قناديـلُ الحكايــــا يعدو الربيــع بعد الربيــع ويكبر البوح.. ( يمنع المنقول ) |
يعدو الربيــع بعد الربيــع ويكبر البوح..
( يمنع المنقول )
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||||||
|
||||||||
ستي بهية
ستي بهية
هذه قصة تَروي أحداث واقعة اجتماعية حقيقية حدثت بين حفيد وجدته والشاهد عليها هو من واقعها وكتبها، وما مقصد هذا المقال وهذه الكلمات هي القصة ذاتها فقط بل المقصود رسم صورة لذلك الواقع الذي أصاب تلك الأُسر الفلسطينية التي ظُلمت وأُبعدت عن أراضيها، وليأخذ كل قارئ مما يأتِ ما أحب، ذكرى، عبرة، رؤية حقيقة ظُلم الذي أخذ ما لا يملك وأعطاه لمن لا يستحق، ولتتحرك مشاعرنا وأن لا ننسى أجمل مكان فلسطين. يمر الإنسان بحوادث وأحداث في حياته تترك له ذكريات وكأنَّها نُقِشَت في صدره أو كقلادة يحملها لا ينزعها، وتلك الأحداث المؤثرة تترك ذلك التأثير إمّا لقوتها أو لتكرار استحضارها من سجل الذكريات والعقل الباطن، وقصتنا هذه حصلت معي أنا شخصياً، نعم فأنا الذي اسردها وأنا كاتبها ومن تأثرت بها بدايةً ولن ولم أنسَ تلك الدقائق التي كانت بيني وبين (جدتي) لأمي الحاجة بهية - فنحن في بلاد الشام نقول أحيانا بدل (جدتي) كلمة (ستي) - نعم قصتي مع (ستي بهية) وهاكم ما حدث معي وأترك لكم الحُكم ألها تأثير مثلما أدَّعي أم هي أبسط من ذلك. في أواخر الثمانينات كنت شاباً بدأتُ أدرك معنى الحياة وأقتبس من هنا وهناك بعض الأحكام الاجتماعية والقدرات الأولية على اتخاذ القرارات أو التحركات الاجتماعية فقد بدأتُ انفصل عن طفولتي وبدأت ملامح كِبر السن ظاهرة علي من انشقاق الشارب وبعض الشعيرات على وجهي جعلتني فخوراً كأني أحمل وساماً للرجولة وهذا ما اعتقد أنَّه حال أكثر الشباب ممن بدأت عليهم ملامح النضوج، -المهم - في تلك الفترة كنت أنا وأهلي نسكن بعيداً عن ستي الحاجة بهية ولكن ليست تلك المسافة التي تُعَدُّ سفراً أو إرهاقاً حين النية للزيارة أو توصيل بعض الأمور، وطالما كانت علاقتي مع (ستي) جميلة فقد كانت تستقبلني بابتسامة المحب وتقدم لي ما تخبئه من حلويات أو فواكه حينما يهل عليها أحد الزوار من أحفادها دوناً عن ثمار بعض الأشجار التي كانت في حديقة منزلها والتي لا زلت أتذكرها للآن وأهمها شجرة الأسكدنيا والتوت وشجرة التفاح ذات الحبات الصفراء الصغيرة، ما أجمل تلك الأيام التي كانت بلا مسؤولية ولا تفكير بالمستقبل والتي أخذت منا قطعاً من أعمارنا حينما كبرنا وحملناها معنا فأصبحت جزءًا من حياتنا، وسبحان الله فأنا الآن حينما اقتربت من الخمسين أدركت أفضل أن لا نفكر بالمستقبل كثيراً وأن لا نحمل همَّهُ وأن نتوكل على الله ونأمل الخير في كل جديد... قبل سرد القصة لا بُد لنا من ذكر بعض التفاصيل لنعرف من هي (جدتي) من طرف أمي الحاجة بهية، إنَّها امرأة فلسطينية كانت متزوجة من رجل من منطقة قضاء يافا في فلسطين المحتلة اسمه موسى وعندما حصل الخُذلان وضاعت فلسطين هاجَرَت (جدتي) و(جدي) من بيتهم ومدينتهم إلى مدينة أريحا ومن ثم استقرت جدتي في عمان بعد أن فقدت أخبار (جدي)، فقد التحق بالمقاومة الفلسطينية بشكل غير رسمي وعاد أكثر من مرة مناوشاً لليهود في محيط المنطقة التي فيها بيته ومزارعه وأملاكه فقد كان (جدي) رجلاً ذو مكانة وتجارة معروفاً بين أقرانه وسكان قريته ومن يجاورها من القُرى، ولكن ذهبَ كل ذلك بعد أن أخذ من لا يستحق كل شيء، وهاجرت العديد من العائلات الفلسطينية إلى بلدان المحيط والمخيمات ومنهم كانت (جدتي) بعد أن انقطعت أخبار جدي عنها فلا يوجد ما يؤكد ما حصل معه فالبعض يقول استشهد وآخرين يقولون أمسكهُ اليهود وأسروه، وبعد سنون مرت بصعوبة ظروفها وشدَّتِها ارتحلت جميلةُ قصتنا من أريحا إلى عمان واستقرت هناك مع خمس بنات هُنّ حصيلة ذلك الزواج الذي سُلبت منه الروح فقد سَلبها المعتدون مثلما سلبوا الأرض وسلبوا معها أخبار ذلك الزوج موسى... في عمان في إحدى المخيمات استقرت الحاجة (بهية) وكان ذلك في بداية الخمسينيات وأُطلق على من هاجر في تلك الفترة اسم