» ..... « | ||||||
|
بوح الأرواح ( بوحٌ تتسيّدُه أقلامكم الخاصّة في عزلة مقدّسة بعيدا عن الردود ( يمنع المنقول ) |
( بوحٌ تتسيّدُه أقلامكم الخاصّة في عزلة مقدّسة بعيدا عن الردود
( يمنع المنقول )
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
12-19-2024, 09:22 AM | #51 |
|
رد: صلاة سادسة
الوضوء الثامن لا يعلم المرء لماذا يرتبك داخله إلا حينما يثق جيداً أن هناك من يستحق تحريكه. إنها أسباب إلهية تحرك دواخلنا لتشعرنا حقيقة بأن قلقنا على أحدٍ ما لغيابه، أو عدم ردّه على رسائلنا، أو عدم وصولها، أو تأخرها. أو لعدم تمكنه من الانتباه لاتصالاتنا. هذه الحالات اليومية التي صارت بالنسبة لحياتنا جزءًا لا يتجزأ من مشاعرنا الطبيعية. كما أن الشعور الحقيقي هو أن يتحول الاتصال إلى تنبيه بعدما كان في بداية الاتصال هو لبداية حديث طويل، أو اطمئنان عظيم، أو شعور بالتواصل الواجب، وصلة الأرحام. اليوم تغيرت كل هذه التفاصيل.. ولكن دواخلنا الصادقة لم تتغير معها، بل تمسكت بأنّ القلق الداخلي نتيجة لعدم الانتباه وعدم الرد وعدم وصول الرسائل وغيرها إنما هي حالات لها أسبابها الحقيقية؛ فالناس لديهم أحداثهم في الجانب الآخر، لديهم تفاصيلهم التي لم نطلع عليها.. وحتى نطلع عليها يتولد اختبار عظيم لا يحدث إلا في القلوب الصادقة. إننا أمام أسبابنا الداخلية نعرف حقائق من يسكنونا في هذا العالم المتباعد والواسع والكبير الذي جعلته التكنولوجيا بحجم يد، تحركه أرقام، وكلمات منها ما ينبع من داخلنا ليصل داخلهم ويؤمنون جيداً بأنه خرج من الداخل فعلاً. هذا القلق الحقيقي هو إنذار جميل وإشارة مميزة بأنّ الذين يقلقوننا لأي سببٍ ناتج عن رسلنا وعدم وصولها أو اتصالاتنا وعدم الرد عليها أو الانتباه لها.. إنه قلق النبلاء، الأوفياء. قبل تسعة أعوام من اليوم.. خرجت أختي إلى مدينةٍ بعيدةٍ عن بيتنا.. كنت آخر من ودّعها. كلماتنا الأخيرة –تلك- ما تزال نابتة في روحي حتى هذه اللحظة.. وكثيراً ما أرددها بين حين وآخر حينما يحدث ما حدث بيننا. يومها لم أكن أعلم أنّها ستجري فحوصات من أجل عملية صغرى. لم تخبرني لأنها تعلم جيداً أنني أكثر إخوتها قلقاً عليها، وأكثرهم حرصاً عليها، وأكثرهم حباً لها مهما أحبوها.. هي تقول لي عادةً: " يا خي قلبك كيف ينبض.. اخ من قلبك ربي ما يحرمني منه.. أنت عسل حياتي." قلقي الكبير إنما هو شعور ينهض داخلي لأريها كيف ينبض قلبي وكيف أختي تركض داخله وتحياه وتحيا به ويحيا بها. خرجت ونسيت أنني حمّلتها وصاياي إليها: "إن انقطعت شبكة الاتصال عنك بالطائرة، حينما تصلين للمستشفى افتحيه وأبلغيني أنك ستدخلين الفحص الطبي." أحاديث كثيرة ووصايا عظيمة ما زلت أتذكرها، وأحيا جمالها وصفاءها حتى اليوم. ذلك القلق العظيم الصادق الذي لولاه لما شعرنا بقيمة أرواحنا وجمالها الداخلي الدفين الذي لا يستطيع إخراجه إلا من يستحقه؛ لأنه حين يخرج من داخلنا إنما هو يتولد طبيعياً كما يرتبط الطفل بحبل أمه السري ليستمد منه طعامه ورحمته وحنانه وشعوره بالحياة. لا أعلم لماذا أغلقت جوالها ذلك اليوم؟ لا أتذكر من هول قلقي لماذا كنت أرسل ولا ترد على رسائلي؟ خشيت من أنها دخلت في مرحلة طبيةٍ حرجة. استمر قلقي الجميل الذي اختبرت فيها عظمة هذا الإخاء وصدقه، وجمال أن يحملك ليس أخ بل متحول لعاشقٍ من رحم أمك يتحسسك ويتساءل عن أسباب هذا التأخير. يبدو أنني كما قالت: " يا أصدق القلق، يا أجمل القلق، يا أوفى الخلق لروحي يا قلب أختك". هذه الرسالة كانت كفيلة بأن توصل لها حجم ما عانيته في سبيل انتظار أن تفتح جوالها وتقولها لي. هذه العبارة التي جاءت من خلف صوتها الموبوء "بالبنج" أتخيل أنني يومها لو لم أبعث إليها لشعرت بالوحدة، ولو لم أنتظر ردها لشعرت بالأسى. لكنها بعد يوم كامل عاشته تحت تأثير الفحوصات والتفاصيل والعملية التي خبأتها. يوم كامل كان يتخلق فيه الوفاء ليس لأننا إخوة بل لأننا إنسانيين نألف بعضنا، ونحيا من أجل بعضنا.. فمهما خلق القلق والارتباك داخلنا إنما هو شعور فطري من أجله خلقت البشرية، وهو أسباب لما بعده. كانت من وعيها تربت على صدري بصوتها المتعب. وتقول: "تخيل أنك الوحيد الذي قلق عليّ" يا الله. ما أجمل أن تكون الوحيد حتى ولو كان الأمر متعلق بالارتباك والقلق. ما أجمل أن تكون متفرداً في ترك روحك الصادقة تخرج أجمل ما فيها، أصدق ما فيها، أعذب ما فيها. ولدنا لأجلنا، وحينما نجد أحداً في حياتنا نولد لأجله علينا أن نفعل ذلك. المشاعر الفطرية هي أصدق ما خلقه الله فينا. هاجر عليها السلام.. حينما جفّ ثديها لم تجد غير أن تبذل السبب.. فضلت تهرول في مسعاها سبعة أشواط ذهاباً إياباً حتى رفصت برجلها الأرض من العناء لتخرج أعظم بئر على وجه كوكب الأرض. كانت الأسباب تدفعها والقلق يحفزها لأن تُخرج أجمل ما في الأرض بأكملها. وكذلك مريم عليها السلام، لما أنجبت عيسى.. لم تجد في قلقها وما يطفئه إلا أن أنذرت ألا تكلم اليوم إنسيا. تراها كم قضت من القلق الصامت داخلها؟ كم كانت جميلة تلك الخلوة الفطرية مع قلقها حتى أتاها الرد من الله الذي جاء إليها بوحي ليعلمنا الأسباب وجمال القلق الإنساني الذي يكافئه الله حينما يعلم صدقه، وطهره، ودوافعه: "وهزي إليك بجذع النخل تتساقط عليك رطباً جنيّا" كل هذه المشاعر الفطرية هي سبب في إيجاد إنسانية لا يمكن أن تتوالد إلا في النفوس التي تجيد الصلاة مع الله ثم تجيدها مع البشر الذين اختارهم الله لبعضهم البعض. "وأيوب إذا نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الرحمين" يا الله.. لا أعلم حجم الكلمات التي تولدت داخلي وأنا أذرف دموعي لتلك الحلوة التي خرجت من روحي، وكأن أمي أنجبتها لأجلي أنا، لأجلي وحدي فقط، لا ليشاركني إياها إخوة آخرين. ما أجمل أن يكون القلق والارتباك دمعة، دمعة صامتة عن ألف جملة. إن لم يختارك القلق الصادق يوماً لأي سببٍ ما شريطة أن يكون هذا السبب عميقاً وله دوافع نقية وصادقة فاختره أنت أو فتش عنه