الأخلاق المذمومة في الإسلام ( متجدد ) - الصفحة 25 - منتديات مدائن البوح
أنت غير مسجل في منتديات مدائن البوح . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا
. .

... .. ..


آخر 10 مشاركات ما بين شعورين ..       رسالة إلى ...       رأيت فيما يرى النائم       ويتجدد اللقاء في حضرة القمر       عندما يهبط طائر الحرف       إبدأ بـ آخر حرف للي قبلك       سجل تواجدك في مدائن البوح بالصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم       بعثرة اليقين       ايام الجمعة فرحة الايام |       قلبـــي يقلكـ }} ,,, ~      
روابط تهمك القرآن الكريم الصوتيات الفلاشات الألعاب الفوتوشوب اليوتيوب الزخرفة قروب الطقس مــركز التحميل لا باب يحجبنا عنك تنسيق البيانات
العودة   منتديات مدائن البوح > المدائن الدينية والاجتماعية > الكلِم الطيب (درر إسلامية)

الكلِم الطيب (درر إسلامية)

رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا



الأخلاق المذمومة في الإسلام ( متجدد )

رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا


إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 10-09-2024, 10:12 AM   #241


الصورة الرمزية البراء
البراء متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 968
 تاريخ التسجيل :  Feb 2024
 أخر زيارة : اليوم (07:15 AM)
 المشاركات : 25,011 [ + ]
 التقييم :  29302
 الدولهـ
Syria
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Darkkhaki


افتراضي رد: الأخلاق المذمومة في الإسلام ( متجدد )



تابع – الاطراء والمدح

نَماذِجُ مِن المَدحِ المَحمودِ والمُباحِ
ج- عِندَ السَّلَفِ والعُلَماءِ المتقَدِّمينَ:

- عن أبي يوسُفَ يقولُ: (اجتَمَعْنا عِندَ أبي حَنيفةَ في يومٍ مَطيرٍ في نَفَرٍ مِن أصحابِه، مِنهم: داوُدُ الطَّائيُّ، والقاسِمُ بنُ مَعْنٍ، وعافيةُ بنُ يزيدَ، وحَفصُ بنُ غِياثٍ، ووكيعُ بنُ الجَرَّاحِ، ومالكُ بنُ مِغولٍ، وزُفرُ، فأقبَلَ علينا بوَجهِه، وقال: أنتم مَسارُّ قَلبي، وجَلاءُ حُزني، وأسرَجتُ لكم الفِقهَ وألجَمتُه، وقد تَرَكتُ النَّاسَ يَطؤونَ أعقابَكم، ويلتَمِسونَ ألفاظَكم...) .
- وعن عَبدِ اللهِ بنِ صالحٍ: أنَّ مالِكَ بنَ أنَسٍ قال في رِسالَتِه إلى اللَّيثِ بنِ سَعدٍ: (وأنتَ في إمامَتِك وفَضلِك ومَنزِلتِك مِن أهلِ بَلَدِك، وحاجةِ مَن قِبَلَك إليك واعتِمادِهم على ما جاءَهم مِنك...) وذَكرَ باقيَ الرِّسالةِ .
- وقال أحمدُ بنُ القاسِمِ بنِ مساورٍ: (كنَّا عندَ يحيى بنِ مَعينٍ وعندَه مُصعَبٌ الزُّبَيريُّ، فذكر رجلٌ أحمدَ بنَ حنبَلٍ فأطراه وزاد، فقال له رجلٌ: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ [النساء: 171] ، فقال يحيى بنُ مَعينٍ: كأنَّ مدحَ أبي عبدِ اللهِ غُلوٌّ في الدِّينِ، ذِكْرُ أبي عبدِ اللهِ من محاسِنِ الذِّكْرِ! وصاح يحيى بالرَّجُلِ) .
- وقال حاشدُ بنُ إسماعيلَ: (كنتُ بالبصرةِ فسَمِعتُ قُدومَ محمَّدِ بنِ إسماعيلَ، فلمَّا قَدِم قال محمَّدُ بنُ بشَّارٍ: دخل اليومَ سيِّدُ الفُقَهاءِ) .
- وقال القابِسيُّ: (ما رأيتُ أخيَرَ من أبي الحَسَنِ الكانشيِّ، وكان إذا أعجبه شيءٌ من صاحبِه قال: واللهِ لأسُرَّنَّك في نفسِك، فيقالُ له: بماذا؟ فيقول: بحُسنِ الثَّناءِ عليك، فقيل له: فأين الحديثُ في ذلك: احثُوا التُّرابَ في وجوهِ المدَّاحينَ؟ ، فيقولُ: إنَّما ذلك إذا مُدِح الرَّجُلُ في وجهِه بما ليس فيه، وإلَّا فواجِبٌ مدحُ الرَّجُلِ في وجهِه بما يجري من حُسنِ أفعالِه) .
- وقال أبو بكرِ بنُ العربيِّ: (أخبَرَني محمَّدُ بنُ قاسِمٍ العُثمانيُّ غيرَ مرَّةٍ: وصلْتُ الفُسطاطَ مرَّةً، فجِئْتُ مجلِسَ الشَّيخِ أبي الفَضلِ الجَوهَريِّ، وحضرْتُ كلامَه على النَّاسِ، فكان ممَّا قال في أوَّلِ مجلِسٍ جلسْتُ إليه: إنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم طلَّق وظاهَر وآلى، فلمَّا خرَج تبِعْتُه حتَّى بلغْتُ معَه إلى منزلِه في جماعةٍ، فجلَس معَنا في الدِّهليزِ، وعرَّفهم أمري؛ فإنَّه رأى إشارةَ الغُربةِ، ولم يَعرفِ الشَّخصَ قَبلَ ذلك في الوارِدينَ عليه، فلمَّا انفضَّ عنه أكثَرُهم قال لي: أراك غريبًا، هل لك مِن كلامٍ؟ قلْتُ: نعَم، قال لجُلسائِه: أفرِجوا له عن كلامِه، فقاموا، وبقيتُ وحدي معَه، فقلْتُ له: حضرْتُ المجلِسَ اليومَ مُتبرِّكًا بك، وسمعْتُك تقولُ: آلى رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم، وصدَقْتَ، وطلَّق رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وصدَقْتَ، وقلْتَ: وظاهَر رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهذا لم يكنْ، ولا يصِحُّ أن يكونَ؛ لأنَّ الظِّهارَ مُنكَرٌ مِن القولِ وزورٌ؛ وذلك لا يجوزُ أن يقعَ مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فضمَّني إلى نَفسِه، وقبَّل رأسي، وقال لي: أنا تائِبٌ مِن ذلك، جزاك اللهُ عنِّي مِن مُعلِّمٍ خيرًا. قال: ثُمَّ انقلَبْتُ عنه، وبكَّرْتُ إلى مجلِسِه في اليومِ الثَّاني، فألفَيتُه قد سبَقني إلى الجامِعِ، وجلَس على المِنبَرِ، فلمَّا دخلْتُ مِن بابِ الجامِعِ ورآني نادى بأعلى صوتِه: مرحبًا بمُعلِّمي؛ أفسِحوا لمُعلِّمي، فتطاوَلَت الأعناقُ إليَّ، وحدَّقَت الأبصارُ نحوي! وتعرِفُني يا أبا بكرٍ -يشيرُ إلى عظيمِ حيائِه؛ فإنَّه كان إذا سَلَّم عليه أحدٌ أو فاجأه خَجِل لعظيمِ حيائِه، واحمَرَّ حتى كأنَّ وجهَه طُلِيَ بجُلَّنارٍ قال: وتبادَر النَّاسُ إليَّ يرفعونَني على الأيدي، ويتدافَعوني حتَّى بلغْتُ المِنبَرَ، وأنا لعِظَمِ الحياءِ لا أعرفُ في أيِّ بُقعةٍ أنا مِن الأرضِ، والجامِعُ غاصٌّ بأهلِه، وأسال الحياءُ بدني عرَقًا، وأقبَل الشَّيخُ على الخَلقِ، فقال لهم: أنا مُعلِّمُكم، وهذا مُعلِّمي؛ لمَّا كان بالأمسِ قلْتُ لكم: آلى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وطلَّق، وظاهَر، فما كان أحدٌ منكم فَقِه عنِّي ولا ردَّ عليَّ، فاتَّبعني إلى منزلي، وقال لي كذا وكذا. وأعاد ما جرى بيني وبَينَه، وأنا تائِبٌ عن قولي بالأمسِ، وراجِعٌ عنه إلى الحقِّ؛ فمَن سمِعه ممَّن حضَر فلا يُعوِّلْ عليه، ومَن غاب فليُبلِّغْه مَن حضَر؛ فجزاه اللهُ خيرًا، وجعَل يحفلُ في الدُّعاءِ والخَلقُ يُؤمِّنونَ).
قال ابنُ العَربيِّ: (فانظُروا -رحمكم اللَّهُ- إلى هذا الدِّينِ المتينِ، والاعترافِ بالعِلمِ لأهلِه على رؤوسِ الملإِ من رجلٍ ظهَرَت رياستُه، واشتَهَرت نفاستُه، لغريبٍ مجهولِ العَينِ لا يُعرَفُ مَن ولا مِن أين؛ فاقتدوا به ترشُدوا) .
-وفي القَرنِ السَّادِسِ الهجريِّ: اختلَّت أحوالُ الأندلُسِ وتخاذل المرابِطون، وآثَروا الرَّاحةَ، وانفرد كلُّ قائدٍ بمدينةٍ، وهاجت عليهم الفِرنجُ وطَمِعوا، وذلك زمَنَ سُلطانِ المغرِبِ عبدِ المؤمِنِ بنِ عليِّ بنِ عَلَويٍّ، المتوفَّى 558هــ، قال الحافِظُ الذّهبيُّ: (وكان رزينًا وقورًا كاملَ السُّؤددِ سَرِيًّا، عاليَ الهمَّةِ، خليقًا للإمارةِ، فجهَّز عبدُ المؤمِنِ عُمَرَ إينتي، فدخل إلى الأندلُسِ، فأخذ الجزيرةَ الخضراءَ، ثمَّ رُندةَ، ثمَّ إشبيليَّةَ وقُرطُبةَ وغرناطةَ، ثمَّ سار عبدُ المؤمِنِ بجيوشِه، وعدَّى البحرَ من زقاقِ سَبتةَ، فنزل جبَلَ طارقٍ، وسمَّاه جبلَ الفتحِ، فأقام أشهُرًا، وبنى هناك قصورًا ومدينةً، ووفد إليه كُبراءُ الأندلُسِ، وقام بعضُ الشُّعَراءِ مُنشِدًا:
ما للعِدى جُنَّةٌ أوقى من الهَرَبِ
أين المفَرُّ وخيلُ اللهِ في الطَّلَبِ؟
وأين يذهَبُ مَن في رأسِ شاهقةٍ؟
وقد رمَتْه سهامُ اللهِ بالشُّهُبِ
حَدِّثْ عن الرُّومِ في أقطارِ أندلُسٍ
والبحرُ قد ملأَ البرَّينِ بالعَرَبِ
فأُعجِب بها عبدُ المؤمنِ، وقال: بمِثلِ هذا يُمدَحُ الخُلفاءُ) .
ج- عِندَ العُلَماءِ المُعاصِرينَ:
- ثَناءُ مُحَمَّدِ عَبد الرَّزَّاقِ حَمزة على المُعَلِّمي اليمانيِّ وعلى كِتابِه. قال في تَذييلِه على كِتابِ (القائِدُ إلى تَصحيحِ العَقائِدِ): (قَرَأتُ الكِتابَ فأُعجِبتُ به أيَّما إعجابٍ؛ لصَبرِ العَلَّامةِ على مُعاناةِ مُطالَعةِ نَظَريَّاتِ المُتَكلِّمينَ، خُصوصًا من جاءَ مِنهم بَعدَ مَن ناقَشَهم شَيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميَّةَ وتِلميذُه الإمامُ ابنُ القَيِّمِ، كالعَضُدِ والسَّعدِ، ثُمَّ رَدِّه عليهم بالأُسلوبِ الفِطريِّ والنُّقولِ الشَّرعيَّةِ التي يُؤمِنُ بها كُلُّ مَن لم تَفسُدْ عَقليَّتُه بخَيالاتِ الفلاسِفةِ والمُتَكلِّمينَ، فسَدَّ بذلك فراغًا كان على كُلِّ سُنِّيٍّ سَلَفيٍّ سَدُّه بَعدَ شَيخِ الإسلامِ ابنِ تَيميَّةَ وابنِ القَيِّمِ رَحِمَهما اللهُ تعالى، وأدَّى عنَّا دَينًا كُنَّا مُطالَبينَ بقَضائِه؛ فجَزاه اللهُ عن الإسلامِ والمُسلمينَ خَيرَ الجَزاءِ، وحَشَرَنا وإيَّاه في زُمرةِ الذين أنعَمَ اللهُ عليهم مِن النَّبيِّينَ والصِّدِّيقينَ والشُّهَداءِ والصَّالحينَ، وحَسُنَ أولئك رَفيقًا) .
- ثَناءُ ابنِ بازٍ على الألبانيِّ:
قال ابنُ بازٍ رَدًّا على سُؤالٍ عن رَجُلٍ يسُبُّ الألبانيَّ، ويرى أنَّه مُجَرَّدُ تاجِرِ كُتُبٍ: (الشَّيخُ ناصِرُ الدِّينِ الألبانيُّ مِن خَواصِّ إخوانِنا الثِّقاتِ المَعروفينَ بالعِلمِ والفَضلِ والعِنايةِ بالحَديثِ الشَّريفِ تَصحيحًا وتَضعيفًا، وليس مَعصومًا، بل قد يُخطِئُ في بَعضِ التَّصحيحِ والتَّضعيفِ، ولكنْ لا يجوزُ سَبُّه ولا ذَمُّه ولا غِيبتُه، بل المَشروعُ الدُّعاءُ له بالمَزيدِ مِن التَّوفيقِ وصَلاحِ النِّيَّةِ والعَمَلِ) .
- ثَناءُ أحمَد شاكِر على المَلكِ عَبدِ العَزيزِ بنِ عَبدِ الرَّحمَنِ الفَيصَل لنَشرِ مُسنَدِ أحمَدَ:
قال أحمَد شاكِر في مُقدِّمَتِه لمُسنَدِ أحمَدَ: (وصادَف ذلك أن كانت الزِّيارةُ الرَّسميَّةُ التي شَرَّف فيها مِصرَ بزيارَتِه أسَدُ الجَزيرةِ، حامي حِمى السُّنَّةِ، رَجُلُ العِلمِ والعَمَلِ، والسَّيفِ والقَلَمِ؛ الإمامُ العادِلُ، المَلِكُ عَبدُ العَزيزِ بنُ عَبدِ الرَّحمَنِ الفيصَل آل سُعودٍ، أطالَ اللهُ بَقاءَه، وكانت هذه الزِّيارةُ المُبارَكةُ مِن يومِ الخَميسِ 6صَفَر الخَيرِ مِن هذا العامِ 1365ه إلى يومِ الثُّلاثاءِ 18مِنه "10 - 22ينايِر سَنةَ 1946م"، فما إن رُفِعَ إلى جَلالَتِه شَأنُ هذا الكِتابِ حتَّى أصدَرَ أمرَه الكريمَ إلى حُكومَتِه السنيَّةِ بالاشتِراكِ في عَدَدٍ كبيرٍ مِن نُسَخِه، مِن أوَّلِه إلى آخِرِه؛ إجلالًا لشَأنِ الإمامِ الكبيرِ، وعَطفًا على شَخصي الضَّعيفِ) .

