قناديـلُ الحكايــــا يعدو الربيــع بعد الربيــع ويكبر البوح.. ( يمنع المنقول ) |
يعدو الربيــع بعد الربيــع ويكبر البوح..
( يمنع المنقول )
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||||||||
|
||||||||||
كابوس
صرتُ شُغلَهُ الشاغل، ففي كل ليلةٍ أَو ليلتين، كان يأتيني في المنامِ كابوساً يقتلُني في كل مرةٍ قتلة، وَبِطُرقٍ متعددة، يمارسُني فريسةً سهلة، تارةً يأتيني بسيارتِه الصغيرةِ (الكبيرة) العريضةِ فيدهسُني وقهقهتُهُ تضجُّ بِأَسماعي، وأُخرى بشاحنتِهِ العملاقةِ ليجعلني أَشلاءً على الطريق، وطَوراً يرميني من أَعلى جبل، وطوراً آخر يحرقُني، ومرة يتفننُ جداً فيظهرُ لي بِزَيِّ عسكريٍّ مقاتلٍ يجعلُني أَمام المدفع ويطلقُ قذيفتَهُ متحمساً وكأَنه منتصرٌ على عدوه اللدود، وأُخرى يغرقُني في خزانِ دم... فأَستيقظُ في كل مرةٍ مرعوباً أَتصببُ عَرَقاً أَهذي، حتى أَنني بضجيجي هذا أَرغمتُ مَن حَولي بالدخول في حَلَبَةِ هذا الصراع كل ليلة.
صرتُ أَخافُ أَن أَنام، وفي الليلة التي لا أَراه فيها أَستيقظُ فأَحمدُ الله أَلف مرةٍ وأَشكره، مرضتُ وتعبتُ كثيراً، تنتابُني الوساوس والظنون، ويجتاحُني الخوفُ إِعصاراً قادماً من المجهول، فقد أَرهقني هذا الكابوسُ وهذا البطلُ الذي يلعبُ أَدوارَهُ فيه بكل تقنيَّةٍ وحِرَفيَّة، ولِعِشقِهِ التلاعب بي ولإِدماني المفرط على الرعبِ الذي يمارسُهُ معي صرتُ أُحسُّ بقدومِه، ففي أَكثر من ليلةٍ وما إِنْ تُسدَلُ أَجفاني تُفتحُ ستارةُ مَسرحِهِ الدموي، فأَعرفُ أَنه قد أَتى، وأَنه سيظهرُ لي في أَيَّةِ لحظةٍ لدرجةِ أَني وفي بعض الليالي تتولدُ لدي قدرةٌ ولو ضعيفة على أَن أُجبرَ نفسي على الاستيقاظِ هرباً لأَتخلص منه. لكني وذات ليلةٍ قد تلبدتْ بأَصناف أَشباحِ الخوف... سمعتُ وَقْعَ أَقدامِهِ صواعقاً أَرعبتْني، فأَخذَني الفزعُ كالعادة، فحرَّضتُ عَضَلاتي وصارعتُ نفسي كي أَستيقظَ لِأَخرجَ من مَسرحِ كابوسِ هذه الليلة سريعاً، لكني سرعان ما غيرتُ رأيي هذه المرة، فقررتُ أَن أَخوضَ غمارَ هذه المعركة الصعبة وأَسبح في بحرِها بكل قوايَ المتلكئةِ المتراجعة، قررتُ المواجهة، لا الاستسلام والانهيار كما هي كل مرة، رأَيتُه، نعم رأَيتُه بذلك الوجهِ المخيفِ والعينين اللتين تتطايران شرراً مقيتاً، كان متعطشاً كعادته أَن يُرهبَني قبل قتلي. لكن هذه المرة، وعندما وجدني ثابثاً عازماً على خوضِ النزالِ وعزيمتي واضحة وليس كما قد تعوَّدَ أَن يراني بلباس من التقهقر والانهزامية، أَشهرَ مُسدسَهُ بسرعةٍ وقررَ قتلي فوراً مُتنازلاً عن مُتعةِ مشاهدةِ حالي في عاصفةِ إِرهابِهِ المعهود، فأَطلقَ عليَّ النار، لكني استجمعتُ كل ما بي من بقايا قوةٍ واستَتَرتُ بشيءٍ ما، كان هذا الشيء عبارة عن بقايا منضدةٍ أَو مكتبٍ خشبي قديمٍ متكسر، كان الساترُ ضعيفاً جداً، ولكني كنتُ واثقاً بأَنه سيحميني من رصاصات هذا المخلوق، أَطلقَ الثانية ولكن دون جدوى، فقد منعها الخشب