إلى أن تجده مع الإنسان الذي يستحقه منك وتستحقه منه؛ لأن قلق النبلاء وارتباك الأبرار، واعتصار الإخوة على بعضهم هو أصدق المشاعر التي فطرت عليها قلوب البشر، وهي المشاعر الحقيقية التي تسجلها الملائكة في سجلاتنا اليومية؛ فالله يرى النيّات والخبيئات التي مهما اعترف الناس بها لبعضهم البعض إلا أن مكافأتها عند الله وحد بتدوينها في سجلاتنا المقدسة. مر ذلك اليوم بأكمله، مرّ وغدا اليوم ذاكرة أجمل القلق، وقلقي الأجمل. ولم يعد يمارس داخلي شعوراً إلا تلك المشاعر التي تستمر وتحيا ونحيا معها وبها. ومنه تعلمت السكينة واللجوء إلى الله بكل ما يعترج من قلق. بعدها ولطوال سنوات كنت أرفع ما يقلني للسماء؛ لأنه لم يكن هناك من يحركه إلا قليلاً، أو قلق الإنسان اليومي المعتاد لا القلق الروحي العميق الذي يتجذر فينا ويحركنا كمحرك عظيم لا يكفيه إلا أن يشعر بالسكينة العظيمة التي يصنعها الطرف الآخر في جسر القلق البشري الفطري المقدس. ومنذ أيام صادقة عظيمة خالدة مقدسة أتذكر أنني شعرت لأول مرةٍ في حياتي بهذا الشعور المقدس، هذا الشعور الذي لم يتملكني منذ سنوات طويلة، إنه ذات القلق الجميل الصادق، الذي لولاها، ولولا أني عرفت مسبباته التي جعلتني أشكر الله على ما في داخلي؛ لما تعرفت عليه؛ لأنه شعور داخلي عميق لا يتولد لأي إنسانٍ عاديٍ، أو لغير مستحقه؛ لأن الذي يقلقنا عليه إنما هو جزء من وريدنا، وحياتنا اليومية، وعالمنا الخاص، وحبل أمنا السري، وهباتنا السماوية.. يكفي أن هذا الإنسان أخرج هذا القلق الجميل فينا؛ لاستحقاقه، ولعظمة روحه ولخيره الكبير الذي يتدلى من قلبه الأبيض، وصدق صدقه الأخلد. - إلهي: لا تحرمني نعمة هذا القلق الصادق، ولا تقطع عليّ سبيل الوصول لجسرٍ هبط عليّ من علياء سماءك بعدما أمرتني في مراحل من عمري في حالة اللا واعي أن أتنبأ بمقدمه، وأهيأ له سطوري التي حملت هويته، وشعوري الذي يتراقص فرحاً بوعيه، وتوجيهه، وإدراكه، ونبله الذي يغطي كل هذا الكون. |
إلهي منحتني نعمة الكلام ، إلهي فاجعل آخره الشهادة... |
12-20-2024, 12:02 PM | #52 |
|
رد: صلاة سادسة
الوضوء التاسع ... في كل سنبلة خضرٍ حبة يابسة. وفي كل حقل وبستان مزارع يحصد لأجل غيره أكثر مما يحصد لأجله. الحياة مثل هؤلاء المزارعين والبساتين تماماً. كل ما فينا يتصالح مع من يصالحها عليها. قلة هم الذين يشعرون من أجل الكتابة للآخر، أو يعيشون من أجل الآخر ذاته. وفي لحظة حصاد القمح ، وموسم الدقيق تنمو حياة كاملة بل عدة حيوات اتصل فيها الجميع ببعضهم ليشكلون أمام أعاصير الحياة وقواصم ظهرها روحاً واحدةً ترتدي ذات الثوب "البني" الذي ما يزال يحتفظ به صاحبه. إحداهما تغسله والأخرى تجففه وهو ينتظر شروق الشمس كي يرتديه من جديد رغم ما فيه من بقع الماء التي لم تسبقه الشمس إليها، وحينما يعود ليخلعه من فوق جلده الصغير تبدأ الدورة ذاتها. الخبز لم يكن قضيتهم أبداً، ولا "المجاعة" وإنما هي التفاصيل العميقة التي ورثوها