حُكمُ الإطراءِ والمدحِ
مَدحُ الإنسانِ والثَّناءُ عليه بجَميلِ صِفاتِه قد يكونُ في حُضورِ المَمدوحِ، وقد يكونُ بغَيرِ حُضورِه؛ فأمَّا الذي في غَيرِ حُضورِه فلا مَنعَ مِنه إلَّا أن يُجازِفَ المادِحُ ويدخُلَ في الكذِبِ، فيَحرُمَ عليه بسَبَبِ الكذِبِ، لا لكونِه مَدحًا، ويُستحَبُّ هذا المدحُ الذي لا كَذِبَ فيه إذا ترتَّب عليه مصلحةٌ، ولم يجُرَّ إلى مفسدةٍ.
وأمَّا المَدحُ في وَجهِ المَمدوحِ فتَحرُمُ المُبالَغةُ فيه والغُلوُّ في إطرائِه ووصفِه بما لا يستَحِقُّ، فهذا مِن الكَذِبِ، وفيه ضَرَرٌ على المَمدوحِ، وكذلك يحرُمُ مَدحُه بما هو فيه إذا خشِيَ أن يغتَرَّ المَمدوحُ بنَفسِه ويزهوَ ويتَرَفَّعَ على غَيرِه ويفتَتِنُ ويَغتَرُ، وقيل: يُكرَهُ كَراهةً شَديدةً .
إن سَلِمَ المَدحُ عن هذه الآفاتِ وعن الفرَحِ به وفُتورِ النَّفسِ بسَبَبِه، لم يكُنْ به بَأسٌ، بل رُبَّما كان مَندوبًا إليه؛ ولذلك أثنى رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم أجمَعينَ .
فالمدحُ الجائزُ له خَمسةُ ضوابِطَ:
الأوَّلُ: أن يوصَفَ الإنسانُ بما فيه من غيرِ مُبالغةٍ.
فإذا غلا في إطرائِه ووصفِه بما لا يستحِقُّ، فهذا كَذِبٌ وخِداعٌ.
الثَّاني: إن كان يحصُلُ بالمدحِ مَصلَحةٌ، فيُستحَبُّ.
ومن ذلك أن يكونَ في المدحِ تشجيعٌ للممدوحِ على الخيرِ وتثبيتٌ له؛ حتَّى يستمِرَّ على ما هو عليه، فهذا حَسَنٌ، وهو داخِلٌ في قولِه تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة: 2] . وكذلك إذا كان تحريضًا للنَّاسِ على الاقتداءِ به في أشباهِه، وهذا راجِعٌ إلى النِّيَّاتِ .
الثَّالِثُ: أن لا يُفضِيَ إلى فسادٍ، كأن يُمدَحَ في وجهِه، ويُخافُ عليه الفتنةُ.
الرَّابعُ: إذا كان المادِحُ مُكرَهًا أو ابتُليَ به لدَفعِ شَرٍّ، فهذا من بابِ المداراةِ، ويُذكَرُ عن أبي الدَّرداءِ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: (إنَّا لنَكشِرُ في وجوهِ أقوامٍ، وإنَّ قُلوبَنا لتلعَنُهم) .
الخامِسُ: ألَّا يكونَ المدحُ لنَفسِه؛ لأنَّ تزكيةَ النَّفسِ لا تجوزُ؛ لقَولِه تعالى: فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى [النجم: 32] ، وهذا النَّهيُ يقتضي الغَضَّ من المزكِّي لنَفسِه بلسانِه، والإعلامَ بأنَّ الزَّاكيَ المزكَّى من حَسُنَت أفعالُه وزكَّاه اللهُ عزَّ وجَلَّ ، وقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا تزكُّوا أنفُسَكم، اللهُ أعلَمُ بأهلِ البِرِّ منكم)) ، وقال عُتبةُ بنُ غَزوانَ رَضِيَ اللهُ عنه: (وإنِّي أعوذُ باللهِ أن أكونَ في نفسي عظيمًا، وعندَ اللهِ صَغيرًا) .
وفي حُكمِ مَدحِ النَّفسِ مدحُ ما يتعلَّقُ بها من الأبناءِ والآباءِ والتَّواليفِ والأصحابِ، ونحوِ ذلك ممَّا هو مدحٌ للنَّفسِ على الحقيقةِ؛ قال العِزُّ بنُ عبدِ السَّلامِ: (ومَدحُك نفسَك أقبحُ من مدحِك غيرَك؛ فإنَّ غَلَط الإنسانِ في حَقِّ نَفسِه أكثَرُ من غلَطِه في حقِّ غيرِه، فإنَّ حُبَّك الشَّيءَ يُعمي ويُصِمُّ، ولا شيءَ أحَبُّ إلى الإنسانِ من نَفسِه) ؛ ولهذا قد يمدَحُ الإنسانُ نفسَه بباطلٍ، أو يبالِغُ في وصفِ بعضِ ما يتعلَّقُ بها، وهذا غِشٌّ وتدليسٌ وكَذِبٌ.
أمَّا إذا قصد التَّعريفَ بنَفسِه وبما عندَه من العِلمِ، فلا بأسَ؛ قال يوسفُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ [يوسف: 55] ، وفي هذا دَلالةٌ على أنَّه جائزٌ للإنسانِ أن يَصِفَ نَفسَه بالفَضلِ عندَ من لا يَعرِفُه ، قال ابنُ الجوزيِّ: (إذا خلا مَدحُه لنَفسِه من بَغيٍ وتكبُّرٍ، وكان مرادُه به الوصولَ إلى حَقٍّ يقيمُه، وعَدلٍ يُحييه، وجَورٍ يُبطِلُه؛ كان ذلك جميلًا جائزًا) .
ويدخُلُ في هذا القِسمِ ما إذا تحدَّث المرءُ بنِعَمِ اللهِ عنده، قال الطَّحاويُّ: (فهذا نرجو ألَّا يَضُرَّ) ، ومنه قولُ ابنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه: (واللهِ الذي لا إلهَ غيرُه، ما أُنزِلَت سورةٌ من كتابِ اللهِ إلَّا أنا أعلَمُ أين أُنزِلَت، ولا أُنزِلَت آيةٌ من كتابِ اللهِ إلَّا أنا أعلَمُ فيمَ أُنزِلَت، ولو أعلَمُ أحدًا أعلَمَ منِّي بكتابِ اللهِ تبلُغُه الإبِلُ، لركِبتُ إليه) ، فخرج هذا الكلامُ مخرجَ الشُّكرِ للهِ وتعريفِ المستفيدِ ما عندَ المفيدِ . ومنه ما رُوِيَ عن أبي الدَّرداءِ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: (سَلُوني، فواللهِ لَئِن فقَدْتُموني لتفقِدُنَّ رَجُلًا عظيمًا من أمَّةِ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) .
ودلَّ على إباحةِ المدحِ بهذه الشُّروطِ عِدَّةُ أحاديثَ؛ منها: قولُ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّه ليس من النَّاسِ أحَدٌ أمَنَّ عليَّ في نَفسِه ومالِه من أبي بكرِ بنِ أبي قُحافةَ)) ، وقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنه: ((والذي نفسي بيَدِه، ما لَقِيَك الشَّيطانُ قَطُّ سالِكًا فَجًّا إلَّا سلك فجًّا غيرَ فَجِّك)) ، وقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومَ خيبَرَ: ((لأعطِيَنَّ الرَّايةَ غَدًا رجلًا يفتَحُ على يَدَيه، يحِبُّ اللهَ ورسولَه، ويحبُّه اللهُ ورسولُه)) ، فأعطاها عليًّا رَضِيَ اللهُ عنه، وقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ لكُلِّ أمَّةٍ أمينًا، وإنَّ أمينَنا -أيَّتُها الأمَّةُ- أبو عُبَيدةَ بنُ الجَرَّاحِ)) ، ونظائِرُ ذلك كثيرٌ ممَّا هو مبسوطٌ في مظانِّه، وقد مُدِح صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الشِّعرِ والخُطَبِ والمخاطَبةِ، ولم يَحْثُ في وُجوهِ مدَّاحيه التُّرابَ، ولا أمَرَ بذلك .
أمَّا النَّهيُ عن المدحِ فمحمولٌ على المجازفةِ فيه والزِّيادةِ في الأوصافِ، أو على من يُخافُ عليه فِتنةٌ ، قال عبدُ اللهِ بنُ أحمدَ: (جاء رجلٌ إلى أبي، فذَكَر أنَّه كان عند بِشرٍ فذَكَروه، فأثنى عليه بِشرٌ، وقال: لا ينسى اللهُ لأحمدَ صنيعَه، ثبَت وثَبَّتَنا، ولولاه لهلَكْنا. قال عبدُ اللهِ: ووَجهُ أبي يتهَلَّلُ، فقُلتُ: يا أبتِ، أليس تكرَهُ المدحَ في الوَجهِ، فقال: يا بُنَيَّ، إنَّما ذُكِرْتُ عند رجلٍ من عبادِ اللهِ الصَّالحينَ، وما كان منِّي فحَمِد صنيعي، وقد قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: المؤمِنُ مِرآةُ المؤمِنِ .

( يتبع )



 
 توقيع : البراء






نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا !
و ليتني ما أرضيت سواي !
على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات !


رد مع اقتباس
قديم 10-09-2024, 10:14 AM   #242


الصورة الرمزية البراء
البراء متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 968
 تاريخ التسجيل :  Feb 2024
 أخر زيارة : اليوم (07:15 AM)
 المشاركات : 25,011 [ + ]
 التقييم :  29302
 الدولهـ
Syria
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Darkkhaki


افتراضي رد: الأخلاق المذمومة في الإسلام ( متجدد )



تابع – الاطراء والمدح

الاطرء والمدح في واحة الأدب
أ- من الشِّعرِ


1- قال بعضُ الشُّعَراءِ:
إذا المرءُ لم يمدحْه حُسنُ فِعالِه
فمادِحُه يَهذي وإن كان مُفْصِحَا .
2- وقال آخَرُ:
إذا المرءُ لم يمدَحْه حُسنُ فِعالِه
فليس له -واللهِ- ما عاش مادِحُ .
3- وقال غيرُه:
وما شَرَفٌ أن يَمدَحَ المرءُ نَفسَه
ولكِنَّ أعمالًا تَذُمُّ وتَمدَحُ .
4- وفي النَّهيِ عن الإفراط في المدحِ أنشَدَ الخطَّابيُّ:
ولا تَغُلْ في شيءٍ من الأمرِ واقتَصِدْ
كِلا طرَفَيْ قَصدِ الأمورِ ذَميمُ .
5-وقال آخَرُ:
عليك بأوساطِ الأمورِ فإنَّها
نجاةٌ ولا تركَبْ ذَلولًا ولا صَعْبَا .
6-وقال أعشى بني رَبيعةَ:
ما أنا في أهلي ولا في عشيرتي
بمهتَضَمٍ حَقِّي ولا قارعٍ سِنِّي
ولا مُسلِمٍ مولايَ عندَ جنايةٍ
ولا خائِفٍ مولاي من سوءِ ما أجني
وإنَّ فؤادًا بين جنبَيَّ عالمٌ
بما أبصَرَت عيني وما سَمِعَت أُذْني
وفضَّلني في الشِّعرِ واللُّبِّ أنَّني
أقولُ على عِلمٍ وأعلَمُ ما أعني
فأصبَحتُ إن فضَّلْتُ مروانَ وابنَه
على النَّاسِ قد فضَّلتُ خيرَ أبٍ وابنِ .
7- قال الشَّاعِرُ:
لا يُلهِيَنَّك من فتًى سِربالُه
وبهاءُ مَنظَرِه ورَونقُ نَفثِه
أو تقتَحِمْه من رَثاثةِ زِيِّهِ
فتجولُ في إطرائِه أو مَغْثِه
حتَّى تبيَّنَ قَدْرَه عن فَرِّهِ
ولُجَينَه ولَجِينَه عن بحْثِه
والنَّفثُ: المرادُ به الكلامُ، والإطراءُ: المبالَغةُ في المدحِ، والمَغْثُ: ضِدُّه، واللُّجَينُ -مُصغَّرًا-: الفِضَّةُ، واللَّجِينُ-مِثلُ أميرٍ- زَبَدُ أفواهِ الإبِلِ، وما سقط من الوَرِقِ عند الخَبطِ. وأُطلِقَ اللُّجَينُ واللَّجينُ على محمودِ الأخلاقِ ومذمومِها، كما يقولون: إنَّ فلانًا لا يُفَرِّقُ بين لُجَينِ الكلامِ ولَجينِه، أي: بين جَيِّده ورديئِه .