عني كما يبدو، أَطلقَ الثالثة، فالرابعة، وأَظن كانت هناك خامسة، ثم توقفَ، أَخرجتُ رأسي ونظرتُ إِليه، وإذا به يُعالج سلاحَهُ بارتباكٍ ويحاولُه، انتهزتُ الفرصةَ فهجمتُ عليه وبشدة، باغتتُهُ ودفعتُهُ وأَخذتُ المسدسَ منه، هرب، حقنتُ عزيمتي جرعةَ شجاعةٍ إِضافيةٍ فوضعتُ يدي على الزنادِ موجهاً المسدسَ إِليه فانطلقتْ رصاصة، نعم فالمسدسُ كان يعمل، رأَيتُ الرصاصة تُحلِّق، تتبعُهُ وهي حاملة آمالي المتوهجة والمفعمة بحرارة التخلص والخلاص، وكأَنَّ المشهد أَمامي يُعرض بالحركة البطيئة، أَصابتْ كتفَهُ لكنها هَوَتْ ببطء إِلى الأَرض، أَطلقتُ الثانية وهو يركضُ هارباً، رأَيتُها تصيبُهُ أَيضاً ولكنها تسقطُ إِلى الأَرض، أَراه وكأَنَّهُ قريبٌ مني جداً، أَرى جيداً كيف كانت الرصاصات تصطدم بجسمِهِ، أَطلقتُ الثالثة فالرابعة فالخامسة، أَراها تصيبُهُ وَتترنحُ ساقطةً خلفَه، لكني استمتعتُ كثيراً وأَنا أُطلقُ الرصاصةَ السادسةَ التي بدأَ يتعبُ عندها وخارت قُواه، وكأَنَّ الرصاص قد أَخذ منهُ مَأخذاً، رأَيتُهُ يسقطُ على مسافةٍ ليست بالبعيدةِ عني، توقفتُ أَنظر، ثم تحركتُ بحذرٍ لأَستكشفَ الأَمرَ وأَرى ما تخبئُهُ هذه اللحظات، نظرتُ إِلى شيء يلمعُ على الأَرض، التقطتُه، يبدو أَن هذا هو الرصاصة الأَولى، تقدمتُ والتقطتُ الثانية ثم الثالثة إِلى السادسة، حتى وصلتُ إِليه، وجدتُه في أَنفاسِهِ الأَخيرة، تلفتّ ُيميناً وشمالاً، ثم دنوتُ منه كثيراً وصرختُ في وجهِهِ بِحُرقَة: ــ من أَنت؟... ولماذا فَعلتَ معي الذي فعلْت؟، هل تعرفُني؟... وما قِصَّتُكَ معي؟!... رَمقَني بعينيهِ اللتين لم أَعهدْ ذبولَهما من قبل، وأَخيراً تركتُهُ وأَنا أَقبضُ بشدةٍ على ستِّ رصاصات وكأَنهن كرات حديدية صغيرة بحجمِ حبةِ الحُمُّص. استيقظتُ، نعم استيقظتُ صباحاً مُنتعشاً وليس في الليل مَرعوباً كما هي عادتي بعد كل صولةٍ يصولُها عَلَيَّ، استيقظتُ مرتاحاً على صوتِ ولدي الصغير وهو يلعبُ بقُربي، ووجدتُ نفسي مُحكِماً قَبضةَ يدي على شيء ما، تذكَّرتُ... ففتحتُها بحذرٍ لأَرى، لم أَجدْ شيئاً، نظرتُ حَولي قليلاً... ثم دنوتُ وقبَّلتُ وداعبتُ ولدي الذي فاجَأَني حقاً لأَنه كان يلعبُ بذات الكرات الحديدية الست، هي هي بعينِها... ابتلعتُ رِيقي بِصعوبة، سأَلتُهُ مندهِشاً: - من أَين لك هذه الكرات حبيبي؟ - إِنها لصديقي... كان يلعبُ بها معي عندما زارتنا عائلتُهُ البارحة مساءً، وقد أَهدانيها، فاحتفظتُ بها. قمتُ والذهولُ يتملَّكُني، أُمي وزوجتي تنظران إِلَيَّ باستغرابٍ ودهشةٍ وبشفقةٍ أَيضاً، اضطررتُ أَن أَبوحَ لهما بهذا الكابوس المرعب بعد أَن حاولتُ كتمانَهُ كثيراً، صُدِمَتا هما أَيضاً، وخافَتا، لكنهما وبعد بُرهةٍ بَدَتا مبتسمَتَين بأَني تخلصتُ منهُ إِن شاء الله. لكن قلب أُمي - الذي أَعلم أَنه يتأَجج ناراً لأَجلي - لم يدعْها تهدأ، فنصحتْني بالتصدُّقِ على أَي فقيرٍ أَلتقيهِ قبل وصولي إِلى العمل. تهيأتُ للذهابِ إِلى