آخر 10 مشاركات |
روابط تهمك | القرآن الكريم | الصوتيات | الفلاشات | الألعاب | الفوتوشوب | اليوتيوب | الزخرفة | قروب | الطقس | مــركز التحميل | لا باب يحجبنا عنك | تنسيق البيانات |
|
الكلِم الطيب (درر إسلامية) رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا |
رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
10-06-2024, 09:26 AM | #221 |
|
رد: الأخلاق المذمومة في الإسلام ( متجدد )
تابع – اليأس والقنوط
مَظاهرُ وصُوَرُ اليأسِ والقُنوطِ والإحباطِ صُوَرُ اليأسِ والقُنوطِ كثيرةٌ، ومنها: 1- اليأسُ والقُنوطُ مِن مَغفِرةِ اللهِ للذُّنوبِ. 2- اليأسُ والقُنوطُ مِن زَوالِ الشَّدائِدِ وتَفريجِ الكُروبِ. قال تعالى: وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ * أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [الروم: 36 - 37]. 3- اليأسُ مِنَ التَّغييرِ للأفضَلِ: ويتَمَثَّلُ في يأسِ الإنسانِ مِن تَحصيلِ ما يرجوه في أمرٍ مِن أُمورِ الدُّنيا، كجاهٍ أو مالٍ، أو زَوجةٍ أو أولادٍ وغَيرِهم. 4- اليأسُ مِن نَصرِ الإسلامِ، وارتِفاعِ الذُّلِّ والمَهانةِ عنِ المُسلمينَ. 5- اليأسُ والقُنوطُ مِن تَوبةِ العُصاةِ، والتَّخذيلُ عنِ الأمرِ بالمَعروفِ والنَّهيِ عنِ المُنكرِ: ويكونُ التَّخذيلُ عنِ الأمرِ بالمَعروفِ والنَّهيِ عنِ المُنكرِ بدَعوى عَدَمِ وُجودِ تَغَيُّرٍ مَلموسٍ وفائِدةٍ، كما قال تعالى حِكايةً عن بَعضِ النَّاسِ:وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [الأعراف: 164] . قال ابنُ كثيرٍ: (يُخبرُ تعالى عن أهلِ هذه القَريةِ أنَّهم صاروا إلى ثَلاثِ فِرَقٍ: فِرقةٌ ارتَكبَتِ المَحذورَ، واحتالوا على اصطيادِ السَّمَكِ يومَ السَّبتِ، وفِرقةٌ نَهَت عن ذلك، وأنكرَت واعتَزَلتْهم. وفِرقةٌ سَكتَت فلم تَفعَلْ ولم تَنهَ، ولكِنَّها قالت للمُنكِرةِ:لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا [الأعراف: 164] ، أي: لمَ تَنهَونَ هؤلاء، وقد عَلِمتُم أنَّهم هَلكوا واستَحَقُّوا العُقوبةَ مِنَ اللهِ؟ فلا فائِدةَ في نَهيِكم إيَّاهم. قالت لهمُ المُنكِرةُ: مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ أي: نَفعَلُ ذلك مَعذِرةً إلى رَبِّكم، أي: فيما أُخِذَ علينا مِنَ الأمرِ بالمَعروفِ والنَّهيِ عنِ المُنكرِ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ يقولونَ: ولعَلَّ بهذا الإنكارِ يتَّقونَ ما هم فيه ويترُكونَه، ويرجِعونَ إلى اللهِ تائِبينَ، فإذا تابوا تابَ اللهُ عليهم ورَحِمَهم). 6- اليأسُ مِنَ الرِّزقِ ونَحوِه أو وُجودِ المَفقودِ، أو يأسُ المَريضِ مِنَ العافيةِ. وللإحباطِ صُوَرٌ كثيرةٌ ومَظاهِرُ مُتَعَدِّدةٌ، لعَلَّه مِن أهَمِّها: 1- الجَزَعُ عِندَ المُصيبةِ. 2- سوءُ الظَّنِّ باللهِ، والشُّعورُ بالعَجزِ والكسَلِ. 3- الجُرأةُ على الذُّنوبِ واستِصغارُها. 4- تَعَمُّدُ المَرءِ قَتلَ نَفسِه. 5- العُزلةُ والتَّشاؤُمُ، وعَدَمُ القُدرةِ على تَحَمُّلِ البَلاءِ. 6- العُبوسُ وتَقطيبُ الجَبينِ والاكتِئابُ والبُكاءُ . 7- القَلَقُ والحُزنُ والعُدوانيَّةُ وحِدَّة الطَّبعِ . أسبابُ الوُقوعِ في اليأسِ والقُنوطِ والإحباطِ 1- الجَهلُ باللهِ سُبحانَه وتعالى: قال الرَّازيُّ: (القُنوطُ مِن رَحمةِ اللهِ تعالى لا يحصُلُ إلَّا عِندَ الجَهلِ بأُمورٍ: أحَدُها: أن يجهَلَ كونَه تعالى قادِرًا عليه. وثانيها: أن يجهَلَ كونَه تعالى عالِمًا باحتياجِ ذلك العَبدِ إليه. وثالثُها: أن يجهَلَ كونَه تعالى مُنَزَّهًا عنِ البُخلِ والحاجةِ. والجَهلُ بكُلِّ هذه الأُمورِ سَبَبٌ للضَّلالِ؛ فلهذا المَعنى قال: وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ [الحجر: 56] ) . وقال ابنُ القَيِّمِ: (الكبائِرُ:... القُنوطُ مِن رَحمةِ اللهِ، واليأسُ مِن رَوحِ اللهِ ... وتَوابعُ هذه الأُمورِ إنَّما تَنشَأُ مِنَ الجَهلِ بعُبوديَّةِ القَلبِ، وتَركِ القيامِ بها) . 2- الغُلوُّ في الخَوفِ مِنَ اللهِ سُبحانَه وتعالى: قال ابنُ القَيِّمِ: (لا يَدَعُ الخَوفَ يُفضي به إلى حَدٍّ يوقِعُه في القُنوطِ واليأسِ مِن رَحمةِ اللهِ؛ فإنَّ هذا الخَوفَ مَذمومٌ، وسَمِعتُ شَيخَ الإسلامِ ابنَ تيميَّةَ رَحِمَه اللهُ يقولُ: حَدُّ الخَوفِ ما حَجَزك عن مَعاصي اللهِ، فما زادَ على ذلك فهو غَيرُ مُحتاجٍ إليه، وهذا الخَوفُ الموقِعُ في الإياسِ إساءةُ أدَبٍ على رَحمةِ اللهِ تعالى التي سَبقَت غَضَبَه، وجَهلٌبها) . ولغَلَبةِ هذا الخَوفِ على قَلبِ اليائِسِ أسبابٌ؛ منها: (إدراكُ قَلبِه مِن مَعاني الأسماءِ والصِّفاتِ ما يدُلُّ على عَظَمةِ اللهِ وجَبَروتِه، وسُرعةِ عِقابِه، وشِدَّةِ انتِقامِه، وحَجبِ قَلبِه عنِ الأسماءِ الدَّالَّةِ على الرَّحمةِ، واللُّطفِ، والتَّوبةِ، والمَغفِرةِ... إلخ، فيُسَيطِرُ على القَلبِ الخَوفُ، فيُسلِمُه ذلك إلى اليأسِ مِن رَوحِ اللهِ، والقُنوطِ مَن رَحِمَته) . 3- أن يظُنَّ برَبِّه تعالى غَيرَ الحَقِّ، ويتَّهِمَ قَدَرَه، ويَذهَلَ عن كونِ اللهِ تعالى أنظَرَ له مِن نَفسِه، فيجزَعُ إذا تَعَذَّرَت عليه أُمورُ دُنياه، مَعَ ما قد يكونُ له في الشِّدَّةِ مِن مَنافِعَ؛منها: أن تَكونَ سَبَبًا في امتِناعِه مِن سَيِّئاتٍ كان يعمَلُها لو كان في نِعمةٍ أو بَلاءٍ يندَفِعُ عنه في نَفسِه ومالِه . 4- الذُّهولُ عن كونِ رَحمةِ اللهِ تعالى سَبَقَت غَضَبَه وأنَّها وسِعَت كُلَّ شَيءٍ؛ فعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: ((إنَّ اللهَ خَلقَ الرَّحمةَ يومَ خَلقَها مِائةَ رَحمةٍ، فأمسَك عِندَه تِسعًا وتِسعينَ رَحمةً، وأرسَل في خَلقِه كُلِّهم رَحمةً واحِدةً، فلو يَعلَمُ الكافِرُ بكُلِّ الذي عِندَ اللهِ مِنَ الرَّحمةِ لم يَيأسْ مِنَ الجَنَّةِ)) . 5- سوءُ التَّربيةِ وعَدَمُ تَعويدِ النَّشءِ على عُبوديَّةِ القَلبِ، كالإخلاصِ والتَّوكُّلِ والرِّضا والرَّجاءِ وغَيرِها، فإذا ذَهَبتِ النِّعمةُ وكانتِ الشِّدَّةُ وقع التَّبَرُّمُ والإحباطُ. 6- مُصاحَبةُ اليائِسينَ والقانِطينَ والمُقنِّطينَ والمُثَبِّطينَ المُخَذِّلينَ أهلَ الإرجافِ: فإنَّ مُصاحبةَ هؤلاء تُورِثُ اليأسَ والقُنوطَ مِن رَحمةِ اللهِ، إمَّا مُشابَهةً أوعُقوبةً للاختِلاطِ بهم. 7- التَّعَلُّقُ بالأسبابِ: قال فخرُ الدِّينِ الرَّازيُّ: (الكافِرُ يعتَقِدُ أنَّ السَّبَبَ في حُصولِ تلك النِّعمةِ سَبَبٌ اتِّفاقيٌّ، ثُمَّ إنَّه يستَبعِدُ حُدوثَ ذلك الاتِّفاقِ مَرَّةً أُخرى، فلا جَرَمَ يستَبعِدُ عودَ تلك النِّعمةِ، فيقَعُ في اليأسِ. وأمَّا المُسلمُ الذي يعتَقِدُ أنَّ تلك النِّعمةَ إنَّما حَصَلت مِنَ اللهِ تعالى وفضلِه وإحسانِه وطَولِه؛ فإنَّه لا يحصُلُ له اليأسُ، بل يقولُ: لعَلَّه تعالى يرُدُّها إليَّ بَعدَ ذلك أكمَلَ وأحسَنَ وأفضَلَ ممَّا كانت، وأمَّا حالَ كونِ تلك النِّعمةِ حاصِلةً فإنَّه يكونُ كَفورًا؛ لأنَّه لمَّا اعتَقدَ أنَّ حُصولَها إنَّما كان على سَبيلِالاتِّفاقِ أو بسَبَبِ أنَّ الإنسانَ حَصَّلها بسَبَبِ جِدِّه وجُهدِه، فحينَئِذٍ لا يشتَغِلُ بشُكرِ اللهِ تعالى على تلك النِّعمةِ) . 