ب- من الأمثالِ والحِكَمِ

1- من حَفَّنا أو رَفَّنَا فليقتَصِدْ
(معنى الرَّفيفِ هنا النَّضارةُ، وهو معنى الإطراءِ في المديحِ، يقال: رَفَّ البيتُ يَرِفُّ رفيفًا، ويقالُ: فلانٌ يَحِفُّ ويَحُفُّ بفلانٍ: إذا طاف به وألطفَه، وهو به حَفٌّ وحَفِيٌّ، والحَفَّانُ: الخَدَمُ، وقيل معنى: من حَفَّنا في هذا المثلِ، أي: سَمِع له حفيفًا بالثَّناءِ) .
2- شاكِهْ أبا فُلانٍ
(المشاكَهةُ: المشابَهةُ. وأصلُه أنَّ رَجُلًا عَرَض فَرسًا له في السُّوقِ، فقال له رجلٌ: أهذه فَرَسُك التي كنت تَصيدُ عليها الوَحشَ؟ فقال رَبُّ الفَرَسِ: شاكِهْ، أي: قارِبْ في المدحِ ولا تُفرِطْ، فيُضرَبُ في الأمرِ بالقَصدِ في المدحِ) .
3- عليه مِنَ اللهِ لِسانٌ صالِحةٌ
يعني الثَّناءَ، يُضرَبُ لمَن يُثنَى عليه بالخَيرِ .
4- بعدَ البلاءِ يكونُ الثَّناءُ .



 
 توقيع : البراء






نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا !
و ليتني ما أرضيت سواي !
على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات !


رد مع اقتباس
قديم 10-09-2024, 10:16 AM   #243


الصورة الرمزية البراء
البراء متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 968
 تاريخ التسجيل :  Feb 2024
 أخر زيارة : اليوم (07:15 AM)
 المشاركات : 25,011 [ + ]
 التقييم :  29302
 الدولهـ
Syria
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Darkkhaki


افتراضي رد: الأخلاق المذمومة في الإسلام ( متجدد )



موضوعنا القادم سيكون ان شاء الله عن ( البطر )


 
 توقيع : البراء






نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا !
و ليتني ما أرضيت سواي !
على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات !


رد مع اقتباس
قديم 10-10-2024, 03:23 AM   #244


الصورة الرمزية البراء
البراء متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 968
 تاريخ التسجيل :  Feb 2024
 أخر زيارة : اليوم (07:15 AM)
 المشاركات : 25,011 [ + ]
 التقييم :  29302
 الدولهـ
Syria
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Darkkhaki


افتراضي رد: الأخلاق المذمومة في الإسلام ( متجدد )



البطر

مَعنى البَطَرِ لُغةً واصطِلاحًا
مَعنى البَطَرِ لُغةً:

البَطَرُ: الأشَرُ، وهو شِدَّة المَرَحِ، وقيل: التَّبَختُرُ، وقيل: قِلَّة احتِمالِ النِّعمةِ، وقيل: البَطَرُ: الدَّهَشُ والحَيرةُ. وهو الأشَرُ وغَمطُ النِّعمةِ، وأبطَره، أي: أدهَشَه، وقيل: البَطَرُ الطُّغيانُ في النِّعمةِ، وقيل: هو كَراهةُ الشَّيءِ من غَيرِ أن يَستَحِقَّ الكَراهيةَ، يُقالُ: بَطِر بَطَرًا فهو بَطِرٌ. و(بطر) أصلٌ واحِدٌ، وهو الشَّقُّ، وسُمِّيَ البَيطارُ لذلك .
مَعنى البَطَرِ اصطِلاحًا:
قيل: البَطَرُ: دَهَشٌ يَعتَري الإنسانَ من سوءِ احتِمالِ النِّعمةِ وقِلَّة القيامِ بحَقِّها، وصَرفِها إلى غَيرِ وَجهِها .
وقيل: البَطَرُ: الطُّغيانُ في النِّعمةِ وتَركُ شُكرِها .
أو الطُّغيانُ عِندَ النِّعمةِ وطولِ الغِنى ، وهو احتِمالُ الغِنى وتَركُ الشُّكرِ للهِ، المانِعِ من الزَّهوِ والتَّكَبُّرِ والإعجابِ بما صَنَعَه اللهُ له ووهبَه إيَّاه .
وقيل: البَطَرُ في الأصلِ: الطُّغيانُ بالنِّعمةِ أو عندَ النِّعْمةِ. وقيل: هو كراهِية الشَّيءِ من غيرِ أن يَستَحِقَّ الكراهةَ .
وقيل: البَطَرُ سوءُ احتِمالِ الغِنى، وهو ألَّا يَحفظَ حَقَّ اللهِ تعالى فيه .
وقيل: البَطَرُ: النَّشاطُ للنِّعمةِ والفرَحُ بها ومُقابلةُ النِّعمةِ بالتَّكَبُّرِ والخُيَلاءِ، والفَخرِ بها، وكُفرانِها بعَدَمِ شُكرِها .
وقيل: البَطَرُ: التَّكَبُّرُ. ولأنَّ البَطَرَ هو التَّكَبُّرُ، يَستَلزِمُ عَدَمَ الاعتِرافِ بما يُسدى إليه من الخَيرِ .
والصَّبرُ إن كان في حالِ الغِنى يُسَمَّى ضَبطَ النَّفسِ، وتُضادُّه حالةٌ تُسَمَّى البَطَرَ .

الفَرقُ بَينَ البَطَرِ وبَعضِ الصِّفاتِ
الفَرقُ بَينَ البَطَرِ والأشَرِ والفرَحِ والطَّرَبِ
قيل: الأشَرُ والبَطَرُ كِلاهما بمَعنًى؛ فالأشَرُ هو البَطَرُ، وقيل: الأشَرُ أشَدُّ البَطَرِ. وقيل: الأشَرُ: الفرَحُ والغُرورُ. والبَطَرُ أبلغُ من الفرَحِ؛ إذ الفرَحُ وإن كان مَذمومًا غالبًا فقد يُحمَدُ على قَدرِ ما يَجِبُ، وفي المَوضِعِ الذي يَجِبُ؛ وذلك لأنَّ الفرَحَ قد يَكونُ من سُرورٍ بحَسَبِ قَضيَّةِ العَقلِ. والأشَرُ لا يَكونُ إلَّا فرَحًا بحَسَبِ قَضيَّةِ الهَوى. والبَطَرُ يُقارِبُه الطَّرَبُ، وهو خِفَّةٌ أكثَرُ ما يَعتَري من الفرَحِ .
الفَرقُ بَينَ بَطَرِ النِّعمةِ وكُفرِ النِّعمةِ:
الفَرقُ بَينَ بَطَرِ النِّعمةِ وكُفرِ النِّعمةِ: (أنَّ قَولَك: بَطِرَها، يُفيدُ أنَّه عَظَّمَها وبَغى فيها. وكَفَرَها: يُفيدُ أنَّه عَظَّمَها فقَط، وأصلُ البَطَرِ الشَّقُّ، ومنه قيل للبَيطارِ: بَيطارٌ، وقد بَطَرتُ الشَّيءَ، أي: شَقَقتُه، وأهلُ اللُّغةِ يَقولونَ: البَطَرُ: سوءُ استِعمالِ النِّعمةِ، وكذلك جاءَ في تَفسيرِ قَولِه تعالى: بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا [القصص: 58] وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ [الأنفال: 47] .

ذم البطر والنهي عنه
أ - من القُرآنِ الكَريمِ
- قال تعالى: وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ [الأنفال: 47] .
يَعني أبا جَهلٍ وأصحابَه الخارِجينَ يَومَ بَدرٍ لنُصرةِ العِيرِ، خَرَجوا بالقِيانِ والمُغَنِّياتِ والمَعازِفِ، فلمَّا ورَدوا الجُحفةَ بَعَثَ خُفافٌ الكِنانيُّ -وكان صَديقًا لأبي جَهلٍ- بهَدايا إليه مَعَ ابنٍ له، وقال: إن شِئتَ أمدَدتُك بالرِّجالِ، وإن شِئتَ أمدَدتُك بنَفسي مَعَ من خَفَّ من قَومي. فقال أبو جَهلٍ: إنْ كُنَّا نُقاتِلُ اللهَ كما يَزعُمُ مُحَمَّدٌ فواللهِ ما لنا باللهِ من طاقةٍ، وإن كُنَّا نُقاتِلُ النَّاسَ فواللهِ إنَّ بنا على النَّاسِ لقوَّةً، واللهِ لا نَرجِعُ عن قِتالِ مُحَمَّدٍ حتَّى نَرِدَ بَدرًا فنشَربَ فيها الخُمورَ، وتَعزِفَ عَلينا القِيانُ -فإنَّ بَدرًا مَوسِمٌ من مَواسِمِ العَرَبِ، وسوقٌ من أسواقِهم- حتَّى تَسمَعَ العَرَبُ بمَخرَجِنا فتَهابَنا آخِرَ الأبَدِ؛ فورَدوا بَدرًا ولكِن جَرى ما جَرى من هَلاكِهم! والبَطَرُ في اللُّغةِ: التَّقويةُ بنِعَمِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ وما ألبَسَه من العافيةِ على المَعاصي. وهو مَصدَرٌ في مَوضِعِ الحالِ، أي: خَرَجوا بَطِرينَ مُرائينَ صادِّينَ. وصَدُّهم: إضلالُ النَّاسِ .
- وقال تعالى: وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْية بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ [القصص: 58] .
يقول تعالى ذِكرُه: وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيةٍ أبطَرَتْها (مَعِيشَتُهَا) فبَطِرَت وأشَرِتَ وطَغَت، فكَفرَت رَبَّها. وقيل: بَطِرَت مَعيشَتَها، فجَعَل الفِعلَ للقَريةِ، وهو في الأصلِ للمَعيشةِ، كَما يُقالُ: أسفَهَك رَأيُك فسَفِهْتَه، وأبطَرَك مالُك فبَطِرْتَه، والمَعيشةُ مَنصوبةٌ على التَّفسيرِ.
فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا [القصص: 58] يَقولُ: فتلك دُورُ القَومِ الذينَ أهلَكْناهم بكُفرِهم برَبِّهم، ومَنازِلُهم لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا يَقولُ: خَرِبَت من بَعدِهم، فلم يَعمُرْ منها إلَّا أقَلُّها، وأكثَرُها خَرابٌ. ولفظُ الكَلامِ وإن كان خارِجًا على أنَّ مَساكِنَهم قد سُكِنَت قَليلًا فإنَّ مَعناه: فتلك مَساكِنُهم لم تُسكَنْ مِن بَعدِهم إلَّا قَليلًا منها، كَما يُقالُ: قَضَيتُ حَقَّك إلَّا قَليلًا منه .
- وقال تعالى: وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُور [هود: 10] .
يُخبرُ تعالى عن الإنسانِ وما فيه من الصِّفاتِ الذَّميمةِ إلَّا من رَحِمَ اللهُ من عِبادِه المُؤمنينَ؛ فإنَّه إذا أصابَته شِدَّةٌ بَعدَ نِعمةٍ حَصَل له يَأسٌ وقُنوطٌ من الخَيرِ بالنِّسبةِ إلى المُستَقبَلِ، وكُفرٌ وجُحودٌ لماضي الحالِ، كأنَّه لم يَرَ خَيرًا، ولم يَرجُ بَعدَ ذلك فرَجًا. وهكذا إن أصابَته نِعمةٌ بَعدَ نِقمةٍ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي أي: يَقولُ: ما بَقيَ يَنالُني بَعدَ هذا ضَيمٌ ولا سُوءٌ؛ إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ أي: فرِحٌ بما في يَدِه، بَطِرٌ فَخورٌ على غَيرِه .
- وقال تعالى: إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآَتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ [القصص: 76] .
إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ قال لقارونَ قَومُه من بني إسرائيلَ: لَا تَفْرَحْ لا تَبطَرْ ولا تأشَرْ ولا تمرَحْ؛ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبّ الْفَرِحِينَ الأشِرينَ البَطِرينَ الذين يَشكُرونَ اللهَ على ما أعطاهم .
- وقال تعالى: وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ [الروم: 36]
وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمةً أي: الخِصبَ وكَثرةَ المطَرِ فَرِحُوا بِهَا يعني فَرَحَ البَطَرِ، وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئةٌ أي: الجَدبُ وقِلَّةُ المطَرِ، ويقالُ: الخَوفُ والبلاءُ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ السَّيِّئاتِ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ ييأسون من رحمةِ اللهِ، وهذا خِلافُ وَصفِ المؤمِنِ؛ فإنَّه يَشكُرُ اللهَ عندَ النِّعمةِ، ويرجو رَبَّه عندَ الشِّدَّةِ .
- قال تعالى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ [ الحديد: 22-23] .
يَقولُ تعالى مُخبِرًا عن عُمومِ قَضائِه وقَدَرِه: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ [الحديد: 22] ، وأخبَرَ اللهُ عِبادَه بذلك لأجلِ أن تَتَقَرَّرَ هذه القاعِدةُ عِندَهم، ويَبنوا عَليها ما أصابَهم من الخَيرِ والشَّرِّ، فلا يَأسَوا ويَحزَنوا على ما فاتهم، ممَّا طَمِحَت له أنفُسُهم وتَشَوَّفوا إليه؛ لعِلمِهم أنَّ ذلك مَكتوبٌ في اللَّوحِ المَحفوظِ لا بُدَّ من نُفوذِه ووُقوعِه، فلا سَبيلَ إلى دَفعِه، ولا يَفرَحوا بما آتاهم اللهُ فرَحَ بَطَرٍ وأشَرٍ؛ لعِلمِهم أنَّهم ما أدرَكوه بحَولِهم وقوَّتِهم، وإنَّما أدرَكوه بفضلِ اللهِ ومَنِّه، فيَشتَغلوا بشُكرِ مَن أولى النِّعَمَ ودَفعَ النِّقَمَ؛ ولهذا قال: وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ أي: مُتَكَبِّرٍ فظٍّ غَليظٍ، مُعجَبٍ بنَفسِه، فخورٍ بنِعَمِ اللهِ، يَنسُبُها إلى نَفسِه، وتُطغيه وتُلهيه، كما قال تبارك وتعالى: ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ [الروم: 49] .
قوله: لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ [الحديد: 23] فإنَّ مَن عَلِم أنَّ ما أصابَه من الضُّرِّ كان مُقدَّرًا عِلمُه في الأزَلِ لم يَحزَنِ الحُزنَ الشَّديدَ؛ لأنَّه قد وطَّنَ نَفسَه على ذلك، وكَذا في جانِبِ الخَيرِ؛ لأنَّه كان مُتَرَقِّبًا. والمُرادُ بهما: ما يُخرِجُ إلى الجَزَعِ وعَدَمِ الصَّبرِ، والفرَحِ المُطغي المُفضي إلى البَطَرِ .

