آخر 10 مشاركات |
روابط تهمك | القرآن الكريم | الصوتيات | الفلاشات | الألعاب | الفوتوشوب | اليوتيوب | الزخرفة | قروب | الطقس | مــركز التحميل | لا باب يحجبنا عنك | تنسيق البيانات |
|
الكلِم الطيب (درر إسلامية) رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا |
رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
11-09-2021, 01:51 AM | #81 |
|
رد: ( صَيْدِ الخَاطِرِ ) مقتطفات من روائع ابن الجوزي ( متجدد)
فصل : العقل بين التكليف و الإذعان
قلت يوماً في مجلسي : لو أن الجبال حملت ما حملت لعجزت . فلما عدت إلى منزلي ، قالت لي النفس : كيف قلت هذا ؟ و ربما أوهم الناس أن بك بلاء و أنت في عافية في نفسك و أهلك !!. و هل الذي حملت إلا التكليف الذي يحمله الخلق كلهم ؟ فما وجه هذه الشكوى ؟ فأجبتها : إني لما عجزت عما حملت ، قلت هذه الكلمة لا على سبيل الشكوى ، و لكن للاسترواح . و قد قال كثير من الصحابة و التابعين قبلي : ليتنا لم نخلق ، و ما ذاك إلا لأثقال عجزوا عنها . ثم من ظن أن التكاليف سهلة ، فما عرفها . أتى يظن الظان أن التكاليف غسل الأعضاء برطل من الماء ، أو الوقوف في محراب لأداء ركعتين ؟ هيهات ! هذا أسهل التكليف . و إن التكليف هو الذي عجزت عنه الجبال ، و من جملته : أنني إذا رأيت القدر يجري بما لا يفهمه العقل ، ألزمت العقل الإذغان للمقدر ، فكان من أصعب التكليف . و خصوصاً فيما لا يعلم العقل ، معناه كإيلام الأطفال ، و ذبح الحيوان ، مع الاعتقاد بأن المقدر لذلك و الأمر به ، أرحم الراحمين . فهذا مما يتحير العقل فيه ، فيكون تكليفه التسليم ، و ترك الاعتراض ...!! فكم بين تكليف البدن و تكليف العقل ... ؟! و لو شرحت هذا لطال ، غير أني أعتذر عما قلته ، فأقول عن نفسي و ما يلزمني حال غيري . إني رجل حبيب إلي العلم من زمن الطفولة فتشاغلت به ثم لم يحبب إلى فن واحد منه ، بل فنونه كلها . ثم لا تقتصر همتي في فن على بعضه ، بل تروم استقصاءه . و الزمان لا يسع ، و العمر أضيق ، و الشوق يقوى ، والعجز يظهر ، فيبقى وقوف بعض المطلوبات حسرات . ثم أن العلم دلني على معرفة المعبود ، و حثني على خدمته ، ثم صاحت بي الأدلة عليه إليه ، فوقفت بين يديه ، فرأيته ، في نعمه ، و عرفته بصفاته ، و عاينت بصيرتي من الطافه مادعاني إلى الهيمان في محبته ، و حركني إلى التخلي لخدمته ، و صار يملكني أمر كالوجد كلما ذكرته ، فعادت خلوتي في خدمتي له أحلى عندي من كل حلاوة . فكلما ملت إلى الانقطاع عن الشواغل إلى الخلوة ، صاح بي العلم أين تمضي ؟ أتعرض عني و أنا سبب معرفتك به ؟ يتبع |
|
11-09-2021, 01:51 AM | #82 |
|
رد: ( صَيْدِ الخَاطِرِ ) مقتطفات من روائع ابن الجوزي ( متجدد)
فأقول له : كنت دليلاً و بعد الوصول يستغني عن الدليل .
