آخر 10 مشاركات |
روابط تهمك | القرآن الكريم | الصوتيات | الفلاشات | الألعاب | الفوتوشوب | اليوتيوب | الزخرفة | قروب | الطقس | مــركز التحميل | لا باب يحجبنا عنك | تنسيق البيانات |
|
الكلِم الطيب (درر إسلامية) رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا |
رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
11-10-2024, 12:43 PM | #321 |
|
رد: الأخلاق المذمومة في الإسلام ( متجدد )
تابع – المداهنة
ذم المداهنة والنهي عنها ب- من السُّنَّةِ النَّبَويَّةِ 1- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه: ((أنَّه سَمِع رسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: إنَّ شَرَّ النَّاسِ ذو الوجهَينِ، الذي يأتي هؤلاءِ بوَجهٍ وهؤلاءِ بوَجهٍ)) . قال النَّوويُّ: (قولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في ذي الوجَهينِ: إنَّه من شِرارِ النَّاسِ، فسَبَبُه ظاهِرٌ؛ لأنَّه نفاقٌ محضٌ وكَذِبٌ وخِداعٌ وتحيُّلٌ على اطِّلاعِه على أسرارِ الطَّائفتينِ، وهو الذي يأتي كُلَّ طائفةٍ بما يُرضيها ويُظهِرُ لها أنَّه منها في خيرٍ أو شَرٍّ، وهي مُداهَنةٌ مُحَرَّمةٌ) ، فأمَّا مَن يقصِدُ بذلك الإصلاحَ بَيْنَ الطائفتينِ فهو محمودٌ . وقيل: إنَّ المذمومَ مَن يُزَيِّنُ لكُلِّ طائفةٍ عَمَلَها ويُقَبِّحُه عِندَ الأُخرى ويَذُمُّ كُلَّ طائفةٍ عِندَ الأخرى، والمحمودُ أن يأتيَ لكُلِّ طائفةٍ بكلامٍ فيه صلاحُ الأخرى ويعتَذِرُ لكُلِّ واحدةٍ عن الأخرى وينقُلُ إليه ما أمكَنه من الجميلِ ويَستُرُ القبيحَ . 2- عن أبى هُرَيرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه، أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((حقُّ المُسلِمِ على المُسلِمِ سِتٌّ، قيل: ما هنَّ يا رسولَ اللهِ؟ قال: إذا لَقيتَه فسلِّمْ عليه، وإذا دعاك فأجِبْه، وإذا استنصَحك فانصَحْ له، وإذا عطَس فحمِد اللهَ فسَمِّتْه، وإذا مرِض فعُدْه، وإذا مات فاتَّبِعْه)) . قولُه: ((وإذا استنصَحَك)) معناه: طلَبَ منك النَّصيحةَ فعليك أن تنصَحَه ولا تداهِنَه ولا تَغُشَّه ولا تُمسِكَ عن بيانِ النَّصيحةِ ، والنَّصيحةُ: إرادةُ الخيرِ للغَيرِ وإظهارُه له؛ ليتمَسَّكَ به . 3- عن النُّعمانِ بنِ بَشيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما قال: قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَثَلُ المُدهِنِ في حدودِ اللَّهِ والواقِعِ فيها مَثَلُ قومٍ استَهَموا سفينةً، فصار بعضُهم في أسفَلِها وصار بعضُهم في أعلاها، فكان الذي في أسفَلِها يمرُّون بالماءِ على الذين في أعلاها، فتأذَّوا به، فأخَذ فأسًا، فجَعَل يَنقُرُ أسفَلَ السَّفينةِ، فأتَوه فقالوا: ما لك؟ قال: تأذَّيتُم بي ولا بُدَّ لي من الماءِ! فإن أخَذوا على يَدَيه أنجَوه ونجَّوا أنفُسَهم، وإن تَرَكوه أهلَكوه وأهلَكوا أنفُسَهم)) . (قولُه: ((المُدهِن)) هو المصانِعُ والغاشُّ، وهو المداهِنُ، والادِّهانُ: المصانعةُ واللِّينُ في الحَقِّ) . وقيل: هو المحابي، والمرادُ به مَن يرائي ويُضَيِّعُ الحقوقَ ولا يُغَيِّرُ المُنكَرَ، وقيل: المداهِنُ هو المضَيِّعُ لحدودِ اللَّهِ الذي لا يُغَيِّرُ المعاصيَ ولا يَعمَلُها، فهو مُستحَقٌّ بالعقوبةِ على سُكوتِه ومداهنتِه . 4- عن أمِّ سَلَمةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((إنَّه يُستعمَلُ عليكم أُمَراءُ، فتَعرِفون وتُنكِرون، فمَن كَرِه فقد بَرِئ، ومن أنكَر فقد سَلِم، ولكِنْ مَن رَضِيَ وتابَع، قالوا: يا رسولَ اللَّهِ، ألا نقاتِلُهم؟ قال: لا، ما صَلَّوا، أي: مَن كَرِه بقَلبِه وأنكَر بقَلبِه)) . قولُه: ((تَعرِفون وتُنكِرون)) صفتانِ لـ ((أمراء))، أي: تَعرِفون بعضَ أفعالِهم وتُنكِرون بعضَها، يريدُ أنَّ أفعالَهم تكونُ بعضُها حَسَنًا وبعضُها قبيحًا، فمَن قَدَر أن يُنكِرَ عليهم قبائِحَ أفعالِهم وسماجةَ حالِهم وأنكَر، فقد بَرِئَ من المُداهَنةِ والنِّفاقِ، ومَن لم يَقدِرْ على ذلك ولكِنْ أنكر بقَلبِه وكَرِه ذلك، فقد سَلِم من مشاركتِهم في الوِزرِ والوَبالِ، ولكِنْ مَن رَضِيَ بفِعلِهم بالقَلبِ وتابَعَهم في العَمَلِ فهو الذي شاركَهم في العِصيانِ، واندرَج معهم تحتَ اسمِ الطُّغيانِ . 5- عن طارِقِ بنِ شِهابٍ أنَّ رجُلًا سأل النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وقد وضَع رِجلَه في الغَرْزِ : أيُّ الجِهادِ أفضَلُ؟ قال: ((كَلِمةُ حَقٍّ عِندَ سُلطانٍ جائرٍ)) . قال ابنُ عُثَيمين: (للسُّلطانِ بطانتانِ: بطانةُ السَّوءِ، وبطانةُ الخيرِ. بطانةُ السَّوءِ: تَنظُرُ ماذا يريدُ السُّلطانُ، ثمَّ تُزَيِّنُه له وتقولُ: هذا هو الحَقُّ، هذا هو الطَّيِّبُ، وأحسَنْتَ وأفَدْتَ، ولو كان -والعياذُ باللَّهِ- مِن أَجْوَرِ ما يكونُ، تفعَلُ ذلك مُداهَنةً للسَّلاطينِ وطَلَبًا للدُّنيا. وأمَّا بِطانةُ الحَقِّ: فإنَّها تنظُرُ ما يُرضي اللَّهَ تعالى ورسولَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وتدُلُّ الحاكِمَ عليه، هذه هي البِطانةُ الحَسَنةُ) . ج- من أقوالِ السَّلَفِ والعُلَماءِ - يُروى عن عليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه أنَّه قال: (لو عَلِمتُ أنَّ المُداهَنةَ تَسَعُني في دينِ اللَّهِ لفعَلْتُ، ولكان أهوَنَ عليَّ في المؤونةِ، ولكِنَّ اللَّهَ لم يَرْضَ من أهلِ القُرآنِ بالإدهانِ والسُّكوتِ، واللَّهُ يُعصى) . - وقال سَهلُ بنُ عَبدِ اللَّهِ التُّستَريُّ: (لا يَشَمُّ رائحةَ الصِّدقِ مَن داهَن نفسَه أو غيرَه) . - وقال الثَّوريُّ: (إذا كان الرَّجُلُ محبَّبًا في جيرانِه، محمودًا عِندَ إخوانِه، فاعلَمْ أنَّه ُمُداهِنٌ) . - قال أبو عبدِ اللَّهِ المَغربيُّ: (أعظَمُ النَّاسِ ذُلًّا فقيرٌ داهَن غَنيًّا أو تواضعَ له، وأعظَمُ الخَلقِ عِزًّا غنيٌّ تذلَّل للفقيرِ وحَفِظَ حُرمتَه) . - وقال التَّاجُ السُّبكيُّ: (فإنَّما يُتلِفُ السَّلاطينَ فَسَقةُ الفُقَهاءِ؛ فإنَّ الفُقَهاءَ ما بَيْنَ صالحٍ وطالحٍ؛ فالصَّالحُ غالبًا لا يتردَّدُ إلى أبوابِ الملوكِ، والطَّالحُ غالبًا يترامى عليهم ثمَّ لا يَسَعُه إلَّا أن يجريَ معهم على أهوائِهم، ويُهَوِّنَ عليهم العظائِمَ، ولهو على النَّاسِ شَرٌّ من ألفِ شَيطانٍ، كما أنَّ صالِحَ الفُقَهاءِ خيرٌ من ألفِ عابِدٍ) . - وقال ابنُ شُبرُمةَ: (مَن أكَل من حَلوائِهم انحَطَّ في أهوائِهم) . - وكتَب أبو حازمٍ الأعرَجُ سَلَمةُ بنُ دينارٍ إلى بعضِ إخوانِه: (اعلَمْ أنَّ أدنى ما ارتكَبْتَ، وأعظَمَ ما احتَقَبْتَ أنْ آنَسْتَ الظَّالمَ، وسَهَّلْتَ له طريقَ الغَيِّ بدُنُوِّك حينَ أُدنيتَ، وإجابتِك حينَ دُعِيتَ، فما أخلَقَك أن تبوءَ بإثمِك غدًا مع الجُرمةِ! وأن تُسأَلَ عمَّا أرَدْتَ بإغضائِك عن ظُلمِ الظَّلمةِ، إنَّك أخَذْتَ ما ليس لمن أعطاك، ودنوتَ ممَّن لا يَرُدُّ على أحَدٍ حقًّا، ولا تَرَك باطلًا حينَ أدناك، وأجَبْتَ مَن أراد التَّدليسَ بدعائِه إيَّاك حين دعاك، جعلوك قُطبًا تدورُ رَحى باطِلِهم عليك، وجِسرًا يَعبُرون بك إلى بلائِهم، وسُلَّمًا إلى ضلالتِهم، وداعيًا إلى غَيِّهم، سالِكًا سبيلَهم، يُدخِلون بك الشَّكَّ على العُلَماءِ، ويقتادون بك قُلوبَ الجُهَّالِ إليهم، فلم تَبلُغْ أخَصَّ وُزَرائِهم، ولا أقوى أعوانِهم لهم، إلَّا دوَن ما بلَغْتَ من إصلاحِ فسادِهم، واختلافِ الخاصَّةِ والعامَّةِ إليهم، فما أيسَرَ ما عَمَّروا لك في جَنبِ ما خَرَّبوا عليك! وما أقَلَّ ما أعطَوك في كثيرِ ما أخَذوا منك! فانظُرْ لنفسِك؛ فإنَّه لا ينظُرُ لها غيرُك، وحاسِبْها حِسابَ رَجُلٍ مَسؤولٍ) . - وعن حُذَيفةَ المرعَشيِّ كَتَب إلي يوسُفَ بنِ أسباطٍ: (واعلَمْ يا أخي أنَّه ممَّا وُصِف به مُنافِقو هذه الأمَّةِ أنَّهم خالطوا أهلَ الدُّنيا بأبدانِهم، وطابقوهم عليها بأهوائِهم، وخضَعوا لما طمِعوا من نائِلِهم، فسكَتوا عمَّا سمِعوا من باطِلِها، وفَرِحوا بما رأوا من زينتِها، وداهنَ بعضُهم بعضًا في القولِ والفعلِ، وتركوا باطِنَ العَمَلِ بالتَّصحيحِ، فحَرَمهم اللَّهُ تعالى بذلك الثَّمَنَ الرَّبيحَ، واعلَمْ يا أخي أنَّه لا يجزي من العَمَلِ القَولُ، ولا من البَذلِ العِدَةُ، ولا من التَّوَقِّي التَّلاؤُمُ؛ فقد صِرْنا في زمانٍ هذه صفةُ أهلِه، فمَن كان كذلك فقد تعَرَّض للمهالِكِ، وصَدَّ عن سواءِ السَّبيلِ، وفَّقنا اللَّهُ وإيَّاك لما يحِبُّ، والسَّلامُ) . -وقال أبو عبدِ الرَّحمنِ العُمَريُّ: (من غَفلتِك عن نفسِك إعراضُك عن اللَّهِ بأن ترى ما يُسخِطُه فتجاوِزَه، ولا تأمُرُ ولا تنهى خوفًا ممَّن لا يملِكُ ضَرًّا ولا نفعًا) . - وقال أيضًا: (مَن تَرَك الأمرَ بالمعروفِ والنَّهيَ عن المُنكَرِ من مخافةِ المخلوقينَ، نُزِعَت منه هيبةُ اللَّهِ تعالى، فلو أمَرَ بعضَ وَلَدِه أو بعضَ مواليه لاستخَفَّ به) . ( يتبع ) |
نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا ! و ليتني ما أرضيت سواي ! على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات ! |