ب- من السُّنَّةِ النَّبَويَّةِ
- عن عبدِ اللَّهِ بنِ مسعودٍ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لا يدخُلُ الجنَّةَ مَنْ كان في قلبِه مِثقالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ. قال رجلٌ: إنَّ الرَّجلَ يُحِبُّ أنْ يكونَ ثوبُه حَسَنًا ونَعْلُه حَسَنةً! قال: إنَّ اللَّهَ جميلٌ يُحِبُّ الجمالَ، الكِبرُ بَطَرُ الحقِّ وغَمْطُ النَّاسِ)) .
قَولُه: ((بَطرُ الحَقِّ)) قيل: هو أن يَجعَلَ ما جَعَله اللهُ حَقًّا من تَوحيدِه وعِبادَتِه باطِلًا. وقيل: هو أن يَتَجبَّرَ عِندَ الحَقِّ فلا يَراه حَقًّا. وقيل: هو أن يَتَكَبَّرَ عن الحَقِّ فلا يَقبَلُه. وقيل: تَفسيرُه على الباطِلِ أشبَهُ والمقامُ أيضًا يَقتَضيه؛ لأنَّ تَحريرَ الجَوابِ: إن كان أخذُ الرَّجُلِ الزِّينةَ لأجلِ أن يُريَ اللهَ تعالى نِعمَتَه عَليه، وأن يُعَظِّمَ شَعائِرَه -لقَولِه تعالى: أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا [الأعراف: 26] أي زينةً، وقَولِه: خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسجِدٍ [الأعراف: 31] - فهو جَمالٌ، واللهُ جَميلٌ يُحِبُّ أن يَرى أثَرَ نِعَمِه على عَبدِه. وإن كان للبَطَرِ والأشَرِ المُؤَدِّي إلى تَسفيهِ الحَقِّ والصَّدِّ عن سَبيلِ اللهِ وإلى تَحقيرِ النَّاسِ، فهو اختيالٌ وافتِخارٌ، واللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُختالٍ فَخورٍ. ولمِثلِ هذا البَطَرِ نَهى اللهُ تعالى المُؤمنينَ في قَوله: وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ [الأنفال: 47] .
- وعن أبي هُريرةَ، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لا يَنْظُرُ اللَّهُ يومَ القيامةِ إلى من جَرَّ إزارَه بَطَرًا)) .
قولُه: ((بَطَرًا)) أي: تَكَبُّرًا وأشَرًا وطُغيانًا . ومعناه: كُفرُ النِّعمةِ وعَدَمُ شُكرِها، والمُرادُ لازِمُ ذلك: أي عُجبًا وخُيَلاءَ .


( يتبع )


 
 توقيع : البراء






نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا !
و ليتني ما أرضيت سواي !
على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات !


رد مع اقتباس
قديم 10-10-2024, 03:28 AM   #245


الصورة الرمزية البراء
البراء متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 968
 تاريخ التسجيل :  Feb 2024
 أخر زيارة : اليوم (07:15 AM)
 المشاركات : 25,011 [ + ]
 التقييم :  29302
 الدولهـ
Syria
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Darkkhaki


افتراضي رد: الأخلاق المذمومة في الإسلام ( متجدد )



تابع – البطر

ذم البطر والنهي عنه
ج – من أقوالِ السَّلَفِ والعُلَماءِ

- عن النُّعمانِ بنِ بَشيرٍ، أنَّه كان يَقولُ: إنَّ للشَّيطانِ مَصاليَ وفُخوخًا، ومن مَصالي الشَّيطانِ وفُخوخِه: البَطَرُ بأنعُمِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، والفَخرُ بعَطاءِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، والكِبرياءُ على عِبادِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، واتِّباعُ الهَوى في غَيرِ ذاتِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ .
- وقال أكثَمُ بنُ صَيفيٍّ: البَطَرُ عندَ الرَّخاءِ حُمقٌ، والضَّجَرُ عندَ البلاءِ آفةُ التَّجَمُّلِ .
- وعن سُلَيمانَ بنِ المُغيرةِ، قال: كان فيما أوحى اللهُ سُبحانَه وتعالى إلى داوُدَ عَليه السَّلامُ: يا داوُدُ، إنَّك لن تَلقاني بعَمَلٍ هو أرضى لي عنك ولا أحَطُّ لوِزرِكَ من الرِّضا بقَضائي، ولن تَلقاني بعَمَلٍ هو أعظَمُ لوِزرِكَ ولا أشَدُّ لسَخَطي عَليكَ من البَطَرِ؛ فإيَّاكَ يا داوُدُ والبَطَرَ .
- وقال مَنصورُ بنُ زاذانَ: الهَمُّ والحَزَنُ يَزيدانِ في الحَسَناتِ، والأشَرُ والبَطَرُ يَزيدانِ في السَّيِّئاتِ .
- وعن الحَسَنِ، قال: إنَّ من عَلامةِ المُؤمنِ: قوَّةَ دينٍ، وحَزمًا في لينٍ، وإمامًا في يَقينٍ، وحِلمًا في عِلمٍ، وكَيسًا في مالٍ، وإعطاءً في حَقٍّ، وقَصدًا في غِنًى، وتَجَمُّلًا في فاقةٍ، وإحسانًا في قُدرةٍ، وتَورُّعًا في رَغبةٍ، وتَعَفُّفًا في جَهدٍ، وصَبرًا في شِدَّةٍ، وقوَّةً في المَكارِه، وصَبورًا في الرَّخاءِ، شَكورًا لا يَغلبُه الغَضَبُ، ولا يَجنَحُ، تَحمِلُه الحَميَّةُ ولا يَمزَحُ، ولا يَتَكَبَّرُ، ولا يَتَعَظَّمُ، ولا يَضُرُّ بالجارِ، ولا يَشمَتُ بالمُصيبةِ، ولا تَغلبُه شَهوتُه، ولا تُرديه رَغبَتُه، ولا يَبذُرُه لسانُه، ولا يَسبقُه بَصَرُه، ولا يَغلبُه فَرَحُه، ولا يَميلُ في هَواه، ولا يَفضَحُه بَطنُه، ولا يَستَحِثُّه حِرصُه، ولا يَقصُرُ به بَيتُه، ولا يَبخَلُ ولا يُبَذِّرُ، ولا يُسرِفُ ولا يَقتُرُ، نَفسُه منه في غِنًى، والنَّاسُ منه في رَجاءٍ، لا يُرى في خَلقِه ولا إيمانِه لَبسٌ، ولا في فرَحِه بَطَرٌ، ولا في حُزنِه جَزَعٌ، يُرشِدُ من استَشارَه، ويَسعَدُ به صاحِبُه .
- وعن أبي هاشِمٍ أنَّ عَديَّ بنَ أرطَأةَ كَتَبَ إلى عُمَرَ بنِ عَبدِ العَزيزِ: أنَّ النَّاسَ قد أصابوا من الخَيرِ خَيرًا حتَّى كادوا أن يَبطُروا، فكَتَبَ إليه عُمَرُ: إنَّ اللهَ تَبارَكَ وتعالى حَيثُ أدخَل أهلَ الجَنَّةِ الجَنَّةَ وأهلَ النَّارِ النَّارَ، رَضيَ من أهلِ الجَنَّةِ أن قالوا: الحَمدُ للهِ؛ فمُرْ مَن قِبَلَك أن يَحمَدوا اللهَ ؟!
- وعن بَدرِ بنِ عُثمانَ عن عَمِّه قال: (آخِرُ خُطبةٍ خَطَبها عُثمانُ في جَماعةٍ: إنَّ اللهَ إنَّما أعطاكُم الدُّنيا لتَطلُبوا بها الآخِرةَ، ولم يَعطِكُموها لتَركَنوا إليها، إنَّ الدُّنيا تَفنى، والآخِرةُ تَبقى، لا تُبطِرَنَّكُم الفانيةُ، ولا تَشغَلنَّكم عن الباقيةِ، آثِروا ما يَبقى على ما يَفنى؛ فإنَّ الدُّنيا مُنقَطِعةٌ، وإنَّ المَصيرَ إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ، اتَّقوا اللهَ، والزَموا جَماعَتَكُم، ولا تَصيروا أحزابًا، وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَليكُم إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَألَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا [آل عمران: 103] إلى آخِرِ الآيَتَينِ) .
- وقال جَليسٌ لعَونِ بنِ عَبدِ اللهِ: (يا أبا عَبدِ اللهِ، لقد عَجِبتُ من رَجُلينِ، واشتَدَّ عَجَبي منهما: رَجُلٌ ليلَه قائِمٌ ونَهارَه صائِمٌ، واجتَنَبَ المَحارِمَ، لا تَلقاه أبَدًا إلَّا باكيًا مَهمومًا مَحزونًا، ورَجُلٌ ليلَه نائِمٌ، ونَهارَه لاعِبٌ، ويَرتَكِبُ المَحارِمَ؛ لا تَلقاه أبَدًا إلَّا أشِرًا بَطِرًا مِضحاكًا! قال: لقد عَجِبتَ من عَجَبٍ! يَبكي هذا ويَحزَنُ لشِدَّةِ عَقلِه وحُسنِ عِلمِه، ويَأشَرُ هذا ويَبطَرُ ويَضحَكُ لقِلَّةِ عَقلِه وضَعفِ عِلمِه) .
- وقال مُحَمَّدُ بنُ صبيحٍ المَعروفُ بابنِ السَّمَّاكِ: خَيرُ الإخوانِ أقَلُّهم مُصانَعةً في النَّصيحةِ، وخَيرُ الأعمالِ أحلاها عاقِبةً، وخَيرُ الثَّناءِ ما كان على أفواهِ الأخيارِ، وأشرَفُ السُّلطانِ ما لم يُخالِطْه البَطَرُ، وأغنى الأغنياءِ من لم يَكُنْ للحِرصِ أسيرًا، وخَيرُ الإخوانِ من لم يُخاصِمْ، وخَيرُ الأخلاقِ أعونُها على الورَعِ، وإنَّما يُختَبَرُ وُدُّ الرِّجالِ عِندَ الفاقةِ والحاجةِ .
- وقال النَّيسابوريُّ: إنَّ النِّعَمَ إذا كَثُرَت من اللهِ على العَبدِ، فإن صَرفَها في مَرضاتِه وعَرَف حَقَّ اللهِ فيها فذاكَ هو الشُّكرُ، وإن تَوسَّل بها إلى المُفاخَرةِ على الأقرانِ والمُكاثَرةِ على أبناءِ الزَّمانِ فذاكَ هو البَطَرُ .
- وقال المُحاسِبيُّ: أبيَنُ عَلاماتِ الغَفلةِ البَطَرُ والمَرَحُ؛ لأنَّهما يُسَهِّيانِ ويُنسيانِ التَّيَقُّظَ، وفي تَركِ التَّيَقُّظِ تَركُ الاستِعدادِ لِما بَعدَ المَوتِ .
- وقال ابنُ عَطاءٍ: يَتَبَيَّنُ صِدقُ العَبدِ مِن كَذِبِه في أوقاتِ الرَّخاءِ والبلاءِ؛ فمَن شكرَ في أيَّامِ الرَّخاءِ وصَبرَ في أيَّامِ البلاءِ فهو من الصَّادِقينَ، ومن بَطِرَ في أيَّامِ الرَّخاءِ وجَزِعَ في أيَّامِ البلاءِ فهو من الكاذِبينَ .

آثارُ البَطَرِ
1- البَطَرُ سَبَبٌ من أسبابِ هَلاكِ الأُمَمِ؛ قال تعالى: وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ [ القصص: 58] .
2- البَطَرُ يُحدِثُ فجوةً في المُجتَمَعِ ويَقطَعُ الرَّوابطَ بَينَ أفرادِه.
3- البَطَرُ قد يُؤَدِّي إلى سوءِ الخاتِمةِ.
4- البَطَرُ دَليلٌ على نُقصانِ الإيمانِ.
5- التَّهافُتُ في الكَلامِ والتَّشَدُّقُ والاستِغراقُ في الضَّحِكِ، والحِدَّةُ في الحَرَكةِ والنُّطقِ؛ فكُلُّ ذلك من آثارِ البَطَرِ .
6- البَطَرُ طَريقٌ من الطُّرُقِ الموصِلةِ إلى النَّارِ.
7- البَطَرُ عَلامةٌ من عَلاماتِ الغَفلةِ.
8- البَطَرُ يُؤَدِّي إلى البُعدِ عن اللهِ عَزَّ وجَلَّ وعن النَّاسِ.
9- طَريقٌ موصِلٌ إلى غَضَبِ اللهِ وسَخَطِه.
10- دَليلُ سُفولِ النَّفسِ وانحِطاطِها.
11- يُؤَدِّي إلى دَفعِ الحَقِّ ورَدِّه.
12- يُؤَدِّي إلى احتِقارِ النَّاسِ والتَّعالي عليهم.

