قراءة في قصة مسرحية المجهول

قراءة في قصة مسرحية المجهول

قراءة في قصة مسرحية المجهول


ملخص النص: يتذكرالعم عصام بألم اختفاء ابنه سام الذي ذهب للبحث عن كنز مفقود، مستحضرا أسطورة حدثت في قرية التلال منذ أزيد من مائة سنة، حين ربطت قصة حب حزينة بين لبنى وأحمد، الذي يقتل من طرف ساحر جنده سليم أبو لبنى، مما يكون سببا في موتها كمدا. وتنتهي القصة بتساؤلات عن مصير سام المجهول.

يتمحور موضوع القصة حول تلاعب القدر بمصائر البشر، وهي فكرة تدور حولها أغلب الأعمال الأدبية والفنية، كرواية عبث الأقدار لنجيب محفوظ، وقد طرحها الكاتب بربطها بالأسطورة وبلعنة تلاحق سكان قرية التلال، قد تعيد تكرار مصير حفيد بمآل أحد أجداده.

عنوان النص: يعد العتبة الأولى للولوج إلى النص ومفتاحا ووسيلة لسبر أغواره، وعلامة سيمائية فوقه تسلط الضوء عليه، يتكون من كلمتين، ويتميز بالغموض والإيحاء فالمسرحية هي القصة المعدة للتمثيل على المسرح، والمجهول هو غير المعلوم وغير المعروف، والبديهي أن المسرحية معلومة، فكيف يتعلق بها المجهول؟ مما يخلق الدهشة والاستغراب ويحفز على القراءة، ويتسق مع المتن الحكائي.

يستهل النص بعبارة تصدم القارئ ( عاد الألم)، مستدرة تعاطفه، وتعده للغوص في تفاصيل حكاية حزينة، تتضح مع تتابع الأحداث، وتنتقل بين حيزين زمنين مختلفين ومتباعدين يجمعهما وجع المأساة قبل رباط القرابة.

تتكون القصة من مقطعين أو حكايتين، وتقنية قصة ضمن قصة أو ما يُعرف باسم -القصة الإطارية- التي من خلالها تُستخدم قصة إضافية للمساعدة في سرد القصة الرئيسية، وقد أصبحت تقنية -القصة داخل القصة- من الأساليب السردية المألوفة، واستخدمت قديما كما في كتاب ألف ليلة وليلة، والأدبين المصري والهندي القديمين، مثل الحكاية المصرية الملاح التائه، والشعر الهندي الملحمي في ملحمة رامايانا.



يكثر الكاتب من استعمال الأساليب البلاغية، والصور الجمالية، بحيث بدت لغة النص أنيقة وأقرب في بعض الفقرات إلى النثر الشعري، وقد أدى ذلك إلى الإطناب. وأحيانا إلى ضعف بعض الصور الفنية، والتطويل المخل بالإيجاز المميز للقصة القصيرة.
ويتنوع أسلوب النص بين وصف وحوار وسرد بلغة سليمة عموما، مما ساهم في تنويع النسيج القصصي وإغنائه، رغم الأخطاء المتكررة في وضع علامات الترقيم.

يستخدم القاص صوت الراوي العليم، كما في الحكايات الشعبية، لكنه انتقل من ضمير الغائب إلى ضمير المتكلم بدون ضرورة أو صياغة فنية ( ريحانتا- طائرتنا)
وغلبة الحوار الذي هو أساس الكتابة المسرحية على المقطع الثاني، أضاف لمسة فنية ووافق موضوع القصة المتبلور حول مسرح الحياة الأوسع المتلاعب بخيوطه من طرف القدر الخفي.

يبرز الزمان والمكان بوصفهما مؤثرين أساسيين في النص، حيث أن قرية التلال هي المكان الأساسي حيث تضرب المنية بقسوة، وتحل عليه لعنة تغيره إلى الأسوأ. أما البحر فمكان ثانوي محفوف بالمخاطر ويتسيده المصير المجهول، به تتربص ذات الأطياف السبعة ويختفي سام . ويمارس الزمان بامتداده عبر زمن حقيقي طويل مختصر في زمن السرد، أثرا نفسيا ثقيلا على العم عصام المفجوع بمأساة ابنه، وتستدعى عبره الأسطورة للربط بين الحكايتين.
.
الشخصيات تتقاسم الأدوار، وتغيب أوصافها الجسدية، لتطغى سماتها النفسية، كما نجد مفارقات فنية في بعض أسمائها فسليم هو شخص غير سوي مريض بحب الذات يسعى إلى تقويض سعادة ابنته، وجميل ساحر قبيح النفس، وقاتل مخادع يمكر بصديقه.

الحبكة ارتجاعية في القصة الإطار حيث تبتدأ الحكاية من النهاية وتتطور تراجعيا لتفصح عن الحدث، ومتماسكة تستجيب للبناء الفني للنص. أما نهايتها المفتوحة، فكان يمكن أن تكون أكثر فنية وإبداعا، لو اشتملت على موقف يباغت القارئ ويصيبه بالدهشة، بدل إعادة الموقف الأولي لشخصية عصام المتجلي في الألم والحزن والتساؤل.


يستعمل القاص بشكل فعال تقنيات سردية متعددة، منها الحوار الداخلي " المونولوج"، والإضمار أو ما يُعرف بالإضمار السردي أو السرد المضمر القائم على بلاغة الحذف والإيجاز، لتسريع حركة السرد، بإسقاط فترة طويلة أو قصيرة من زمن القصّة، وعدم التطرّق إلى ما جرى فيها (تلك التي تعود ظلالها إلى ما قبل المائة عام… ) وتقنية الاسترجاع من خلال حكاية أسطورة قرية التلال، والاستباق لشد القارئ وإثارة فضوله (ولم تكن تعلم بأن ربوع السعادة ستوصد أبوابها بلا رحمة وسيكون الحزن للقلب هو الرفيق الأوحد…)


يوظف الكاتب الثراث القديم والأسطورة من خلال حكاية عشق غير مكتملة بسبب كيد الأقرباء وانتقام القدر للمحبين، ففي الحكايات الشعبية دائما ما ينال الظالم جزاءه.
كما أن تحول رماد أحمد إلى طائر حي، استحضار لطائر العنقاء في الثراث العربي القديم أو الفينيق أو الققنس في ثقافات أخرى، والرامز إلى الانبعاث من جديد من رماد احتراق الجسد. وكذلك بالنسبة لسهم كيوبيد رسول العشق في الميثولوجيا الإغريقية. في حين أن جوهرة ذات الأطياف السبعة والتي هي ألوان الضوء السبعة، تحمل الانبهار المفضي إلى الموت، ويؤدي جمالها إلى الفناء رمادا، في إشارة إلى المظهر الفاتن الخادع المخالف لحقيقته الجوهرية.

نجح القاص في دمج حكايتين مستدعيا الحكاية الشعبية والأساطير القديمة، وطبع نصه بموسيقى لغوية تناسب نمطه الحكائي الغرائبي، وتتمثل أهم أوجه القصور في افتقاره نوعا ما إلى الابتكار والإبداع في طرح الموضوع برؤية جديدة أوصياغة فنية متميزة.

للمزيد من مواضيعي

 

أهلاً بوردة البهاء ونبض المداد
طبتِ والحضور .. طبتِ والفكر الوضّاء
طبتِ وطبتِ وطبتِ

شتاء.! ,وردة معجبون بهذا

قراءة رائعه جداً
مع التفاصيل للقصة
الدّانة / وردة. ابدعتما
فشكراً لهذا الرقي
كل التقدير والإحترام
../

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة شتاء.!

قراءة رائعه جداً
مع التفاصيل للقصة
الدّانة / وردة. ابدعتما
فشكراً لهذا الرقي
كل التقدير والإحترام
../

طبتَ يا شتاء الخير طبتَ وهذا الحضور المفعم طيبًا وصفاء