11-10-2024, 12:46 PM | #322 |
|
رد: الأخلاق المذمومة في الإسلام ( متجدد )
تابع – المداهنة
آثارُ المُداهَنةِ أ- على الفَردِ: 1- تجلِبُ سَخَطَ اللَّهِ: ذلك أنَّ المداهِنَ التَمَس رضا النَّاسِ بسَخَطِ اللَّهِ، وصار الخَلقُ في نفسِه أجَلَّ من اللَّهِ، فمَن فَعَل ذلك جَلَب على نفسِه سَخَطَ اللَّهِ تعالى. 2- الهوانُ والذُّلُّ؛ لأنَّ المداهِنَ طَلَب العِزَّ بمداهنتِه للباطِلِ وأهلِه، فكما أنَّه هان عليه أمرُ اللَّهِ أهانه اللَّهُ وأذَلَّه. 3- يستَحِقُّ المداهِنُ العقوبةَ إذا نزَلَت، ولو لم يكُنْ من أصحابِ الذُّنوبِ. قال تعالى: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً [الأنفال: 25] . فالنَّجاةُ هي لأهلِ الأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المُنكَرِ، والمداهِنُ ليس منهم؛ قال تعالى: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ [الأعراف: 165] . 4- يُصبِحُ المداهِنُ الذي آثَرَ رِضا الخَلقِ على الحَقِّ من أخبَثِ أصحابِ المعاصي، ولو كان من أصحابِ العبادةِ. قال ابنُ القَيِّمِ: (مَن له خِبرةٌ بما بَعَث اللَّهُ به رسولَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وبما كان هو عليه وأصحابُه، رأى أنَّ أكثرَ مَن يُشارُ إليهم بالدِّينِ هم أقَلُّ النَّاسِ دينًا، واللَّهُ المستعانُ! وأيُّ دينٍ وأيُّ خيرٍ فيمَن يرى محارِمَ اللَّهِ تُنتَهَكُ، وحدودَه تضاعُ، ودينَه يُترَكُ، وسُنَّةَ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُرغَبُ عنها، وهو بارِدُ القَلبِ ساكِتُ اللِّسانِ، شيطانٌ أخرَسُ كما أنَّ المتَكَلِّمَ بالباطِلِ شَيطانٌ ناطِقٌ؟! وهل بَليَّةُ الدِّينِ إلَّا من هؤلاء الذين إذا سَلِمَت لهم مآكِلُهم ورياساتُهم فلا مبالاةَ بما جرى على الدِّينِ؟!) . 5- يصيرُ المداهِنُ ذا قَلبٍ مَيِّتٍ ممقوتٍ عِندَ اللَّهِ سُبحانَه. يقول ابنُ القَيِّمِ: (ولو نوزِعَ في بعضِ ما فيه غَضاضةٌ عليه في جاهِه أو مالِه بَذَل وتبَذَّلَ وجَدَّ واجتَهَد، واستعمَلَ مراتِبَ الإنكارِ الثَّلاثةَ بحَسَبِ وُسعِه! وهؤلاء -مع سقوطِهم من عينِ اللَّهِ ومَقتِ اللَّهِ لهم- قد بُلُوا في الدُّنيا بأعظَمِ بَليَّةٍ تكونُ وهم لا يشعرون، وهو موتُ القلوبِ؛ فإنَّ القَلبَ كلَّما كانت حياتُه أتَمَّ كان غَضَبُه للهِ ورَسولِه أقوى، وانتصارُه للدِّينِ أكمَلَ) . 6- المُداهَنةُ تؤدِّي إلى عدَدٍ من الصِّفاتِ المذمومةِ والأخلاقِ المرذولةِ، ومنها الكَذِبُ، وإخلافُ الوَعدِ. أمَّا الكَذِبُ فلأنَّ المداهِنَ يَصِفُ الرَّجُلَ بغيرِ ما يعرِفُه منه، ومَن دَخَل الكَذِبَ من بابٍ سَهُل عليه أن يأتيَه من أبوابٍ مُتفَرِّقةٍ. وأمَّا إخلافُ الوعدِ فلأنَّ المداهِنَ يقصِدُ إلى إرضاءِ صاحِبِه في الحالِ، فلا يبالي أن يَعِدَه بشيءٍ وهو عازمٌ على ألَّا يَصدُقَ في وَعدِه. ومنها: أنَّ المداهِنَ لا يتريَّثُ في أن يَعِدَ؛ لأنَّه لا يتألَّمُ من أن يُخلِفَ، ولا يَصعُبُ عليه أن يُصَوِّرَ مِن غيرِ الواقِعِ عُذرًا. ومنها: أنَّ المداهِنَ يراوِغُ ويخاتِلُ ويخادِعُ، وَيستُرُ وَجهَ الحقيقةِ الأبلَجَ، ولا يُبالي بما يترَتَّبُ على ذلك من عواقِبَ. ومنها: أنَّ المُداهَنةَ خيانةٌ وتفريطٌ في أداءِ الأمانةِ، وضَرَرٌ مَحضٌ على أصحابِها، وعلى مَن يسايرونَهم في باطِلِهم . 7- الطَّردُ واللَّعنُ من رحمةِ اللَّهِ: قال تعالى: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [المائدة: 78 - 81] ، فالمداهِنُ الذي يستطيعُ تغييرَ المُنكَرِ فلم يفعَلْ، تحِلُّ عليه لعنةُ اللَّهِ وغَضَبُه. ب- على المجتَمَعِ: 1- تؤدِّي إلى حُلولِ العُقوباتِ والهلاكِ لعامَّةِ النَّاسِ؛ فعن زينبَ بنتِ جَحشٍ رَضِيَ اللَّهُ عنها، أنَّها قالت: ((يا رسولَ اللَّهِ، أنهلِكُ وفينا الصَّالحون؟ قال: نعَمْ، إذا كَثُر الخَبَثُ)) ، فإذا كَثُر الفسادُ في الأرضِ، وسَكَت أهلُ الحَقِّ عن إنكارِه، عَمَّت الأمَّةَ العقوبةُ. قال القُرطبيُّ: (فأمَّا إذا كَثُر المفسِدون وقَلَّ الصَّالحون، هلك المفسِدون والصَّالحون معهم إذا لم يأمُروا بالمعروفِ ويَكرَهوا ما صنَع المُفسِدون) . (فكثرةُ الخَبَثِ مُؤذِنةٌ بالهلاكِ، وهذا يعني أنَّه يجِبُ مَنعُ هذا الخَبَثِ حتى لا يحِلَّ بالمُسلِمين الهلاكُ) . قال ابنُ الجَوزيِّ: (فإن قيل: فما ذَنبُ مَن لم يَظلِمْ؟ فالجوابُ: أنَّه بموافقتِه للأشرارِ، أو بسكوتِه عن الإنكارِ، أو بتركِه للفِرارِ، استحَقَّ العُقوبةَ) . 2- تحريفُ الحَقِّ وتبديدُ معالمِه، واندراسُ آثارِه. 3- تقويةُ شَوكةِ أهلِ الباطِلِ، وعُلُوُّ منزلتِهم بَيْنَ النَّاسِ. يقولُ ابنُ بازٍ: (لو سَكَت أهلُ الحَقِّ عن بيانِه لاستمَرَّ المخطِئون على أخطائِهم، وقَلَّدَهم غيرُهم في ذلك، وباء السَّاكتون بإثمِ الكِتمانِ) . 4- فُشُوُّ الجَهلِ واندراسُ العِلمِ. 5- ضَعفُ الثِّقةِ بأهلِ العِلمِ ودُعاةِ الحَقِّ. 6- الجُرأةُ على المعاصي والمُنكَراتِ، وعَدَمُ الاكتراثِ بها. أقسامُ المُداهَنةِ يمكِنُ تقسيمُ المُداهَنةِ إلى أقسامٍ: الأوَّلُ: المُداهَنةُ في الأقوالِ، كموافقةِ كافِرٍ على كُفرِه بالقَولِ، أو الثَّناءِ على والٍ من الولاةِ على فِعلٍ هو فيه ظالمٌ، أو تجويزِ بِدعةِ مُبتَدِعٍ. الثَّاني: المُداهَنةُ في الأفعالِ، كمجالسةِ الظَّالمِ أو الفاجِرِ أو المبتَدِعِ ومصاحبتِهم دونَ إنكارٍ عليهم، وإقرارِهم على أفعالِهم، أو متابعتِهم فيها من أجْلِ مصلحةٍ دُنيويَّةٍ. الثَّالِثُ: المُداهَنةُ بالسُّكوتِ عمَّا يتعَيَّنُ الكلامُ فيه من الحَقِّ . دَرَجاتُ المُداهَنةِ المُداهَنةُ مذمومةٌ في صُوَرِها وأشكالِها كافَّةً، لكِنْ تختَلِفُ دَرَجةُ المُداهَنةِ باختلافِ ما يحصُلُ من فاعِلِها وباعثِه على الإغضاءِ، وهي لا تخرُجُ عن درجتينِ: الأولى: مُداهَنةٌ قد تَصِلُ بصاحِبِها للكُفرِ إن كانت مُداهَنةً لكافِرٍ في كُفرِه، أو النُّطقَ بكَلِماتٍ كُفريَّةٍ إرضاءً لحاكِمٍ أو صاحِبِ مَنصِبٍ وجاهٍ، واستجابةً لهواه ولِما يبذلونه له من مالٍ أو منصِبٍ أو جاهٍ، وكذا من يحرِّفُ نصوصَ الدِّينِ تحريفًا متعَمَّدًا للأغراضِ نفسِها. الثَّانيةُ: المُداهَنةُ المحَرَّمةُ، وهي دونَ الأولى، وهي دَرَجاتٌ أيضًا؛ فمِن ذلك الثَّناءُ على الظَّالمين في ظُلمِهم، أو الرِّضا بأفعالِ الفُسَّاقِ أو إقرارُهم عليها، أو بالجُلوسِ معهم ومواكلتِهم ومشاربتِهم وإظهارِ اللِّينِ لهم وتَركِ الإنكارِ عليهم في كثيرٍ من أفعالِهم السَّيِّئةِ مع القُدرةِ، كُلُّ ذلك طَلَبًا لجاهٍ أو منزلةٍ أو غيرِهما من المصالِحِ الدُّنيويَّةِ، أو من يمنَعُه الحياءُ من إنكارِ المُنكَرِ مع وُجوبِه عليه، فهذا حياءٌ مذمومٌ حمله على المُداهَنةِ في دِينِه . ( يتبع ) |
نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا ! و ليتني ما أرضيت سواي ! على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات ! |
11-10-2024, 12:48 PM | #323 |
|
رد: الأخلاق المذمومة في الإسلام ( متجدد )
تابع – المداهنة
مظاهِرُ وصُوَرُ المُداهَنةِ 1- السُّكوتُ عِندَ مشاهدةِ المعاصي والمناهي مع القُدرةِ على التَّغييرِ بلا ضَرَرٍ دِينيٍّ أو دُنيويٍّ له أو لغيرِه . 2- إظهارُ الرِّضا بما يَصدُرُ من الظَّالِمِ أو الفاسِقِ أو المبتَدِعِ من قولٍ باطلٍ أو عَمَلٍ سَيِّئٍ، فهي بَلادةٌ في النَّفسِ، واستكانةٌ للهوى، وقَبولُ ما لا يرضى به ذو دينٍ أو عقلٍ أو مروءةٍ. وقد قال القَرافيُّ: (كُلُّ مَن يَشكُرُ ظالِمًا على ظُلمِه أو مبتَدِعًا على بدعتِه أو مُبطِلًا على إبطالِه وباطِلِه، فهي مُداهَنةٌ حرامٌ؛ لأنَّ ذلك وسيلةٌ لتكثيرِ ذلك الظُّلمِ والباطِلِ من أهلِه) . 3- الثَّناءُ على الرَّجُلِ في وَجهِه، فإذا انصرَفْتَ عنه أطلَقْتَ لسانَك في ذَمِّه، وهذا من النِّفاقِ المنهيِّ عنه. 4- أن يُلاقيَ المداهِنُ الرَّجُلين بَيْنَهما عداوةٌ، فيُغريَ أحَدَهما بالآخَرِ، ويُظهِرَ لكُلِّ واحدٍ منهما الرِّضا عن معاداتِه لصاحِبِه، ويوافقَه على دعوى أنَّه المحِقُّ، وأنَّ صاحِبَه المُبطِلُ. 5- موالاةُ الكُفَّارِ واليهودِ والنَّصارى، وذلك من أشنَعِ صُوَرِ المُداهَنةِ؛ فموالاةُ الكُفَّارِ وموافقتُهم أو نُصرتُهم، كُلُّ ذلك من المُداهَنةِ. قال تعالى: لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ [آل عمران: 28] . قال البَغَويُّ: (ومعنى الآيةِ: أنَّ اللَّهَ تعالى نهى المُؤمِنين عن موالاةِ الكُفَّارِ ومداهنتِهم ومباطنتِهم، إلَّا أن يكونَ الكُفَّارُ غالِبين ظاهِرين، أو يكونَ المُؤمِنُ في قومٍ كُفَّارٍ يخافُهم فيداريهم باللِّسانِ وقلبُه مُطمَئِنٌّ بالإيمانِ؛ دَفعًا عن نفسِه من غيرِ أن يستحِلَّ دمًا حرامًا أو مالًا حرامًا، أو يُظهِرَ الكُفَّارَ على عورةِ المُسلِمين، والتَّقيَّةُ لا تكونُ إلَّا مع خوفِ القَتلِ وسلامةِ النِّيَّةِ؛ قال اللَّهُ تعالى: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ [النحل: 106] ، ثمَّ هذا رُخصةٌ، فلو صَبَر حتَّى قُتِل فله أجرٌ عظيمٌ) . 