هو مسماه فاسق
فماذا يرتجي المرء من شخص
فاسق باع ضميره ومبدءه ..
وكرامته للاجل ايقاظ الفتن
وخلق النزااعات بين الناس
واحيانا بين اقواام لذلك تلك
الحشره وجب على من يستمع
له ان لايحكم على الاخرين ولا
يتصرف تصرف قد يشعل نارا قد
لاتنطفى بسلام فربنا سبحانه وتعالى
حذر من الفاسق ومايفعله من فسق
ووشايه قد تسئ الى الاخرين شكر
كلك ذووق نسأل الله ان يجنبنا واياكم
هؤلاء الشرذمه من البشر
دمتي بووود

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة السفير

ماشاء الله تبارك الله
كاتبة فوق الخيال
للختم والنشر والمكافآة
ولي عودة حميدة معك

يكفيني تكون أول العابرين أخي السفير
وشكرا كرمك الحاتمي بمنحي المكافأة

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فتحي عيسي

الأديبة والشاعرة المبدعة الياسمين
هناك أمور يجب النظر فيها من عدة زوايا وعدم الإكتفاء بنظرة أحادية خصوصا فيما يتعلق
بالأخر ومدى قربه أوبعده عنا لإن الوجوه ستتقابل وعندها يجب أن نكون في معرفة تامة
بهذا الآخر وليس عن طريق السمع أو المتناقل عنه كما تفضلتي
رغم إنه وللأسف الشديد نظل في علاقات طويلة الأمد مع أشخاص وأشخاص والغريب
وجدا إكتشاف مالانعرفه عنه وإنه غير نفس الشخص الذي تعاملنا معه وعاشرناه بصدق
وأرجح إنها الأيام تغير النفوس وربما الظروف والحياة بصفة عامة إلا من رحم ربي
أعتذر خرجت عن الموضوع
أما الشعو بالذنب تجاه الآخر وارد لمن يمتلك قلبا صادقا يهاب أن يجرحه قبل الآخر
أحييك وروعة ماجاد به فكرك المتجدد
وإسلوبك الرائع في كل تناول
سلمتِ والنبض
مودتي وإحترامي

نظرتنا للآخرين تظل كما هي
تتطبع بطابع المحبة والاحترام والتقدير
ما لم تستجد التغيرات المفاجئة حيث
نصطدم بعبوسهم دون سابق إنذار
أو أي سبب يُذكر
سوى أنه سمح لأذنيه التقاط الأكاذيب
كاتب ومستشار المدائن الرائع فتحي عيسى
ممتنة جدا لإضافتك الثرية للموضوع
تقديري واخترامي

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة شتاء.!

ا
:

مقال جميل نعم لاتصدق بمن يأتيك بعلم
أن فلان كذا وكذا.. حتى يتبين لك العلم
ولاتكون مع اي كلمة تقال ..
ربما هذا الفاسق يريد التفرقه لذلك لاتتسرع بالحكم
بمجرد كلام وكم حدث بسبب فتنة أو اهداف دنيوية
لاتبقى طويلا ..
الشخص الذي اثار بأن فلان يجمع صفات رديئة
وعندما تصادف الشخص المغتاب تجد العكس
وقتها تعرف إنه كلام ظلم وبهتان
الحكمة التى تنقض هذا الكلام (شيءلاتراه عينك أو تسمعه أذنك لاتصدقه )
إذا خلت من المعطيات بل خذ الحذر و وبعين الإعتبار ولكن من دون احكام
والأية الكريمة حددت ( الفاسق ) والنبأ؛ هو الخبر قد يكون خبر كاذب
فإذا صدقته أنت جاهل نعم جاهل وبالأخير تندم على فعلتك
والإنسان الله اكرمه بنعمة العقل ويحاسب على ذلك،
لابد من ( بينة) تثبت كما قال تعالى : في جواب منتصف الأية
" فتبينوا " خلاص أنتهى الأمر مع فتبينوا
جميل جدا مقالك أختي الياسمين..
كم تمنيت اقراء مواضيع كهذا المقال الحي ..
سلمتِ أديبتنا الرائعة
كل التحايا والتقدير


:l_20q6hlka14ejd6q:

أخي المتألق شتاء
إن لم يجد الفاسق آذان صاغية
سيتوقف عن هذا السلوك الذي يشتت ولا يجمع
نحن بحاجة أن نكون أكثر جرأة
في أن ندع من أمامنا يصمت ويبلع لسانه
عبور هادف أضاف للمقالة الكثير

شتاء.! معجب بهذا

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عمار كوسوفي

موضوع في قمة الروعة
العافية على هذا الموضوع الجميل
سلمت أناملكِ

الحمدلله أن الموضوع أعجبك أخي الجميل عمار
سلمت ودمت على هذا المرور

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة اصايل

قد فاض السحر المقدس ..
من سن قلمك الفاتن
كـ تهافت الضوء في الصباح ..

يأتي حرفك ..
مشبعا بالدفئ والعطر والندى

آسر نبضك..
قناديل شكري
وتحيه من القلب
بحجم السماء

لمرورك العاطر

شتاء.! معجب بهذا

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة طلال الفقير

الأديبة الراقية الياسمين ..

كتابة المقال ليس بالسهل فهو يبداء بالفكرة والاسلوب وهو فن بعملية البناء للمقال .
وأنت ِتملكين قلم فاخر وأعجبني بمقالك الراقي ترابط الأفكار بشكل متسلسل وجعلتي المتلقي يتابع كل سطر كمسلسل درامي وضحتي فيه الفكرة دون تعقيد ووضعتي يدكِ على الجرح وقدمتي الدواء الشافي بكل بساطة أنتي مبدعة.

تقديري ومودتي ..

أحسنت أخي الكاتب الجميل طلال الفقير..
إضافة إلى كلامك ،فكرة كتابة المقالات تأتي من نتاج الفكر المتعايش وأن نحس ونشعر لما يدور حولنا
ونشخص الظواهر ونحللها وبالتالي يبدأ النقاش بين الكاتب والقارئ أي المتلقي..
ودائما ما نخلط بين أدب النقد وأدب السرد في مقالاتنا..
مرور مميز أشكرك عليه وعدى ثنائك الجميل

طلال الفقير معجب بهذا