عملي... لم أُكملْ شرب الشاي حتى سمعتُ رنةَ الهاتف، كان زميلي في العمل يخبرُني بالذهابِ أَولاً إِلى مكتبِ التحقيقات للإِدلاء بشهادةٍ تخصُّ العمل. خرجتُ والصور والأَصوات تتلاحقُ في رأسي، ووصية أُمي... آه تَذكَّرت... نعم تَذكَّرتُ أَيتاماً وأُمهم قريبين من دارِنا، استدرتُ بسيارتي إِلى بيتِهم، طرقتُ الباب، خرجت الأُم ورحبتْ بي كثيراً وعاتبتْني بِطِيبةٍ لأَني لم أَتذكرْهم وأَزرْهم منذ مدةٍ طويلة، ناديتُ أَطفالها من خلال الباب وحييتُهم، وهنا صُعقتُ بِمُفاجأَةٍ أُخرى عندما رأَيتُ الأَطفالَ يلعبونَ في ممرِّ الدارِ على نفسِ المكتبِ الخشبي المتكسرِ الذي رأَيتُهُ واستترتُ به... يا أَلله!... سأَلتُها: - ما هذا؟ - هي المنضدة التي جلبتَها لنا منذُ أَعوام، كان يدرس عليها الأَولاد، ثم صارتْ رَفّاً نضعُ عليه أَشياءَنا، تكسرتْ بعضُ أَجزائِها، هيأتُها لأَبيعَها للنجارِ القريب هنا، وما يأتينا ثمناً منها ينفعُنا. قلت في نفسي مندهشاً مذهولاً: "سبحان الله!"... أَجبتها وقد أَخذ الارتباكُ والحيرةُ والذهولُ مني كثيراً: - لا يا أُختاه، أَصلحيها ليعودَ الأَولادُ يدرسونَ عليها... وخذي هذا المبلغ... ولن أَنساكم إِن شاء الله تعالى. أَسرعتُ إِلى السيارة وأَوصالي ترتعدُ بشدة... وصلتُ إِلى مكتبِ التحقيقات، دخلتُ، أَجلسوني... فأَراني أَحدُهم وثيقةَ تصريحٍ بإِدخالِ وإِخراجِ موادٍ مختلفةٍ، وهذا مما يدخلُ ضِمنَ عَملي... سأَلني: - هل هذا تَوقيعُكَ أَسفل التصريح؟ نظرت مُتمعِّناً في الوثيقة... فأَجبتُه: - أَراه كأَنَّهُ... هو تَوقيعي... أَو ربما يُشبهُه... لا، لا أَظنه كذلك... لا، لا ليس بتوقيعي. - إِذن انظرْ الى ذاك الرجل... هناك قرب البابِ، هل تعرفُه؟ للمزيد من مواضيعي
المصدر: منتديات مدائن البوح
آخر تعديل صادق الود يوم
10-05-2024 في 05:07 AM.
|
10-05-2024, 06:38 AM | #3 |
|
رد: كابوس
قصة جميلة
ابداع في سرد التفاصيل الانتقال السلس من حدث لأخر الحبكة ممتازة الفكرة مثيرة سلمت يداك أخي واهلا وسهلا بك في بيتك مدائن البوح الختم والتنبيهات ولمنح المكافأة المستحقة تحياتي وودي |
نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا ! و ليتني ما أرضيت سواي ! على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات ! |
10-05-2024, 05:34 PM | #4 |
|
رد: كابوس
أخي الكريم صادق الود
مصافحة أولى أكثر من رائعة أبصم بالعشرة أنك قاص ولك أدواتك تعلم كم مرة قرأتها ؟! وفي كل مرة أكتشف جمالي يختلف عما قبله لولا وقتي الضيق حيث أجهز لمهمة ما لوضعت هذه الجميلة على طاولة بقعة ضوء.. نصك جميل جدا صيغ بفنية أدبية متميزة .. |
|
10-05-2024, 08:02 PM | #5 |
|
رد: كابوس
أ. صادق الود
أرحب بك أخي في أول هطول لك في القناديل ولي عودة للقراءة إن شاء الله والتعقيب كل التحية |
فلســــــــــــ ( الأردن ) ـــــــــــــــــــــطين
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|