6- مُداهَنةُ بعضِ القُضاةِ للسَّلاطينِ، بإصدارِ أحكامٍ قضائيَّةٍ وَفقَ رَغبتِهم، أو إهمالِ حُقوقِ بعضِ النَّاسِ من أجلِهم. ومن أجْلِ ذلك حذَّر النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من هذا المنصِبِ، وألَّا يتوَلَّاه من لا يرفَعُ رأسًا بدينِ اللَّهِ سُبحانَه وأحكامِه، فيَحكُمُ بالهوى فيَضِلُّ، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((القُضاةُ ثلاثةٌ: قاضيانِ في النَّارِ، وقاضٍ في الجنَّةِ: رجُلٌ قضى بغيرِ الحَقِّ فعَلِمَ ذاك، فذاك في النَّارِ، وقاضٍ لا يعلَمُ فأهلَك حقوقَ النَّاسِ فهو في النَّارِ، وقاضٍ قضى بالحَقِّ فذلك في الجنَّةِ)) . قال أبو حامِدٍ الغَزاليُّ: (ومهما كان السَّلاطينُ ظَلَمةً ولم يَقدِرِ القاضي على القضاءِ إلَّا بمداهنتِهم وإهمالِ بعضِ الحُقوقِ لأجْلِهم ولأجْلِ المتعَلِّقين بهم؛ إذ يعلَمُ أنَّه لو حكَمَ عليهم بالحَقِ لعزلوه أو لم يطيعوه، فليس له أن يتقَلَّدَ القضاءَ، وإن تقَلَّدَ فعليه أن يطالِبَهم بالحقوقِ، ولا يكونُ خَوفُ العَزلِ عُذرًا مُرَخِّصًا له في الإهمالِ أصلًا، بل إذا عُزِل سقَطَت العُهدةُ عنه، فينبغي أن يفرَحَ بالعَزلِ إن كان يقضي للهِ، فإن لم تسمَحْ نفسُه بذلك فهو إذَنْ يقضي لاتِّباعِ الهوى والشَّيطانِ، فكيف يرتقِبُ عليه ثوابًا وهو مع الظَّلَمةِ في الدَّرْكِ الأسفَلِ مِن النَّارِ؟!) . 7- مُداهَنةُ الدَّاعيةِ أو الواعِظِ للنَّاسِ طَلبًا للمَحمَدةِ عندَهم، فترى الواحِدَ منهم يطلُبُ الجاهَ والشَّرَفَ والمنزلةَ في قلوبِ النَّاسِ، والأكلِ بالدِّينِ بأيِّ صورةٍ كانت. 8- الإفتاءُ بما يوافِقُ هوى الحُكَّامِ، وليُّ أعناقِ النُّصوصِ وتفسيرُها تفسيراتٍ باطلاتٍ؛ إرضاءً لهم، حتى يبقى المفتي في منصِبِه أو يظفَرَ بمنصِبٍ أعلى، أو يحصُلَ على مكاسِبَ دُنيويَّةٍ له أو لذَويه. يقولُ القَرافيُّ: (ولا ينبغي للمُفتي إذا كان في المسألةِ قولانِ أحَدُهما فيه تشديدٌ والآخَرُ فيه تخفيفٌ أن يفتيَ العامَّةَ بالتَّشديدِ، والخواصَّ مِن وُلاةِ الأمورِ بالتَّخفيفِ، وذلك قريبٌ من الفُسوقِ والخيانةِ في الدِّينِ، والتَّلاعُبِ بالمُسلِمين، ودليلُ فراغِ القَلبِ من تعظيمِ اللَّهِ تعالى وإجلالِه وتقواه، وعِمارتِه باللَّعِبِ وحُبِّ الرِّياسةِ والتَّقرُّبِ إلى الخَلقِ دونَ الخالِقِ! نعوذُ باللَّهِ تعالى من صفاتِ الغافِلين) . 9- مُداهَنةُ فُقَهاءِ السُّوءِ لبَعضِ الحُكَّامِ ومخالطتُهم والتَّردُّدُ عليهم دونَ إنكارٍ، مع عِلمِهم بما هم عليه من الفُسوقِ والفُجورِ. يقول تقيُّ الدِّينِ الحصنيُّ: (وأشَدُّ النَّاسِ فِسقًا من المُسلِمين فُقَهاءُ السُّوءِ وفُقَراءُ الرِّجسِ الذين يتردَّدون إلى الظَّلَمةِ طَمَعًا في مزبلَتِهم، مع عِلمِهم بما هم عليه من شُربِ الخُمورِ وأنواعِ الفُجورِ وأخذِ المكوسِ، وقَهرِ النَّاسِ على ما تدعوهم إليه أنفُسُهم الأمَّارةُ، وسَفكِ الدِّماءِ وقَمعِ مَن دعاهم إلى ما نزَلَت به الكُتُبُ وأُرسِلَت به الرُّسُلُ، فلا يُغتَرَّ بصُنعِ هؤلاء الأراذِلِ من الفُقَهاءِ) . 10- مُداهَنةُ الإنسانِ في دينِه بسَبَبِ الزَّوجةِ والأولادِ ومحبَّتِه لهم. قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ [التغابن: 14] . قال السَّعديُّ: (هذا تحذيرٌ من اللَّهِ للمُؤمِنين من الاغترارِ بالأزواجِ والأولادِ؛ فإنَّ بعضَهم عدوٌّ لكم، والعَدوُّ هو الذي يريدُ لك الشَّرَّ، ووظيفتُك الحَذَرُ ممَّن هذا وصفُه، والنَّفسُ مجبولةٌ على محبَّةِ الأزواجِ والأولادِ، فنَصَح تعالى عبادَه أن توجِبَ لهم هذه المحبَّةُ الانقيادَ لمطالِبِ الأزواجِ والأولادِ، ولو كان فيها ما فيها من المحذورِ الشَّرعيِّ، ورغَّبهم في امتثالِ أوامِرِه، وتقديمِ مَرضاتِه بما عندَه من الأجرِ العظيمِ المُشتَمِلِ على المطالِبِ العاليةِ والمحابِّ الغاليةِ، وأن يؤثِروا الآخِرةَ على الدُّنيا الفانيةِ المنقضيةِ) . 11- مُداهَنةُ الحاكِمِ الظَّالمِ بالدُّخولِ عليه وإقرارِه على ظُلمِه؛ فالدُّخولُ على الظَّلَمةِ وتوقيرُهم والثَّناءُ عليهم ومحبَّتُهم: نوعٌ من الرُّكونِ والمُداهَنةِ لهم. عن عُروةَ قال: (قُلتُ لعبدِ اللَّهِ بنِ عُمرَ: أبا عبدِ الرَّحمنِ، إنَّا ندخُلُ على الإمامِ يقضي بالقَضاءِ نراه جَورًا، فنقولُ: وفَّقك اللَّهُ، وننظُرُ إلى الرَّجُلِ مِنَّا يُثنى عليه! قال: أمَّا نحن معاشِرَ أصحابِ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فكُنَّا نَعُدُّ هذا نفاقًا، فما أدري ما تَعُدُّونه أنتم) . 12- المُداهَنةُ للشَّريفِ من القومِ بتَركِ إقامةِ الحَدِّ عليه، كما وقع في بعضِ الأممِ السَّالفةِ. عن عائشةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها: أنَّ أسامةَ كَلَّم النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في امرأةٍ، فقال: ((إنَّما هلَك مَن كان قَبْلَكم أنَّهم كانوا يُقيمون الحَدَّ على الوضيعِ ويَترُكونَ الشَّريفَ، والذي نفسي بيَدِه، لو فاطمةُ فعَلَت ذلك لقطَعْتُ يَدَها)) . (وهذه مُداهَنةٌ في حُدودِ اللَّهِ وتبعيضٌ فيما أُمِرَ بنَفيِ التَّبعيضِ فيه) . قال ابنُ تَيميَّةَ: (حذَّرَنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من مشابهةِ مَن قَبْلَنا في أنَّهم كانوا يُفَرِّقون في الحدودِ بَيْنَ الأشرافِ والضُّعَفاءِ، وأمَر أن يُسَوَّى بَيْنَ النَّاسِ في ذلك، وإن كان كثيرٌ من ذوي الرَّأيِ والسِّياسةِ قد يَظُنُّ أنَّ إعفاءَ الرُّؤساءِ أجوَدُ في السِّياسةِ) . وقال الشَّوكانيُّ: (فإذا كان تَرْكُ الحُدودِ والمُداهَنةُ فيها وإسقاطُها عن الأكابِرِ من أسبابِ الهلاكِ، كانت إقامتُها على كُلِّ أحَدٍ من غيرِ فَرقٍ بَيْنَ شريفٍ ووضيعٍ من أسبابِ الحياةِ) . 13- ومِن صُوَرِ المُداهَنةِ أيضًا ما ذكَرَه ابنُ عُثَيمين قال: (وأمَّا المُداهَنةُ في الحقيقةِ فأشبَهُ شيءٍ لها في وَقتِنا الحاضِرِ ما يُسَمُّونه بالمجامَلةِ أو بالعَلْمَنةِ؛ فإنَّ العَلمانيِّينَ يقولون: دَعْ كُلَّ إنسانٍ وشأنَه، الدَّولةُ دولةٌ، والدِّينُ دينٌ؛ فالدَّولةُ لا بُدَّ أن تتَّحِدَ، وأمَّا الدِّينُ فلكُلٍّ دينُه، فلا تُنكِرْ على الكافِرِ ولا على الفاسِقِ، دَعْ كُلَّ إنسانٍ يعمَلُ ما شاء!) . وقال أيضًا: (الواجِبُ على المُؤمِنِ أن يَبرُزَ بدينِه ويفتَخِرَ به ويُظهِرَه، خلافَ ما عليه كثيرٌ من النَّاسِ اليومَ مع الأسَفِ، تجِدُ الرَّجُلَ منهم إذا قام ليُصَلِّيَ يستحي أن يُصَلِّيَ، وربَّما يداهِنُ ويؤخِّرُ الصَّلاةَ عن وقتِها موافقةً لهؤلاء الذين لا يُصَلُّون! وهذا غَلَطٌ عظيمٌ، بل الواجِبُ أن يكونَ الإنسانُ صريحًا فلا يداهِنَ في دينِ اللَّهِ عزَّ وجَلَّ) . ( يتبع ) |
نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا ! و ليتني ما أرضيت سواي ! على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات ! |
11-10-2024, 12:50 PM | #324 |
|
رد: الأخلاق المذمومة في الإسلام ( متجدد )
تابع – المداهنة
أسبابُ الوُقوعِ في المُداهَنةِ 1- الجَهلُ بحقيقةِ المُداهَنةِ وعواقِبِها؛ فإنَّها صفةٌ ذميمةٌ جديرةٌ بالاجتنابِ، ومَن لم يعرِفِ الشَّرَّ يقَعْ فيه؛ ولذلك قال حُذَيفةُ رَضِيَ اللَّهُ عنه: (كان النَّاسُ يسألون رسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن الخيرِ، وكنتُ أسألُه عن الشَّرِّ مخافةَ أن يُدرِكَني...) ، ومن ذلك رذائِلُ الأخلاقِ، ومن أرذَلِها المُداهَنةُ، فيَلزَمُ كُلَّ أحَدٍ مِنَّا أن يَعرِفَها وكيفيَّةَ اجتنابِها وأسبابَها وكيفيَّةَ علاجِها إن وَقَع في شيءٍ منها قَلَّ أو كَثُرَ، وأن يسارِعَ بالتَّخلُّصِ من هذا الدَّاءِ. قال ابنُ عابدين: (عِلمُ الإخلاصِ والعُجبِ والحَسَدِ والرِّياءِ فَرضُ عَينٍ، ومِثلُها غَيرُها من آفاتِ النُّفوسِ: كالكِبرِ والشُّحِّ والحِقدِ، والغِشِّ والغَضَبِ، والعَداوةِ والبَغضاءِ، والطَّمَعِ والبُخلِ، والبَطَرِ والخُيَلاءِ والخيانةِ، والمُداهَنةِ والاستكبارِ عن الحَقِّ، والمَكرِ والمخادَعةِ، والقَسوةِ وطُولِ الأمَلِ، ونحوِها... فيلزَمُه أن يتعَلَّمَ منها ما يرى نفسَه محتاجًا إليه، وإزالتُها فَرضُ عَينٍ، ولا يمكِنُ إلَّا بمعرفةِ حُدودِها وأسبابِها وعلاماتِها وعلاجِها؛ فإنَّ مَن لا يَعرِفُ الشَّرَّ يَقَعُ فيه) . 