من محصولٍ كان لهم وصار لغيرهم، وبساتين كبيرة أخرجوهم منها لسداد ديونهم. قضيتهم مع تلك الذاكرة المملوءة بحياة كاملة كانت ستصنع لهم الفرق الأكبر في تحفيزهم لحياة أكثر سعادة ورفاه.. عدا أن للقدر كلمته الحاسمة كما قالت أمه.. "الله حينما يريد نريد، وكيفما يأمر نتبع، وحينما يفرجها تُفرج.. ولو بعد حين من الدهر فمهما طال.. عليك الصبر.. وحينما تكبر ستصدق كلامي" هكذا قالت له أمه، وهكذا وعي الدرس. وهكذا نفخت أخته في أذن روحه ذات يوم وهي تقول له: "أخي : الله يعلم أننا كنّا شيئاً كبيراً، وغدونا شيئاً آخر. لهذا علينا الصبر.. فإذا لم نستطع القيام بالأشياء الكبيرة علينا القيام بالصغيرة التي توصلنا إليها. وإن عجز الناس من حولنا عن مد يد العون لانتشالنا من هذا الحقل الملغوم بالذاكرة المأساوية ونحن بهذا العمر الصغير.. فعلينا أن نبني جسوراً للحياة ربما صدفنا من يستطيع أن يسقينا شربةً تغير ضمأنا، أو يحملنا إلى مرفأ الأمان الذي نجد فيه بستاناً آخراً نزرع فيه أمالنا وأحلامنا. فإن لم يكتب لنا ربنا اليوم ونحن صغاراً ثق أنه سيكتبه لنا ونحن كباراً ولن يحرمنا صبرنا واحتمالنا" هكذا قالت له أخته الكبرى حينما قبّلته في صباح جديد وهي تمسك بيده لتفترق عنه ليمضي كل منهما إلى مدرستين متفائلتين مختلفتين متباعدتين قليلاً.. وهكذا ظل يمشي كما لو أنها لم تخلع يدها منه.. وظل يكتب كلماتها وينقشها على الهواء الطلق حتى لا ينساها حين يكبر ، يرددها طوال سيره لمدرسته. يكتبها بأنامله الصغيرة على هواء ذات الشوارع التي كبر فيها وكلماتها ما تزال تقاوم الضباب والرياح في جدران الهواء الهلامية لتبقى. التفاصيل العالقة في ذهنه حتى اليوم.. هي ذات التفاصيل التي جعلته يقوم ومن وعكته ويستمر في صموده الكبير وسيستمر رغم كل شيء. |
إلهي منحتني نعمة الكلام ، إلهي فاجعل آخره الشهادة... |
12-20-2024, 02:08 PM | #53 |
|
رد: صلاة سادسة
الوضوء العاشر ... كانت الأرض ملئ بالتوابيت وكان وحده يشعر بأن حركة جميلة متفائلة تدور بأحد تلك التوابيت المسجاة أمامه. حتى الشجرة التي استظل تحتها كانت تهز غصونها بفعل الرياح المفاجئة التي حضرت ذلك المشهد. كانت الشمس حاضرة أيضاً ، الشمس التي أثبتت تلك المعجزة الخالدة. فمع ارتفاع حرارتها إلا أنها اختبأت نفسها خلف غيمةٍ سرعان ما فجّرت كل ما فيها من ماء وبخار لتمطرها وتدسها قليلاً.. تحرك ذلك التابوت الذي كان قد مات داخله "الأمل" ونهض من داخله رجل عظيم اسمه التفاؤل. أخذ بيدي .. يومها كنت أعلم أنني لم أتعلم الزرع والحرث جيدًا.. لكنه قال لي: "كل ما تراه اليوم كان لكم. كل الذي تراه أمامك كان لكم. كل الذي ستزرعه اليوم للآخرين ولأصحابه الجدد كان ملك لكم.." انتفضت في مكاني. اختبأت خلف الشجرة كي أبكي بقوة الأقوياء قدر ما أشاء.. ولكني حقاً عجزت لحظتها عن التفرقة بين دموعي والمطر.. ولا أيهم مالحاً أو عذباً. هل كانت الشمس تختبئ لأجل أن تساعدني على البكاء الذي لم يراه أحد على عيني مذ كنت صغيراً واعياً وقد لا يراه أحد؟ أم أن الشجرة التي خلعت لخافها، وأوراقها لتغطيني بها وتسترني هي التي أرادتني أن أقوم من ضعفي ووهني لقوتي وصلابتي وأكمل غرس تلك البذور في أرضٍ عليّ النسيان أنها كانت ستؤول إليّ حينما أكبر.. عدا أنها لم تعد لها علاقة بي، ولا بأبي. ورحت أركض إلى وسط الحقول. أركض بحثاً عن آثار أبي الذي حرث أولاً، وعن بقايا آماله التي نمت أولاً ، وعنه أو عن ذاكرته هناك؛ لكي أبدو وارثاً لنبل المزارعين وصمودهم وصبرهم الكبير.. ولكنني يومها لم أجده، لا ولم أجد من أبي شيئاً.. لم أجد إلا إرادتي فأكملت يومها الحرث.. أكملته وبعت محصولنا للآخرين كيما تتساوى الكفاف، وتكتمل الآية والمعجزات، ويستيقظ كل الذين في تلك التوابيت رغبة منهم في مواجهتي: فلا الانكسار استطاع الاستمرار، ولا الألم وقف بوجهي، ولا أحد منهم وعادوا إلى موتتهم الأولى.. كلهم ماتوا في ذلك اليوم.. وبقيت أنا أكبر على مرأى ومسمع منهم.. على أمل بأن أكبر وأغدو الذي أريده، أو أرادته لي أمي، أو أختي الكبرى، أو أمنيات أبي الصامتة. إن الله لا يحرمنا أمنياتنا وإنما يؤجلها لنا حينما يعلم أننا في أمس الحاجة لها. |
إلهي منحتني نعمة الكلام ، إلهي فاجعل آخره الشهادة... |
12-22-2024, 11:27 AM | #54 |
|
رد: صلاة سادسة
الوضوء الحادي عشر .. ليت المسافات قريبة بيننا وبين أسرارنا الجميلة، تلك المخبأة في صدورنا المملوءة بالجبال الشاهقة التي تتسلقها نبضاتنا كل يوم من أجل إمداد الروح بحياتها الممتدة. صدورنا المملوءة بالحكايات والأقدار. أتخيل للحظةٍ أن في داخل روحينا ذات الأحمال، والأعتال.. عدا أن روحها تتميز بزيادة باليقين التام بأنها لن تعيد شيئًا مضى -وإلا لفعلت- هذا اليقين المؤمن داخلها جعلني أنصت إليها في صمتها وكلامها. الليل الطويل كان درساً مأهولاً بالساكنين الذين رحلوا وطال ذلك الليل. وعندما انبلج الفجر جاء الأحياء بأثقل مما تركه الأموات خلفهم من مشاعر وحب وعطاء كبير. ذلك الشوق المعتّق والعطاء المُعتق، والحنين الخمري الذي يصنع الطريق المستكين. لعلنا نكون مبتهجين دائماً ونقول كل ما فينا؛ لأن الكتابة لهم حتى في حالات الضعف وفاء جميل. الحياة تفصيل آخر وكلام عذب لا يمكننا إعادته. الحقيقة أننا نصوغ العبارات الخالدة لكي تصل.. ولم يبق من الجسور إلا الصلاة. لهذا نحن نصلي من أجلهم وأجلنا بذات الوقت. نصلي إلى أن يصبح ظل كل شيء مثله. ظل جاهز للكلمات التي لم تخرج ولم تتكلم نيابة عنا. الحكايات الصامتة والمتلبدة بغيوم الأسرار الكامنة في صدورنا هي ألم كبير حتى نفرغه، أو نكتبه، أو نتخلص منه بتأمينه وإيداعه عند من أمناء حياتنا الذين آمنا باستحقاقهم له. الصدور مستودعنا مهما أخذت المسافات مكاناتها. سيخرج لك من صدري ذلك الطفل الصغير الذي ينظر في عينيك ويهمس لصمتك ثم ينصت لك ولأدق حكاياتك ولن ينام؛ لأنه سوف يستمر في طلب المزيد. سيجلس بين عينيك التي تستحق الابتسامة بعد