قراءة في قضية سجلت ضد مجهول
هل تقتل تقلبات العشق قلب المحب؟
وهل توازي في أثرها وبشاعتها القتل الحقيقي؟
قد يبدو ذلك ممكنا حسب المقولة *الشهيرة للأصمعي " من الحب ما قتل" أو في البيت الشعري لجميل بثينة:
خليلي فيما عشتما هل رأيتما
قتيلا بكى من حب قاتله قبلي
ولعل في مأساة ديك الجن الحمصي أوضح برهان على سلطة الحب القاتلة،
ومهما اختلفت الأسباب وتنوعت المبررات، فإن الإقدام على قتل المحبوب خطوة تتجاوز حدود ما يتحمله القلب والعقل. ورغبة في تدمير الذات من خلال إيذاء الآخر المسيطر على التفكير والأحاسيس.
إن العاشق حين يرتكب فعل إزهاق روح المحبوب،يستبدل الكراهية بالحب، وما
دام العشق أمرا يملك كيانه ويسلبه إرادته. فإنه يكون منقطعا عن واقعه ومنفصلا عن نفسه حين يقدم على فعلته الشنيعة. لذلك قد ينتحر بعدها كما في مسرحية عطيل لوليام شكسبير، أو ينكرها ويرفضها عقله الباطني كما في رواية جزيرة شاتر والتي حولت إلى فيلم سينمائي يحمل نفس العنوان. حين يرفض البطل، الذي جسد دوره ليوناردو دي كابريو ببراعة، تقبل فكرة قتله زوجته بعد إغراقها لأبنائهما الثلاثة. ويقوم باختلاق قصة تقيه هول الصدمة وتحمي عقله من الألم الشديد والمعاناة ،جراء فقدانه لعائلته.
وفي هذا الإطار يندرج نص " قضية سجلت ضد مجهول" ابتداء من العنوان، وهو جملة درج على استعمالها للتعبير عن العجز في حل جريمة ما،وتوحي بغموض الجريمة وإفلات الجاني من العقاب، إلا أنها قد تحمل في النص أكثر من دلالة. إذ أن قضية القتل المعنوي لقلب البطل مقيدة أيضا ضد مجهول.
ويستهل النص بمشهد الجمع المتجمهر، وعبارة تؤطر رؤية السارد لذاته في النص ( كنت شاهد عيان- سألت أحدهم) ومن هنا فإن السارد يتخذ مسافة من الجريمة. ويحمل مسؤولية الجريمة لنفسه المتعطشة للانتقام. والتي لبست السواد في دلالة على حداد مستمر.
ومن ذلك أيضا توجهه إلى ضحيته بالخطاب كأنها لا زالت على قيد الحياة. وفي سؤاله الأخير يتجلى انفصاله عن واقعه. فهو لا زال بمثابة شاهد عيان أو شخص يسأل عن سبب تجمع الناس. واعترافه بجريمة سجلت ضد مجهول ربما تشكل مخرجا لاضطرابه وتخبطه ( همت وسط الزحام).
ويتكون النص من مقاطع يتداخل فيها العامل النفسي مع الحدث ويهيمن على
مجرياته. حيث يتغير المكان بين فضاء مفتوح (الشارع)ومغلق( شقة المرأة) ويتداخل الزمن الحقيقي مع الزمن النفسي.
كما أن الحارة شعبية (مقهى عربي) مكتظة بالناس، والإقدام محفوف بالمخاطر
ويتطلب الجهد ( الدور الرابع)، وأسباب تحطيم القلب ليست مهمة ولا يتم الإفصاح عنها. إنما يتجلى الانفعال المتولد عن حالة شعورية طاغية باستخدام ضمير المتكلم، للتعبير بطريقة أدق عن المشاعر الداخلية، وقد مكن استعماله من تصوير مدى الاندماج في الإعداد للجريمة، وحدة العواطف المتراكمة، فلحظة القضاء على المحبوبة تحدث في غفلة وخلو المكان من الناس أو أثناء جلسة رومانسية ( بدا العالم وكأنه خلا من الناس)
تعتمد القصة التكثيف والإضمار، وتقنية البناء الدائري حيث تعود بالقارئ في النهاية إلى نقطة البداية، إذ يظهر مجددا فعل القتل واجتماع الحشود، وهو ما يخلق إحساسا بالوحدة والتماسك، ويستمد منها المتلقي القدرة على إعادة تأويل العمل الأدبي، بناء على أحاسيسه ومعارفه، وجوانب النص الفكرية والجمالية.
القاص المبدع محمد هادي المدخلي
شكرا لك لأنك استطعت أن تجبر
المتلقي على إكمال الومضة القصصية حتى النهاية
قلب فـُتح على مصراعيه ليقرأه كل متلق
أدهشتني هذه الصياغة اللغوية البارعة في صناعة العبارات
والقدرة الفائقة على التعبير بلغة سليمة
القدير محمد هادي
تقبل فائق تقديري لروعة طرحك بإبداع أقوى من الوصف