8- التَّشَدُّدُ في الدِّينِ وتَركُ الأخذِ بالرُّخَصِ المَشروعةِ: قال الغَزاليُّ: (أخبَرَ أي: النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ أن تُؤتى رُخَصُه كما يُحِبُّ أن تُؤتى عَزائِمُه؛تَطييبًا لقُلوبِ الضُّعَفاءِ حتَّى لا ينتَهيَ بهمُ الضَّعفُ إلى اليأسِ والقُنوطِ، فيترُكونَ المَيسورَ مِنَ الخَيرِ عليهم بعَجزِهم عن مُنتَهى الدَّرَجاتِ، فما أُرسِل رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلَّا رَحمةً للعالَمينَ كُلِّهم على اختِلافِ أصنافِهم ودَرَجاتِهم) . 9- قِلَّةُ الصَّبر واستِعجالُ النَّتائِجِ: إنَّ ضَعفَ النُّفوسِ عن تَحَمُّلِ البَلاءِ والصَّبرِ عليه، واستِعجالَ حُصولِ الخَيرِ يُؤَدِّي إلى الإصابةِ باليأسِ والقُنوطِ، لاسيَّما مَعَ طولِ الزَّمَنِ واشتِدادِ البَلاءِ على الإنسانِ؛ فعن أبي هُرَيرةَ، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((لا يزالُ يُستَجابُ للعَبدِ ما لم يدعُ بإثمٍ أو قَطيعةِ رَحِمٍ، ما لم يستَعجِلْ، قيل: يا رَسولَ اللهِ، ما الاستِعجالُ؟ قال: يقولُ: قد دَعَوتُ وقد دَعَوتُ، فلم أرَ يَستَجيبُ لي؛ فيستَحسِرُ عِندَ ذلك ويدَعُ الدُّعاءَ)) . قال أبو العَبَّاس القُرطُبيُّ: (والقائِلُ: قد دَعَوتُ فلم أرَ يُستَجابُ لي، ويترُكُ قانِطًا مِن رَحمةِ اللهِ، وفي صورةِ المُمتَنِّ على رَبِّه، ثُمَّ إنَّه جاهلٌ بالإجابةِ؛ فإنَّه يظُنُّها إسعافَه في عَينِ ما طَلبَ، فقد يعلمُ اللهُ تعالى أنَّ في عَينِ ما طَلبَ مَفسَدةً) . عن خَبَّابِ بنِ الأرَتِّ، قال: ((شَكَونا إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وهُو مُتوسِّدٌ بُردَةً له في ظِلِّ الكَعْبةِ، قُلنا له: ألَا تَسْتَنْصِرُ لنا؟ ألَا تَدْعو اللهَ لنا؟ قال: كان الرَّجلُ فيمَنْ قبلَكم يُحفَرُ له في الأرْضِ، فيُجعَلُ فيهِ، فيُجاءُ بالمِنْشارِ فيُوضَعُ على رأسِهِ فيُشَقُّ باثْنتَينِ، وما يصُدُّه ذلك عن دِينِه، ويُمشَطُ بأمْشاطِ الحَديدِ ما دُونَ لَحمِه مِن عظْمٍ أو عَصَبٍ، وما يصُدُّهُ ذلك عن دِينِه، واللهِ لَيُتِمَّنَّ هذا الأمرَ، حتَّى يَسيرَ الرَّاكبُ مِن صَنْعاءَ إلى حَضْرَمَوتَ، لا يَخافُ إلَّا اللهَ أو الذِّئْبَ على غَنَمِه، ولكنَّكم تَستعجِلونَ)) . وقال ابنُ القَيِّمِ: (مَنِ استَطال الطَّريقَ ضَعُف مَشيُه. وما أنت بالمُشتاقِ إن قُلتَ بَينَنا طُوالُ اللَّيالي أو بَعيدُ المَفاوِزِ) . وقال أبو الفرَجِ بنُهندوا: لا يُؤيسَنْك مِن مَجدٍ تَباعُدُه فإنَّ للمَجدِ تَدريجًا وتَرتيبَا إنَّ القَناةَ التي شاهَدتَ رِفعَتَها تَسمو فتُنبِتُ أُنبوبًا فأُنبوبَا 7- تَعَلُّقُ القَلبِ بالدُّنيا: فمِن أسبابِ اليأسِ والقُنوطِ الأساسيَّةِ تَعَلُّقُ القَلبِ بالدُّنيا، والفرَحُ بأخذِها، والحُزنُ والتَّأسُّفُ على فواتِها بكُلِّ ما فيها مِن جاهٍ وسُلطانٍ، وزَوجةٍ وأولادٍ، ومالٍ وعافيةٍ، قال تعالى: وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ [الروم: 36]. 8- دُنوُّ الهمَّةِ والاستِسلامُ للواقِعِ وضَعفُ الرَّغبةِ في التَّغييرِ: فإنَّ (اليأسَ مِنَ الإصلاحِ يقَعُ فيه كثيرٌ مِنَ النَّاسِ، فإذا عاينَ الشُّرورَ المُتَراكِمةَ والمَصائِبَ، والمِحَنِ والفِتَنَ، ومِنَ الفُرقةِ والتَّناحُرِ والاختِلافِ الذي يسري في صُفوفِ المُسلمينَ، يَئِسَ مِنَ الإصلاحِ،... ومِثلُ ذلك في شَأنِ كثيرٍ مِنَ النَّاسِ مِمَّن يُسرِفُ على نَفسِه بالمَعاصي، ويَتيهُ في أوديةِ الرَّذيلةِ، فتَجِدُه يَيأسُ مِن إصلاحِ حالِه، والرُّقيِّ بها إلى الأمثَلِ، بل رُبَّما ظَنَّ أنَّ التَّغييرَ مُستَحيلٌ... وهذا كُلُّه مَظهَرٌ مِن مَظاهرِ دُنوِّ الهمَّةِ، وصِغَرِ النَّفسِ، والعَجزِ عن مواجَهةِ المَتاعِبِ والمَصاعِبِ) . 9- تَمَنِّي المَوتِ: قال السَّعديُّ: (ورَد النَّهيُ عن تَمَنِّي المَوتِ للضُّرِّ الذي يَنزِلُ بالعَبدِ مِن مَرَضٍ أو فقرٍ أو خَوفٍ، أو وُقوعٍ في شِدَّةٍ ومَهلَكةٍ، أو نَحوِها مِنَ الأشياءِ؛ فإنَّ في تَمَنِّي المَوتِ لذلك مَفاسِدَ...منها: أنَّه يُضعِفُ النَّفسَ، ويُحدِثُ الخَورَ والكسَلَ، ويوقِعُ في اليأسِ، والمَطلوبُ مِنَ العَبدِ مُقاومةُ هذه الأُمورِ، والسَّعيُ في إضعافِها وتَخفيفِها بحسَبِ اقتِدارِه، وأن يكونَ مَعَه مِن قوَّةِ القَلبِ وقوَّةِ الطَّمَعِ في زَوالِ ما نَزَل به. وذلك موجِبٌ لأمرَينِ: اللُّطفُ الإلهيُّ لمَن أتى بالأسبابِ المَأمورِ بها، والسَّعيُ النَّافِعُ الذي يوجِبُه قوَّةُ القَلبِ ورَجاؤُه... فيَجعَلُ العَبدُ الأمرَ مُفوَّضًا إلى رَبِّه الذي يعلمُ ما فيه الخَيرُ والصَّلاحُ له، الذي يَعلمُ مِن مَصالحِ عَبدِه ما لا يعلمُ العَبدُ، ويُريدُ له مِنَ الخَيرِ ما لا يُريدُه، ويَلطُفُ به في بَلائِه كما يَلطُفُ به في نَعمائِه) . ( يتبع ) |
نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا ! و ليتني ما أرضيت سواي ! على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات ! |
10-06-2024, 09:29 AM | #222 |
|
رد: الأخلاق المذمومة في الإسلام ( متجدد )
تابع – اليأس والقنوط
الوسائِلُ المُعينةُ على التَّخَلُّصِ مِنَ اليأسِ والقُنوطِ والإحباطِ 1- الإيمانُ بأسماءِ اللهِ وصِفاتِه: إنَّ العِلمَ والإيمانَ بأسماءِ اللهِ وصِفاتِه، وخاصَّةً التي تَدُلُّ على الرَّحمةِ والمَغفِرةِ والكرَمِ والجودِ، تَجعَلُ المُسلمَ لا ييأَسُ مِن رَحمةِ اللهِ وفَضلِه، فـ(إذا عَلمَ العَبدُ، وآمَنَ بصِفاتِ اللهِ مِنَ الرَّحمةِ والرَّأفةِ، والتَّوبِ واللُّطفِ، والعَفوِ والمَغفِرةِ والسَّترِ، وإجابةِ الدُّعاءِ؛ فإنَّه كُلَّما وقَعَ في ذَنبٍ دَعا اللهَ أن يرحَمَه ويغفِرَ له ويتوبَ عليه، وطَمِع فيما عِندَ اللهِ مِن سَترٍ ولُطفٍ بعِبادِه المُؤمِنينَ، فأكسَبَه هذا رَجعةً وأوبةً إلى اللهِ كُلَّما أذنَبَ، ولا يجِدُ اليأسُ إلى قَلبِه سَبيلًا، كيف ييأسُ مَن يُؤمِنُ بصِفاتِ الصَّبرِ والحِلمِ؟! كيف ييأسُ مِن رَحمةِ اللهِ مَن عَلِمَ أنَّ اللهَ يتَّصِفُ بصِفةِ الكرَمِ والجودِ والعَطاءِ؟!) . 2- حُسنُ الظَّنِّ باللهِ ورَجاءُ رَحمَتِه: قال السَّفَّارينيُّ: (حالُ السَّلفِ رَجاءٌ بلا إهمالٍ، وخَوفٌ بلا قُنوطٍ. ولابُدَّ مِن حُسنِ الظَّنِّ باللهِ تعالى) . فعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((قال اللهُ عَزَّ وجَلَّ: أنا عِندَ ظَنِّ عَبدي بي، وأنا مَعَه حَيثُ يذكُرُني، واللهِ، للهُ أفرَحُ بتَوبةِ عَبدِه مِن أحَدِكم يجِدُ ضالَّتَه بالفلاةِ، ومَن تَقرَّب إليَّ شِبرًا تَقَرَّبتُ إليه ذِراعًا، ومن تَقَرَّب إليَّ ذِراعًا تَقَرَّبتُ إليه باعًا، وإذا أقبَل إليَّ يمشي أقبَلتُ إليه أُهَروِلُ)) . وعن أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: سَمِعتُ رَسول اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: ((قال اللهُ تعالى: يا ابنَ آدَمَ، إنَّك ما دَعَوتَني ورَجَوتَني غَفرتُ لك على ما كان مِنك ولا أُبالي. يا ابنَ آدَمَ لو بَلغَت ذُنوبُك عَنانَ السَّماءِ ثُمَّ استغفَرتَني غَفرتُ لك ولا أُبالي. يا ابنَ آدَمَ لو أتَيتَني بقُرابِ الأرضِ خَطايا ثُمَّ لَقِيتَني لا تُشرِكُ بي شَيئًا لأتَيتُك بقُرابِها مَغفِرةً)) . قال الشَّافِعيُّ: ولمَّا قَسا قَلبي