2- الحِرصُ على الإمارةِ والجاهِ والرِّياسةِ. إنَّ الإمارةَ حَسرةٌ وندامةٌ يومَ القيامةِ، بما لها من تَبِعاتٍ أمامَ اللَّهِ تعالى، فلو تولَّى هذا المداهِنُ ثمَّ عُزِل منها، وكان قد ذاقَ لذَّةَ الإمارةِ بما فيها من جاهٍ ورياسةٍ ونَفاذِ الأمرِ وغيرِ ذلك، ربَّما لا يَصبِرُ على ألمِ الفِطامِ، فيترَخَّصُ فيُداهِنُ ويبيعُ من دينِه ما يَظُنُّ أنَّه سيحفَظُ عليه إمارتَه وسُلطانَه وجاهَه بَيْنَ النَّاسِ! والأحاديثُ في النَّهيِ عن الحِرصِ على الإمارةِ كثيرةٌ؛ فمنها: عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إنَّكم ستَحرِصون على الإمارةِ، وستكونُ ندامةٌ يومَ القيامةِ، فنِعمَ المُرضِعةُ وبِئسَت الفاطِمةُ!)) . قال أبو حامِدٍ الغَزاليُّ: (ومنَ جَرَّب نفسَه فرآها صابرةً على الحَقِّ كافَّةً عن الشَّهَواتِ في غيرِ الولاياتِ، ولكِنْ خاف عليها أن تتغَيَّرَ إذا ذاقت لذَّةَ الولايةِ، وأن تستحليَ الجاهَ وتستَلِذَّ نفاذَ الأمرِ فتَكرَهَ العَزلَ، فيُداهِنَ خيفةً من العَزلِ؛ فهذا قد اختَلَف العُلَماءُ في أنَّه هل يلزَمُه الهَرَبُ مِن تقَلُّدِ الولايةِ، فقال قائلون: لا يجِبُ؛ لأنَّ هذا خوفُ أمرٍ في المستقبَلِ، وهو في الحالِ لم يَعهَدْ نفسَه إلَّا قويَّةً في ملازمةِ الحَقِّ وتَركِ لذَّاتِ النَّفسِ، والصَّحيحُ أنَّ عليه الاحترازَ؛ لأنَّ النَّفسَ خَدَّاعةٌ مُدَّعيةٌ للحَقِّ واعدةٌ بالخيرِ، فلو وَعَدَت بالخيرِ جَزمًا لكان يخافُ عليها أن تتغيَّرَ عِندَ الولايةِ، فكيف إذا أظهَرَت التَّردُّدَ؟ والامتناعُ عن قَبولِ الولايةِ أهوَنُ من العَزلِ بعدَ الشُّروعِ؛ فالعَزلُ مؤلمٌ، وهو كما قيل: العَزلُ طَلاقُ الرِّجالِ! فإذا شَرَع لا تَسمَحُ نفسُه بالعَزلِ، وتميلُ نفسُه إلى المُداهَنةِ وإهمالِ الحَقِّ، وتهوي به في قَعرِ جَهنَّمَ، ولا يستطيعُ النُّزوعَ منه إلى الموتِ إلَّا أن يُعزَلَ قَهرًا) . 3- الصُّحبةُ والصَّداقةُ في غيرِ طاعةِ اللَّهِ: إنَّ الصُّحبةَ والصَّداقةَ إذا كانت على غيرِ طاعةِ اللَّهِ وفي غيرِ مَرضاتِه يَدخُلُ على دينِ المُسلِمِ من الفَسادِ بسَبَبِها ما لا يَعلَمُه إلَّا اللَّهُ تعالى؛ ذلك لأنَّه ما صاحَبَ أهلَ الدُّنيا إلا ليستفيدَ منهم ويعاونَهم على أغراضِهم، وقد يؤدِّي ذلك إلى إفسادِ دينِه، وإنْ لم يفعَلِ انقَلَبوا عليه أعداءً، وهي عداوةٌ تزيدُ على عداوةِ أعدائِه؛ لأنَّهم شاهَدوا منه ما لم يشاهِدْه أعداؤه، وإنْ لم يحِبَّ مفارقتَهم احتاج إلى مساعدتِهم ومداهنتِهم على ما يريدونَ، وإن كان فيه فسادُ دينِه وذَهابُ آخرتِه! ويحكي القُرآنُ الكريمُ كيف تبَرَّأَ الخُصَماءُ بعضُهم من بعضٍ يومَ القيامةِ؛ قال تعالى: إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ [البقرة: 166] . الْأَسْبَابُ يعني الوُصلاتُ التي كانت بَيْنَهم في الدُّنيا يتواصَلون بها من قرابةٍ وصَداقةٍ. وقيل: الأعمالُ التي كانت بَيْنَهم يعمَلونها في الدُّنيا. وقيل: العهودُ والحِلفُ التي كانت بَيْنَهم يتوادُّون عليها . 4- الخَوفُ من النَّاسِ وعَدَمُ الخوفِ مِن اللهِ: مَن خاف اللَّهَ تعالى في عبادِه كان محسِنًا إلى النَّاسِ وإلى نفسِه؛ لأنَّ خوفَه من اللَّهِ يحمِلُه على أن يعطيَهم حَقَّهم وافيًا غيرَ مَنقوصٍ، ويَكُفَّه عن ظُلمِهم، ومن خاف النَّاسَ ولم يَخَفِ اللَّهَ تعالى فهذا ظالمٌ لنفسِه وللنَّاسِ؛ لأنَّه إذا خافَهم دونَ اللَّهِ احتاج إلى أن يدفَعَ شَرَّهم عنه بكُلِّ وجهٍ كان، إمَّا بمداهنتِهم أو مُراءاتِهم، وإمَّا بمقابلتِهم بشيءٍ من الشَّرِّ أجَلَّ وأعظَمَ من شَرِّهم أو مِثلِه. 5- وقوعُ الفِتَنِ: فإنَّ الفِتَنَ مُمَحِّصةٌ، وقد ينحَدِرُ فيها بعضُ النَّاسِ فيُداهِنُ من أجلِ منزلةٍ أو مصلحةٍ، ويبيعُ دينَه بعَرَضٍ من أعراضِ الدُّنيا الزَّائلةِ. عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه، أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((بادِروا بالأعمالِ فِتَنًا كقِطَعِ اللَّيلِ المُظلِمِ؛ يُصبِحُ الرَّجُلُ مُؤمِنًا ويُمسي كافِرًا، أو يُمسي مُؤمِنًا ويُصبِحُ كافِرًا، يبيعُ دينَه بعَرَضٍ من الدُّنيا)) . (أي: أنَّ سَبَبَ كُفرِه بَيعُه، أي: أخْذُه العَرَضَ في مقابلةِ دينِه، بأن يأخُذَ أو يستحِلَّ مالَ أخيه المُسلِمِ، أو يَستَحِلَّ الرِّبا والغِشَّ أو نحوَه ممَّا أُجمِعَ على تحريمِه وعُلِم من الدِّينِ بالضَّرورةِ) . الوسائِلُ المُعينةُ على تَركِ المُداهَنةِ 1- الشَّجاعةُ في مواجهةِ أهلِ الباطِلِ بلا ترَدُّدٍ ولا خوفٍ ولا وَجَلٍ، وأمرُهم بالمعروفِ ونَهْيُهم عن المُنكَرِ. 2- اليقينُ بأنَّ الذي يملِكُ الضُّرَّ والنَّفعَ والموتَ والحياةَ والرِّزقَ هو اللَّهُ؛ قال سُبحانَه: قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ [يونس: 31] . 3- بَذلُ النَّصيحةِ للعامَّةِ والخاصَّةِ، وعَدَمُ مداهنتِهم وتملُّقِهم؛ فعن تميمٍ الدَّاريِّ رَضِيَ اللَّهُ عنه، ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: الدِّينُ النَّصيحةُ. قُلْنا: لِمَن؟ قال: للهِ ولكتابِه ولرَسولِه ولأئمَّةِ المُسلِمين وعامَّتِهم)) . 4- مِن واجِبِ أساتذةِ التَّربيةِ ودُعاةِ الإصلاحِ أن يُعْنَوا بجهادِ هذا الخُلُقِ المشؤومِ حتَّى يَنفوه من بلادِ المُسلِمين، وتكونَ أوطانُنا ومدارسُنا منابِتَ نَشءٍ يميِّزون المُداهَنةَ من المداراةِ، فيخاطِبون النَّاسَ في رِقَّةٍ وأدَبٍ وشجاعةٍ، ويحتَرِمون من لا يُلَوِّثُ أسماعَهم بالمَلَقِ، ولا يَكتُمُهم الحقائِقَ متى اتَّسع المقامُ لأن يحَدِّثَهم بصراحةٍ . 5- الإعراضُ عن أهلِ الكُفرانِ والضَّلالِ إذا أصَرُّوا على كُفرِهم وباطِلِهم، فلا يقعُدْ معهم، ولا يستأنِسْ بحديثِهم، بل عليه الإنكارُ وإلَّا فالإعراضُ. قال تعالى: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ [الأنعام: 68] . قال القُرطبيُّ: (قولُه تعالى: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا بالتَّكذيبِ والرَّدِّ والاستهزاءِ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ، ... ودَلَّ بهذا على أنَّ الرَّجُلَ إذا عَلِم من الآخَرِ مُنكَرًا وعَلِم أنَّه لا يَقبَلُ منه، فعليه أن يُعرِضَ عنه إعراضَ مُنكِرٍ، ولا يُقبِلَ عليه) . 6- ألَّا يَثِقَ المُؤمِنُ بغيرِ المُؤمِنِ مهما أظهَرَ من المودَّةِ وأبدى من النُّصحِ. قال تعالى: وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً [النساء: 89] . قال ابنُ كثيرٍ: (أي: هم يودُّون لكم الضَّلالةَ لتَستووا أنتم وإيَّاهم فيها، وما ذاك إلَّا لشِدَّةِ عداوتِهم وبُغضِهم لكم) . وقال سُبحانَه: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة: 120] . قال الواحِديُّ: (قال المفَسِّرون: كانت اليهودُ والنَّصارى يسألون النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الهُدْنةَ، ويُطمِعونه، ويُرونَه أنَّه إن هادَنَهم وأمهَلَهم اتَّبَعوه؛ فأنزل اللَّهُ هذه الآيةَ، وأخبَرَ أنَّه لا يُرضيهم إلَّا ما يستحيلُ وُجودُه، وما لا سبيلَ إليه؛ لأنَّ اليهودَ لا ترضى عنه إلَّا بالتَّهوُّدِ، والنَّصارى إلَّا بالتَّنصُّرِ، ويستحيلُ الجمعُ بَيْنَهما، فإذا استحال إرضاؤهم فهم لا يرضَون عنه أبدًا) . 7- النَّظَرُ في سِيَرِ السَّلَفِ والصَّالحين، ومجاهرتِهم بالحَقِّ، وشِدَّةِ حَذَرِهم من المُداهَنةِ. ومنهم أصحابُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فعن عُبادةَ بنِ الوليدِ بنِ عُبادةَ، عن أبيه، عن جَدِّه رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: (بايَعْنا رسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على السَّمعِ والطَّاعةِ في العُسرِ واليُسرِ، والمَنشَطِ والمَكْرَهِ، وعلى أَثَرةٍ علينا، وعلى ألَّا ننازِعَ الأمرَ أهلَه، وعلى أن نقولَ بالحَقِّ أينما كُنَّا، لا نخافُ في اللَّهِ لومةَ لائمٍ) . ومن الأمثلةِ أيضًا ما جاء عن الأوزاعيِّ أنَّه قال: (ما داهَنَ ابنُ شِهابٍ -الزُّهريُّ- مَلِكًا من الملوكِ قَطُّ إذا دَخَل عليه، ولا أدركَتْ خِلافةُ هِشامِ بنِ عَبدِ الملِكِ أحَدًا من التَّابعينَ أفقَهَ منه) . وعن المأمونِ أنَّه كان يقولُ: (ما حابى طاهِرُ- بنُ الحُسَينِ- في جميعِ ما كان فيه أحدًا ولا مالأَ أحَدًا، ولا داهَنَ، ولا وَهَنَ، ولا وَنى، ولا قَصَّر في شيءٍ، وفَعَل في جميعِ ما ركَنَ إليه ووَثِقَ به فيه أكثَرَ ممَّا ظنَّ به وأمَّلَه...) . ( يتبع ) |
نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا ! و ليتني ما أرضيت سواي ! على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات ! |
11-10-2024, 12:53 PM | #325 |
|
رد: الأخلاق المذمومة في الإسلام ( متجدد )
تابع – المداهنة