قال : هيهات ! كلما زدت ، زادت معرفتك بمحبوبك ، و فهمت كيف القرب منه . و دليل هذا أنك تعلم غداً ، أنك اليوم في نقصان . أو ما تسمعه يقول لنبيه صلى الله عليه و سلم و قل رب زدني علماً . ثم ألست تبغي القرب منه ؟ فاشتغل ، بدلالة عباده عليه ، فهي حالات الأنبياء عليهم الصلاة و السلام . أما علمت أنهم آثروا تعليم الخلق ، على خلوات التعبد ، لعلمهم أن ذلك آثر عند حبيبهم ؟ أما قال الرسول صلى الله عليه و سلم ، لعلي رضي الله عنه لأن يهدي الله بك رجلاً ، خير لك من حمر النعم ؟ . فلما فهمت صدق هذه المقالة ، تهوست على تلك الحالة ، و كلما تشاغلت بجمع الناس ، تفرق همي . و إذا وجدت مرادي من نفعهم ، ضعفت أنا ، فأبقى في حيز التحير متردداً ، لا أدري على أي القدمين أعتمد . فإذا وقفت متحيراً صاح العلم : قم لكسب العيال ، و ادأب في تحصيل ولد يذكر الله . فإذا شرعت في ذلك قلص ضرع الدنيا وقت الحلب ، و رأيت باب المعاش مسدوداً في وجهي ، لأن صناعة العلم شغلتني عن تعلم صناعة . فإذا التفت إلى أبناء الدنيا ، رأيتهم لا يبيعون شيئاً من سلعها إلا بدين المشتري . و ليت من نافقهم أو راءاهم نال من دنياهم ، بل ربما ذهب دينه و لم يحصل مراده . فإن قال الضجر : اهرب . قال الشرع : كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت . و إن قال العزم : انفرد ، قال : فكيف بمن تعول ؟ فغاية الأمر أنني أشرع في التقلل من الدنيا ، و قد ربيت في نعيمها . و غذيت بلبانها ، و لطف مزاجي فوق لطف وضعه بالعادة . فإذا غيرت لباسي و خشنت مطعمي ، لأن القوت لا يحتمل الانبساط ، نفر الطبع لفراق العادة ، فحل المرض فقطع عن واجبات ، و أوقع في آفات . و معلوم أن لبن اللقمة بعد التحصيل من الوجوه المستطابة ، و تخشينها لمن لم يألف سعى في تلف النفس . يتبع |
|
11-09-2021, 01:51 AM | #83 |
|
رد: ( صَيْدِ الخَاطِرِ ) مقتطفات من روائع ابن الجوزي ( متجدد)
فأقول : كيف أصنع و ما الذي أفعل ؟ و أخلو بنفسي في خلواتي ، و أتزيد من البكاء على نقص حالاتي . و أقول : أصف حال العلماء ، و جسمي يضعف عن إعادة العلم ، و حال الزهاد ، و بدني لا يقوى على الزهد ، و حال المحبين و مخالطة الخلق تشتت همي ، و تنقش صور المحبوبات من الهوى في نفسي ، فتصدأ مرآة قلبي .
و شجرة المحبة تحتاج إلى تربية في تربة طيبة تسقى ماء الخلوة من دولاب الفكرة . و إن آثرت التكسب لم أطق . و إن تعرضت لأنباء الدنيا ـ مع أن طبعي الأنفة من الذل و تديني يمنعني ـ فلا يبقى للميل مع هذين الجاذبين أثر . و مخالطة الخلق تؤذي النفس مع الأنفاس !!! و لا تحقيق التوبة أقدر عليه ، و لا نيل مرتبة من علم أو عمل أو محبة يصح لي . فإذا رأيتني كما قال القائل : ألقاه في اليم مكتوفاً و قال له إياك إياك أن تبتل بالماء تحيرت في أمري ، و بكيت على عمري ، و أنادي في فلوات خلواتي بما سمعته من بعض العوام ، و كأنه وصف حالي : واحسرتي كم أداري فيك تعثيري مثل الأسير بلا حبل و لا سيري ما حيلتي في الهوى قد ضاع تدبيري لما شكلت جناحي فلت لي طيري |
|
11-09-2021, 01:52 AM | #84 |
|
رد: ( صَيْدِ الخَاطِرِ ) مقتطفات من روائع ابن الجوزي ( متجدد)
فصل : من رام صلاح القلب رام الممتنع