وضاقَت مَذاهبي جَعَلتُ رَجائي دونَ عَفوِك سُلَّمَا تعاظَمَني ذَنبي فلمَّا قَرَنتُه بعَفوِك رَبِّي كان عَفوُك أعظَما فما زِلتَ ذا عَفوٍ عنِ الذَّنبِ لم تَزَلْ تجودُ وتَعفو مِنَّةً وتكَرُّمَا فإن تَنتَقِمْ مِنِّي فلستُ بآيِسٍ ولو دَخَلَت نَفسي بجُرمي جَهنَّما ولولاك لم يَغوَ بإبليسَ عابدٌ فكيف وقد أغوى صَفيَّك آدَما وإنِّي لآتي الذَّنبَ أعرِفُ قَدْرَه وأعلمُ أنَّ اللهَ يعفو تَرَحُّمَا - وأنشَد بَعضُهم: صَبرًا جَميلًا ما أقرَبَ الفَرَجَا مَن راقَبَ اللهَ في الأُمورِ نَجا مَن صَدَقَ اللهَ لم ينَلْه أذًى ومَن رَجاه يكونُ حَيثُ رَجا 3- تعَلُّقُ القَلبِ باللهِ والثِّقةُ به: لا بُدَّ للمَرءِ مِن أن يُعَلِّقَ قَلبَه باللهِ، ويجعَلَ الثِّقةَ به سُبحانَه وتعالى في كُلِّ أحوالِه، مَعَ الاستِعانةِ باللهِ وحدَه، والإقرارِ له بالرَّجاءِ، وتَحقيقِ التَّوكُّلِعليه، والتَّفويضِ إليه، واعتِرافِ العَبدِ له بأنَّ ناصيتَه في يدِه، يُصَرِّفُه كيف يشاءُ، وأنَّه ماضٍ فيه حُكمُه، عَدلٌ فيه قَضاؤُه، و(لا يليقُ بالمُسلمِ أن ييأسَ مِن رَوحِ اللهِ ولا يقنَطَ مَن رَحمتِه، ولا يكونُ نَظَرُه مَقصورًا على الأُمورِ المادِّيَّةِ والأسبابِ الظَّاهرةِ، بل يكونُ مُتَلفِّتًا في قَلبِه في كُلِّ وقتٍ إلى مُسَبِّبِ الأسبابِ، إلى الكريمِ الوهَّاب، مُتَحَرِّيًا للفرَجِ، واثِقًا بأنَّ اللهَ سَيجعَلُ بَعدَ العُسرِ يُسرًا، ومِن هنا ينبَعِثُ للقيامِ بما يقدِرُ عليه مِنَ النُّصحِ والإرشادِ والدَّعوةِ، ويقنَعُ باليسيرِ إذا لم يُمكِنِ الكثيرُ، وبزَوالِ بَعضِ الشَّرِّ وتَخفيفِه إذا تَعَذَّرَ غَيرُ ذلك) . وأنشَد بعضُهم: هَوِّنْعليك وكُنْ برَبِّك واثِقًا فأخو التَّوكُّلِ شَأنُه التَّهوينُ . وقال مُصطَفى صادِق الرَّافِعيُّ: (أنت عَجَزتَ أيُّها الإنسانُ فأيقَنتَ أنَّك لا تَستَطيعُ أن تُغَيِّرَ أطوارَ الدُّنيا، ولكِن كيف نَسيتَ الذي يستَطيعُ أن يُغَيِّرَها، وهو يُغَيِّرُها كُلَّ طَرفةِ عَينٍ؟!) . 4- الأخذُ بالأسبابِ، وتَركُ الاستِسلامِ لليأسِ، وقد قال نَبيُّ اللهِ يعقوبُ عليه السَّلامُ لأولادِه لمَّا أبلغوه فَقْدَ ابنِه الثَّاني: يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [يوسف: 87] . 5- أن يكونَ العَبدُ بَينَ الخَوفِ والرَّجاءِ: قال تعالى في مَدحِ عِبادِه المُؤمِنينَ: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [الأنبياء: 90] . وقال ابنُ هانِئٍ: قال لي أبو عبدِ اللهِ أحمَدُ بنُ حَنبَلٍ: (ينبغي للمُؤمِنِ أن يكونَ رَجاؤُه وخَوفُه واحِدًا). وقال غَيرُه عنه: (فأيُّهما رَجَحَ صاحِبُه هَلَك) . وهذا هو العَدلُ؛ ولهذا مَن غَلبَ عليه حالُ الخَوفِ أوقعَه في نَوعٍ مِنَ اليأسِ والقُنوطِ، إمَّا في نَفسِه وإمَّا في أُمورِ النَّاسِ، ومَن غَلبَ عليه حالُ الرَّجاءِبلا خَوفٍ أوقَعَه في نَوعٍ مِنَ الأمنِ لمَكرِ اللهِ، إمَّا في نَفسِه وإمَّا في أُمورِ النَّاسِ . 6- الإيمانُ بالقَضاءِ والقَدَرِ: إذا عَلمَ المَرءُ وأيقَنَ أنَّ كُلَّ ما حَصَل له هو بقَضاءِ اللهِ وقدَرِه استَراحَ قَلبُه، ولم يشعُرْ بيأسٍ ولا حُزنٍ لفواتِ شَيءٍ كان يرجوه، أو لوُقوعِ أمرٍ كان يحذَرُ منه؛ قال تعالى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الحديد: 22] . وقال سُبحانَه: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [التغابن: 11] . قال ابنُ القَيِّمِ: (إذا جَرى على العَبدِ مَقدورٌ يَكرَهُه، فله فيه سِتَّةُ مَشاهدَ؛ أحَدُها: مَشهَدُ التَّوحيدِ، وأنَّ اللهَ هو الذي قدَّرَه وشاءَه وخَلقَه، وما شاءَ اللهُ كان وما لم يشَأْ لم يكُنْ، الثَّاني: مَشهَدُ العَدلِ، وأنَّه ماضٍ فيه حُكمُه عَدلٌ فيه قَضاؤُه، الثَّالثُ: مَشهَدُ الرَّحمةِ، وأنَّ رَحمَتَه في هذا المَقدورِ غالِبةٌ لغَضَبِه وانتِقامِه، ورَحمتُه حَشْوُه، الرَّابعُ: مَشهَدُ الحِكمةِ، وأنَّ حِكمَتَه سُبحانَه اقتَضَت ذلك لم يُقدِّره سُدًى ولا قَضاه عَبَثًا، الخامِسُ: مَشهَدُ الحَمدِ، وأنَّ له سُبحانَه الحَمدَ التَّامَّ على ذلك مِن جَميعِ وُجوهِه، السَّادِسُ: مَشهَدُ العُبوديَّةِ، وأنَّه عَبدٌ مَحضٌ مِن كُلِّ وجهٍ تَجري عليه أحكامُ سَيِّدِه وأقضيتُه بحُكمِ كونِه مِلكَه وعَبدَه، فيُصرِّفُه تَحتَ أحكامِه القدَريَّةِ كما يُصَرِّفُه تَحتَ أحكامِه الدِّينيَّةِ؛ فهو مَحَلٌّ لجَرَيانِ هذه الأحكامِ عليه) . وقال مُصطَفى صادِق الرَّافِعيُّ: (سِرُّ سَعادةِ المُؤمِنِ على ما يجِدُ مِنَ الفقرِ والشَّقاءِ في هذه الحَياةِ: أنَّ في ضَميرِه مِن فِكرةِ الآخِرةِ وُجودًا إلهيًّا عَظيمًا، فيه الرِّضا الدَّائِمُ عنِ اللهِ، والصَّبرُ الدَّائِمُ على قَضاءِ اللهِ، والأمَلُ الدَّائِمُ في رَحمةِ اللهِ. فكُلُّ حِرمانِ الدُّنيا يذهَبُ في الرِّضا فلا حِرمانَ، وكُلُّ مَصائِبِها تَقَعُ في الصَّبرِ فتَتَحَوَّلُ مَعانيها، والأمَلُ الدَّائِمُ في رَحمةِ اللهِ قوَّةٌللقوَّتَينِ) . وقال أيضًا: (لا يُمكِنُ أن تُرضيَك الدُّنيا كُلَّما أحبَبتَ، ولا بكُلِّ ما تُحِبُّ؛ فلستَ أنتَ العاصِمةَ في مَملكةِ اللهِ، ولكِنَّ المُمكِنَ أن تَرضى أنتَ بما يُمكِنُ) . فينبَغي التَّفاؤُلُ والتَّسليمُ للقَضاءِ؛ قال أبو عَبدِ اللهِ القُرطُبيُّ: (ومَن سَلَّم للقَضاءِ أسفرَت عاقِبَتُه عنِ اليدِ البَيضاءِ) . 7- الدُّعاءُ مَعَ الإيقانِ بالإجابةِ: (اليأسُ داءٌ قَتَّالٌ، ولمَّا كانت هَواجِسُ الإنسانِ في أكثَرِ حالاتِه تَدعوه إلى اليأسِ حينَ يُدرِكُ واقِعَه الظَّاهريَّ دونَ أن يمتَدَّ باستِشفافِه إلى ما يطويه اللهُ مِن خَيرٍ سيُؤتي ثِمارَه عن قَريبٍ؛ فقد رَسَمَت سورةُ الشَّرحِ سُبُلًا لدَرءِ هذا اليأسِ القاتِلِ، وهو التَّوجُّهُ إلى اللهِ بالدُّعاءِ والارتِكانِ كُلَّالارتِكانِ إلى عَونِ السَّماءِ، يقولُ اللهُجَلَّ ذِكرُه: فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ [الشرح: 7 - 8] ؛ ليدعوَ الإنسانَ إلى أن يترُكَ واقِعَه المُظلمَ ويتَّجِهَ إلى السَّماءِ راغِبًا داعيًا حَيثُ يجِدُ في عَونِها الفَرَجَ الواسِعَ مِنَ الفرجِ الضَّيِّقِ، والالتِجاءِ إلى قُدرةِ اللهِ؛ مِمَّا يبعَثُ الطُّمَأنينةَ ويرُدُّ التَّشاؤُمَ إلى التَّفاؤُلِ؛ لأنَّ صاحِبَ القُدرةِ القادِرة يستَجيبُ للمُضطَرِّ إذا دَعاه، فيكشِفُ السُّوءَ، فهو إذَن مَلاذُ اللَّائِذينَ، وغَوثُ المُستَغيثينَ) . وهذا نَبيُّ اللهِ يعقوبُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، لَمَّا عوتِبَ في تَذَكُّرِ يوسُفَعليه السَّلامُ بَعدَ طولِ الزَّمانِ، وانقِطاعِ الأمَلِ، وحُصولِ اليأسِ في رُجوعِه، قال بلِسانِ المُؤمِنِ الواثِقِ في وعدِ اللهِ برَفعِ البَلاءِ عنِ الصَّابرينَ وإجابةِ دَعوةِ المُضطَرِّينَ: إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [يوسف: 86] . وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لا يزالُ يُستَجابُ للعَبدِ، ما لم يدْعُ بإثمٍ أو قَطيعةِ رَحِمٍ، ما لم يستَعجِلْ)) . قال أبو العَبَّاسِ القُرطُبيُّ: ينبَغي (استِدامةُ الدُّعاءِ وتَركُ اليأسِ مِنَ الإجابةِ، ودوامُ رَجائِهما، واستِدامةُ الإلحاحِ في الدُّعاءِ؛فإنَّ اللهَ يُحِبُّ المُلحِّينَ في الدُّعاءِ) . فليلجَأِ العَبدُ إلى مَنِ القُلوبُ بَينَ إصبَعَيه، وأزمَّةُ الأُمورِ بيدَيه، وانتِهاءُ كُلِّ شَيءٍ إليه على الدَّوامِ؛ فلعَلَّه أن يُصادِفَ ساعةً مِنَ السَّاعاتِ التي لا يُسألُ اللهُ فيها شَيئًا إلَّا أعطاه، فمَن أُعطيَ مَنشورَ الدُّعاءِ أُعطيَ الإجابةَ، فإنَّه لو لم يُرِدْ إجابَتَه لما ألهَمَه الدُّعاءَ . والمَرءُ مَعَ إلحاحِه في الدُّعاءِ عليه أن يوقِنَ بأنَّ (النَّصرَ مَعَ الصَّبرِ، وأنَّ الفرَجَ مَعَ الكربِ، وأنَّ مَعَ العُسرِ يُسرًا) . - كثرةُ ذِكرِ اللهِ تعالى؛ قال ابنُ القَيِّمِ: (إنَّه قوتُ القَلِب والرُّوحِ، فإذا فقدَه العَبدُ صارَ بمَنزِلةِ الجِسمِ إذا حيل بَينَه وبَينَ قوَّتِه، وحَضَرتُ شَيخَ الإسلامِ ابنَ تيميَّةَ مَرَّةً صَلَّى الفجرَ ثُمَّ جَلسَ يذكُرُ اللهَ تعالى إلى قَريبٍ مِن انتِصافِ النَّهارِ، ثُمَّ التَفتَ إليَّ وقال: هذه غَدوتَي، ولو لم أتَغَدَّ الغَداءَ سَقَطَت قوَّتي!) . - أن يرتَعَ قَلبُه في رياضِ القُرآنِ، وأن يستَضيءَ به في ظُلُماتِ الشُّبُهاتِ والشَّهَواتِ، وأن يتَسَلَّى به عن كُلِّ فائِتٍ، ويتَعَزَّى به عن كُلِّ مُصيبةٍ، ويستَشفيَ به مِن أدواءِ صَدرِه، فيكونُ جَلاءَ حُزنِه، وشِفاءَ هَمِّه وغَمِّه . ( يتبع ) |
نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا ! و ليتني ما أرضيت سواي ! على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات ! |
10-06-2024, 09:32 AM | #223 |
|
رد: الأخلاق المذمومة في الإسلام ( متجدد )
تابع – اليأس والقنوط
حُكمُ اليأسِ لا يجوزُ للمُؤمِنِ اليأسُ مِن رَوحِ اللهِ ورَحمَتِه، وقد عَدَّه غَيرُ واحِدٍ مِنَ العُلماءِ مِنَ الكبائِرِ، بل حُكيَ الإجماعُ على ذلك؛ قال ابنُ حَجَرٍ المَكِّيُّ: (عَدُّ هذا كبيرةً هو ما أطبَقوا عليه، وهو ظاهرٌ؛ لِما فيه مِنَ الوعيدِ الشَّديدِ... بل جاءَ عنِ ابنِ مَسعودٍ أنَّه أكبَرُ الكبائِرِ) . وقد يكونُ اليأسُ مِن رَحمةِ اللهِ كُفرًا، وقد جَعَله القُرطُبيُّ بَعدَ الشِّركِ باللهِ، قال: (لأنَّ فيه تَكذيبَ القُرآنِ؛ إذ يقولُ وقَولُه الحَقُّ: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ [الأعراف: 156] ، وهو يقولُ: لا يغفِرُ له، فقد حَجَرَ واسِعًا، هذا إذا كان مُعتَقِدًا لذلك؛ ولذلك قال اللهُ تعالى: إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [يوسف: 87] ) . أمَّا الإياسُ مِن حُصولِ بَعضِ الأشياءِ فقد قيل: إنَّه جائِزٌ، ولا بَأسَ به. بل استِحضارُ الإياسِ مِن بَعضِ الأشياءِ البَعيدةِ الحُصولِ قد يكونُ راحةً للنَّفسِ مِن تَطلُّبِها. بل قد يُمدَحُ اليأسُ أحيانًا، ومِن ذلك قَولُ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه في خُطبَتِه: (تَعلَمونَ أنَّ الطَّمَعَ فقرٌ، وأنَّ الإياسَ غِنًى، وأنَّه مَن أَيِسَ مِمَّا عِندَ النَّاسِ استَغنى عنهم) . وقال ابنُ القَيِّمِ: (لا يجتَمِعُ الإخلاصُ في القَلبِ ومحبَّةُ المَدحِ والثَّناءِ والطَّمَعُ فيما عِندَ النَّاسِ، إلَّا كما يجتَمِعُ الماءُ والنَّارُ، والضَّبُّ والحوتُ، فإذا حَدَّثَتك نَفسُك بطَلَبِ الإخلاصِ فأقبِلْ على الطَّمَعِ أوَّلًا فاذبَحْه بسِكِّينِ اليأسِ) . اليأس والقنوط والاحباط في واحة الأدب أ- مِنَ الشِّعرِ 1- قال ابنُ دُرَيدٍ: أنشَدَني أبو حاتِمٍ السِّجِستانيُّ: إذا اشتَمَلَت على اليأسِ القُلوبُ وضاقَ لِما به الصَّدرُ الرَّحيبُ وأوطَأتِ المَكارِهُ واطمَأنَّت وأرسَت في أماكِنِها الخُطوبُ ولم تَرَ لانكِشافِ الضُّرِّ وجهًا ولا أغنى بحيلتِه الأريبُ أتاك على قُنوطٍ مِنك غَوثٌ يمُنُّ به اللَّطيفُ المُستَجيبُ وكُلُّ الحادِثاتِ إذا تَناهَت فمَوصولٌ بها الفرَجُ القَريبُ 2- وقال آخَرُ: ولرُبَّ نازِلةٍ يَضيقُ بها الفتى ذَرعًا وعِندَ اللهِمنها المخرَجُ كمَلت فلمَّا استَحكَمَت حَلَقاتُها فُرِجَت وكان يظُنُّها لا تُفرَجُ 3- وقال ابنُ القَيِّمِ: باللهِ أبلُغُ ما أسعى وأُدرِكُه لا بي ولا بشَفيعٍ لي مِنَ النَّاسِ إذا أيِستُ وكادَ اليأسُ يَقطَعُني جاءَ الرَّجا مُسرِعًا مِن جانِبِالياسِ . - وقال أبو إسحاقَ الإلبيريُّ: ولولا أنَّني أرجو إلهي ورَحمَتهَ يئِستُ مِنَ الفلاحِ . 4- وكان القاسِمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ جَعفرٍ يتَمَثَّلُ كثيرًا، ويقولُ: عَسى ما تَرى ألَّا يدومَ وأن تَرى له فرَجًا مِمَّا ألحَّ به الدَّهرُ عَسى فرَجٌ يأتي به اللهُ إنَّه له كُلَّ يومٍ في خَليقَتِه أمرُ إذا لاحَ عُسرٌ فارجُ يُسرًا فإنَّه قَضى اللهُ أنَّ العُسرَ يتبَعُه اليُسرُ 5- وقال آخَرُ: سَلِ اللهَ الإيابَ مِنَ المَغيبِ فكم قد رَدَّ مِثلَك مِن غَريبِ وسَلِّ الهَمَّ عنك بحُسنِ ظَنٍّ ولا تَيأسْ مِنَ الفرَجِ القَريبِ 6- وقال مُحَمَّدُ بنُ يسيرٍ: إنَّ الأُمورَ إذا اشتَدَّت مَسالِكُها فالصَّبرُ يفتَحُ منها كُلَّ ما ارتَتَجا لا تَيأسَنَّ وإن طالت مُطالَبةٌ إذا استَعنتَ بصَبرٍ أن تَرى فرَجَا أخلِقْ بذي الصَّبرِ أن يحظى بحاجَتِه ومُدمِنِ القَرعِ للأبوابِ أن يَلِجَا لا يمنَعنَّك يأسٌ مِن مُطالبةٍ فضِيقُ السُّبُلِ يومًا رُبَّما انتَهَجا - وقال النَّابغةُ في اليأسِ المَمدوحِ: واليأسُ مِمَّا فاتَ يَعقُبُ راحةً ولرُبَّ مَطمَعةٍ تَكونُ ذُباحَا 7- وقال القَحطانيُّ: ولأحسِمَنَّ عنِ الأنامِ مَطامِعي بحُسامِ يأسٍ لم تَشُبْهُ بَناني ب- مِنَ الأمثالِ والحِكَمِ - هَيهاتَ مِنك قُعَيقعانُ هذا الجَبَلُ بمَكَّةَ، وبالأهوازِ أيضًا جَبَلٌ يُقالُ له: قُعَيقِعانُ، يُضرَبُ في اليأسِ مِن نَيلِ ما تُريدُ . - أسائِرُ اليومِ وقد زال الظُّهرُ! يقولُ: أتطمَعُ فيما بَعدُ، وقد تبَيَّنَ لك اليأسُ مِن نَيلِها، يُضرَبُ مَثَلًا للحاجةِ الميؤوسِ منها، ويرجِعُ طالبُها بالخَيبةِ . - مَن لي بالسَّانِحِ بَعدَ البارِحِ ؟! أصلُه أنَّ رَجُلًا مَرَّت به ظِباءٌ بارِحةٌ، والعَرَبُ تَتَشاءَمُ بها، فكَرِه ذلك، فقيل له: إنَّها ستَمُرُّ بك سانِحةً، حتَّى لا يُصابَ بالإحباطِ واليأسِ، فعِندَها قال: مَن لي بالسَّانِحِ بَعدَ البارِح؟! فذَهَبَت مَثَلًا. يُضرَبُ للرَّجُلِ يرى مِن صاحِبِه بَعضَ ما يكرَهُ، فيُقالُ له: إنَّه سيتعَبُ وتُقضى الحاجةُ، فيقولُ هذا حينَئِذٍ . يُضرَبُ مَثَلًا في اليأسِ عنِ الشَّيءِ . - رَجَعَ فلانٌ مِن حاجَتِه بخُفَّيْ حُنَينٍ. ذَكَرَه ابنُ سَلامٍ في بابِ اليأسِ مِنَ الحاجةِ والرُّجوعِ منها بالخَيبةِ . - وفي الأمثالِ السَّائِرةِ: (لا حَياةَ مَعَ اليأسِ، ولا يأسَ مَعَ الحَياةِ) . - السَّراحُ مَعَ النَّجاحِ. السَّراحُ: وهو أن يُسَرِّحَه ولا يحبِسَه، حَكاها الأصمَعيُّ. قال: ومَعناها: سَرِّحْ لي أمري؛ فإنَّ ذلك مِمَّا يُنجِحُ حاجَتي. وقال غَيرُه: هو الرَّجُلُ لا يُريدُ قَضاءَ حاجةِ صاحِبِه، فينبَغي له أن يُؤيِسَه منها، ولا يدَعَه يُطيلُ الاختِلافَ إليه باطِلًا، ثُمَّ يصيرُ إلى اليأسِ بَعدَ التَّعَبِ والعناءِ، وتُروى (الشَّرَاحُ) ومَعناه: أعطِني أوِ اشرَحْ لي وَجهَ اليأسِ فأنصَرِفَ . - حتَّى يَؤوبَ المُنَخَّلُ. يُتَمَثَّلُ به في اليأسِ عنِ الشَّيءِ، والمَثَلُ مَأخوذٌ مِن قَولِ النَّمِرِ بنِ تَولَبٍ وقَولي إذا ما أطلقوه عن بَعيرِهم تُلاقونَه حتَّى يَؤوبَ المُنَخَّلُ يُريدُ أنَّه قد كبِرَ وعَجَزَ عن طَلبِ الأشياءِ، فإذا غابَ عن عَينِه شَيءٌ خَشِيَعليه الفوتَ؛ لِما يرى مِن عَجزِه عنِ الطَّلبِ به . - ولا تَيأسْ؛ فإنَّ اليأسَ كُفرٌ |
نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا ! و ليتني ما أرضيت سواي ! على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات ! |
10-06-2024, 09:34 AM | #224 |
|
رد: الأخلاق المذمومة في الإسلام ( متجدد )
موضوعنا القادم سيكون ان شاء الله عن ( الأثرة والأنانية )
|
نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا ! و ليتني ما أرضيت سواي ! على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات ! |
10-07-2024, 04:32 AM | #225 |
|
رد: الأخلاق المذمومة في الإسلام ( متجدد )
الأثَرةُ والأنانيَّةُ
معنى الأثَرةُ لغةً واصطِلاحًا الأثَرةُ لغةً: أصلُ (أثَر) هنا يدُلُّ على تقديمِ الشَّيءِ، يُقالُ: استأثَر بالشَّيءِ: استبدَّ به، والاسمُ الأثَرةُ مِن: آثَر يُؤثِرُ إيثارًا، وفي الآيةِ: آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا [يوسف: 91] ، أي: فضَّلك، والأثَرةُ: الاستِئثارُ، والاستِئثارُ: الانفِرادُ وتفضيلُ النَّفسِ على غَيرِها في أمورِ الدُّنيا . الأنانيَّةُ لغةً: الأنانيَّةُ: مصدَرٌ صناعيٌّ مِن (أنا)، يدُلُّ على أثَرةِ وحُبِّ الذَّاتِ معَ عَدمِ التَّفكيرِ في الآخَرينَ، وهي ضدُّ الإيثارِ ، وهو لفظٌ لا أصلَ له في كلامِ العربِ . الأثَرةُ اصطِلاحًا: الاختِصاصُ بحَظٍّ دُنيويٍّ . أو: الاستِئثارُ والاختِصاصُ بأمورِ الدُّنيا . أو: استِئثارُ صاحِبِ الشَّيءِ به عليك، وحَوزُه لنَفسِه دونَك . أو: استِئثارُه عن أخيه بما هو مُحتاجٌ إليه . أو: الانفِرادُ بما تستأثِرُ به، وتنفرِدُ بفَضلِه عمَّن له فيه حقٌّ . أو: أن يختصَّ الإنسانُ نَفسَه أو أتباعَه بالمنافِعِ مِن أموالٍ ومَصالِحَ دُنيويَّةٍ، ويستأثِرَ بذلك، فيحجُبَه عمَّن له فيه نصيبٌ أو هو أَولى به . الفَرقُ بَينَ الأثَرةِ والإيثارِ أنَّ الإيثارَ هو البَذلُ، وتخصيصُك لمَن تُؤثِرُه على نَفسِك. وأمَّا الأثَرةُ فهي: استِئثارُ صاحِبِ الشَّيءِ به عليك، فحقيقةُ الإيثارِ بَذلُ صاحِبِه وإعطاؤُه، والأثَرةُ: استِبدادُه هو بالمُؤثَرِ به، فالإيثارُ أن يُؤثِرَ غَيرَه بالشَّيءِ معَ حاجتِه إليه، وعَكسُه الأثَرةُ: وهو استِئثارُه عن أخيه بما هو مُحتاجٌ إليه . ذم الآثرة والانانية والنهي عنهما أ- من القُرآنِ الكريمِ 1- قال تعالى: إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ [القلم: 17] ، (قَالُوا: اغْدُوا سِرًّا إِلَى جَنَّتِكُمْ فَاصْرِمُوهَا وَلَا تُؤْذِنُوا الْمَسَاكِينَ) . إلى آخِرِ القصَّةِ. و(ظاهِرُ النَّصِّ أنَّ خطيئتَهم التي أُخِذوا بها هي التَّصميمُ على صَرمِ جنَّتِهم خُفيةً، والاستِئثارُ بكُلِّ خَيرِها، لا يُؤدُّونَ حقَّ مسكينٍ فيه) . 2- قال تعالى: وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ [القمر: 28]، (فنهاهم اللهُ عن أن يستأثِرَ أهلُ اليَومِ الذي لا تَرِدُ النَّاقةُ فيه بيَومِهم، وأمرَهم بالتَّواسي معَ الذين تَرِدُ النَّاقةُ في يَومِهم) . وهذا على قولٍ في تفسيرِ الآيةِ. 3- قال تعالى: قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ [البقرة: 247] ، تغيَّظوا لمَّا رأَوا النِّعمةَ تُساقُ لغَيرِهم، وادَّعَوا الأحقيَّةَ في المُلكِ حتَّى كأنَّه في مُلكِهم ، واللهُ تعالى عليمٌ بمَن يستحِقُّ المُلكَ ممَّن لا يستحِقُّ . 4- قَولُه تعالى: وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة: 188] ، والخطابُ بهذه الآيةِ يتضمَّنُ جميعَ أمَّةِ مُحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، والمعنى: لا يأكُلْ بعضُكم مالَ بعضٍ بغَيرِ حقٍّ، فيدخُلُ في هذا: الغِشُّ، والخِداعُ، والكَذِبُ، وجَحدُ الحقوقِ، وما لا تطيبُ به نَفسُ مالِكِه، وغَيرُها مِن صُورِ الأثَرةِ . ب- من السُّنَّةِ النَّبويَّةِ 1- عن ابنِ مسعودٍ رضِي اللهُ عنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((ستكونُ أثَرةٌ وأمورٌ تُنكِرونَها، قالوا: يا رسولَ اللهِ، فما تأمُرُنا؟ قال: تُؤدُّونَ الحقَّ الذي عليكم، وتسألونَ اللهَ الذي لكم)) . أثَرةٌ: (أي: استِبدادٌ واختِصاصٌ بالأموالِ فيما حقُّه الاشتِراكُ) . 2- وقال رسولُ اللهِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ للأنصارِ: ((إنَّكم ستَرونَ بعدي أثَرةً شديدةً، فاصبِروا حتَّى تلقَوا اللهَ ورسولَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على الحَوضِ)) . (المُرادُ بالأثَرةِ هنا: استِئثارُ الأمراءِ بأموالِ بيتِ المالِ) . 3- وعن عُبادةَ بنِ الصَّامِتِ رضِي اللهُ عنه قال: ((بايَعْنا رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على السَّمعِ والطَّاعةِ في العُسرِ واليُسرِ، والمَنشَطِ والمَكرَهِ، وعلى أثَـرةٍ علينا، وعلى ألَّا نُنازِعَ الأمرَ أهلَه، وعلى أن نقولَ بالحقِّ أينما كنَّا، لا نخافُ في اللهِ لومةَ لائِمٍ)) . (الأثَرةُ أي: يُستأثَرُ عليكم، فيفضِّلُ غَيرُكم نَفسَه عليكم) . أي: اسمَعوا وأطيعوا، وإن اختصَّ الأمراءُ بالدُّنيا عليكم، ولم يُوصِلوكم حقَّكم ممَّا عندَهم . 4- وعن أبي هُرَيرةَ رضِي اللهُ عنه قال: ((قام رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في صلاةٍ، وقُمْنا معَه، فقال أعرابيٌّ وهو في الصَّلاةِ: اللَّهمَّ ارحَمْني ومُحمَّدًا، ولا ترحَمْ معَنا أحدًا، فلمَّا سلَّم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال للأعرابيِّ: لقد حجَّرْتَ واسِعًا)) . فالنَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم (لم يُعجِبْه دُعاؤُه لنَفسِه وحدَه، فلأنَّه بخِل برحمةِ اللهِ على خَلقِه، وقد أثنى اللهُ على مَن فعَل خلافَ ذلك بقولِه: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر: 10] ) . 5- وقال عُمرُ رضِي اللهُ عنه يصِفُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ قد خصَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في هذا الفيءِ بشيءٍ لم يُعطِه أحدًا غَيرَه، ثُمَّ قرأ: مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِه مِنْهُمْ إلى قولِه قَدِيرٌ فكانت هذه خالِصةً لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وواللهِ ما احتازها دونَكم، ولا استأثَر بها عليكم، لقد أعطاكموها، وبثَّها فيكم) . قولُه: (ما احتازها)، أي: ما جمَعها دونَكم، (ولا استأثَر بها)، أي: ولا استبدَّ بها وتخصَّص بها عليكم. قولُه: (وبثَّها فيكم)، أي: فرَّقها عليكم . ج- من أقوال السَّلفِ والعُلَماءِ 1- عن الرَّبيعِ بنِ زيادٍ الحارِثيِّ قال: (كنْتُ عندَ عُمرَ رضِي اللهُ عنه، فوضَع يدَه على بَطنِه، فقلْتُ: ما لك يا أميرَ المُؤمِنينَ؟ فقال: طعامٌ غليظٌ أكلْتُه أُذيتُ منه، قلْتُ: يا أميرَ المُؤمِنينَ، إنَّ أَولى النَّاسِ بالمَطعَمِ اللَّيِّنِ والمَلبَسِ اللَّيِّنِ لأنت، قال: فتناوَل عُصيَّةً فقرع بها رأسي، وقال: كنْتُ أحسَبُ فيك خَيرًا يا ربيعُ بنَ زيادٍ! قلْتُ: ما لك يا أميرَ المُؤمِنينَ؟ قال: واللهِ ما أردْتَ بها إلَّا مُقارَبتي، أتدري ما مَثلي ومَثلُهم؟ قال: ما مَثلُك ومَثلُهم؟ قال: مَثلُ قومٍ أرادوا سَفرًا، فدَفعوا نفقاتِهم إلى رجُلٍ، وقالوا: أنفِقْ عليك وعلينا، أفله أن يستأثِرَ عليهم؟ قلْتُ: لا، قال: فكذاك) . 2- قال بعضُهم: (إذا استقضَيتَ أخاك حاجةً فلم يَقضِها، فذكِّرْه ثانيةً، فلعلَّه أن يكونَ قد نسِي، فإن لم يقضِها فكبِّر عليه، واقرَأْ هذه الآيةَ: وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ [الأنعام: 36] ) . 3- وقضى ابنُ شُبرُمةَ حاجةً لبعضِ إخوانِه كبيرةً، فجاء بهديَّةٍ، فقال: (ما هذا؟ قال: لِما أسدَيتَه إليَّ، فقال: خذْ مالَك عافاك اللهُ، إذا سألْتَ أخاك حاجةً فلم يُجهِدْ نَفسَه في قضائِها فتوضَّأْ للصَّلاةِ، وكبِّر عليه أربعَ تكبيراتٍ، وعُدَّه في الموتى) . 4- قال أبو بكرٍ الحَربيُّ: (سمعْتُ السَّرِيَّ السَّقَطيَّ يقولُ: حمِدْتُ اللهَ مرَّةً، فأنا أستغفِرُ اللهَ مِن ذلك الحَمدِ مُنذُ ثلاثين سنةً، قيل: وكيف ذاك؟ قال: كان لي دُكَّانٌ كان فيه متاعٌ، فوقَع الحريقُ في سوقِنا، فقيل لي، فخرجْتُ أتعرَّفُ خبرَ دُكَّاني، فلقيتُ رجُلًا، فقال: أبشِرْ؛ فإنَّ دُكَّانَك قد سلِم، فقلْتُ: الحَمدُ للهِ، ثُمَّ إنِّي فكَّرْتُ فرأَيتُها خطيئةً) . 5- قال السَّرَخسيُّ: (وليس لأحدٍ أن يدفَعَ الضَّررَ عن نَفسِه بالإضرارِ بغَيرِه) . 6- قال ابنُ القيِّمِ: (فإذا رأَيتَ النَّاسَ يستأثِرونَ عليك معَ كونِك مِن أهلِ الإيثارِ، فاعلَمْ إنَّه لخَيرٌ يُرادُ بك) . 7- قال عليٌّ الطَّنطاويُّ: (نحن في حاجةٍ إلى الإيمانِ بأنَّ مصلحةَ الفردِ في مصلحةِ المجموعِ، وأنَّ رِفعتَه في رِفعةِ الأمَّةِ) . ( يتبع ) |
نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا ! و ليتني ما أرضيت سواي ! على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات ! |
10-07-2024, 04:38 AM | #226 |
|
رد: الأخلاق المذمومة في الإسلام ( متجدد )
تابع – الأثرة والأنانية
الآثارُ السَّيِّئةُ للأثَرةِ والأنانيَّةِ للأثَرةِ آثارٌ سيِّئةٌ؛ منها: 1- الصَّدُّ عن الحقِّ؛ فعن ابنِ عبَّاسٍ رضِي اللهُ عنهما قال: (قدِم مُسيلِمةُ الكذَّابُ على عهدِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فجعَل يقولُ: إن جعَل لي مُحمَّدٌ الأمرَ مِن بَعدِه تبِعْتُه) . 2- تنعدِمُ الرَّحمةُ، ويأكلُ القويُّ الضَّعيفَ، ويسودُ قانونُ الغابِ. 3- سببٌ في نقصِ الإيمانِ. 4- يكرهُ الأنانيُّ لأخيه الخَيرَ، ويحِبُّ له الشَّرَّ. 5- مُجتمَعُ الأنانيَّةِ والبُخلِ مُجتمَعٌ مُتصدِّعٌ مِن الدَّاخِلِ، تأكلُه العداواتُ والأحقادُ. 6- حينما تسودُ الأنانيَّةُ ينعدِمُ التَّكافُلُ. 7- وقوعُ الظُّلمِ، وأكلُ أموالِ النَّاسِ بالباطِلِ، وقَطعُ الأرحامِ. 8- يجُرُّ إلى عَدمِ الاهتمامِ بأمرِ المُسلمينَ. 9- سببٌ لضَعفِ الأخوَّةِ الإيمانيَّةِ. 10- دليلٌ على دناءةِ النَّفسِ وخِسَّتِها. 11- بثُّ اليأسِ في نُفوسِ ذَوي الحُقوقِ. 12- سببٌ لحُلولِ العداءِ والكراهيَةِ محَلَّ المحبَّةِ والمودَّةِ في القُلوبِ. أقسامُ الأثَرةِ تنقَسِمُ الأثَرةُ إلى مراتِبَ: الأولى: العُبوسُ والانقِباضُ وتركُ البِشرِ والبَسطةِ، فلا يسَعُ الأنانيُّ أحدًا لا بمالٍ ولا بخُلقٍ بسببِ ما به مِن أثَرةٍ. الثَّانيةُ: الانتِقامُ وعَدمُ الإغضاءِ، فيحمِلُه حُبُّ ذاتِه على الانتِصارِ لها، وتَركِ التَّغافُلِ والعَفوِ. الثَّالثةُ: الاستِئثارُ بقُوَّتِه البدنيَّةِ، فيخصُّ بها نَفسَه، ولا ينفعُ بها غَيرَه. الرَّابعةُ: التَّفرُّدُ بنعمةِ الجاهِ، فلا يشفَعُ لأحدٍ، ولا يمشي معَ غَيرِه إلى ذي سُلطانٍ، ونَحوُ ذلك. الخامِسةُ: الضَّنُّ بالعِلمِ، فهو يُحبُّ ألَّا يشرَكَه فيه أحدٌ، وإذا سُئِل أجاب باختِصارٍ بقَدرِ ما يدفعُ به الضَّرورةَ، كما كان بعضُهم يكتبُ في جوابِ الفُتيا: نعم أو لا، مُقتصِرًا عليها. السَّادسةُ: أن يكونَ ضنينًا براحتِه ورفاهِيتِه وإجمامِ نَفسِه، فلا يسعى تعبًا وكدًّا إلَّا في مصلحةِ نَفسِه. السَّابعةُ: التَّطلُّعُ إلى ما في أيدي غَيرِه، وتمنِّي زوالِ النَّعمةِ عنه، وتحوُّلِها إليه. الثَّامنةُ: أن يبخلَ بنَفسِه عن نصرِ المُستضعَفينَ؛ قال تعالى: أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ [الأحزاب: 19] ، (أي: بُخلًا بالنُّصرةِ والمُوافَقةِ في القتالِ . درجاتُ الأثَرةِ الأثَرةُ درجاتٌ بحسَبِ استِحكامِها مِن الشَّخصِ أو ضَعفِها فيه؛ فمنها: 1- الاستِبدادُ بالأمورِ المُشترَكةِ، وحِرمانُ غَيرِه. 2- الشُّحُّ الشَّديدُ، وإمساكُ الزَّكواتِ الواجِبةِ. 3- الاعتِداءُ على حُقوقِ النَّاسِ، وغَصبُ أموالِهم بغَيرِ حقٍّ. 4- البُخلُ بما في يدَيه، وعَدمُ الإنفاقِ تطوُّعًا، ومنه قولُ الحُطيئةِ فيمَن يجودُ بمالِه لنَفسِه، ويبخلُ به على غَيرِه: دعِ المكارِمَ لا ترحَلْ لبُغيتِها واجلِسْ فأنت لعَمري طاعِمٌ كاسي قال أبو عُبَيدٍ: (يقولُ: قد رضيتَ مِن المكارِمِ بألَّا تفضُلَ على أحدٍ إلَّا ما تنفِقُ عليك في طعامِك وكِسوتِك) . 5- تقديمُ حظِّ النَّفسِ على رِضا الرَّبِّ؛ قال تعالى: قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارِةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [التوبة: 24] . وعلامةُ هذه الدَّرجةِ أمرانِ؛ أحدُهما: تَركُ العَملِ بأوامرِ اللهِ إذا كانت ثقيلةً على النَّفسِ، والآخَرُ: التَّلبُّسُ بما يكرَهُه اللهُ إذا كانت النَّفسُ تُحبُّه وتهواه؛ قال تعالى: فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفسَ عَنِ الهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى [النازعات: 37 - 41] . 6- تقديمُ حظِّ النَّفسِ على كُلِّ أحدٍ وعلى مَن يعولُ، عن خَيثَمةَ بنِ عبدِ الرَّحمنِ قال: ((كنَّا جُلوسًا معَ عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رضِي اللهُ عنه إذ جاءه قَهرَمانٌ له، فدخَل، فقال: أعطَيتَ الرَّقيقَ قُوتَهم؟ قال: لا، قال: فانطلِقْ فأعطِهم، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: كفى بالمرءِ إثمًا أن يحبِسَ عمَّن يملِكُ قُوتَه)) . مظاهِرُ وصُوَرُ الأثَرةِ 1- شُيوعُ الرِّشوةِ وروحُ النَّفعيَّةِ، فلا يقومُ المُوظَّفُ بحُقوقِ النَّاسِ الواجِبةِ عليه بالوظيفةِ إلَّا بمُقابِلٍ. 2- تسخيرُ وسائِلِ وموارِدِ جِهةِ العَملِ في المصالحِ الخاصَّةِ، وتضييعُ وَقتِ العَملِ مِن أجلِها، وإفشاءُ أسرارِ المُؤسَّسةِ، وإيثارُ الأقارِبِ بالمُناقَصاتِ أو غَيرِهم مُقابِلَ منفعةٍ مادِّيَّةٍ. 3- عَدمُ الإنصافِ، فيشنِّعُ على المُخالِفِ ويُحذِّرُ منه ويُحرِّضُ عليه، وفي الوقتِ نَفسِه يرفُضُ أن يُوجَّهَ إليه النَّقدُ، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ [النساء: 135] . 4- سُؤالُ المرأةِ طلاقَ أختِها؛ عن أبي هُرَيرةَ رضِي اللهُ عنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((... لا تسألِ المرأةُ طلاقَ أختِها لتستكفِئَ إناءَها)) ، وفي روايةٍ: ((لا تسألِ المرأةُ طلاقَ أختِها لتَستفرِغَ صَحفتَها، ولتَنْكِحْ؛ فإنَّ لها ما قُدِّر لها)) . قولُه: ((لتستكفِئَ إناءَها)) (تمثيلٌ لإمالةِ الضَّرَّةِ حقَّ صاحِبتِها مِن زَوجِها إلى نَفسِها إذا سألت طلاقَها، فيصيرُ لها مِن النَّفقةِ والمُعاشَرةِ ما كان للمُطلَّقةِ، فعبَّر عن ذلك بإكفائِها ما في الإناءِ) . وقَولُه: ((لتَستفرِغَ صَحفَتَها)) أي: ليصيرَ لها مِن نَفقتِه ومعروفِه ما كان للمُطلَّقةِ . 