نماذِجُ من المُداهَنةِ مُداهَنةُ ذي وَجهَينِ بَيْنَ يَدَيْ معاويةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه والأحنَفِ بنِ قَيسٍ: (لمَّا نَصَب معاويةُ وَلَدَه يزيدَ لولايةِ العَهدِ أقعَدَه في قُبَّةٍ حمراءَ، فجعل النَّاسُ يُسَلِّمون على معاويةَ، ثمَّ يُسَلِّمون على يزيدَ، حتَّى جاء رجُلٌ ففَعَل ذلك، ثمَّ رَجَع إلى معاويةَ فقال: يا أميرَ المُؤمِنين، إنَّك لو لم تُوَلِّ هذا أمورَ المُسلِمين لأضَعْتَها! والأحنَفُ بنُ قَيسٍ جالِسٌ. فقال له معاويةُ: ما لك؟! ألا تقولُ يا أبا بَحْرٍ؟ فقال: أخافُ اللَّهَ إن كذَبْتُ، وأخافُكم إن صدَقْتُ. فقال له معاويةُ: جزاك اللَّهُ عن الطَّاعةِ خيرًا، وأمَرَ له بألوفٍ كثيرةٍ. فلمَّا خَرَج لَقِيَه ذلك الرَّجُلُ بالبابِ، فقال: يا أبا بحرٍ، إني لأعلَمُ أنَّ شَرَّ خَلقِ اللَّهِ هذا وابنُه، ولكِنَّهم قد استوثَقوا من هذه الأموالِ بالأبوابِ والأقفالِ، وليس نَطمَعُ في استخراجِها إلَّا كما سمِعْتَ! فقال له الأحنَفُ: أمسِكْ عليك، إنَّ ذا الوجهَينِ خَليقٌ ألَّا يكونَ عِندَ اللَّه وجيهًا) . فُقَهاءُ السُّوءِ يُداهِنون مع الوقيعةِ في غَيرِهم: قال التَّاجُ السُّبكيُّ: (ولقد كان شيخُ الإسلامِ والمُسلِمين الوالِدُ رحمه اللَّهُ يقومُ في الحَقِّ ويَفوهُ بَيْنَ يَدَيِ الأمراءِ بما لا يقومُ به غيرُه، فيُذعِنون لطاعتِه، ثمَّ إذا خرج مِن عِندِهم دخَل إليهم مِن فُقَهاءِ السُّوءِ مَن يَعكِسُ ذلك الأمرَ، وينسُبُ الشَّيخَ الإمامَ إلى خلافِ ما هو عليه، فلا يندفعُ شيءٌ من المفاسِدِ، بل يزدادُ الحالُ، ولقد قال مرَّةً لبعضِ الأُمَراءِ وقد رأى عليه طِرزًا من ذَهَبٍ عريضًا على قباءِ حريرٍ: يا أميرُ، أليس في الثِّيابِ الصُّوفِ ما هو أحسَنُ من هذا الحريرِ؟ أليس في السَّكندريِّ ما هو أظرَفُ من هذا الطِّرزِ؟ أيُّ لذَّةٍ لك في لُبسِ الحريرِ والذَّهَبِ؟ وعلى أيِّ شيءٍ يَدخُلُ المرءُ جَهنَّمَ؟ وعذله في ذلك حتَّى قال له ذلك الأميُر: اشهَدْ عَلَيَّ أنِّي لا ألبَسُ بعدَها حريرًا ولا طِرزًا، وقد تركتُ ذلك للهِ على يدَيك، فلمَّا فارقه جاءَه مَن أعرِفُه من الفُقَهاءِ، وقال له: أمَّا الطِّرزُ فقد جوَّز أبو حنيفةَ ما دونَ أربعةِ أصابِعَ، وأمَّا الحريرُ فقد أباحه فلانٌ، وأمَّا وأمَّا ورخَّص له، ثمَّ قال له: لمَ لا نهى عن المكوسِ، لمَ لا نهى عن كذا وكذا؟ وذكَرَ ما لو نهى الشَّيخُ الإمامُ أو غيرُه عنه لما أفاد، وقال له: إنَّما قَصَد بهذا إهانتَك وأن يُبَيِّنَ للنَّاسِ أنَّك تعمَلُ حَرامًا، فلم يخرُجْ مِن عِندِه حتَّى عاد إلى حالِه الأوَّلِ وحَنَق على الشَّيخِ الإمامِ، وظَنَّه قَصَد تنقيصَه عِندَ الخَلقِ، ولم يكنْ قَصدُ هذا الفقيهِ إلَّا إيقاعَ الفتنةِ بَيْنَ الشَّيخِ الإمامِ والأميرِ، ولا عليه أن يُفتيَ بمُحَرَّمٍ في قضاءِ غَرَضِه! وهذا المِسكينُ لم يكُنْ يخفى عليه أنَّ تَرْكَ النَّهيِ عمَّا لا يفيدُ النَّهيُ عنه من المفاسِدِ، لا يوجِبُ الإمساكَ عن غيرِه، ولكِنْ حَمَله هواه على الوقوعِ في هذه العظائِمِ، والأميرُ مِسكينٌ ليس له من العِلمِ والعَقلِ ما يُمَيِّزُ به. والحكاياتُ في هذا البابِ كثيرةٌ، ومَسْكُ اللِّسانِ أَولى، واللَّهُ المُستعانُ) . من عُقوباتِ المُداهِنينَ: (لمَّا جلَسَ المُتوَكِّلُ دَخَل عليه عبدُ العزيزِ بنُ يحيى المكِّيُّ، فقال: يا أميرَ المُؤمِنين، ما رُئِيَ أعجَبُ مِن أمرِ الواثِقِ؛ قَتَل أحمدَ بنَ نَصرٍ، وكان لِسانُه يقرأُ القُرآنَ إلى أن دُفِنَ! قال: فوجد المتوكِّلُ من ذلك، وساءه ما سمِعَه في أخيه، إذ دخل عليه محمَّدُ بنُ عبدِ اللَّهِ الزَّيَّاتُ، فقال له: يا ابنَ عَبدِ المَلِكِ، في قلبي مِن قَتلِ أحمدَ بنِ نَصرٍ، فقال: يا أميرَ المُؤمِنين، أحرَقَني اللَّهُ بالنَّارِ إنْ قَتَله أميرُ المُؤمِنين الواثِقُ إلَّا كافِرًا! قال: ودخَل عليه هَرثَمُة، فقال: يا هَرثَمُة: في قلبي مِن قَتلِ أحمدَ بنِ نَصرٍ، فقال: يا أميرَ المُؤمِنينَ، قَطَّعَني اللَّهُ إرْبًا إرْبًا إن قَتَله أميرُ المُؤمِنين الواثِقُ إلَّا كافرًا! قال: ودخل عليه أحمدُ بنُ أبي دُؤادَ، فقال: يا أحمدُ، في قلبي مِن قَتلِ أحمدَ بنِ نَصرٍ، فقال: يا أميرَ المُؤمِنين، ضَرَبني اللَّهُ بالفالجِ إن قتَلَه أميرُ المُؤمِنين الواثقُ إلَّا كافِرًا! قال المتوكِّلُ: فأمَّا ابنُ الزَّيَّاتِ فأنا أحرَقْتُه بالنَّارِ، وأمَّا هَرثَمةُ فإنَّه هَرَب، وتبَدَّى، واجتاز بقبيلةِ خُزاعةَ، فعَرَفه رجُلٌ في الحَيِّ، فقال: يا مَعشَرَ خُزاعةَ، هذا الذي قَتَل ابنَ عَمِّكم أحمدَ بنَ نَصرٍ، فقَطَّعوه إرْبًا إرْبًا، وأمَّا ابنُ أبي دؤادَ فقد سجَنه اللَّهُ في جِلْدِه!) . وَضعُ الأحاديثِ مُداهَنةً للحُكَّامِ: قال الحاكِمُ: (ومنهم جماعةٌ وضَعوا الحديثَ للمُلوكِ في الوَقتِ ممَّا تقَرَّبوا به إليهم. حدَّثنا أبو أحمدَ مولى بني هاشِمٍ، قال سمِعتُ داودَ بنَ رَشيدٍ يقولُ: دَخَل غِياثُ بنُ إبراهيمَ على المهديِّ وكان يُعجِبُه الحَمامُ الطَّيَّارةُ التي تجيءُ من البُعدِ، فروى حديثًا أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: لا سَبَقَ إلَّا في خَفٍّ أو حافِرٍ أو نَصلٍ أو جَناحٍ! قال: فأمَرَ له بعَشَرةِ آلافِ دِرهَمٍ، فلمَّا قام وخرج قال: أشهَدُ أنَّ قفاك قفا كَذَّابٍ على رسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم! واللَّهِ ما قال رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم «جَناح»، ولكِنْ هذا أراد أن يتقَرَّبَ إلينا، يا غُلامُ اذبَحِ الحَمامَ! قال: فذَبَح الحَمَامَ في الحالِ) . حُكمُ المُداهَنةِ وما يُباحُ منها المُداهَنةُ مذمومةٌ مُحَرَّمةٌ، وممَّن نَصَّ على تحريمِها: القاضي عِياضٌ ، والنَّوويُّ ، وابنُ مُفلِحٍ ، والعَينيُّ ، والصَّنعانيُّ ، وغيرُهم. مَسائِلُ مُتفَرِّقةٌ الجمعُ بَيْنَ حديثَينِ: تقدَّم أنَّ مِن صُوَرِ المُداهَنةِ أن يَظهَرَ الرَّجُلُ بوجهَينِ، فيأتيَ هؤلاء بوجهٍ، وهؤلاء بوجهٍ، وأخبر النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه مِن شَرِّ النَّاسِ، فكيف الجَمعُ بَيْنَ ذلك وما جاء عن عائشةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها، ((أنَّ رجُلًا استأذن على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلمَّا رآه قال: بئس أخو العَشيرةِ، وبئس ابنُ العَشيرةِ، فلمَّا جلَس تطلَّق النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في وَجهِه وانبسَط إليه، فلمَّا انطلَق الرَّجلُ قالت له عائِشةُ: يا رسولَ اللهِ، حين رأيتَ الرَّجلَ قُلْتَ له كذا وكذا، ثُمَّ تطلَّقْتَ في وَجهِه، وانبسطْتَ إليه! فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: يا عائِشةُ، متى عهِدْتِني فحَّاشًا؟! إنَّ شرَّ النَّاسِ عندَ اللهِ منزِلةً يومَ القيامةِ مَن ترَكه النَّاسُ اتِّقاءَ شرِّه)) . والجوابُ: قد جمَع بَيْنَهما العُلَماءُ، ومنهم العراقيُّ؛ دفعًا للالتِباسِ، فقال: (لا منافاةَ بَيْنَهما؛ فإنَّه عليه الصَّلاة والسَّلامُ لم يُثْنِ عليه في وَجهِه، ولا قال كلامًا يُضادُّ ما قاله في حَقِّه في غَيبتِه، إنَّما تألَّفه بشيءٍ من الدُّنيا مع لِينِ الكلامِ له، وإنَّما فعل ذلك تألُّفًا له ولأمثالِه على الإسلامِ، ولم يكُنْ أسلَمَ في الباطِنِ حينَئذٍ، وإن كان قد أظهَر الإسلامَ؛ فبَيَّن عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ ليُعرَفَ ولا يُغتَرَّ به، وتألَّفَه رجاءَ صِحَّةِ إيمانِه، وقد كان منه في حياةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وبَعْدَه ما دَلَّ على ضَعفِ إيمانِه، وارتَدَّ مع المرتَدِّين، وجيءَ به أسيرًا إلى أبي بَكرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه) . ( يتبع ) |
نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا ! و ليتني ما أرضيت سواي ! على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات ! |
11-10-2024, 12:56 PM | #326 |
|
رد: الأخلاق المذمومة في الإسلام ( متجدد )
تابع – المداهنة
المداهنة في واحة الأدب أ- مِنَ الشِّعرِ 1- قال أبو قَيسِ بنُ الأسلَتِ: الحَزمُ والقُوَّةُ خيرٌ مِنَ ال إدهانِ والفَهَّةِ والهَاعِ 2- قال أحَدُهم: احذَرْ مُداهَنةَ العُصاةِ فإنَّها تجعَلُك لو لم تَعْصِ رَبَّك مِنْهُمو 3- وقال الشَّاعِرُ: كَئِنْ من صديقٍ خِلْتُه صادِقَ الإخا أبان اختباري أنَّه لي ُمُداهِنُ 4- وقال الشَّاعِرُ: إذا جارَ الأميرُ وكاتباهُ وقاضي الأرضِ داهَنَ في القضاءِ فوَيلٌ ثمَّ وَيلٌ ثمَّ وَيلٌ لقاضي الأرضِ مِن قاضي السَّماءِ 5- وقال السَّريُّ الرَّفَّاءُ يعاتِبُ صَديقًا أفشى له سِرًّا: رأيتُك تَبري للصَّديقِ نوافِذًا عَدُوُّك من أمثالِها الدَّهْرَ آمِنُ وتكشِفُ أسرارَ الأخِلَّاءِ مازِحًا ويا رُبَّ مَزحٍ عاد وهْو ضَغائِنُ سأحفَظُ ما بَيني وبَينَك صائِنًا عُهودَك إنَّ الحُرَّ للعَهدِ صائِنُ وألقاك بالبِشْرِ الجميلِ مُداهِنًا فلي منك خِلٌّ ما عَلِمتُ مُداهِنُ أنَمُّ بما استودَعْتُه من زُجاجةٍ ترى الشَّيءَ فيها ظاهِرًا وهْو باطِنُ 6- قال الضَّحَّاكُ بنُ سُفيانَ الكِلابيُّ: أبا عامرٍ ترجو المودَّةَ بَينَنا وهل عامِرٌ إلَّا عَدُوٌّ مُداهِنُ إذا ما رجَعْنا ثمَّ لم تَكُ وَقعةٌ بأسيافِنا في عامرٍ أو يُطاعِنُ ب- من الأمثالِ والحِكَمِ - مَن حَفَّنا أو رَفَّنا فلْيَقتَصِدْ. يريدُ: مَن تناوَلَنا بالإطراءِ أو زانَنا به فليَقتَصِدْ، أي: لا يُماري ولا يُداهِنُ . - خيرُ الإخوانِ والأعوانِ أقَلُّهم مُداهَنةً في النَّصيحةِ . - قال بعضُ الحُكَماءِ: (آفةُ المُداراةِ المُداهَنةُ) . |
نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا ! و ليتني ما أرضيت سواي ! على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات ! |