اللاجئين، وبدأت رحلة الكفاح مع تلك الأم الصغيرة مع بناتها الخمس وناضلت وجاهدت حتى ربتهم وكَبِرن ، ويا الله كم يشعر الناظر بالجمال والطمأنينة حينما ينظر لتلك الحاجة الكبيرة في السن التي ذَبُلت زهرة حياتها من أجل بناتها ورفضت الزواج مجدداً لتحافظ على كرامة بناتها من أن يمسهن شيء، وتوالت الأيام والسنوات وتزوجت البنات وكنت أنا حفيداً لها وكم كنت أشعر بالمحبة حينما أزورها صغيراً مع أمي أو كبيراً لوحدي فقد تعلمت منها أخلاقاً ورِقَّةً لم أتعلمها إلّا منها، ومن تلك الجمالات التي غرستها فيَّ عندما كنت صغيراً لم أتعدَ الثامنة أو التاسعة صِدق التعامل فأِنَّها كانت تقول لي أجمع التوت واذهب للسوق القريب وبِعه وسوف أعطيك النصف، فتجمع لي ما جمعناه سوياً في إناء واحد وأذهب وأبيعه للمارة في سوق الوحدات فأُحضر ديناراً أو قريباً من ذلك وَوالله كانت تقسمهم معي مناصفةً وهذا كان عائداً كبيراً لي آنذاك يتعدى مصروفي بأضعاف، فرحمك الله يا (ستي) وأسكنك فسيح جناته... القصة... زرت (ستي) ذات مرة وعندما فتحت لي الباب فإذ بها تلبس ثوب كأنَّهُ ثوب زفاف قديم وتضع معهُ بعض المكياج البسيط، ذُهلت صراحةً ودخلت وأنا أنظر إليها وأتعجب وانظر لثوبها الأبيض الفلاحي الذي خيط باليد وعليه نقشات أحيكت يدوياً بالحرير والتي لا يعرفها كثير من أبناء جيلنا الآن، ومع اندهاشي كيف إنّ امرأة اقتربت من السبعين تلبس ثوباً كهذا وتضع بعض المساحيق!! فسألتها: ما هذا يا (ستي)؟ قالت: هذا ثوب زفافي فأنا انتظر موسى زوجي!! اغرورقت عيناي... قلت: سيدي موسى، كيف يا (ستي)؟ قالت: سمعت في الراديو أن اليهود سيطلقون أسرى لديهم تم اعتقالهم من قديم وليسوا معروفين وأنا حاسة موسى معهم...!! قلت لها: يا رب، أنا لم أرَ سيدي ...إن شاء الله يرجع... توقف المشهد وأنا عاجز عن الكلام معها حول الموضوع ولا أريد أن أصدِمها بأن أقطع عليها أملاً تنتظره منذ أربعين سنة، وبقيت أتأمل وصغر سني ألجمني أن أُكلمها أو أن أتوسع معها في الحديث وتركتها تستمع للإذاعة على برنامج إذاعي لن أنساه تقدمهُ كوثر النشاشيبي اسمه (وسلامي لكم) وهو حلقة وصل وتهنئة بين الأردن وفلسطين معروف لمن عاصر الأحداث القديمة... وانسحبت ورجعت لبيتي، وحتى الآن كلما أتذكر قصتي مع ستي (بهية) وتفاصيلها تترقرق الدمعة من تلك القصة وقد مر عليها عشرات السنين... وكيف أنَّ امرأةً قد تجاوزت العقد السادس لا يزال الحب والإخلاص يحرك شوقها نحو زوجها الغائب الذي تنتظره من قديم وتتأمل معه رجوع فارسها، رحمك الله يا (ستي) وجمعك مع أحبائك في جنات النعيم. *** للمزيد من مواضيعي
المصدر: منتديات مدائن البوح |
11-10-2024, 12:56 PM | #4 |
|
رد: ستي بهية
إذا كانت أم الإنسان هي أصله وركنه الحنون الذي يلتجئ إليه، فإن الجدة هي جذره الراسخ عميقا في الذاكرة والهوية والزمن، وكفه الواثق القابض على جمرة الأمل بعودة الأرض والكرامة والأحباب، وهي أيضا في النص السيدة المشرقة بلقبها وأفعالها "ستي بهية"، والمرأة العربية المؤثرة بإنسانيتها وطيبتها على وجدان أبنائها وأحفادها. وما انتظارها بشوق ويقين ثابت لزوجها الحبيب "موسى" المدافع عن وطنه وعزته، والذي تحمل دلالة اسمه أصالة انتمائه إلى دينه وأرضه ، وتبرؤ تعاليم نبي الله موسى من فعل المحتلين، إلا تأكيد لحتمية عودة الحق إلى أصحابه مهما طال الزمن وتجبر العدو…
احترامي وتقديري لك ابو اسلام |
|
11-10-2024, 05:37 PM | #5 | |
|
رد: ستي بهية
اقتباس:
|
|
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2) | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
ختام فعالية بهجة العيد | النقاء | آفاق الدهشة ومواسم الفرح | 14 | 04-28-2023 12:48 PM |
فعالية بهجة العيد … | النقاء | آفاق الدهشة ومواسم الفرح | 68 | 04-25-2023 06:42 PM |
مئوية ذات بهجة وفخر الأديب الكبير فتحي عيسى | مدائن البوح | آفاق الدهشة ومواسم الفرح | 78 | 06-18-2022 01:03 AM |
بهجة الأحلام | نبيل نور الدين | سحرُ المدائن | 16 | 01-07-2021 03:59 PM |