صُوَرُ البَطَرِ ومَظاهِرُه
1- تَسفيهُ الحَقِّ والصَّدُّ عن سَبيلِ اللهِ.
2 - احتِقارُ النَّاسِ.
3 - دَفعُ الحَقِّ ورَدُّه.
4 - الاختيالُ في المِشيةِ وجَرُّ الثِّيابِ خُيَلاءَ.
5 - تَركُ شُكرِ النِّعَمِ وكُفرُها وصَرفُها في غَيرِ مَرضاةِ اللهِ.
6 - شِدَّةُ المَرَحِ والفرَحِ.
7 - الفَخرُ.
8 - الطُّغيانُ في النِّعمةِ وسوءُ استِعمالِها.
9 - التَّكَبُّرُ.
10 - عَدَمُ نِسبةِ النِّعمةِ إلى مُسديها.

أسبابُ الوُقوعِ في آفةِ البَطَرِ
1- عَدَمُ الخَوفِ من اللهِ عَزَّ وجَلَّ.
2- ضَعفُ الإيمانِ.
3- سُفولُ النَّفسِ وافتِقادُها لمَكارِمِ الأخلاقِ.
4- الجَهلُ بحَقيقةِ الإنسانِ.
5- الشِّبَعُ والتَّوسُّعُ في المَلذَّاتِ.
6- الافتِتانُ بنِعمةِ المالِ وسَعةِ الرِّزقِ.
7- الجَهلُ بعَواقِبِ البَطَرِ وما يَتَرَتَّبُ عليه.
8- مُصاحَبةُ المُترَفينَ ورُفَقاءِ السُّوءِ.
9- الاغتِرارُ بالنَّفسِ.
10- رُؤيةُ النِّعمةِ ونِسيانُ المُنعِمِ.

الوَسائِلُ المُعينةُ على تَركِ البَطَرِ
1- الاستِعانةُ باللهِ عَزَّ وجَلَّ والتَّوكُّلُ عليه.
2- العَمَلُ على زيادةِ الإيمانِ بالتَّقَرُّبِ إلى اللهِ بالطَّاعاتِ.
3- النَّظَرُ في سيرةِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأصحابِه والصَّالحينَ.
4- مَعرِفةُ حَقيقةِ الإنسانِ.
5- مُجاهَدةُ النَّفسِ على التَّحَلِّي بمَكارِمِ الأخلاقِ.
6- الرِّفقةُ الصَّالحةُ.
7- عَدَمُ التَّوسُّعِ في المُباحاتِ والمَلذَّاتِ.
8- مَعرِفةُ العَواقِبِ المُتَرَتِّبةِ على البَطَرِ.

( يتبع )



 
 توقيع : البراء






نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا !
و ليتني ما أرضيت سواي !
على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات !


رد مع اقتباس
قديم 10-10-2024, 03:30 AM   #246


الصورة الرمزية البراء
البراء متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 968
 تاريخ التسجيل :  Feb 2024
 أخر زيارة : اليوم (07:15 AM)
 المشاركات : 25,011 [ + ]
 التقييم :  29302
 الدولهـ
Syria
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Darkkhaki


افتراضي رد: الأخلاق المذمومة في الإسلام ( متجدد )




تابع – البطر

البطر في واحة الأدب
أ - مِنَ الشِّعرِ

1- قال عبدُ اللهِ بنُ المُعتَزِّ:
إِيَّاكِ مِنْ بَطَرٍ على رَحِمٍ دَنَتْ
لا تَنقُضي بيدِ العُقوقِ قُواكَ
2- وأنشد أبو عُثمانَ الخالِديُّ:
تَزيدُني قَسوةُ الأيَّامِ طِيبَ ثَنا
كأنَّني المِسكُ بَينَ الفِهرِ والحَجَرِ
لقد فرِحتُ بما عانَيتُ من عَدَمٍ
خَوفَ القَبيحينِ من كِبرٍ ومن بَطَرِ
3- وقال ابنُ بُراقةَ الهَمدانيُّ:
إذا نال من دُنياه حظًّا رأيتَه
أخا بطَرٍ زاهٍ كثيرَ التَّطاوُلِ
4- وقال شاعِرٌ:
خُلقانِ لا أرضى طريقَهما
بطَرُ الغِنى ومَذَلَّةُ الفَقرِ
فإذا غَنِيتَ فلا تكُنْ بَطِرًا
وإذا افتقَرْتَ فتِهْ على الدَّهرِ .
5- وقال عُبَيدُ اللهِ بنُ قَيسِ الرُّقَيَّاتِ في محمَّدِ بنِ مَروانَ بنِ الحَكَمِ:
وزيَّنَ سُلطانَ الأميرِ مُحمَّدٍ
خِصالٌ هي المجدُ الذي ليس يُنكَرُ
حياءٌ ودينٌ والتَّواضُعُ للتي
يُؤمَّلُ فيها الفوزُ في يومِ يُحشَرُ
فلا بَطَرٌ في مُلكِه وتجَبُّرٌ
ولا كِبرياءٌ مِنهُ تُخشى وتُحذَرُ
6- وقال حمزةُ بنُ بيضِ لَمَّا دخل على يزيدَ بنِ المُهَلَّبِ وهو في السِّجنِ:
أُغلِقْ دونَ السَّماحِ والجُودِ
والنَّجدةِ بابٌ حديدُه أشِبُ
لا بَطَرٌ إنْ تتابَعَتْ نِعَمٌ
وصابِرٌ في البلاءِ محتَسِبُ
7- وقال الخُبْزَأَرزيُّ:
قد كان في حالِ محسودٍ فأبطَرَه
طغيانُه فاغتدى في حالِ مَرحومِ .
8- وقال ابنُ زنجيٍّ البَغداديُّ:
بَطِرَ النِّعمةَ مَن ضَيَّعَها
ومُضَيِّعُ الشُّكرِ مُستدعي الغِيَرْ
فاجعَلِ الشُّكرَ عليها حارِسًا
ربَّما ابتَزَّ الفتى النُّعمى البَطَرْ .
9- وقال آخَرُ:
لا يأمَنِ الموتَ إلَّا الخائِنُ البَطِرُ
من ليس يَعقِلُ ما يأتي وما يَذَرُ
ما يجهَلُ الرُّشدَ من خاف الإلهَ ومَن
أمسى وهِمَّتُه في دينِه الفِكَرُ
فيما مضى فِكرةٌ فيها لصاحِبِها
إن كان ذا بَصَرٍ بالرَّأيِ مُعتَبِرُ
أين القُرونُ وأين المُبتنون لنا
هذي المدائِنَ فيها الماءُ والشَّجَرُ
وأين كِسرى أنو شَروانَ مالَ به
صَرفُ الزَّمانِ وأفنى مُلكَه الغِيَرُ
بل أين أهلُ التُّقى بعدَ النَّبيِّ ومَن
جاءت بفَضلِهمُ الآياتُ والسُّوَرُ
ما يُشبِعُ النَّفسَ إن لم تُمسِ قانِعةً
شيءٌ ولو كَثُرَت في مُلكِها البِدَرُ
والنَّفسُ تَشبَعُ أحيانًا فيُرجِعُها
نحوَ المجاعةِ حُبُّ العَيشِ والبَطَرُ
والمرءُ ما عاش في الدُّنيا له أثَرٌ
فما يموتُ وفي الدُّنيا له أثَرُ .
10- وقال آخَرُ:
لا تَبطَروا واهجُروا الدُّنيا فإنَّ لها
غِبًّا وخيمًا وكُفرُ النِّعمةِ البَطَرُ
11- وقال آخَرُ:
يا قومِ إنَّ سعيدًا من يكونُ له
من رَبِّه عن ركوبِ الغَيِّ مُزدَجَرُ
لا تَبطِرُنَّ بلاءَ اللهِ عِندَكم
فقَبلَكم شانَ أهلَ النِّعمةِ البَطَرُ
ما غَيَّرُ اللهُ من نَعماءَ أنعَمَها
على معاشِرَ حتَّى تبدَأَ الغِيَرُ
قد أصبح المتَّقي منكم على وَجَلٍ.
والمعتدي مُعرِضٌ منكم له العِبَرُ .

ب- من الأمثالِ والحِكَمِ
- الغِنى يُورِثُ البَطَرَ .
- وقيل: الغِنى مَظِنَّةُ البَطَرِ .
- البَطَرُ عندَ الرَّخاءِ حُمقٌ .
- وقال المَأمونُ: أستَحسِنُ من قَولِ الحُكَماءِ: الجودُ بَذلُ المَوجودِ، والبُخلُ بَطَرٌ بالمَعبودِ عَزَّ وجَلَّ .
- وقالت امرَأةٌ لرَجُلٍ أحسَنَ إليها: أذَلَّ اللهُ كُلَّ عَدوٍّ لكَ إلَّا نَفسَكَ، وجَعَل نِعمَتَه عَليكَ هبةً لك لا عاريَّةً عِندَكَ. وأعاذك من بَطَرِ الغِنى وذُلِّ الفقرِ، وفرَّغَك اللهُ لِما خَلقَكَ له، ولا شَغَلكَ بما تَكَفَّل به .
- وقالوا: احتِمالُ نَخوةِ الشَّرَفِ أشَدُّ من احتِمال بَطَرِ الغِنى، وذِلَّةُ الفقرِ مانِعةٌ من الصَّبرِ .
- وقالوا: اللَّئيمُ إذا استَغنى بَطِرَ، وإذا افتَقَرَ قَنِطَ
- وقال بَعضُ الحُكَماءِ: اشتَغِلْ بشُكرِ النِّعمةِ عن البَطَرِ بها .
- وقيل في أمثالِ الهندِ: العاقِلُ لا يَبطَرُ بمَنزِلةٍ أصابَها ولا شَرَفٍ وإن عَظُمَ، كالجَبلِ الذي لا يَتَزَلزَلُ وإن اشتَدَّت الرِّياحُ، والسَّخيفُ تُبطِرُه أدنى مَنزِلةٍ، كالحَشيشِ الذي تُحَرِّكُه أدنى ريحٍ .
- وقال بَعضُ الحُكَماءِ: كُفرُ النِّعَمِ من أماراتِ البَطَرِ وأسبابِ الغيَرِ .
- وقيل: البَطَرُ يَقتَضي الفقرَ، والنَّظَرُ يَقتَضي العِبَرَ. وقيل: أكثِرْ شُكرَ اللهِ على نِعَمِه؛ فالبَطَرُ من قِلَّةِ الشُّكرِ .
- وقالوا: الحازِمُ من لم يَشغَلْه البَطَرُ بالنِّعمةِ عن النَّظَرِ في العاقِبةِ، ولا الهَمُّ بالحادِثةِ عن الحيلةِ فيها .


 
 توقيع : البراء






نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا !
و ليتني ما أرضيت سواي !
على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات !


رد مع اقتباس
قديم 10-10-2024, 03:32 AM   #247


الصورة الرمزية البراء
البراء متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 968
 تاريخ التسجيل :  Feb 2024
 أخر زيارة : اليوم (07:15 AM)
 المشاركات : 25,011 [ + ]
 التقييم :  29302
 الدولهـ
Syria
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Darkkhaki


افتراضي رد: الأخلاق المذمومة في الإسلام ( متجدد )



موضوعنا القادم سيكون ان شاء الله عن ( التعالم )


 
 توقيع : البراء






نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا !
و ليتني ما أرضيت سواي !
على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات !


رد مع اقتباس
قديم 10-11-2024, 06:02 AM   #248


الصورة الرمزية البراء
البراء متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 968
 تاريخ التسجيل :  Feb 2024
 أخر زيارة : اليوم (07:15 AM)
 المشاركات : 25,011 [ + ]
 التقييم :  29302
 الدولهـ
Syria
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Darkkhaki


افتراضي رد: الأخلاق المذمومة في الإسلام ( متجدد )



التعالم

معنى التَّعالُمِ لغةً واصطلاحًا
التَّعالُم لغةً:

التَّعالُم: مصدَرُ تعالَمَ، وتعالَمَ الشَّخصُ، أي: ادَّعى أو أظهر العِلمَ والمعرفةَ، وصيغةُ «تفاعَلَ» قد تدُلُّ على التَّظاهُرِ بالفِعلِ، مِثلُ: «تعامى»، «تغافَلَ».
وتعالَمَ على زُملائِه: تباهى وتفاخَر بالعِلمِ عليهم.
وأيضًا يقالُ: تعالَم النَّاسُ الخَبَرَ: إذا عَلِموه ، وهذا هو الأصلُ في إطلاقِ هذه الكَلِمةِ، ثمَّ استُعمِلَت بمعنى إظهارِ العِلمِ وادِّعائِه.
التَّعالُمُ اصطِلاحًا:
هو: ادِّعاءُ العِلمِ والمعرفةِ، والتَّظاهُرُ والتَّفاخُرُ بهما مع كونِ مُدَّعي ذلك ليس أهلًا لما يدَّعيه .