11-10-2024, 12:57 PM | #327 |
|
رد: الأخلاق المذمومة في الإسلام ( متجدد )
موضوعنا القادم سيكون ان شاء الله عن ( المن )
|
نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا ! و ليتني ما أرضيت سواي ! على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات ! |
11-10-2024, 07:25 PM | #328 |
|
رد: الأخلاق المذمومة في الإسلام ( متجدد )
المن
معنى المنِّ لُغةً واصطِلاحًا المَنُّ لُغةً: المَنُّ أصلُه الإنعامُ والفضلُ، و(منن) أصلٌ يدُلُّ على اصطناعِ خيرٍ، يقالُ: منَّ عليه مَنًّا، ثمَّ أُطلِق على عَدِّ الإنعامِ على المنعَمِ عليه، يقال: مَنَنْتُ عليه مَنًّا: عدَدْتُ له ما فعَلْتُ له من الصَّنائِعِ، مثل أن تقولَ: أعطيتُك وفعَلْتُ لك، ومنه قولُه تعالى: وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ [المدثر: 6] ، وهو إذا ذكِر بعد الصَّدَقةِ والعطاءِ تَعَيَّن للمعنى الثَّاني. ولهذه المادَّةِ أصلٌ آخَرُ يدُلُّ على قَطعٍ وانقِطاعٍ، ومنه يقالُ: مَنَنْتُ الحَبلَ: قطَعْتُه. قال اللَّهُ تعالى: فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ [التين: 6] . والمَنونُ: المَنِيَّةُ؛ لأنَّها تَنقُصُ العَدَدَ وتقطَعُ المَدَدَ. والمَنُّ: الإعياءُ، وذلك أنَّ المُعييَ ينقَطِعُ عن السَّيرِ . المَنُّ اصطِلاحًا: قال القُرطبيُّ: (المَنُّ: ذِكرُ النِّعمةِ على معنى التَّعديدِ لها والتَّقريعِ بها، مِثلُ أن يقولَ: قد أحسَنْتُ إليك ونعَشْتُك، وشِبْهَه. وقال بعضُهم: المَنُّ: التَّحدُّثُ بما أعطى، حتَّى يبلُغَ ذلك المعطى فيُؤذيَه) . وقال أبو حيَّانَ: (هو ذِكرُ المَنَّةِ للمُنعَمِ عليه على سبيلِ الفَخرِ عليه بذلك، والاعتدادِ عليه بإحسانِه) . ذم المن والنهي عنه أ- من القُرآنِ الكريمِ - قال تعالى: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة: 262] . قال ابنُ كثيرٍ: (يمدَحُ تعالى الذين يُنفِقون أموالَهم في سبيلِ اللهِ، ثمَّ لا يُتبِعون ما أنفَقوا من الخَيراتِ والصَّدَقاتِ مَنًّا على من أعطَوه، فلا يَمُنُّون على أحَدٍ، ولا يَمُنُّون به لا بقولٍ ولا فعلٍ. وقولُه: وَلَا أَذًى أي: لا يفعَلون مع من أحسَنوا إليه مكروهًا يُحبِطون به ما سَلَف من الإحسانِ. ثمَّ وعدهم تعالى الجزاءَ الجزيلَ على ذلك، فقال: لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ أي: ثوابُهم على اللهِ، لا على أحَدٍ سواه وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ أي: فيما يستقبِلونه من أهوالِ يومِ القيامةِ، وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ أي: على ما خلَّفوه من الأولادِ وما فاتهم من الحياةِ الدُّنيا وزهرتِها، لا يأسَفون عليها لأنهم قد صاروا إلى ما هو خيرٌ لهم من ذلك) . - وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ [البقرة: 264] . قال السَّعديُّ: (ينهى عبادَه تعالى لطفًا بهم ورحمةً عن إبطالِ صدَقاتِهم بالمَنِّ والأذى، ففيه أنَّ المَنَّ والأذى يُبطِلُ الصَّدقةَ، ويستدَلُّ بهذا على أنَّ الأعمالَ السَّيِّئةَ تُبطِلُ الأعمالَ الحَسَنةَ، كما قال تعالى: وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ [الحجرات: 2] ، فكما أنَّ الحَسَناتِ يُذهِبنَ السَّيِّئاتِ فالسَّيِّئاتُ تُبطِلُ ما قابلها من الحَسَناتِ، وفي هذه الآيةِ مع قولِه تعالى: وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ [محمد: 33] حثٌّ على تكميلِ الأعمالِ وحِفظِها من كُلِّ ما يفسِدُها؛ لئلَّا يضيعَ العَمَلُ سُدًى. وقولُه: كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ [البقرة: 264] ، أي: أنتم وإن قصَدْتُم بذلك وجهَ اللهِ في ابتداءِ الأمرِ، فإنَّ المِنَّةَ والأذى مُبطِلانِ لأعمالِكم، فتصيرُ أعمالُكم بمنزلةِ الذي يعمَلُ لمراءاةِ النَّاسِ ولا يريدُ به اللهَ والدَّارَ الآخرةَ، فهذا لا شَكَّ أنَّ عمَلَه من أصلِه مردودٌ؛ لأنَّ شَرطَ العَمَلِ أن يكونَ للهِ وَحدَه، وهذا في الحقيقةِ عَمَلٌ للنَّاسِ لا للهِ؛ فأعمالُه باطلةٌ، وسَعْيُه غيرُ مشكورٍ) . - وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ [المدثر: 1 - 7] . قيل: قولُه: تَمْنُنْ من المَنِّ بالشَّيءِ -وذلك على أحَدِ الأقوالِ في الآيةِ- وفيه وجهانِ؛ الأوَّلُ: لا تَمْنُنْ على النَّاسِ بنُبُوَّتِك تستكثِرُ بأجرٍ أو مكسَبٍ تَطلُبُه. الثَّاني: لا تمنُنْ على اللهِ بعَمَلِك تستكثِرُ أعمالَك ويقَعُ لك بها إعجابٌ . قال ابنُ العَرَبيِّ: (المَنُّ يُطلَقُ على معنيينِ؛ أحدُهما: العطاءُ. والثَّاني: التَّعدادُ على المُنعَمِ عليه بالنِّعَمِ... والآيةُ تتناوَلُ المعنيينِ كِليهما) . وقال السَّعديُّ: (لا تمنُنْ على النَّاسِ بما أسدَيتَ إليهم من النِّعَمِ الدِّينيَّةِ والدُّنيويَّةِ، فتتكَثَّرَ بتلك المِنَّةِ، وترى لك الفضلَ عليهم بإحسانِك والمِنَّةَ، بل أحسِنْ إلى النَّاسِ مهما أمكنَك، وانْسَ عِندَهم إحسانَك، ولا تطلُبْ أجرَه إلَّا من اللهِ تعالى، واجعَلْ من أحسَنْتَ إليه وغيرَه على حَدٍّ سواءٍ) . - وقال تعالى: قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [الحجرات: 14 - 17] . أي: يمُنُّ هؤلاء الأعرابُ عليك -يا محمَّدُ- إسلامَهم، فيَذكُرونَه لك ذِكرَ مَن قَدَّم لك معروفًا، وأسدى إليك خَيرًا! قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. أي: قُلْ لهم -يا محمَّدُ-: لا تمُنُّوا علَيَّ إسلامَكم؛ فليس لكم مِنَّةٌ عليَّ في ذلك، ونفعُ إسلامِكم يعودُ عليكم، وإنَّما للهِ المِنَّةُ عليكم بالتَّوفيقِ للإيمانِ إنْ كنتُم صادقين في ادِّعائِكم الإيمانَ . ب- من السُّنَّةِ النَّبَويَّةِ - عن أبي ذرٍّ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((ثلاثةٌ لا يُكَلِّمُهم اللهُ يومَ القيامةِ، ولا ينظُرُ إليهم ولا يُزَكِّيهم ولهم عذابٌ أليمٌ. قال: فقرأها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ثلاثَ مرارٍ، قال أبو ذرٍّ: خابوا وخَسِروا! من هم يا رسولَ اللهِ؟ قال: المُسبِلُ، والمنَّانُ، والمُنَفِّقُ سِلعتَه بالحَلِفِ الكاذِبِ)) . وفي لفظٍ: ((ثلاثةٌ لا يُكَلِّمُهم اللهُ يومَ القيامةِ: المَنَّانُ الذي لا يعطي شيئًا إلَّا مَنَّه، والمُنَفِّقُ سِلعَتَه بالحَلِفِ الفاجِرِ، والمُسبِلُ إزارَه)) . قال أبو العبَّاسِ القُرطبيُّ: (المَنَّانُ: فَعَّالٌ مِن المَنِّ، وقد فسَّره في الحديثِ، فقال: ((هو الذي لا يُعطي شيئًا إلَّا مَنَّه))، أي: إلَّا امتَنَّ به على المعطى له، ولا شَكَّ في أنَّ الامتنانَ بالعطاءِ مُبطِلٌ لأجرِ الصَّدَقةِ والعطاءِ، مؤذٍ للمُعطى له؛ ولذلك قال تعالى: لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى [البقرة: 264] . وإنَّما كان المَنُّ كذلك؛ لأنَّه لا يكونُ -غالبًا- إلَّا عن البُخلِ، والعُجبِ، والكِبرِ، ونِسيانِ مِنَّةِ اللهِ تعالى فيما أنعَمَ به عليه) . ج- من أقوالِ السَّلَفِ والعُلَماءِ - قال زيدُ بنُ أسلَمَ: (لئِنْ ظَنَنْتَ أنَّ سلامَك يَثقُلُ على من أنفَقْتَ عليه تريدُ وَجْهَ اللهِ، فلا تُسَلِّمْ عليه) . - وقال أكثَمُ بنُ صَيفيٍّ: (آفةُ المروءةِ الكِبرُ، وآفةُ السَّخاءِ المَنُّ، وآفةُ الرَّأيِ العُجبُ) . - وقال بعضُ السَّلَفِ: (الأيدي ثلاثٌ: يَدٌ بيضاءُ وهي الابتداءُ بالمعروفِ، ويدٌ خَضراءُ وهي المكافأةُ، ويدٌ سوداءٌ وهي المَنُّ) . - وقال الماوَرديُّ: (من شُروطِ المعروفِ: مجانَبةُ الامتنانِ به، وتَركُ الإعجابِ بفِعلِه؛ لِما فيهما من إسقاطِ الشُّكرِ، وإحباطِ الأجرِ...) . - وقال القُرطبيُّ: (مِن شَرطِ المعروفِ: تَركُ الامتنانِ به، وتَركُ الإعجابِ بفِعلِه؛ لِما فيهما من إسقاطِ الشُّكرِ، وإحباطِ الأجرِ) . ( يتبع ) |
نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا ! و ليتني ما أرضيت سواي ! على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات ! |
11-10-2024, 07:29 PM | #329 |
|
رد: الأخلاق المذمومة في الإسلام ( متجدد )
تابع – المن
