ظِلال وارفة ( المنقولات الأدبية والمواضيع العامة ) |
( المنقولات الأدبية والمواضيع العامة )
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||||||||||||
|
||||||||||||||
المكان بوصفه ذاكرة
بسم الله الرحمن الرحيم
يتحول المكان من وجوده العيني ليصبح أثراً، وينتقل من كونه قيمةً جغرافية ليكون ذاكرةً تسكن في الوجود الذهني بعد أن غادرت الوجود العيني، ومن صيغ هذه الذاكرة أن يتحول المكان إلى لون، فالأفارقة في أميركا يعيشون في وطنين، أحدهما أميركا، ومكان الأفارقة في أميركا يعتمد القهرية، فهم قد جُلبوا إليه مخطوفين ومعزولين قسراً عن وطنهم الأصل، وهذا فصل قهري ظلت قهريته تتجدد عليهم في كل أطوار عيشهم في أميركا حتى بعد أن نالوا حريتهم وتخلصوا من العبودية، فإنهم لما يزالوا يعانون من قهريات متجددة تترجمها جملة «حياة السود مهمة»، والجملة تشير للون تحديداً، أي أن أفريقيا كأرضٍ وكبشرٍ تعيش مرسومةً على وجوههم وتشكل لوناً هو وطنهم، وهو هويتهم وأثر وطنهم الأم الذي يعلن عن وجوده الدائم عبر الوجوه وعبر خريطة البشرة التي تحاكي الخريطة الجغرافية، مما يجعل كل واحد منهم في وطنين، وطن عيني يعيشونه ويتكلمون لغته ويحملون جوازه، ووطن آخر مرسومٌ على وجوههم، وفي وطنهم العيني يعيشون تحت قوانين تقول بالمساواة، ولكن المساواة ستتقلص حين تلامس أثر الوطن الأم، وهنا يتعرض اللون لمفارقة حادة، فهو لون يحيل لذاكرة مكانية وثقافية أخرى، وهذا يحدث انفصالاً روحياً بين المكان الحالي والمكاني الذهني، ومعه هذا الفصل القهري، وستتعرض حياة السود للخطر، وحسبما نقلت جريدة «نيويورك تايمز» واصفة حياة السود في أميركا: «الشباب السود يشعرون كما لو أنهم موضع استهداف أكثر، وحماية أقل من جانب الشرطة وينظرون إلى عناصرها على أنهم مفترسون». وهذا ما فجر مظاهرات أميركا حين ذاك تحت شعار (حياة السود مهمة). وبما أن الأفارقة في أميركا فقدوا الوطن الذاكرة دون خيار منهم، فهم ليسوا مهاجرين، كما هي حال المجاميع الأخرى في أميركا لأنهم مجلوبون للمكان قسراً، وهذا عدوان على روح المكان والإنسان، ولذا ظلت الروح قلقةً وظل اللون الأسود كتاباً مفتوحاً وإعلاناً متصلاً عن قلق المكان بين مكان مفقود ومكان آخر ماثلٍ يعاند اللون ويعده نشازاً. ويجاري ذلك أن الأرض الأميركية نفسها قد فقدت ذاكرتها مع مواطنها الأصلي الذي أصبح مميزاً بلونٍ اصطلاحي يفرقه عن غيره فهو (الهندي الأحمر) الذي سيكون مثل الأفريقي الأسود، وهما معاً يمثلان ذاكرة مقهورة، والوطن والإنسان معهما هما أصلان مترابطان روحياً بعد أن فقد المكان جذوره، حيث احتله بشر بلون مختلف، أهم مفارقاته أنه يميز نفسه عبر لونه الأبيض، وهم القوم الذين انتهكوا ذاكرة المكان ولغته وضميره وصنعوا له لوناً جلبوه معهم ولغة جلبوها معهم، وهذا يفسر قلق الثقافة في أميركا وحالات العنف في بيئة ديمقراطية ثرية متقدمة تكنولوجياً وقويةٍ عسكرياً واقتصادياً، لكنها تبدو في داخلها ضعيفة وينتشر فيها القتل العشوائي بالسلاح في الشوارع والمدارس والأسواق وكأن المكان قد جن وفقد معناه. عبدالله الغذامي, للمزيد من مواضيعي
المصدر: منتديات مدائن البوح |
08-06-2023, 02:48 PM | #2 |
|
رد: المكان بوصفه ذاكرة
.
. النقل وارف هادف فيه الجمال ما يجعلنا نقول أنك صاحب ذائقة متفردة طبت أديبنا |
|
08-08-2023, 08:46 AM | #6 |
|
رد: المكان بوصفه ذاكرة
تفاعل سحري بين الإنسان والمكان وعطاء سخي تمنحنا وتكرمنا به هذه المساحات فكيف العرب تبدأ قصائدها بالبكاء على الاطلال تقديري |
|
08-12-2023, 06:34 PM | #10 |
|
رد: المكان بوصفه ذاكرة
مميز في طرحك
عاشت جهود نيّرة في هذا الصرح ريحانة لقلبك |
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
ذاكرة اللون الرابع | محمد | سحرُ المدائن | 18 | 04-16-2023 10:13 PM |
نتائج المشاركين في إظهار شخصية أدباء في ذاكرة المدائن.. | النقاء | آفاق الدهشة ومواسم الفرح | 12 | 06-18-2022 01:04 AM |
الشخصية الأولى من ذاكرة أدباء المدائن… | النقاء | آفاق الدهشة ومواسم الفرح | 27 | 06-18-2022 01:02 AM |
مسابقة أدباء في ذاكرة المدائن والأدب | نبيل محمد | آفاق الدهشة ومواسم الفرح | 36 | 06-11-2022 12:29 AM |
ذاكرة الشوق / ومضة قلم | نبيل محمد | سحرُ المدائن | 12 | 06-05-2022 11:16 PM |