تأملت أمر الدنيا و الآخرة ، فوجدت حوادث الدنيا حسية طبعية ، و حوادث الآخرة إيمانية يقينية . و الحسيات أقوى جذباً لمن لم يقو علمه و يقينه . و الحوادث إنما تبقى بكثرة أسبابها ، فمخالطة الناس ، و رؤية المستحسنات و التعرض بالملذوذات ، يقوي حوادث الحس . و العزلة ، و الفكر ، و النظر في العلم يقوي حوادث الآخرة . و يبين هذا بأن الإنسان إذا خرج في الأسواق ، و يبصر زينة الدنيا ثم دخل إلى المقابر ، ففكر ورق قلبه ، فإنه يحس بين الحالتين فرقاً بيناً . و سبب ذلك ، التعرض بأسباب الحوادث . فعليك بالعزلة و الذكر و النظر في العلم ، فإن العزلة حمية ، و الفكر و العلم أدوية . و الدواء مع التخليط لا ينفع . و قد تمكنت منك أخلاط المخالطة للخلق ، و التخليط في الأفعال فليس لك دواء إلا ما وصفت لك . فأما إذا خالطت الخلق و تعرضت للشهوات ، ثم رمت صلاح القلب رمت الممتنع . |
|
11-09-2021, 01:52 AM | #85 |
|
رد: ( صَيْدِ الخَاطِرِ ) مقتطفات من روائع ابن الجوزي ( متجدد)
فصل : الممنوع مرغوب
تأملت حرص النفس على ما منعت منه . فرأيت حرصها يزيد على قدر قوة المنع . و رأيت في الشرب الأول ، أن آدم عليه السلام لما نهي عن الشجرة ، حرص عليها مع كثرة الأشجار المغنية عنها . و في الأمثال : [ المرء حريص على ما منع ، و تواق إلى ما لم ينل ] . و يقال : [ لو أمر الناس بالجوع لصبروا ، و لو نهوا عن تفتيت البعر لرغبوا فيه ] . و قالوا : ما نهينا عنه إلا لشيء . و قد قيل : [ أحب شيء إلى الإنسان ما منعنا ] فلما بحثت عن سبب ذلك ، وجدت سببين : أحدهما : أن النفس لا تصبر على الحصر ، فإنه يكفي حصرها في صورة البدن . إذا حصرت في المعنى بمنع زاد طيشها . و لهذا لو قعد الإنسان في بيته شهراً ، لم يصعب عليه . و لو قيل له : لا تخرج من بيتك يوماً ، طال عليه . و الثاني : أنها يشق عليها الدخول تحت حكم ، و لهذا تستلذ الحرام ، و لا تكاد تستطيب المباح . و لذلك يسهل عليها التعبد على ما ترى ، و تؤثره لا على ما يؤثر . |
|
11-09-2021, 01:53 AM | #86 |
|
رد: ( صَيْدِ الخَاطِرِ ) مقتطفات من روائع ابن الجوزي ( متجدد)
• فصل : التعليم عبادة
ما زالت نفسي تنازعني بما يوجبه مجلس الوعظ ، و توبة التائبين ، و رؤية الزاهدين ... إلى الزهد و الانقطاع عن الخلق و الانفراد بالآخرة . فتأملت ذلك فوجدت عمومه من الشيطان ، فإن الشيطان يرى أنه لا يخلو لي مجلس من خلق لا يحصون ، يبكون و يندبون على ذنوبهم . و يقوم في الغالب جماعة يتوبون و يقطعون شعور الصبا . و ربما اتفق خمسون و مائة . و لقد تاب عندي في بعض الأيام أكثر من مائة . و عمومهم صبيان ، قد أنشأوا على اللعب و الانهماك في المعاصي . فكأن الشيطان لبعد غوره في الشر . رآني أجتذب منه . فأراد أن يشغلني عن ذلك بما يزخرفه ليخلو هو بمن أجتذبهم من يده . و لقد حسن إلى الإنقطاع عن المجالس . و قال : لا يخلو من تصنع للخلق . فقلت : أما زخرفة الألفاظ و تزويقها ، و أخراج المعنى من مستحسن العبارة ، ففضيلة لا رذيلة . و أما أن أقصد الناس بما لا يجوز في الشرع ، فمعاذ الله . ثم رأيته يريني في التزهد قطع أسباب ـ ظاهرة الإباحة ـ من الاكتساب . فقلت له : فإن طاب لي في الزهد ، و تمكنت من العزلة ، فنفذ ما بيدي أو احتاج بعض عائلتي ، ألست أعود القهقرى ؟ فدعني أجمع ما يسد خلتي ، و يصونني عن مسألة الناس ، فإن مد عمري ، كان نعم السبب ، و إلا كان للعائلة . و لا أكون كراكب أراق ماءه لرؤية سراب ، فلما ندم وقت الفوات ، لم ينتفع بالندم . و إنما الصواب توطئة المضجع قبل النوم ، و جمع المال الساد للخلة قبل الكبر أخذاً بالحزم . و قد قال الرسول صلى الله عليه و سلم : لأن تترك ورثتك أغنياء ، خير لك من أن تتركهم عالة يتكففون الناس . و قال : نعم المال الصالح ، للرجل الصالح . يتبع |
|
11-09-2021, 01:54 AM | #87 |
|
رد: ( صَيْدِ الخَاطِرِ ) مقتطفات من روائع ابن الجوزي ( متجدد)
و أما الانقطاع فينبغي أن تكون العزلة عن البشر لا عن الخير ، و العزلة عن البشر واجبة على كل حال . و أما تعليم الطالبين ، و هداية المرتدين ، فإنه عبادة العالم .