كل هذا النزف المبين. ثم سيحكي لك حكاية عنه أو منه حتى تنامين بعد سهرك الطويل لأجله. الطفولة هي أطهر الأعمار التي حين نفقدها نعزي فيها أنفسنا، وحينما نرتديها لنكون هم نشعر بأننا للتو خُلقنا. طفولتنا التي حينما تنجرح نشعر بجرحها. وحينما يصلنا نبأ موتها وانقطاعها عن الحياة لا يحزننا أنهم لم يكبروا إلى جوارنا وأمام أعيننا. إنما تتضارب المشاعر في صدورنا.. والحقيقة أننا سنشعر بعظيم تضحياتهم لأجل أن يكونوا شفعاء لنا يوم القيامة. أيها الموت قطفت كل هذه الأعمار ممن نتمنى لهم العمر المديد.. وإنا لمؤمنون. وإننا لنعزي قلوبنا بالآمال والأحلام والغيب القادم بأن يكون فيه رأفة كبرى حيال ما يرينا الله به. صبرًا أيتها الروح المطمئنة فداخلك الكثير من الأمس الذي علّمك من دروسه ومواقفه وأحداثه بأن الغد ما زال في دفاتر السماء.. وأن الذي أنزل مائدة من سمائه على قوم عصوه لهو أكرم بكثير من أن يعيد كتابة دفاترنا ويقدر لنا فيها الكثير من السعادات والبهجات التي تغيّر أعوام الحزن داخلنا، وتقاسيم الحياة التي تغيرت ملامحها ويتوجب أن تتغير كل حين. |
إلهي منحتني نعمة الكلام ، إلهي فاجعل آخره الشهادة... |
12-29-2024, 11:52 PM | #55 |
|
رد: صلاة سادسة
الوضوء الثاني عشر .. نبتت منذ مدة قريبة ولكنها عظيمة على خارطة حياتي بوصلة جديدة شعرت معها أنني محمول إلى طريق آمن، ممتد نحو ظلال واسعة، تسير فيه البذور معنا وتعلونا السحب المطيرة. لطالما تمنيت أن أرى أثري مع كل خطوة أخطوها لأشعر أنني في سكينتي التي تناسب أربعيني يرى في مساره الهدوء تجاه كل وثبة حفّها القدر، وكل رحلة كتبتها له يد الأقدار أو خطتها. كم أنا سعيد أن أمي أنجبت لي من رحمها روحًا جديدةً رغم أنها توقفت عن الإنجاب منذ عشرون عامًا. شكرًا لك يا إلهي على هبتي هذه السكينة، وهذه الروح المولودة لي من عظيم معجزاتك وكريم هباتك. |
إلهي منحتني نعمة الكلام ، إلهي فاجعل آخره الشهادة... |
01-12-2025, 04:58 PM | #56 |
|
رد: صلاة سادسة
الوضوء الثالث عشر .. في كل مرةٍ نقول لهم فيها أننا بخير .. هي في الحقيقة معنىً باطنيٍ آخر أننا بخير؛ لأنهم في حياتنا، ولأنهم حينما دخلوها صنعوا بوجودهم وطمأنينتهم التي فرشوا بها أراضي صدورنا كل السكينة بهم. ثمة بشر حينما يهبطون علينا يأتون ليشعروننا كما لو أننا امتلكنا كل التفاصيل العميقة. كل جملة بخير لها معانيها حقًا. وما داموا هم كذلك فنحن كذلك أيضًا. حينما نبذل الوفاء لمن يستحقه فنحن نبذل حياتنا ونرهن عند مثل هؤلاء أعمارنا لأنهم أعظم مرافئ الروح الآمنة، وأصدق القلوب الدائمة، والمطمئنة. |
إلهي منحتني نعمة الكلام ، إلهي فاجعل آخره الشهادة... |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 30 ( الأعضاء 0 والزوار 30) | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
السلسلة الذهبية في السيرة النبوية | جراح | الكلِم الطيب (درر إسلامية) | 307 | 11-24-2024 01:08 PM |