آثارُ المَنِّ - المَنُّ عُنصُرٌ كَريهٌ لئيمٌ، يُحيلُ الصَّدَقةَ أذًى للواهِبِ وللآخذِ سَواءً: أذًى للواهِبِ بما يثيرُ في نفسِه من كِبرٍ وخُيَلاءَ ورَغبةٍ في رؤيةِ أخيه ذليلًا له كسيرًا لديه، وبما يملأُ قَلْبَه بالنِّفاقِ والرِّياءِ والبُعدِ من اللهِ. وأذًى للآخِذِ بما يثيرُ في نفسِه من انكسارٍ وانهزامٍ، ومن رَدِّ فِعلٍ بالحِقدِ والانتِقامِ . - المِنَّةُ إن وقَعَت في الصَّدَقةِ أبطلَت الأجرَ، وإن كانت في المعروفِ كَدَّرَت الصَّنيعةَ وأفسَدَتْها . - يُدخِلُ المَنَّانُ نفسَه في وعيدِ مَن لا يُكَلِّمُهم اللهُ يومَ القيامةِ ولا ينظُرُ إليهم ولا يُزَكِّيهم ولهم عذابٌ أليمٌ. أقسامُ المَنِّ - المَنُّ بالقَلبِ، وهو أن يرى نفسَه مُحسِنًا إليه ومُنعِمًا عليه. - المَنُّ باللِّسانِ، كأن يخبِرَه بأنَّه تفضَّلَ عليه بمنحِه شَيئًا، وأنَّه مَدِينٌ له لقاءَ مَعروفِه، وكأن يَطلُبَ المكافأةَ منه. - المَنُّ بالفِعلِ، كأن يفعَلَ مكروهًا للمُنفَقِ عليه ينافي ما قدَّمه له من إحسانٍ ، أو يستخدِمَه بالعطاءِ. قال أبو حامدٍ الغَزاليُّ: (المَنُّ له أصلٌ ومَغرِسٌ، وهو من أحوالِ القَلبِ وصفاتِه، ثمَّ يتفرَّعُ عليه أحوالٌ ظاهرةٌ على اللِّسانِ والجوارِحِ؛ فأصلُه أن يرى نفسَه محسِنًا إليه ومنعِمًا عليه... فإن رأى نفسَه محسِنًا إليه تفرَّع منه على ظاهِرِه ما ذُكِر في معنى المَنِّ، وهو التَّحدُّثُ به وإظهارُه وطَلَبُ المكافأةِ منه بالشُّكرِ والدُّعاءِ والِخدمةِ، والتَّوقيرِ والتَّعظيمِ، والقيامِ بالحقوقِ والتَّقديمِ في المجالِسِ والمتابَعةِ في الأمورِ، فهذه كُلُّها ثمَراتُ المِنَّةِ، ومعنى المِنَّةِ في الباطِنِ ما ذكَرْناه) . مظاهِرُ وصُوَرُ المَنِّ للمَنِّ صُوَرٌ كثيرةٌ؛ منها: 1- المَنُّ بالمالِ، كالصَّدَقةِ والإنفاقِ على الفُقَراءِ والمساكينِ والمحتاجينَ. 2- المَنُّ بالعِلمِ على غيرِه ممَّن تعَلَّم منه ولو كان شيئًا يسيرًا. 3- المَنُّ بالعَمَلِ، كأن يمُنَّ على من ساعدَهم أو أعانهم على بعضِ أعمالِهم أو أرشدَهم إلى ما يعودُ عليهم بالنَّفعِ. 4- المَنُّ بقُوَّتِه أو بجاهِه، كأن يقولَ: لو لم أحضُرْ لَمَا تَمَّ هذا الأمرُ . أسبابُ الوقوعِ في المَنِّ 1- ضَعفُ إيمانِ صاحِبِه، وجَهلُه. 2- البُخلُ؛ لأنَّه لا يمُنُّ إلَّا بما عَظُم في نفسِه إخراجُه عن يَدِه، وشُحُّه عليه عَظَّمَه عِندَه فأدَّاه إلى إيذاءِ مَن وَصَله به، واستطالتِه عليه، والجَوادُ لا يَعظُمُ عِندَه شيءٌ ممَّا يمنَحُه، ولا يذكُرُه، ولا يَمُنُّ به . 3- كثرةُ تمَلُّقِ النَّاسِ له ومدحُهم إيَّاه؛ ممَّا يجعَلُه يرى لنفسِه الحَقَّ في الامتنانِ بفِعلِه وعمَلِه. 4- ضَعفُ وُثوقِه بموعودِ اللهِ عزَّ وجَلَّ وإثابتِه في الآخرةِ؛ لذا يحرِصُ على نَيلِ ذلك في الدُّنيا، وكأنَّه متوعَّدٌ بقَولِه تعالى: وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ [الشورى: 20] . 5- عَدَمُ مخالطةِ أهلِ التَّقوى والنَّصيحةِ الذين يُذَكِّرونه بسوءِ فِعلِه، ووجوبِ إقلاعِه عنه. 6- تزيينُ الشَّيطانِ له أنَّ له الحَقَّ في فِعلِه وامتنانِه على غيرِه. 7- نسيانُ نِعمةِ اللهِ عليه. 8- العُجبُ بالنَّفسِ أو بكثرةِ العَمَلِ. 9- الكِبرُ. قال أبو العبَّاسِ القُرطُبيُّ في بيانِ أسبابِ المَنِّ: (المَنُّ لا يكونُ -غالبًا- إلَّا عن البُخلِ، والعُجبِ، والكِبرِ، ونِسيانِ مِنَّةِ اللهِ تعالى فيما أنعَم به عليه؛ فالبخيلُ: يَعظُمُ في نفسِه العطيَّةُ وإن كانت حقيرةً في نفسِها، والعُجبُ: يحمِلُه على النَّظَرِ لنَفسِه بعينِ العظَمةِ، وأنَّه منعِمٌ بمالِه على المعطى له، ومتفَضِّلٌ عليه، وأنَّ له عليه حقًّا يجبُ عليه مراعاتُه، والكِبرُ: يحمِلُه على أن يحتَقِرَ المُعطى له وإن كان في نفسِه فاضِلًا، وموجِبُ ذلك كُلِّه الجهلُ، ونسيانُ مِنَّةِ اللهِ تعالى فيما أنعَم به عليه؛ إذ قد أنعَم عليه ممَّا يعطي، ولم يحرِمْه ذلك، وجعَله ممَّن يُعطي، ولم يجعَلْه ممَّن يَسأَلُ، ولو نَظَر ببصيرةٍ لعَلِمَ أنَّ المِنَّةَ للآخِذِ؛ لِما يزيلُ عن المعطي من إثمِ المَنعِ وذَمِّ المانعِ، ومن الذُّنوبِ، ولِما يحصُلُ له من الأجرِ الجزيلِ، والثَّناءِ الجميلِ) . الوسائِلُ المعينةُ على تَركِ المَنِّ 1- العِلمُ بأنَّ توفيقَ اللهِ تعالى له هو الذي كانت الأعمالُ الصَّالحةُ عنه، فإذا مَنَّ بذلك فقد جَحَد للهِ سُبحانَه وتعالى كَرَمَ صُنعِه . 2- أن يَشهَدَ دائِمًا أنَّ المتفَضِّلَ والمُنعِمَ حقيقةً هو اللهُ تعالى وَحدَه. 3- أن يتفَكَّرَ في أنَّ أجرَه على اللهِ تعالى بأضعافِ ما أعطى، فأيُّ حَقٍّ بقي له على الآخذِ المحتاجِ حتَّى يمتَنَّ عليه، أو يؤذيَه بصنائِعِ مَعروفِه ؟! 4- أن يعلَمَ أنَّ المَنَّ والأذى بالصَّدَقةِ مُنافٍ لكمالِ الإيمانِ؛ لقَولِه تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى [البقرة: 264] ؛ كأنَّه يقولُ: إنَّ مقتضى إيمانِكم ألَّا تفعَلوا ذلك؛ وإذا فعَلْتُموه صار منافيًا لهذا الوَصفِ، ومنافيًا لكمالِه . 5- ألَّا يرى أنَّ لنفسِه مزيةً على المتصَدَّقِ عليه بإحسانِه إليه، بل يرى الفقيرَ أو المتعَلِّمَ محسِنًا بقَبولِ صَدَقتِه أو عِلمِه، وبهذا لا يبقى للمَنِّ مجالٌ. قال أبو حامِدٍ الغزاليُّ: (حَقُّه أن يرى الفقيرَ محسِنًا إليه بقَبولِ حَقِّ اللهِ عزَّ وجَلَّ منه الذي هو طُهرتُه ونجاتُه من النَّارِ، وأنَّه لو لم يقبَلْه لبقيَ مُرتَهَنًا به) . وقال ابنُ القيِّمِ: (أنفَعُ النَّاسِ لك رجلٌ مكَّنَك من نفسِه حتَّى تزرَعَ فيه خيرًا أو تصنَعَ إليه معروفًا؛ فإنَّه نِعْمَ العونُ لك على منفعتِك وكمالِك، فانتفاعُك به في الحقيقةِ مِثلُ انتفاعِه بك أو أكثَرُ. وأضَرُّ النَّاسِ عليك من مكَّن نفسَه منك حتى تعصيَ اللهَ فيه؛ فإنَّه عونٌ لك على مضرَّتِك ونَقصِك) . 6- أن يوطِّنَ نفسَه على ألَّا يَطلُبَ الشُّكرَ إلَّا من اللهِ تعالى، ولا يطلُبَ ممَّن أحسَن إليه دعاءً ولا يطمَعَ فيه؛ لأنَّه ربَّما كان في مقابلةِ إحسانِه فيَسقُطُ أجرُه، بل إذا أحسَن إلى من له حَقٌّ عليه أو مَن ليس له حقٌّ فليعلَمْ أنَّ هذا معاملةٌ منه مع اللهِ، فلا يبالِ بشُكرِ مَن أنعَم عليه، كما قال تعالى في حقِّ خواصِّ خَلقِه: إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا [الإنسان: 9] . ويتأكَّدُ هذا في معاملةِ الأهلِ والأولادِ ومَن قَوِيَ اتِّصالُه بهم . 7- أن يوقِنَ أنَّ الدُّنيا ليست بدارٍ للجَزاءِ، إنَّما الآخرةُ هي دارُ الجزاءِ والحِسابِ؛ فمَن تعجَّل جزاءَه في الدُّنيا حُرِمه في الآخرةِ. 8- مُرافقةُ الصَّالحين وأهلِ التَّقوى والدِّينِ، الذين يُعينون المرءَ على عَمَلِ الخيرِ ويَقصُرونه عن أعمالِ الشَّرِّ. 9- أن يراقِبَ رَبَّه في جميعِ أعمالِه ليَعلَمَ هل هي خالصةٌ له أو أنَّه يُشرِكُ معه غيرَه، فعندَئذٍ لا تنفَعُ بل تَبطُلُ. 10- أن يعلَمَ بأنَّ المالَ عاريَّةٌ عندَه، وما عَظُمَت نعمةُ اللهِ على عبدٍ إلَّا عَظُمَت عليه مَؤونةُ النَّاسِ، فمَن لم يحتَمِلْ تلك المؤونةَ للنَّاسِ عَرَّض تلك النِّعمةَ للزَّوالِ. 11- استصغارُ المعروفِ وسَترُه؛ قال الجاحِظُ: (اعلَمْ أنَّ استصغارَك نِعَمَك يُكَبِّرُها عِندَ ذوي العُقولِ، وسَترَك لها نَشرٌ لها عِندَهم؛ فانشُرْها بسَتْرِها، وكَبِّرْها باستصغارِها) . وقال ابنُ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: (لا يَتِمُّ المعروفُ إلَّا بثلاثٍ: تعجيلِه وتصغيرِه وسَترِه؛ فإنه إذا عَجَّله هنَّأَه، وإذا صَغَّره عَظَّمَه، وإذا ستَرَه تمَّمَه) . وكان يقالُ: (سَتَرَ رَجُلٌ ما أَولى، ونَشَرَ رجُلٌ ما أُوليَ) . 12- نسيانُ المعروفِ المُسْدى؛ فإنَّ المعروفَ إذا ذُكِر كُدِّر، وإذا أُنسِيَ أُمِرَّ، وتمامُ البَذلِ تركُ المَنِّ . وقال بعضُ حُكَماءِ العَرَبِ لبَنيه: (يا بَنيَّ، إذا اتخَذْتُم عِندَ رجُلٍ يدًا فانسَوها)؛ يعني: حتَّى لا يقَعَ في أنفُسِكم الطَّولُ على النَّاسِ بالقُلوبِ، ولا تذكُروها بالألسِنةِ . (وكان يُقالُ: أحيوا المعروفَ بإماتتِه. وتأويلُ ذلك أنَّ الرَّجُلَ إذا اعتَدَّ بمعروفِه كَدَّره. وكان يقال: كِتمانُ المعروفِ من المُنعَمِ عليه كُفرٌ، وذِكرُه من المُنعِمِ تكديرٌ له. وقال قَيسُ بنُ عاصِمٍ: يا بَني تميمٍ، اصحَبوا مَن يَذكُرُ إحسانَكم إليه، وينسى أياديَه إليكم) . وقال رجلٌ لابنِ شُبرُمةَ: فعَلْتُ بفلانٍ كذا وفعَلْتُ به كذا، فقال: (لا خيرَ في المعروفِ إذا أُحصيَ) . وقال الخُريميُّ: زاد معروفُك عندي عِظَمًا أنَّه عندَك محقورٌ صَغيرُ تتناساه كأنْ لم تأتِهِ وهو عِندَ النَّاسِ مشهورٌ كبيرُ . ( يتبع ) |
نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا ! و ليتني ما أرضيت سواي ! على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات ! |
11-10-2024, 07:33 PM | #330 |
|
رد: الأخلاق المذمومة في الإسلام ( متجدد )
تابع – المن