و إن من تفضيل بعض العلماء إيثاره للتنفل بالصلاة و الصوم ، عن تصنيف كتاب ، أو تعليم علم ينفع ، لأن ذلك بذر يكثر ريعه ، و يمتد زمان نفعه . و أنما تميل النفس إلى ما يزخرفه الشيطان من ذلك لمعنيين : أحدهما : حب البطالة ، لأن الانقطاع عندها أسهل . الثاني : لحب المدحة فإنها إذا توسمت بالزهد كان ميل العوام إليها أكثر . فعليك بالنظر في الشرب الأول ، فكن مع الشرب المقدم . و هم الرسول صلى الله عليه و سلم و أصحابه ، رضي الله تعالى عنهم . فهل نقل عن أحد منهم ما ابتدعه جهلة المتزهدين و المتصوفة ، من الانقطاع عن العلم ؟ و الانفراد عن الخلق ؟ و هل كان شغل الأنبياء إلا معانات الخلق ، و حثهم على الخير و نهيهم عن الشر ؟ إلا أن ينقطع من ليس بعالم يقصد الكف عن الشر ، فذاك في مرتبة المحتمي يخاف شر التخليط . فأما الطبيب العالم بما يتناول ، فأنه ينتفع بما يناله |
|
11-09-2021, 01:54 AM | #88 |
|
رد: ( صَيْدِ الخَاطِرِ ) مقتطفات من روائع ابن الجوزي ( متجدد)
فصل : خيركم من عمل بما علم
تأملت المراد من الخلق ، فإذا هو الذل ، و اعتقاد التقصير و العجز . و مثلت العلماء و الزهاد العاملين صنفين فأقمت في صف العلماء مالكاً و سفيان و أبا حنيفة و الشافعي و أحمد ، و في صف العباد مالك بن دينار و رابعة و معروف الكرخي و بشر بن الحارث . فكلما جد العباد في العبادة ، و صاح بهم لسان الحال : عباداتكم لا يتعداكم نفعها و إنما يتعدى نفع العلماء ، و هم ورثة الأنبياء ، و خلفاء الله في الأرض ، و هم الذين عليهم المعول ، و لهم الفضل ، إذاً أطرقوا و انكسروا و علموا صدق تلك الحال ، و جاء مالك بن دينار إلى الحسن يتعلم منه و يقول : الحسن أستاذنا . و إذا رأى العلماء أن لهم بالعلم فضلاً ، صاح لسان الحال بالعلماء : و هل المراد من العلم إلا العمل ؟ ! و قال أحمد بن حنبل : [ و هل يراد بالعلم إلا ما وصل إليه معروف ؟ ] . و صح عن سفيان الثوري قال : [ وددت أن قطعت و لم أكتب الحديث ] . و قالت أم الدرداء لرجل : [ هل عملت بما علمت ] ؟ قال : لا . قالت : [ فلم تستكثر من حجة الله عليك ؟ ] . و قال أبو الدرداء : [ ويل لمن يعلم و لم يعمل مرة ، و ويل لمن علم و لم يعمل سبعين مرة ] . و قال الفضيل : [ يغفر للجاهل سبعون ذنباً ، أن يغفر للعالم ذنب واحد ] فما يبلغ من الكل قوله تعالى : هل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون . و جاء سفيان إلى رابعة : فجلس بين يديها ينتفع بكلامها ، فدل العلماء العلم على أن المقصود منه العمل به ، و أنه آلة فانكسروا و اعترفوا بالتقصير . فحصل الكل على الاعتراف و الذل فاستخرجت المعرفة منهم حقيقة العبودية باعترافهم ، فذلك هو المقصود من التكليف . |
|
11-09-2021, 01:54 AM | #89 |
|
رد: ( صَيْدِ الخَاطِرِ ) مقتطفات من روائع ابن الجوزي ( متجدد)
فصل : محبة الخالق ضرورة
تأملت في قوله تعالى : يحبهم و يحبونه . فإذا النفس تأبى إثبات محبة للخالق توجب قلقاً و قالت : محبته طاعته ، فتدبرت ذلك فإذا بها قد جهلت ذلك لغلبة الحس . و بيان هذا أن محبة الحس لا تتعدى الصور الذاتية ، و محبة العلم و العمل ترى الصور المعنوية فتحبها . فإنا نرى خلقاً يحبون أبا بكر رضي الله عنه ، و خلقاً يحبون علياً بن أبي طالب رضي الله عنه ، و قوماً يتعصبون لأحمد بن حنبل ، و قوماً للأشعري فيقتتلون و يبذلون النفوس في ذلك . و ليسوا ممن رأى صور القوم ، و لا صور القوم توجب المحبة . لكن لما تصورت لهم المعاني فدلتهم على كمال القوم في العلوم ، وقع الحب لتلك الصور التي شوهدت بأعين البصائر . فكيف بمن صنع تلك الصور المعنوية و بذلها ؟ . و كيف لا أحب من وهب لي ملذوذات حسي ، و عرقى ملذوذات علمي ؟ فإن التذاذي بالعلم و إدراك العلوم أولى من جميع اللذات الحسية ، فهو الذي علمني و خلق لي إدراكاً ، و هداني إلى ما أدركته . ثم إنه يتجلى لي في كل لحظة في مخلوق جديد ، أراه فيه بإتقان ذلك الصنع و حسن ذلك المصنوع . فكل محبوباتي منه ، و عنه ، و به ، الحسية و المعنوية ، و تسهيل سبل الإدراك به ، و المدركات منه ، و ألذ من كل لذة عرفاني له ، فلولا تعليمه ما عرفته . و كيف لا أحب من أنا به ، و بقائي منه ، و تدبيري بيده ، و رجوعي إليه ، و كل مستحسن محبوب هو صنعه و حسنه و زينه و عطف النفوس إليه . فذلك الكامل القدرة أحسن من المقدور ، و العجيب الصنعة أكمل من المصنوع ، و معنى الإدراك أحلى عرفاناً من المدرك . و لو أننا رأينا نقشاً عجيباً لاستغرقنا تعظيم النقاش و تهويل شأنه ، و ظريف حكمته عن حب المنقوش ، و هذا مما تترقى إليه الأفكار الصافية ، إذا خرق نظرنا الحسيات ، و نفذ إلى ما وراءها ، فحينئذ تقع محبة الخالق ضرورة . و على قدر رؤية الصانع في المصنوع يقع الحب له . فإن قوي أوجب قلقاً و شوقاً . و إن مال بالعارف لى مقام الهيبة ، أوجب خوفاً . و إن انحرف به إلى تلمح الكرم أوجب رجاء قوياً قد علم كل أناس مشربهم . |
|
11-09-2021, 01:55 AM | #90 |
|
رد: ( صَيْدِ الخَاطِرِ ) مقتطفات من روائع ابن الجوزي ( متجدد)
فصل : لا يخفى على الله شيء
نظرت في الأدلة على الحق سبحانه و تعالى فوجدتها أكثر من الرمل ، و رأيت من أعجبها أن الإنسان قد يخفي ما لا يرضاه الله عز و جل ، فيظهره الله سبحانه عليه وحده و لو بعد حين ، و ينطق الألسنة به و إن لم يشاهده الناس . و ربما أوقع صاحبه في آفة يفضحه بها بين الخلق ، فيكون جواباً لكل ما أخفى من الذنوب ، و ذلك ليعلم الناس أن هنالك من يجازي على الزلل ، و لا ينفع من قدره وقدرته حجاب ولا استتار ، و لا يصاغ لديه عمل . و كذلك يخفي الإنسان الطاعة فتظهر عليه ، و يتحدث الناس بها و بأكثر منها ، حتى إنهم لا يعرفون له ذنباً و لا يذكرونه إلا بالمحاسن ، ليعلم أن هنالك رباً لا يضيع عمل عامل . و إن قلوب الناس لتعرف حال الشخص و تحبه ، أو تأباه ، و تذمه ، أو تمدحه وفق ما يتحقق بينه و بين الله تعالى ، فإنه يكفيه كل هم ، و يدفع عنه كل شر . و ما أصلح عبد ما بينه و بين الخلق دون أن ينظر الحق ، إلا انعكس مقصوده وعد حامده ذاماً . |
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 20 ( الأعضاء 0 والزوار 20) | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
مقتطفات من العبرات للمنفلوطي | نبوءة حب | المكتبة الأدبية ونبراس العلم | 8 | 10-23-2022 05:49 PM |
آية وتفسيرها ( متجدد) | هادي علي مدخلي | الكلِم الطيب (درر إسلامية) | 97 | 01-23-2022 09:40 AM |
روائع جبران خليل جبران | نقاء الياسمين | ظِلال وارفة | 10 | 08-28-2021 05:20 PM |
حكم وأمثال شعبية ( متجدد ) | نبوءة حب | مقهى المدائن | 117 | 06-23-2021 06:36 AM |
مقتطفات من سيرة نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم | الشادي | الكلِم الطيب (درر إسلامية) | 5 | 12-15-2020 03:17 PM |