الفَرقُ بَينَ صفةِ التَّعالُمِ وبعضِ الصِّفاتِ
قد تقرَّر أنَّ صفةَ (التَّعالُمِ) هي ادِّعاءُ المعرفةِ والعِلمِ والتَّظاهُرُ بهما، ويتداخَلُ مع مدلولِ هذه الصِّفةِ عِدَّةُ صِفاتٍ أُخرى تشتركُ معها في الدَّلالةِ على معنى الادِّعاءِ للعِلمِ والتَّظاهُرِ بالمعرفةِ، ويختَصُّ كُلٌّ منها بمعنًى خاصٍّ؛ فبينهما تداخُلٌ وعمومٌ وخُصوصٌ، ومن هذه الصِّفاتِ: (التَّحَذلُقُ، التَّفَيهقُ).
الفَرقُ بَينَ التَّعالُمِ والتَّحَذلُقِ:
فأمَّا التَّحَذلُقُ فيقالُ: إنَّه لَيتحَذْلَقُ علينا: إذا أظهَر الحِذْقَ، وادَّعى أكثَرَ ممَّا عنده، وفيه حَذْلقةٌ، وتحَذْلُقٌ، وقيل: المُتحَذلِقُ: المتكَيِّسُ الذي يريدُ أن يزدادَ على قَدْرِه .
فيَشتَرِكُ التَّحَذلُقُ والتَّعالُمُ في التَّظاهُرِ بالشَّيءِ وادِّعائِه، لكِنِ (التَّحَذلُق) أعمُّ من (التَّعالُم)، والتَّعالُمُ خاصٌّ بادِّعاءِ العِلمِ والمعرفةِ.
الفَرقُ بَينَ التَّعالُمِ والتَّفيهُقِ:
أمَّا (التَّفيهقُ) فهو: عبارةٌ عن التَّوسُّعِ في الكلامِ، وفَتحِ الفمِ به، وهو مأخوذٌ من الفَهقِ، وهو الامتلاءُ والاتِّساعُ، ويقالُ: تَفيهَقَ في مِشيتِه: تبختَرَ، ويقالُ: هو يتفيهَقُ علينا بمالِ غيرِه: يفخَرُ ويتفخَّمُ، فهو مُتفَيهِقٌ .
فالظَّاهِرُ: أنَّ التَّعالُمَ والتَّفيهُقَ يشتركانِ في التَّوسُّعِ والفخرِ، وإن كان التَّعالُمُ يختصُّ بإظهارِ التَّوسُّعِ في العِلمِ، والتَّفيهُقُ ليس مختَصًّا بذلك.

ذم صفة التعالم والنهي عنها
أ- من القُرآنِ الكريم
1- قال تعالى: لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [آل عمران: 188] .
وعن عِكرمةَ مولى ابنِ عَبَّاسٍ: قولُه: وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا: (أن يقولَ النَّاسُ لهم: عُلَماءُ، وليسوا بأهلِ عِلمٍ، لم يحمِلوهم على خيرٍ ولا هُدًى، ويحبُّون أن يقولَ النَّاسُ: قد فعَلوا) .
قال ابنُ عاشورٍ: (ومعنى: وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا أنَّهم يحبُّون الثَّناءَ عليهم بأنَّهم حَفَظةُ الشَّريعةِ وحُرَّاسُها والعالِمون بتأويلِها، وذلك خلافُ الواقِعِ) .
قال ابنُ كثيرٍ: (قولُه تعالى: لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [آل عمران: 188] الآية، يعني بذلك المُرائين المُتكَثِّرين بما لم يُعطَوا) .
2- قال تعالى: وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا * وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا * كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا [الإسراء: 36 - 38] .
عن قتادةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه في قولِه: وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ: (لا تقُلْ: سَمِعتُ، ولم تسمَعْ، ولا تقُلْ: رأيتُ، ولم تَرَ؛ فإنَّ اللَّهَ سائِلُك عن ذلك كُلِّه) .
قال ابنُ عاشورٍ: (أي: أنَّك أيُّها الإنسانُ تُسألُ عما تُسنِدُه إلى سمعِك وبصَرِك وعَقلِك، بأنَّ مَراجِعَ القَفْوِ المنهيِّ عنه إلى نسبةٍ لسَمعٍ أو بصرٍ أو عقلٍ في المسموعاتِ والمُبصَراتِ والمُعتَقَداتِ، وهذا أدَبٌ خُلُقيٌّ عظيمٌ.
وهو أيضًا إصلاحٌ عقليٌّ جليلٌ يُعَلِّمُ الأمَّةَ التَّفرقةَ بَينَ مراتِبِ الخواطِرِ العقليَّةِ بحيثُ لا يختَلِطُ عندها المعلومُ والمظنونُ والموهومُ.
ثمَّ هو أيضًا إصلاحٌ اجتماعيٌّ جليلٌ يجنِّبُ الأمَّةَ من الوقوعِ والإيقاعِ في الأضرارِ والمهالكِ، من جرَّاءِ الاستنادِ إلى أدلَّةٍ موهومةٍ) .

ب- من السُّنَّةِ النَّبَويَّةِ
1- عن عبدِ اللهِ بنِ عَمرِو بنِ العاصِ رضِي اللهُ عنهما، عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إنَّ اللهَ لا يقبِضُ العِلمَ انتِزاعًا ينتزِعُه مِن العِبادِ، ولكن يقبِضُ العِلمَ بقَبضِ العُلَماءِ، حتَّى إذا لم يُبقِ عالِمًا اتَّخَذ النَّاسُ رُؤوسًا جُهَّالًا، فسُئِلوا فأفتَوا بغَيرِ عِلمٍ، فضلُّوا وأضلُّوا)) .
قال ابنُ بطَّالٍ: (وإنَّما يكونُ قَبضُ العِلمِ بتضييعِ التَّعلُّمِ، فلا يوجَدُ فيمن يبقى من يَخلُفُ من مضى) .
قال المُناويُّ: («فأفتَوا بغيرِ عِلمٍ» ... أي: استِكبارًا وأنَفةً عن أن يقولوا: لا نَعلَمُ، «فضلُّوا» في أنفُسِهم، «وأضَلُّوا» من أفتَوه... وهذا تحذيرٌ من ترئيسِ الجَهَلةِ، وأنَّ الفتوى هي الرِّئاسةُ الحقيقيَّةُ، وذَمُّ من يُقدِمُ عليها بلا عِلمٍ) .
2- عن ثوبانَ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: قال رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((... وإنَّما أخافُ على أمَّتي الأئمَّةَ المُضَلِّين)) .
قال ابنُ رسلانَ: («وإنَّما أخاف على أمَّتي» من «الأئمَّة» الأئمَّةُ: جمعُ إمامٍ، وهو الذي يدعو النَّاسَ إلى ضلالةٍ بالقَولِ أو الفِعلِ أو اعتقادٍ يعتَقِدُه، «المُضَلِّين» الذين تولَّوا الوِلاياتِ بغيرِ علمٍ، فحَكَموا بغيرِ عِلمٍ، فضَلُّوا وأضَلُّوا، فهم ضالُّون عن الحَقِّ، مُضِلُّون لغيرِهم، وقد يدخُلُ فيهم العُلَماءُ الذين لا يَعمَلون بعِلمِهم، وجُهَلاءُ الصُّوفيَّةِ الذين صاروا مشايخَ يُقتدى بهم، فيَلعَبُ بهم الشَّيطانُ وبمن يقتدي بهم، إلَّا من وفَّقه اللَّهُ تعالى) .
3- عن ثابتِ بنِ الضَّحَّاكِ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((من ادَّعى دعوى كاذِبةً ليتكَثَّرَ بها، لم يَزِدْه اللَّهُ إلَّا قِلَّةً)) .
قال القاضي عِياضٌ: (هذا عامٌّ في كُلِّ دعوى يتشَبَّعُ بها المرءُ بما لم يُعْطَ؛ من مالٍ يحتالُ في التَّجمُّلِ به من غيرِه، أو نَسَبٍ ينتمي إليه ليس من جِذْمِه أي: فَرعِه، أو عِلمٍ يتحلَّى به ليس من حَمَلتِه، أو دينٍ يُرائي به ليس من أهلِه؛ فقد أعلَم صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه غيرُ مُبارَكٍ له في دعواه، ولا زاكٍ ما اكتَسَبه بها) .
4- عن أسماءَ بنتِ أبي بكرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((المُتشَبِّعُ بما لم يُعْطَ كلابِسِ ثَوبَيْ زُورٍ)) .
قال النَّوويُّ: (قال العُلَماءُ: معناه المتكَثِّرُ بما ليس عندَه، بأن يُظهِرَ أنَّ عندَه ما ليس عندَه، يتكثَّرُ بذلك عندَ النَّاسِ، ويتزيَّنُ بالباطِلِ؛ فهو مذمومٌ، كما يُذَمُّ من لَبِس ثوبَي زُورٍ؛ قال أبو عُبَيدٍ وآخرون: هو الذي يلبَسُ ثيابَ أهلِ الزُّهدِ والعبادةِ والوَرَعِ، ومقصودُه: أن يُظهِرَ للنَّاسِ أنَّه متَّصِفٌ بتلك الصِّفةِ، ويُظهِرَ من التَّخشُّعِ والزُّهدِ أكثَرَ ممَّا في قلبِه، فهذه ثيابُ زُورٍ ورياءٍ، وقيل: هو كمن لَبِس ثوبَينِ لغيرِه وأوهَمَ أنَّهما له، وقيل: هو مَن يلبَسُ قميصًا واحدًا ويَصِلُ بكُمَّيه كُمَّينِ آخرَينِ، فيُظهِرُ أنَّ عليه قميصينِ، وحكى الخطَّابيُّ قولًا آخَرَ: أنَّ المرادَ هنا بالثَّوبِ الحالةُ والمذهَبُ، والعرَبُ تُكنِّي بالثَّوبِ عن حالِ لابسِه، ومعناه: أنَّه كالكاذِبِ القائِلِ ما لم يكُنْ، وقولًا آخَرَ: أنَّ المرادَ الرَّجُلُ الذي تُطلَبُ منه شهادةُ زُورٍ فيَلبَسُ ثوبَينِ يتجمَّلُ بهما، فلا تُرَدُّ شهادتُه لحُسنِ هيئتِه. واللَّهُ أعلَمُ) .

(يتبع )


 
 توقيع : البراء






نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا !
و ليتني ما أرضيت سواي !
على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات !


رد مع اقتباس
قديم 10-11-2024, 06:05 AM   #249


الصورة الرمزية البراء
البراء متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 968
 تاريخ التسجيل :  Feb 2024
 أخر زيارة : اليوم (07:15 AM)
 المشاركات : 25,011 [ + ]
 التقييم :  29302
 الدولهـ
Syria
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Darkkhaki


افتراضي رد: الأخلاق المذمومة في الإسلام ( متجدد )