حُكمُ المَنِّ قال أبو عبدِ اللهِ القُرطبيُّ: (المَنُّ من الكبائِرِ، ثَبَت ذلك في صحيحِ مُسلِمٍ وغيرِه، وأنَّه أحدُ الثَّلاثةِ الذين لا ينظُرُ اللهُ إليهم ولا يُزَكِّيهم ولهم عذابٌ أليمٌ) . لكِنْ من أهلِ العِلمِ مَن قال: يجوزُ إذا كُفِرَت النِّعمةُ، وعومِلَ المتفَضِّلُ بالإساءةِ، أو كان لقَصدِ تربيةٍ وتأديبٍ. وقد ذكَر الرَّاغبُ أنَّ المَنَّ (مستقبَحٌ فيما بَيْنَ النَّاسِ إلَّا عِندَ كُفرانِ النِّعمةِ، ولقُبحِ ذلك قيل: المِنَّةُ تهدِمُ الصَّنيعةَ، ولحُسنِ ذِكرِها عِندَ الكُفرانِ قيل: إذا كُفِرَت النِّعمةُ حَسُنَت المِنَّةُ) . وقال ابنُ حزمٍ في: (ولا يحِلُّ لأحَدٍ أن يمَنَّ بما فعَلَ من خيرٍ إلَّا مَن كَثُر إحسانُه وعومِلَ بالمَساءةِ، فله أن يعَدِّدَ إحسانَه) . عن عبدِ اللهِ بنِ زيدِ بنِ عاصِمٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((لَمَّا أفاء اللهُ على رسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومَ حُنَينٍ قَسَّم في النَّاسِ في المؤلَّفةِ قُلوبُهم، ولم يُعطِ الأنصارَ شيئًا، فكأنَّهم وجَدوا إذ لم يُصِبْهم ما أصاب النَّاسَ، فخطَبَهم فقال: يا مَعشَرَ الأنصارِ، ألم أجِدْكم ضُلَّالًا فهداكم اللهُ بي، وكنتُم متفَرِّقين فألَّفكم اللهُ بي، وعالةً فأغناكم اللهُ بي؟ كلَّما قال شيئًا قالوا: اللهُ ورسولُه أمَنُّ، قال: ما يمنَعُكم أن تجيبوا رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟ قال: كلَّما قال شيئًا، قالوا: اللهُ ورسولُه أمَنُّ، قال: لو شِئتُم قُلتُم: جِئْتَنا كذا وكذا، أترضَون أن يذهَبَ النَّاسُ بالشَّاةِ والبعيرِ، وتذهبون بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى رِحالِكم؟! لولا الهِجرةُ لكنتُ امرَأً من الأنصارِ، ولو سَلَك النَّاسُ واديًا وشِعبًا لسلَكْتُ واديَ الأنصارِ وشِعْبَها، الأنصارُ شِعارٌ والنَّاسُ دِثارٌ! إنَّكم ستَلْقَون بعدي أَثرةً فاصبِروا حتَّى تَلقَوني على الحوضِ)) . وعن أبي عبدِ الرَّحمنِ، أنَّ عثمانَ رَضِيَ اللهُ عنه حينَ حُوصِرَ أشرَفَ عليهم، وقال: ((أَنشُدُكم اللهَ، ولا أَنشُدُ إلَّا أصحابَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ألسْتُم تَعلَمون أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: مَن حَفَر رُومةَ فله الجنَّةُ. فحفَرْتُها؟ ألستُم تَعلَمون أنَّه قال: مَن جهَّز جيشَ العُسرةِ فله الجنَّةُ. فجَهَّزْتُهم؟ قال: فصَدَّقوه بما قال)) . وقال ابنُ تَيميَّةَ: (... ثمَّ قُلتُ للأميرِ والحاضِرين: أنا أعلَمُ أنَّ أقوامًا يَكذِبون علَيَّ، كما قد كذَبوا عليَّ غيرَ مَرَّةٍ. وإن أملَيتُ الاعتقادَ مِن حفظي، ربَّما يقولون: كَتَم بعضَه أو داهَنَ ودارى، فأنا أُحضِرُ عقيدةً مكتوبةً من نحوِ سَبعِ سِنينَ قبلَ مجيءِ التَّتَرِ إلى الشَّامِ. وقُلتُ قبلَ حُضورِها كلامًا قد بَعُدَ عهدي به وغَضِبتُ غضبًا شديدًا، لكِنِّي أذكُرُ أنِّي قُلتُ: أنا أعلَمُ أنَّ أقوامًا كذَبوا علَيَّ وقالوا للسُّلطانِ أشياءَ، وتكَلَّمْتُ بكلامٍ احتَجْتُ إليه، مِثلُ أن قلتُ: من قام بالإسلامِ أوقاتَ الحاجةِ غيري؟ ومَن الذي أوضَح دلائِلَه وبَيَّنَه؟ وجاهَد أعداءَه وأقامه لمَّا مال؟ حينَ تخَلَّى عنه كُلُّ أحدٍ، ولا أحَدَ يَنطِقُ بحُجَّتِه ولا أحدَ يجاهِدُ عنه، وقُمتُ مُظهِرًا لحُجَّتِه مجاهِدًا عنه مرغِّبًا فيه؟ فإذا كان هؤلاء يطمَعون في الكلامِ فيَّ فكيف يصنَعون بغيري، ولو أنَّ يهوديًّا طَلَب من السُّلطانِ الإنصافَ لوجَب عليه أن يُنصِفَه، وأنا قد أعفو عن حقِّي وقد لا أعفو، بل قد أطلُبُ الإنصافَ منه وأن يُحضِرَ هؤلاء الذين يَكذِبون؛ ليوافِقوا على افترائِهم) . مَسائِلُ مُتفَرِّقةٌ المَنَّانُ من أسماءِ اللهِ تعالى: (المَنُّ والمِنَّةُ صِفةٌ فِعليَّةٌ ثابتةٌ بالكتابِ والسُّنَّةِ، والمَنَّانُ: من أسماءِ اللهِ الثَّابتةِ بالحديثِ الصَّحيحِ) . قال ابنُ الأثيرِ: (في أسماءِ اللهِ تعالى «المَنَّانُ» هو المُنعِمُ المُعطي، من المَنِّ: العطاءُ، لا من المِنَّةِ) . قال ابنُ هُبَيرةَ: (المَنَّانُ: الذي يتابِعُ عطاياه) ، (فاللهُ عزَّ وجَلَّ منَّانٌ على عبادِه بإحسانِه وإنعامِه ورِزقِه إيَّاهم) . وقال الرَّاغِبُ الأصفهانيُّ: (المِنَّةُ: النِّعمةُ الثَّقيلةُ، ويقالُ ذلك على وجهَينِ؛ أحَدُهما: أن يكونَ ذلك بالفِعلِ، فيُقالَ: مَنَّ فلانٌ على فلانٍ: إذا أثقَلَه بالنِّعمةِ، وعلى ذلك قولُه: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران:164] ، كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ [النساء:94] ، وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ [الصافات: 114] ، يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ [إبراهيم: 11] ، وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا [القصص: 5] ، وذلك على الحقيقةِ لا يكونُ إلَّا للهِ تعالى. والثَّاني: أن يكونَ ذلك بالقولِ، وذلك مستقبَحٌ فيما بَيْنَ النَّاسِ إلَّا عِندَ كُفرانِ النِّعمةِ) . وقال ابنُ القَيِّمِ: (ليست المِنَّةُ في الحقيقةِ إلَّا للهِ فهو المانُّ بفَضلِه، وأهلُ سَمواتِه وأهلُ أرضِه في محضِ مِنَّتِه عليهم؛ قال تعالى: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، وقال تعالى لكليمِه موسى: وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى، وقال: وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ، وقال: وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ [القصص: 5] ، ولمَّا قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم للأنصارِ: ((ألم أجِدْكم ضُلَّاًلا فهداكم اللهُ بي، وعالةً فأغناكم اللهُ بي؟ قالوا: اللهُ ورَسولُه أَمَنُّ)) ، وقال الرُّسُلُ لقومِهم: قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ [إبراهيم: 11] ، فمَنُّه سُبحانَه وتعالى محضُ إحسانِه وفَضلِه ورحمتِه، وما طاب عيشُ أهلِ الجنَّةِ فيها إلَّا بمِنَّتِه عليهم؛ ولهذا قال أهلُها وقد أقبل بعضُهم على بعضٍ يتساءَلون: إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ [الطور: 26 - 27]، فأخبروا لمعرفتِهم بربِّهم وحَقِّه عليهم أن نجاهم من عذابِ السَّمومِ بمَحضِ مِنَّتِه عليهم. وقد قال أعلَمُ الخلقِ باللهِ وأحبُّهم إليه وأقرَبُهم منه وأطوَعُهم له: ((لن يدخُلَ أحدٌ منكم الجنَّةَ بعَمَلِه، قالوا: ولا أنت يا رسولَ اللهِ؟ قال: ولا أنا إلَّا أن يتغَمَّدَني اللهُ برحمةٍ منه وفَضلٍ)) ... فلو أتى العبادُ بكُلِّ طاعةٍ وكانت أنفاسُهم كُلُّها طاعاتٍ للهِ لكانوا في محضِ مِنَّتِه وفَضلِه، وكانت له المِنَّةُ عليهم، وكلَّما عَظُمت طاعةُ العبدِ كانت منَّةُ اللهِ عليه أعظَمَ، فهو المانُّ بفَضلِه، فمن أنكَر مِنَّتَه فقد أنكَر إحسانَه) . الفَرْقُ بَيْنَ المَنِّ والأذى: قال ابنُ عطيَّةَ في الفَرْقِ بَيْنَ المَنِّ والأذى في قَولِه تعالى: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة: 262] : (المَنُّ: ذِكرُ النِّعمةِ على معنى التَّعديدِ لها، والتَّقريعِ بها، والأذى: السَّبُّ والتَّشَكِّي، وهو أعَمُّ من المَنِّ؛ لأنَّ المَنَّ جزءٌ من الأذى) . وقيل: المَنُّ أن يذكُرَ النِّعمةَ، والأذى أن يُظهِرَها. وقيل: المَنُّ هو أن يستخدِمَه بالعطاءِ، والأذى أن يُعَيِّرَه بالفَقرِ. وقيل: المَنُّ أن يتكبَّرَ عليه من أجْلِ أن يُعطيَه، والأذى أن يَنهَرَه أو يوبِّخَه بالمسألةِ . لماذا كان المَنُّ والأذى مانعَينِ للأجرِ؟ والجوابُ عن ذلك: (لأنَّ الأجرَ هو جزاءٌ من اللهِ، فمَن تصَدَّق يبتغي وجهَ اللهِ فله ثوابُه، ومَن مَنَّ أو آذى فقد قصَد غيرَ وَجهِ اللهِ، فليس له أن يَطلُبَ ثوابَه. ولقد قال في ذلك ابنُ جريرٍ الطَّبَريُّ: أوجَب الأجرَ لِمن كان غيرَ مانٍّ ولا مؤذٍ لِمَن أنفَق عليه في سبيلِ اللهِ؛ لأنَّ النَّفَقةَ في سبيلِ اللهِ ممَّا ابتُغيَ به وجهُ اللهِ وطُلِب به ما عندَه، فإذا كان معنى النَّفَقةِ في سبيلِ اللهِ هو ما وصَفْنا، فلا وجهَ لِمَنِّ المُنفِقِ على مَن أنفَقَ عليه؛ لأنَّه لا يَدَ له قِبَلَه، ولا صنيعةَ يَستحِقُّ بها عليه -إنْ لم يكافِئْه عليها- المَنَّ والأذى؛ إذ كانت نفقةُ ما أنفَق عليه احتِسابًا، وابتغاءَ ثوابِ اللهِ، وطَلَبَ مَرضاتِه، وعلى اللهِ مثوبتُه دونَ مَن أنفَق عليه) . وقال ابنُ هُبَيرةَ: (إنَّ المَنَّ لا يحتَمِلُ غَضاضتَه إلَّا محتاجٌ، واللهُ سُبحانَه هو الغَنيُّ؛ ولذلك كان المَنُّ عندَه مُبطِلًا للعَمَلِ. وكيف لا؟ وفيه جَحدٌ للحَقِّ؛ فإنَّ المُؤمِنَ باللهِ يلزَمُه أن يعتَرِفَ بأنَّ توفيقَ اللهِ تعالى له هو الذي كانت الأعمالُ الصَّالحةُ عنه، فإذا مَنَّ بذلك فقد جَحَد للهِ سُبحانَه وتعالى كَرَمَ صُنعِه) . الوَصيَّةُ بتَركِ نِكاحِ المَنَّانةِ: وأوصى بعضُ العَرَبِ بنيه فقال: (لا تَنكِحوا من النِّساءِ سِتَّةً: أنَّانةً، ولا منَّانةً، ولا حنَّانةً، ولا حدَّاقةً، ولا برَّاقةً، ولا شدَّاقةً... والمَنَّانةُ: التي تمُنُّ على زوجِها، تقولُ: فعَلْتُ بك وفعَلْتُ، فأنا أفعَلُ وأفعَلُ) . ( يتبع ) |
نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا ! و ليتني ما أرضيت سواي ! على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات ! |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 18 ( الأعضاء 0 والزوار 18) | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
الأخلاق أرزاق | فاطمة | الكلِم الطيب (درر إسلامية) | 14 | 07-16-2024 05:02 PM |
الأخلاق وهائب….!!!! | النقاء | الكلِم الطيب (درر إسلامية) | 12 | 02-25-2024 02:59 PM |
ربيع الأخلاق | بُشْرَى | الصحة والجمال،وغراس الحياة | 4 | 05-15-2023 12:50 PM |
لنتصدق على فقراء الأخلاق. | رهيبة | الكلِم الطيب (درر إسلامية) | 6 | 09-16-2022 10:57 PM |
الأخلاق وهائب | المهرة | الكلِم الطيب (درر إسلامية) | 5 | 03-16-2021 10:07 PM |