تابع – التعالم

ذم صفة التعالم والنهي عنها
ج- من أقوالِ السَّلَفِ والعُلَماءِ

1- قال زُفَرُ: (من قعَد قبلَ وَقتِه ذَلَّ) .
2- وقال أبو الطَّيِّبِ الصُّعلوكيُّ النَّيسابوريُّ: (من تصدَّر قبلَ أوانِه فقد تصدَّى لهوانِه) .
3- وقال أبو حنيفةَ: (من طلَب الرِّياسةَ في غيرِ حينِه، لم يزَلْ في ذُلٍّ ما بَقِيَ) .
4- وقال أبو الذَّيَّالِ: (تعلَّمْ: لا أدري، ولا تعلَّمْ: أدري؛ فإن قُلتَ: أدري، يسألوك حتَّى لا تدريَ، وإن قُلتَ: لا أدري، عَلَّموك حتى تدريَ) .
5- وقال بعضُ الحُكَماءِ: (من العِلمِ ألَّا تتكلَّمَ فيما لا تعلَمُ بكلامِ مَن يعلَمُ؛ فحَسْبُك جهلًا مِن عَقلِك أن تنطِقَ بما لا تفهَمُ) .
6- وقال ابنُ جماعةَ الكِنانيُّ في آدابِ العالِمِ في درسِه: (ألَّا ينتَصِبَ للتَّدريسِ إذا لم يكُنْ أهلًا له، ولا يَذكُرَ الدَّرسَ مِن عِلمٍ لا يعرِفُه؛ ... فإنَّ ذلك لَعِبٌ في الدِّينِ وازدراءٌ بَينَ النَّاسِ... واللَّبيبُ من صان نفسَه عن تعرُّضِها لما يُعَدُّ فيه ناقِصًا، وبتعاطيه ظالِمًا، وبإصرارِه عليه فاسِقًا) .
7- وقيل: (لسانُ الدَّعوى إذا نَطَق فضَحَه الامتحانُ) .
8- رُوِيَ عن مجاهدٍ أنَّه قال: (جاء بشيرٌ العَدَويُّ إلى ابنِ عَبَّاسٍ، فجعل يحدِّثُ، ويقولُ: قال رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فجعل ابنُ عبَّاسٍ لا يأذَنُ لحديثِه، ولا ينظُرُ إليه، فقال: يا ابنَ عبَّاسٍ، ما لي لا أراك تسمَعُ لحديثي، أحَدِّثُك عن رسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولا تَسمَعُ؟! فقال ابنُ عبَّاسٍ: إنَّا كُنَّا مرَّةً إذا سَمِعْنا رجلًا يقولُ: قال رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ابتدَرَتْه أبصارُنا، وأصغَينا إليه بآذانِنا، فلمَّا رَكِبَ النَّاسُ الصَّعبَ والذَّلولَ، لم نأخُذْ من النَّاسِ إلَّا ما نَعرِفُ!) .
9- وقال الحَسَنُ البَصريُّ في شأنِ هؤلاء المتعالِمين وأمثالِهم: (اللَّهُمَّ إليك نشكو هذا الغُثاءَ الذي كنَّا نُحَدَّثُ عنه!) .
10- وقال محمَّدُ بنُ سيرينَ: (إنَّ هذا العِلمَ دينٌ؛ فانظُروا عمَّن تأخُذون دينَكم) .
11- وعن سُفيانَ أنَّه كان يقولُ: (تعوَّذوا باللَّهِ من فتنةِ العابدِ الجاهِلِ، وفتنةِ العالِمِ الفاجِرِ؛ فإن فِتنَتَهما فتنةٌ لكُلِّ مفتونٍ) .
12- وقال الشَّعبيُّ: (ما جاءك من أصحابِ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فخُذْه، ودَعْ ما يقولُ هؤلاء الصَّعافقةِ. قيل: الصَّعافِقةُ: الذين يدخُلون السُّوقَ بلا رأسِ مالٍ، وقيل: هم رذالةُ النَّاسِ، أراد الذين لا عِلمَ لهم، فهم بمنزلةِ التُّجَّارِ الذين ليس لهم رأسُ مالٍ) .
13- وعن شُعبةَ قال: (قال لي ابنُ عَونٍ: يا أبا بِسطامٍ ما يحمِلُ هؤلاء الذين يَكذِبون في الحديثِ على الكَذِبِ؟ قال: يريدون أن يُعَظَّموا بذلك) .
14- وقال بعضُ السَّلَفِ: (عِلمٌ لا يَعبُرُ معك الوادي لا تَعمُرُ معه النَّادي، إذا ازدحَم الجوابُ خَفِي الصَّوابُ، اللَّغَطُ يكونُ معه الغَلَطُ، لو سكت من لا يعلَمُ سَقَط الاختِلافُ) .
15- وقال مالِكُ بنُ أنَسٍ: (لا تأخُذِ العِلمَ من أربعةٍ، وخُذْه ممَّا سوى ذلك: مِن مُعلِنٍ للسِّفلةِ، وإن كان أروى النَّاسِ، ولا من كذَّابٍ يكذِبُ في حديثِ النَّاسِ، وإن كان لا تتَّهِمُه بكَذِبٍ على رسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولا من صاحِبِ هوًى يدعو إلى هواه، ولا من شيخٍ له فضلٌ وعبادةٌ إذا كان لا يَعرِفُ ما يحَدِّثُ به) .
16- وقال الشَّافعيُّ: (الواجِبُ على العالِمين أن لا يقولوا إلَّا من حيثُ عَلِموا، وقد تكلَّم في العِلمِ مَن لو أمسك عن بعضِ ما تكلَّم فيه منه لكان الإمساكُ أولى به، وأقرَبَ من السَّلامةِ له إن شاء اللَّهُ) .
17- وقال ابنُ حزمٍ: (لا آفةَ على العلومِ وأهلِها أضَرُّ من الدُّخَلاءِ فيها وهم من غيرِ أهلِها؛ فإنَّهم يَجهَلون ويظنُّون أنَّهم يَعلَمون، ويُفسِدون ويُقَدِّرون أنَّهم يُصلِحون) .
وقال في موضعٍ آخَرَ: (إنَّ قومًا قَوِيَ جَهلُهم، وضَعُفَت عقولُهم، وفسَدت طبائعُهم، يظنُّون أنَّهم من أهلِ العلمِ، وليسوا من أهلِه، ولا شيءَ أعظَمُ آفةً على العلومِ وأهلِها -الذين هم أهلُها بالحقيقةِ- من هذه الطَّبقةِ المذكورةِ؛ لأنَّهم تناولوا طرَفًا من بعضِ العلومِ يسيرًا، وكان الذي فاتهم من ذلك أكثَرَ ممَّا أدركوا منه، ولم يكُنْ طَلَبُهم لِما طلَبوا من العلمِ للهِ تعالى، ولا ليَخرُجوا من ظُلمةِ الجهلِ، لكن ليزدروا بالنَّاسِ زَهوًا وعَجَبًا، وليماروا لِجاجًا وشَغبًا، وليَفخَروا أنَّهم من أهلِه تطاوُلًا ونَفَجًا، وهذه طريقٌ مُجانبةٌ الفلاحَ؛ لأنَّهم لم يُحصِّلوا على الحقيقةِ، وضَيَّعوا سائِرَ لوازمِهم؛ فعَظُمت خيبتُهم، ولم يكُنْ وَكْدُهم أيضًا مع الازدراءِ بغيرِهم إلَّا الازدراءَ بسائرِ العُلومِ وتنقيصَها؛ لظَنِّهم الفاسِدِ أنَّه لا عِلمَ إلَّا الذي طلبوا فقط. وكثيرًا ما يَعرِضُ هذا لمبتدئٍ في علمٍ من العلومِ، وفي عُنفوانِ الصِّبا وشِدَّةِ الحداثةِ، إلَّا أنَّ هؤلاء لا يُرجى لهم البرءُ من هذا الدَّاءِ، مع طولِ النَّظَرِ والزِّيادةِ في السِّنِّ) .
18- وقال ابنُ حَجَرٍ العَسقلانيُّ: (إذا تكلَّم المرءُ في غيرِ فَنِّه أتى بهذه العجائِبِ!) .
19- وقال مصطفى صادق الرَّافعي: (من فَرَض على النَّاسِ أن يَعرِفوه نابغةً، فقد فرَض عليهم أن يَعرِفوه معتوهًا أو مغرورًا) .

آثارُ التَّعالُمِ
1- التَّعالُمُ هو أساسُ كُلِّ فتنةٍ ورأسُ كُلِّ بَليَّةٍ.
2- قد يؤدِّي إلى التَّشكيكِ في ثوابِتِ الأمَّةِ، وإثارةِ الشُّبُهاتِ والفِتَنِ.
ومن ذلك ردُّ السُّنَّةِ والاكتفاءُ بالقرآنِ، وفي الحديثِ عن أبي رافِعٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: قال رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا أُلفِيَنَّ أحدُكم متَّكِئًا على أريكتِه يأتيه أمرٌ ممَّا أَمَرْتُ به أو نهيتُ عنه، فيقولُ: لا أدري، ما وجَدْنا في كتابِ اللَّهِ اتَّبَعْناه)) .
قوله: ((لا أدري))، أي: لا أعلَمُ غيرَ القرآنِ، ولا أتَّبِعُ غيرَه، أو لا أدري قولَ الرَّسولِ .
3- تتبُّعُ زلاتِ العُلَماءِ وهَفَواتِهم.
4- حملُ الشَّواذِّ وغثاثةُ الرُّخَصِ.
5- الغَلَطُ على الأئمَّةِ في أقوالِهم ومذاهِبِهم.
6- ضَعفُ الدَّعوةِ إلى اللَّهِ، ونفورُ المدعوِّين منها.
7- ظهورُ الجَهلِ.
8- عدمُ احترامِ العُلَماءِ.
9- التَّعالُمُ من أسبابِ وُقوعِ الخلافِ، وقد قيل: (لو سكَت من لا يعلَمُ سَقَط الخلافُ) .
10- التَّعالُمُ مُفسِدٌ للدِّينِ والدُّنيا.
11- التَّعالُمُ يؤدِّي إلى القولِ على اللَّهِ بلا عِلمٍ.
فـ(التَّعالُمُ هو عتَبةُ الدُّخولِ على القولِ على اللَّهِ بلا علمٍ، بل إنَّ التَّعالُمَ والشُّذوذَ والتَّرخُّصَ والتَّعصُّبَ، كُلُّها منافِذُ تؤدِّي إلى القولِ على اللَّهِ بلا عِلمٍ) .
(وقد حرَّم اللَّهُ سُبحانَه القولَ عليه بغيرِ علمٍ في الفُتيا والقضاءِ، وجعَله من أعظَمِ المحَرَّماتِ، بل جعَله في المرتبةِ العُليا منها، فقال تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [الأعراف: 33] ؛ فرتَّب المحرَّماتِ أربعَ مراتِبَ، وبدأ بأسهَلِها وهو الفواحِشُ، ثمَّ ثنَّى بما هو أشدُّ تحريمًا منه وهو الإثمُ والظُّلمُ، ثمَّ ثلَّث بما هو أعظَمُ تحريمًا منهما وهو الشِّركُ به سُبحانَه، ثمَّ ربَّع بما هو أشدُّ تحريمًا من ذلك كُلِّه وهو القولُ عليه بلا علمٍ، وهذا يعُمُّ القولَ عليه سُبحانَه بلا عِلمٍ في أسمائِه وصفاتِه وأفعالِه، وفي دينِه وشَرعِه) .
وقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [البقرة: 168 - 169] .
(أي: إنَّما يأمُرُكم عَدُوُّكم الشَّيطانُ بالأفعالِ السَّيئةِ، وأغلَظُ منها الفاحِشةُ، كالزِّنا ونحوِه، وأغلَظُ من ذلك وهو القولُ على اللَّهِ بلا علمٍ) .

مظاهِرُ وصُوَرُ التَّعالُمِ
1- التَّعالُمُ في الفُتيا:
قال ابنُ القَيِّمِ: (قَلَّ من حرَص على الفتوى، وسابَق إليها وثابَر عليها، إلَّا قَلَّ توفيقُه، واضطرب في أمرِه... وقال بِشرٌ الحافي: من أحَبَّ أن يُسألَ فليس بأهلٍ أن يُسأَلَ... وذكَر عن مالكٍ قال: أخبَرَني رجلٌ أنَّه دخَل على ربيعةَ فوَجَده يبكي، فقال: ما يُبكيكَ، أمُصيبةٌ دخَلَتْ عليك؟ وارتاع لبُكائِه، فقال: لا، ولكِنِ استُفتيَ مَن لا عِلمَ له، وظهَر في الإسلامِ أمرٌ عظيمٌ) .
2- التَّعالُمُ في التَّأليفِ والتَّصنيفِ:
(فيخوضُ المتعالِمُ غِمارَ التَّأليفِ فيما وصَل إليه الأكابرُ بَعدَ قَطعِ السِّنينَ، والتَّأليفُ المقبولُ لا بُدَّ أن يكونَ بقَلَمِ من اتَّسَعت مدارِكُه، وطال جِدُّه وطَلَبُه، والصَّنعةُ بصانعِها الحاذِقِ، ومُعَلِّمِها البارِعِ) .
3- نَفخُ الكُتُبِ بالتَّرَفِ العِلميِّ والتَّطويلِ الذي ليس فيه مِن طائلٍ.
فـ(مِن التَّعالُمِ نَفخُ الكُتُبِ بالتَّرَفِ العِلميِّ والتَّطويلِ الذي ليس فيه مِن طائلٍ، وذلك في أعقابِ ثورةِ الإنتاجِ الطِّباعيِّ، تحتَ شِعارِ التَّحقيقِ والتَّنقيحِ وغيرِه، ومن مظاهِرِه: الإثقالُ بالحواشي والتَّعليقاتِ، التَّرجمةُ للمُبَرِّزين من الصَّحابةِ والتَّابعين، التَّعريفُ بالمواضِعِ المشهورةِ، كمَكَّةَ والمدينةِ، وغيرُه ممَّا هو تحصيلُ حاصلٍ لا يفيدُ النَّاظِرَ في موضِعِ الكتابِ) .
4- الجُرأةُ على نَقدِ الكُتُبِ والرِّجالِ بغيرِ وَجهِ حَقٍّ.
5- التَّصدُّرُ للتَّدريسِ قَبلَ التَّأهُّلِ.
6- التَّصدُّرُ للوَعظِ والتَّذكيرِ دونَ تأهُّلٍ.
7- اتِّساعُ الدَّعوى، وسُرعةُ الحُكمِ بلا استقراءٍ، والنَّفيُ بلا إحاطةٍ .


( يتبع )


 
 توقيع : البراء






نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا !
و ليتني ما أرضيت سواي !
على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات !


رد مع اقتباس
قديم 10-11-2024, 06:07 AM   #250


الصورة الرمزية البراء
البراء متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 968
 تاريخ التسجيل :  Feb 2024
 أخر زيارة : اليوم (07:15 AM)
 المشاركات : 25,011 [ + ]
 التقييم :  29302
 الدولهـ
Syria
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Darkkhaki


افتراضي رد: الأخلاق المذمومة في الإسلام ( متجدد )



تابع - التعالم

أسبابُ الوُقوعِ في التَّعالُمِ

1- جَهلُ العامَّةِ بحقيقةِ العِلمِ وكُنهِه، وبصفاتِ العُلَماءِ:
قال أبو طالبٍ المكِّيُّ: (فصار كُلُّ مَن نطَق بكلامٍ وصفُه غريبٌ على السَّامعين لا يَعرِفُ حَقَّه من باطِلِه، سُمِّيَ عالِمًا، وكلُّ كلامٍ يُستحسَنُ زُخرُفُه ورَونقُه لا أصلَ له يُسَمَّى عِلمًا، وليس هذا إلَّا:
أ- لجَهلِ العامَّةِ بالعِلمِ أيُّ شيءٍ هو.
ب- لقِلَّةِ مَعرفةِ السَّامعِ بوصفِ من سَلَف من العُلَماءِ كيف كانوا.
فصار كثيرٌ من متكَلِّمي الزَّمانِ فِتنةً لمفتونٍ، وصار كثيرٌ من الكلامِ والرَّأيِ والمعقولِ -الذي حقيقتُه جَهلٌ- كأنَّه عِلمٌ عندَ الجاهلينَ، فلا يُفَرِّقون بَينَ المتكَلِّمين والعُلَماءِ، ولا يميِّزون بَينَ العِلمِ والكلامِ) .
2- تأخُّرُ العُلَماءِ عن أداءِ مُهِمَّتِهم:
فـ(الوظيفةُ الرَّئيسةُ لأهلِ العِلمِ والإيمانِ هي تغذيةُ العقولِ بالعِلمِ النَّافِعِ؛ تحصينًا لها من أيِّ مُؤثِّرٍ عليها، وتأخُّرُ العُلَماءِ عن أداءِ مُهمَّةِ البلاغِ من الأسبابِ التي أدَّت إلى التَّجنُّسِ الفِكريِّ من انحرافاتٍ في المفاهيمِ والأخلاقِ، وتموُّجاتٍ في الاعتقادِ) .
قال ابنُ تيميَّةَ: (فالمُرصَدون للعِلمِ عليهم للأمَّةِ حِفظُ عِلمِ الدِّينِ وتبليغُه؛ فإذا لم يبَلِّغوهم عِلمَ الدِّينِ أو ضيَّعوا حِفظَه، كان ذلك من أعظَمِ الظُّلمِ للمُسلِمين؛ ولهذا قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ [البقرة: 159] ) .
3- عدَمُ التَّعلُّمِ على أيدي المشايخِ، وكان الأوزاعيُّ يقولُ: (كان هذا العِلمُ كريمًا يتلاقاه الرِّجالُ بينهم، فلمَّا دخَل في الكتُبِ دخَل فيه غيرُ أهلِه) .
4- تقديمُ الجُهَّالِ على العُلَماءِ وتوليةُ المناصِبِ الشَّريفةِ لِمن لا يَصلُحُ لها:
قال الشَّاطبيُّ: (إنَّ جَعْلَ الجاهِلِ في موضِعِ العالمِ حتَّى يصيرَ مُفتيًا في الدِّينِ، ومعمولًا بقولِه في الأموالِ والدِّماءِ والأبضاعِ وغيرِها: محرَّمٌ في الدِّينِ، وكونُ ذلك يُتَّخَذُ دَيدنًا حتى يصيَر الابنُ مستَحِقًّا لرُتبةِ الأبِ، وإنْ لم يبلُغْ رُتبةَ الأبِ في ذلك المنصِبِ، بطريقِ الوِراثةِ أو غيرِ ذلك، بحيثُ يَشيعُ هذا العَمَلُ ويطَّرِدُ، ويَعُدُّه النَّاسُ كالشَّرعِ الذي لا يخالَفُ: بدعةً بلا إشكالٍ، زيادةً إلى القولِ بالرَّأيِ غيرِ الجاري على العِلمِ، وهو بدعةٌ، أو سَبَبُ البدعةِ ...، وهو الذي بيَّنه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بقولِه: ((حتَّى إذا لم يَبْقَ عالمٌ، اتَّخذ النَّاسُ رُؤساءَ جُهَّالًا، فسُئِلوا، فأفتَوا بغيرِ عِلمٍ؛ فضَلُّوا وأضَلُّوا)) ، وإنَّما ضلُّوا وأضلُّوا؛ لأنَّهم أفتَوا بالرَّأيِ؛ إذ ليس عندَهم علمٌ) .
وقال ابنُ تيميَّةَ: (والمَنصِبُ والوِلايةُ لا يجعَلُ من ليس عالِمًا مجتَهِدًا، عالِمًا مجتَهِدًا، ولو كان الكلامُ في العِلمِ والدِّينِ بالوِلايةِ والمنصِبِ لكان الخليفةُ والسُّلطانُ أحَقَّ بالكلامِ في العِلمِ والدِّينِ، وبأن يستفتيَه النَّاسُ ويَرجِعوا إليه فيما أشكَل عليهم في العِلمِ والدِّينِ.
فإذا كان الخليفةُ والسُّلطانُ لا يدَّعي ذلك لنَفسِه، ولا يُلزِمُ الرَّعيَّةَ حُكمَه في ذلك بقولٍ دونَ قولٍ إلَّا بكتابِ اللَّهِ وسُنَّةِ رَسولِه، فمَن هو دون السُّلطانِ في الوِلايةِ أَولى بأن لا يتعدَّى طَورَه، ولا يقيمَ نَفسَه في منصِبٍ لا يَستَحِقُّ القيامَ فيه أبو بكرٍ وعُمَرُ وعثمانُ وعليٌّ، وهم الخُلفاءُ الرَّاشِدون فضلًا عمَّن هو دونَهم؛ فإنَّهم رَضِيَ اللَّهُ عنهم إنَّما كانوا يُلزِمون النَّاسَ باتِّباعِ كِتابِ ربِّهم وسُنَّةِ نبيِّهم) .
5- التَّفَقُّهُ طَلَبًا للدُّنيا وحُبًّا للرِّئاسةِ؛ قال التُّورِبِشْتيُّ: (حقيقةُ الفِقهِ في الدِّينِ: ما وقع في القَلبِ، ثمَّ ظهر على اللِّسانِ؛ فأفاد العَمَلَ، وأورَث الخشيةَ والتَّقوى. وأمَّا الذي يتدارَسُ أبوابًا منه؛ ليتعزَّزَ به ويتأكَّلَ، فإنَّه بمعزِلٍ عن هذه الرُّتبةِ العُظمي؛ لأنَّ الفِقهَ تعلَّق بلِسانِه دونَ قَلبِه) .
6- الاغترارُ بالشَّهاداتِ العِلميَّةِ، وظنُّها كافيةً في الكلامِ في كُلِّ فَنٍّ، وإنْ لم يُتقِنْه الإنسانُ، قال أحمد شوقي: (ما بالُ النَّاشئِ وصل اجتهادَه حتى حصل على الشَّهادةِ، فلمَّا كحَّل بأحرُفِها عينيه، وظفِرَت بزُخرُفِها كِلتا يدَيه، هَجَر العِلمَ ورُبوعَه، وبعَث إلى معاهِدِه بأُقطوعةٍ، طوى الدَّفاتِرَ، وترَك المحابِرَ، وذهَب يُخايِلُ ويُفاخِرُ، ويدَّعي علمَ الأوَّلِ والآخِرِ؟!
فمَن يُنْبِيه، بارك اللَّهُ فيه لأبيه، وجزى سَعْيَ مُعَلِّمِه ومُرَبِّيه: أنَّ الشَّهادةَ طَرَفُ السَّببِ، وفاتحةُ الطَّلَبِ، والجوازُ إلى أقطارِ العِلمِ والأدَبِ، وأنَّ العِلمَ لا يُملَكُ بالصُّكوكِ والرِّقاعِ، وأنَّ المعرفةَ عندَ الثِّقاتِ غيرُ وثائِقِ الإقطاعِ؟) .
وقال شكيب أَرسلان:
(رأيتُ كثيرًا من الشُّبَّانِ يجعَلون جميعَ وَكْدِهم في تحصيلِ الشَّهادةِ، ويَرَون بها منتهى السَّعادةِ، وإذا حصَل الواحِدُ عليها ظنَّ نفسَه عالِمًا لا يجوزُ أن يقالَ له: أخطَأْتَ! أوَ ليس أنَّه أحرَز الشَّهادةَ؟! ورأيتُ شُبَّانًا آخَرين يكادُ أحَدُهم يذوبُ حَسرةً وتألُّمًا على كونِه لم يُصِبِ الشَّهادةَ، ولم يَفُزْ بما فاز به غيرُه، وهو يتخيَّلُ أنَّ الأرضَ قد ابتلَعَتْه!
فكنتُ أقولُ للفئةِ الأولى: لا يَغُرَّنَّكم نَيلُ الشَّهادةِ فتناموا بعدها قائلين لأنفُسِكم: إنَّكم صِرتُم عُلَماءَ؛ بحُجَّةِ أنَّ الشَّهادةَ هي في أيديكم! بل يجِبُ أن تثابِروا على الدَّرسِ والتَّحقيقِ، كأنَّ شهادتَكم لم تكُنْ؛ فالشَّهادةُ ليست العِلمَ.
وكنتُ أقولُ للفِئةِ الثَّانيةِ: اعلَموا أنَّ الشَّهادةَ ليست هي العِلمَ الحقيقيَّ، بل هي علامةٌ من علاماتِه؛ فمَن عَرَف نفسَه قد أحكَمَ الفَنَّ الذي عكَف عليه، فلا ينبغي أن يحزَنَ على تأخُّرِ الشَّهادةِ، ومَن عَرَف نفسَه لا يزالُ غيرَ ضليعٍ في العِلمِ الذي درَسه، فلا ينبغي أن يَفرَحَ بهذه الوَرَقةِ التَّي أعطاه إيَّاها الأساتيذُ، وكثيرًا ما قدَّموا متأخِّرًا، وأخَّروا متقَدِّمًا! فكم من طالبٍ تأخَّر أيامَ التَّحصيلِ ثمَّ بعدَ خُروجِه من الجامعةِ نَبَغ وتقدَّم وصار من كبارِ العُلَماءِ!) .

الوسائِلُ المُعينةُ على تَركِ التَّعالُمِ
1- الإخلاصُ والمتابعةُ:
فالمرءُ إذا أخلَص دينَه للهِ تعالى، وابتغى بعَمَلِه وجهَ اللَّهِ، لا غيرُ، فإنَّه يكونُ أبعَدَ ما يكونُ عن تلك الصِّفةِ الذَّميمةِ.
و(لا يُوصَفُ العمَلُ من المُسلِمِ بالقَبولِ شَرعًا إلَّا إذا توَّفر رُكناه، وهما: الإخلاصُ والمتابعةُ؛ فالإخلاصُ أن يكونَ العَمَلُ للهِ تعالى لا نصيبَ لغيرِ اللَّهِ فيه، متمَحِّضًا من شَوبِ الإرادةِ لغيرِه.
والمتابعةُ -ويقالُ الصَّوابُ: أن يكونَ ممَّا شرَعه اللَّهُ على لسانِ رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وبالجُملةِ، إذا اختَلَّ رُكناه أو أحدُهما صار العمَلُ مردودًا غيرَ مقبولٍ، والأدِلَّةُ على هذا متظاهِرةٌ من الكتابِ والسُّنَّةِ) .
(فالتَزِمِ التَّخلُّصَ من كُلِّ ما يشوبُ نيَّتَك في صِدقِ الطَّلَبِ؛ كحُبِّ الظُّهورِ والتَّفوُّقِ على الأقرانِ، وجَعْلِه سُلَّمًا لأغراضٍ وأعراضٍ؛ من جاهٍ أو مالٍ، أو تعظيمٍ أو سُمعةٍ، أو طَلَبِ محمَدةٍ، أو صَرفِ وُجوهِ النَّاسِ إليك؛ فإنَّ هذه وأمثالَها إذا شابت النِّيَّةَ أفسَدَتْها، وذهَبَت بركةُ العِلمِ؛ ولهذا يتعيَّنُ عليك أن تحميَ نيَّتَك من شَوبِ الإرادةِ لغيرِ اللَّهِ تعالى، بل وتحميَ الحِمى) .
2- الاجتهادُ في معرفةِ ماهيَّةِ العِلمِ وصِفاتِ العُلَماءِ:
قال أبو طالبٍ المكِّيُّ: (وقد قُلْنا: إنَّ خُصوصَ الجُهَّالِ يُشَبَّهون بالعُلَماءِ، فيَشتَبِهون على مجالِسيهم في الحالِ، فأعلَمُ النَّاسِ في زمانِك هذا
أ- أعرَفُهم بسيرةِ المتقَدِّمين وأعلَمُهم بطرائِقِ السَّالِفين.
ب- ثمَّ أعلَمُهم بالعِلمِ أيُّ شيءٍ هو؟
ج- وبالعالِمِ من هو من المتعَلِّمِ والمتعالِمِ؟
وهذا كالفرضِ على طالِبي العِلمِ؛ أن يعرِفوا أيُّ شيءٍ هو العِلمُ حتى يطلُبوه؛ إذ لا يَصِحُّ طَلَبُ ما لا يُعرَفُ، ثمَّ وجب عليهم من هذا أن يعرِفوا العالِمَ من هو؛ ليطلُبوا عندَه العِلمَ؛ إذ العِلمُ عَرَضٌ ولا يقومُ إلا بجِسمٍ، فلا يُوجَدُ إلَّا عندَ أهلِه) .
3- البعدُ عن شواذِّ العِلمِ وغوامِضِ المسائِلِ.
4- الدِّقَّةُ في النَّقلِ عن الأئمَّةِ، والتَّأكُّدُ من صِحَّةِ نِسبةِ الأقوالِ إليهم.
5- الحَذَرُ من أمراضِ القُلوبِ.
6- ملازَمةُ العُلَماءِ والدُّعاةِ الصَّادِقينَ.
7- التَّأنِّي في الطَّلَبِ وعَدَمُ الاستعجالِ.

( يتبع )


 
 توقيع : البراء






نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا !
و ليتني ما أرضيت سواي !
على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات !


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 19 ( الأعضاء 0 والزوار 19)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الأخلاق أرزاق فاطمة الكلِم الطيب (درر إسلامية) 14 07-16-2024 05:02 PM
الأخلاق وهائب….!!!! النقاء الكلِم الطيب (درر إسلامية) 12 02-25-2024 02:59 PM
ربيع الأخلاق بُشْرَى الصحة والجمال،وغراس الحياة 4 05-15-2023 12:50 PM
لنتصدق على فقراء الأخلاق. رهيبة الكلِم الطيب (درر إسلامية) 6 09-16-2022 10:57 PM
الأخلاق وهائب المهرة الكلِم الطيب (درر إسلامية) 5 03-16-2021 10:07 PM

Bookmark and Share


الساعة الآن 07:41 AM

أقسام المنتدى

المدائن الدينية والاجتماعية | الكلِم الطيب (درر إسلامية) | أرواح أنارت مدائن البوح | الصحة والجمال،وغراس الحياة | المدائن الأدبية | سحرُ المدائن | قبس من نور | المكتبة الأدبية ونبراس العلم | بوح الأرواح | المدائن العامة | مقهى المدائن | ظِلال وارفة | المدائن المضيئة | شغب ريشة وفكر منتج | المدائن الإدارية | حُلة العيد | أبواب المدائن ( نقطة تواصل ) | محطة للنسيان | ملتقى الإدارة | معا نحلق في فضاء الحرف | مدائن الكمبيوتر والجوال وتطوير المنتديات | آفاق الدهشة ومواسم الفرح | قناديـلُ الحكايــــا | قـطـاف الـسـنابل | المدائن الرمضانية | المنافسات الرمضانية | نفحات رمضانية | "بقعة ضوء" | رسائل أدبية وثنائيات من نور | إليكم نسابق الوفاء.. | الديوان الشعبي | أحاسيس ممزوجة | ميدان عكاظ |



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions Inc.
 المنتدى حاصل على تصريح مدى الحياه
 دعم وتطوير الكثيري نت
مجتمع ريلاكس
Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

new notificatio by 9adq_ala7sas