5- التَّوسُّعُ في صُورِ التَّنعمِ والرَّفاهيةِ، معَ الإمساكِ عن الإنفاقِ في أوجُهِ النَّفعِ العامَّةِ ومصالِحِ االمُسلمينَ. 6- تلويثُ الهواءِ والماءِ والتُّربةِ، وطَرحُ الأذى في الطُّرقِ، واستِغلالُ موارِدِ البيئةِ لمصلحةٍ ذاتيَّةٍ بحتةٍ، وإحداثُ ضَررٍ بهذه الموارِدِ. 7- ما كانت تقومُ به بعضُ الدُّولِ مِن إلقاءِ القَمحِ في البحرِ بدعوى الحِفاظِ على الأسعارِ العالميَّةِ. 8- افتِعالُ الأزماتِ والمُشكلاتِ بهَدفِ الرِّبحِ مِن خِلالِها. أسبابُ الوُقوعِ في الأثَرةِ للأثَرةِ أسبابٌ كثيرةٌ، لعلَّ مِن أهمِّها: 1- سوءَ التَّربيةِ، وتفضيلَ بعضِ الأبناءِ على بعضٍ. 2- التَّشجيعَ على الأنانيَّةِ في وسائِلِ الإعلامِ. 3- الإسرافَ، وقَصرَ الهمِّ على إشباعِ الشَّهواتِ. 4- أن يرى الإنسانُ أنَّ له فَضلًا على غَيرِه، فيستزيدَ مِن الخَيرِ، أو يستبدَّ به دونَهم. 5- ضَعفَ الوازِعِ الدِّينيِّ. 6- غيابَ القُدوةِ الحَسَنةِ. الوسائلُ المُعينةُ على تَركِ الأثَرةِ يُمكِنُ التَّخلُّصُ مِن هذه الصِّفةِ المذمومةِ بَعدَ الاستعانةِ باللهِ مِن خِلالِ ما يلي: 1- البُعدُ بالنَّشءِ عن العاداتِ التي تزرعُ الأنانيَّةَ في نُفوسِهم. 2- العَدلُ بَينَ الأبناءِ في المُعامَلةِ؛ فعن النُّعمانِ بنِ بشيرٍ رضِي اللهُ عنهما، قال: ((سألَت أمِّي أبي بعضَ الموهبةِ لي مِن مالِه، ثُمَّ بدا له، فوهَبها لي، فقالت: لا أرضى حتَّى تُشهِدَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأخذ بيدي وأنا غلامٌ، فأتى بي النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: إنَّ أمَّه بنتَ رَواحةَ سألَتني بعضَ الموهبةِ لهذا، قال: ألك ولدٌ سِواه؟ قال: نعَم، قال: فأُراه قال: لا تُشهِدْني على جَورٍ، في رِوايةٍ: لا أشهَدُ على جَورٍ)) . 3- تعويدُ الطِّفلِ على مُشارَكةِ غَيرِه له في لُعَبِه، وألَّا يستأثِرَ بها دونَهم. 4- تعاوُنُ المُؤسَّساتِ الدَّعَويَّةِ والإعلاميَّةِ في التَّنفيرِ عن الأثَرةِ. 5- التَّربيةُ بالقُدوةِ؛ قال عَمرُو بنُ عَبسةَ رضِي اللهُ عنه: ((صلَّى بنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى بعيرٍ مِن المَغنَمِ، فلمَّا سلَّم أخذ وَبرةً مِن جَنبِ البعيرِ، ثُمَّ قال: ولا يحِلُّ لي مِن غنائِمِكم مِثلُ هذا إلَّا الخُمسَ، والخُمسُ مردودٌ فيكم)) . 6- الإلحاحُ في الدُّعاءِ بأن يصرِفَ اللهُ عنه الأثَرةَ، وقد كان النَّبيُّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ يدعو: ((...واهدِني لأحسَنِ الأخلاقِ؛ لا يهدي لأحسَنِها إلَّا أنت، واصرِفْ عنِّي سيِّئَها؛ لا يصرِفُ عنِّي سيِّئَها إلَّا أنت)) . 7- التَّورُّعُ؛ فعن أنسٍ رضِي اللهُ عنه: ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وجَد تمرةُ، فقال: لولا أن تكونَ صدقةً لأكلْتُها)) . 8- الخوفُ مِن اللهِ تعالى؛ فعن سعيدِ بنِ زيدِ بنِ عَمرِو بنِ نُفَيلٍ: ((أنَّه خاصَمَته أَرْوى في حقٍّ زعَمَت أنَّه انتقَصه لها إلى مروانَ، فقال سعيدٌ: أنا أنتقِصُ مِن حقِّها شيئًا، أشهَدُ لَسِمعْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: مَن أخَذ شِبرًا مِن الأرضِ ظُلمًا فإنَّه يُطَوَّقُه يومَ القيامةِ مِن سَبعِ أرَضينَ)) . ( يتبع ) |
نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا ! و ليتني ما أرضيت سواي ! على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات ! |
10-07-2024, 04:40 AM | #227 |
|
رد: الأخلاق المذمومة في الإسلام ( متجدد )
تابع – الأثرة والأنانية الوسائلُ المُعينةُ على تَركِ الأثَرةِ 9- تعويدُ النَّفسِ على الإكثارِ مِن الصَّدَقاتِ. 10- استِحضارُ عاقِبةِ الأثَرةِ، فمِن العاقِبةِ السَّيِّئةِ لمَن يستحوِذُ على أموالِ النَّاسِ ويستأثِرُ بها ما راوه أبو هُرَيرةَ رضِي اللهُ عنه: أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((أتدرونَ ما المُفلِسُ؟ قالوا: المُفلِسُ فينا مَن لا دِرهمَ له ولا مَتاعَ، فقال: إنَّ المُفلِسَ مِن أمَّتي يأتي يومَ القيامةِ بصلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ، ويأتي قد شتَم هذا، وقذَف هذا، وأكل مالَ هذا، وسفَك دمَ هذا، وضرَب هذا؛ فيُعطى هذا مِن حسناتِه، وهذا من حسناتِه، فإن فنِيَت حسناتُه قَبلَ أن يُقضى ما عليه أُخِذ مِن خطاياهم، فطُرِحَت عليه، ثُمَّ طُرِح في النَّارِ)) . ومِن العاقِبةِ الحَسنةِ لتَركِ الأثَرةِ ما رُوِي عن وَرشٍ أنَّه قال: خرجْتُ مِن مِصرَ لأقرأَ على نافِعٍ، فلمَّا وصلْتُ إلى المدينةِ صِرْتُ إلى مسجدِ نافِعٍ، فإذا هو لا يُطاقُ القراءةُ عليه مِن كثرتِهم، وإنَّما يُقرِئُ ثلاثينَ. فجلسْتُ خَلفَ الحَلْقةِ، وقلْتُ لإنسانٍ: مَن أكبَرُ النَّاسِ عندَ نافِعٍ؟ فقال لي: كبيرُ الجعفَريِّينَ، فقلْتُ: فكيف به؟ قال: أنا أجيءُ معَك إلى منزلِه. وجِئنا إلى منزلِه، فخرَج شيخٌ فقلْتُ: أنا مِن مِصرَ، جِئْتُ لأقرأَ على نافِعٍ، فلم أصِلْ إليه، وأُخبِرْتُ أنَّك مِن أصدَقِ النَّاسِ له، وأنا أريدُ أن تكونَ الوسيلةَ إليه، فقال: نعَم، وكرامةً. وأخَذ طَيلسانَه ومضى معَنا إلى نافِعٍ، وكان لنافِعٍ كُنيتانِ؛ أبو رُوَيمٍ، وأبو عبدِ اللهِ، فبأيِّهما نُودِي أجاب، فقال له الجَعفَريُّ: هذا وسيلتي إليك، جاء مِن مِصرَ ليس معَه تجارةٌ، ولا جاء لحجٍّ، إنَّما جاء للقراءةِ خاصَّةً. فقال: ترى ما ألقى مِن أبناءِ المُهاجِرينَ والأنصارِ، فقال صديقُه: تحتالُ له، فقال لي نافِعٌ: أيُمكِنُك أن تبيتَ في المسجدِ؟ قلْتُ: نعَم، فبِتُّ في المسجدِ، فلمَّا أن كان الفجرُ جاء نافِعٌ. فقال: ما فعَل الغريبُ؟ فقلْتُ: ها أنا رحِمك اللهُ، قال: أنت أَولى بالقراءةِ، قال: وكنْتُ معَ ذلك حَسنَ الصَّوتِ، مدَّادًا به، فاستفتحْتُ، فملأ صوتي مسجدَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. فقرأْتُ ثلاثينَ آيةً، فأشار بيدِه: أن اسكُتْ، فسكتُّ، فقام إليه شابٌّ مِن الحَلْقةِ، فقال: يا مُعلِّمُ أعزَّك اللهُ، نحن معَك، وهذا رجُلٌ غريبٌ،وإنَّما رحَل للقراءةِ عليك، وقد جعلْتُ له عَشرًا، وأقتصِرُ على عشرينَ، فقال: نعَم، وكرامةً، فقرأْتُ عَشرًا، فقام فتًى آخَرُ، فقال كقولِ صاحِبِه، فقرأْتُ عَشرًا، وقعَدْتُ، واقتصَرْتُ على عشرينَ، حتَّى لم يبقَ له أحدٌ ممَّن له قراءةٌ. فقال لي: اقرأْ، فأقرَأني خمسينَ آيةً، فما زِلْتُ أقرأُ عليه خمسينَ في خمسينَ حتَّى قرأْتُ عليه خَتماتٍ قَبلَ أن أخرُجَ مِن المدينةِ . فنفَع اللهُ تعالى بوَرشٍ، وما زالت روايتُه يُقرَأُ بها إلى اليومِ. أخطاءٌ شائعةٌ حولَ الأثَرةِ قد لا يُفرِّقُ البعضُ بَينَ حُبِّ الإنسانِ لذاتِه، وحِرصِه على جَلبِ الخيرِ لها، ودَفعِ الضُّرِّ عنها، وبَينَ الأنانيَّةِ والأثَرةِ؛ فحُبُّ الإنسانِ لنَفسِه أمرٌ قد جُبِل عليه، أمَّا الأنانيَّةُ فهي أمرٌ مذمومٌ؛ لأنَّها تعني طُغيانَ حُبِّه لنَفسِه على محبَّةِ الآخَرينَ، ورغبتَه في الانفِرادِ والاختِصاصِ بالخيرِ، والاستِئثارِ به دونَهم، معَ حاجتِهم إليه. مسائِلُ مُتفرِّقةٌ عن عائِشةَ قالت: (كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يستأذِنُنا إذا كان في يومٍ للمرأةِ مِنَّا، بَعدَما نزلَت: تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ [الأحزاب: 51] ، فقالت لها مُعاذةُ: فما كنْتِ تقولينَ لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا استأذَنكِ؟ قالت: كنْتُ أقولُ: إن كان ذاك إليَّ لم أُوثِرْ أحدًا على نَفسي) . قال النَّوَويُّ: (قولُها: «إن كان ذلك إليَّ لم أُوثِرْ على نفسي أحدًا» هذه المُنافَسةُ فيه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ليست لمُجرَّدِ الاستِمتاعِ، ولمُطلَقِ العِشرةِ وشَهواتِ النُّفوسِ وحُظوظِها التي تكونُ مِن بعضِ النَّاسِ، بل هي مُنافَسةٌ في أمورِ الآخِرةِ والقُربِ مِن سيِّدِ الأوَّلينَ والآخِرينَ، والرَّغبةِ فيه وفي خِدمتِه ومُعاشَرتِه والاستفادةِ منه، وفي قضاءِ حُقوقِه وحوائِجِه، وتَوَقُّعِ نُزولِ الرَّحمةِ والوَحيِ عليه عندَها، ونَحوِ ذلك، ومِثلُ هذا حديثُ ابنِ عبَّاسٍ وقَولُه في القَدَحِ: «لا أُوثِرُ بنصيبي مِنك أحدًا»، ونظائِرُ ذلك كثيرةٌ) . الأثرة والأنانية في واحة الأدب أ- من الشعر 1- قال الشَّاعرُ: فقلْتُ له يا ذيبُ هل لك في أخٍ يُواسي بلا أُثْرى عليكَ ولا بُخلِ 2- وقال آخَرُ: ما آثَروك بها إذ قدَّموك لها لكنْ لأنفُسِهم كانت بها الإثرُ 3- وقال عَمرُو بنُ عَديٍّ اللَّخميُّ: هذا جنايَ وخِيارُه فيه إذ كُلُّ جانٍ يدُه إلى فيه قال أبو عُبَيدٍ: (نزَل جُذَيمةُ الأبرَشُ منزلًا، وأمر النَّاسَ أن يجتَنوا له الكَمأةَ ، فكان بعضُهم إذا وجَد منها شيئًا يُعجِبُه فرُبَّما آثَر نَفسَه به على جُذَيمةَ، وكان عَمرُو بنُ عَديٍّ يأتيه بخَيرِ ما يجِدُه، فعندها قال عَمرٌو هذا البَيتَ) . ب- من الأمثالِ والحكمِ 1- أعطِ القليلَ، ولا يمنَعْك قِلَّتُه . 2- مَن ضنَّ بفَلسِه جاد بنَفسِه . 3- بَذلُ الجاهِ أحدُ المالَينِ . 4- بِشِّر مالَ الشَّحيحِ بحادِثٍ أو وارِثٍ . 5- أبخَلُ مِن مادِرٍ. وهو رجُلٌ مِن بَني هلالٍ سقى إبلَه وبقِي في أسفَلِ الحوضِ ماءٌ قليلٌ، فسلَح فيه وبال، ومدَّر به الحوضَ -أي: طيَّنه- بُخلًا بأن يُسقى منه، واستئثارًا بماءِ البئرِ كُلِّه! فسُمِّي مادِرًا لذلك، واسمُه مُخارِقٌ . |
نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا ! و ليتني ما أرضيت سواي ! على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات ! |
10-07-2024, 04:41 AM | #228 |
|
رد: الأخلاق المذمومة في الإسلام ( متجدد )
موضوعنا القادم سيكون ان شاء الله عن ( الاختلاف والتنازع )
|
نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا ! و ليتني ما أرضيت سواي ! على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات ! |
10-07-2024, 06:56 AM | #229 |
|
رد: الأخلاق المذمومة في الإسلام ( متجدد )
بورك العطاء الممتد لكل رواق مدائنك
سلمت وبارك الله في جهودك |
|
10-08-2024, 05:11 AM | #230 |
|
رد: الأخلاق المذمومة في الإسلام ( متجدد )
التنازع والاختلاف
مَعنى التَّنازُعِ لُغةً واصطِلاحًا مَعنى التَّنازُعِ لُغةً: يُقال: نَزَعَ الشَّيءَ مِن مَكانِه قَلعَه، ونازَعَه مُنازَعةً: جاذَبَه في الخُصومةِ، وبَينَهم نِزاعةٌ، أي: خُصومةٌ في حَقٍّ، والتَّنازُعُ: التَّخاصُمُ. ونازَعَتني نَفسي إلى هَواها نِزاعًا: غالبَتني، ونَزَعتُها أنا: غالبتُها. والتَّنازُعُ في الأصلِ: التَّجاذُبُ، كالمُنازَعةِ، ويُعَبَّرُ بهما عنِ التَّخاصُمِ والمُجادَلةِ . قال القُرطُبيُّ: (قَولُه تعالى: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ [النساء: 59] أي: تَجادَلتُم واختَلفتُم، فكأنَّ كُلَّ واحِدٍ ينتَزِعُ حُجَّةَ الآخَرِ ويُذهِبُها. والنَّزعُ: الجَذبُ. والمُنازَعةُ: مُجاذَبةُ الحُجَجِ) . مَعنى التَّنازُعِ اصطِلاحًا: قال ابنُ حَجَرٍ: (أمَّا التَّنازُعُ فمِنَ المُنازَعةِ، وهي في الأصلِ المُجاذَبةُ، ويُعَبَّرُ بها عنِ المُجادَلةِ، والمُرادُ بها المُجادَلةُ عِندَ الاختِلافِ في الحُكمِ إذا لم يتَّضِحِ الدَّليلُ، والمَذمومُ مِنه اللَّجاجُ بَعدَ قيامِ الدَّليلِ) . ويُمكِنُ تَعريفُ التَّنازُعِ بأنَّه التَّخاصُمُ والتَّخالُفُ القائِمُ على التَّجاذُبِ لنَفيِ ما عِندَ الآخَرِ ومَحوِه، سَواءٌ أكان حَقًّا أم باطِلًا، والموصِلُ في الغالِبِ إلى الفشَلِ والانتِكاسِ . مَعنى الاختِلافِ لُغةً: الاختِلافُ مَصدَرٌ مِنَ الفِعلِ اختَلف، وهذا الفِعلُ يدُلُّ على التَّفاعُلِ والمُشارَكةِ، أي: لا يكونُ إلَّا بَينَ اثنَينِ فأكثَرَ. واختَلف: ضِدُّ اتَّفقَ. وتَخالف الأمرانِ واختَلفا: لم يتَّفِقا. والخِلفةُ، بالكَسرِ: الاسمُ مِنَ الاختِلافِ، أي: خِلافُ الاتِّفاقِ، أو مَصدَرُ الاختِلافِ، أي: التَّرَدُّدِ. واختَلف الصَّديقانِ في الرَّأيِ: ذَهَبَ كُلٌّ مِنهما إلى خِلافِ ما ذَهَبَ إليه الآخَرُ، ولم يتَّفِقا . مَعنى الاختِلافِ اصطِلاحًا: قال الرَّاغِبُ الأصفهانيُّ: (الاختِلافُ والمُخالفةُ: أن يأخُذَ كُلُّ واحِدٍ طَريقًا غَيرَ طَريقِ الآخَرِ في حالِه أو قَولِه) . وقال المُناويُّ: (الاختِلافُ: افتِعالٌ مِنَ الخِلافِ، وهو تُقابلٌ بَينَ رَأيينِ فيما ينبَغي انفِرادُ الرَّأيِ فيه) . الفرقُ بَينَ التَّنازُعِ والاختِلافِ وبَعضِ الصِّفاتِ الفرقُ بَينَ التَّنازُعِ والاختِلافِ قال الرَّاغِبُ: (الاختِلافُ والمُخالفةُ: أن يأخُذَ كُلُّ واحِدٍ طَريقًا غَيرَ طَريقِ الآخَرِ في حالِه أو قَولِه، والخِلافُ أعَمُّ مِنَ الضِّدِّ؛ لأنَّ كُلَّ ضِدَّينِ مُختَلفانِ، وليسَ كُلُّ مُختَلفينِ ضِدَّينِ، ولمَّا كان الاختِلافُ بَينَ النَّاسِ في القَولِ قد يقتَضي التَّنازُعَ استُعيرَ ذلك للمُنازَعةِ والمُجادَلةِ، قال: فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ [مريم: 37] ، وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ [هود: 118] ، وَاخْتِلَافِ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ [الروم: 22] ، عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ * الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ [النبأ: 1 - 3] ، إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ [الذاريات: 8]) . وأيضًا فالاختِلافُ لا يحمِلُ مَعنى المُنازَعةِ؛ فقد يحصُلُ الاختِلافُ ولا تَحصُلُ المُنازَعةُ، أمَّا المُنازَعةُ فهي اختِلافٌ مَعَ مُعاداةٍ ومُخاصَمةٍ . الفرقُ بَينَ المُنازَعةِ والمُطالبةِ: قال أبو هلالٍ العَسكريُّ: (المُطالبةُ تَكونُ بما يُعرَفُ به المَطلوبُ، كالمُطالبةِ بالدَّينِ، ولا تَقَعُ إلَّا مَعَ الإقرارِ به، وكذلك المُطالبةُ بالحُجَّةِ على الدَّعوى، والدَّعوى قَولٌ يعتَرِفُ به المُدَّعي، والمُنازِعةُ لا تَكونُ إلَّا فيما يُنكِرُ المَطلوبَ، ولا يقَعُ فيما يعتَرِفُ به الخَصمانِ مُنازَعةٌ) . الفرقُ بَينَ الاختِلافِ والخِلافِ: مِن أهلِ العِلمِ مَن فرَّقَ بَينَ الاختِلافِ والخِلافِ، فجعَل الاختِلافَ: ما يستَنِدُ إلى دَليلٍ، والخِلافَ ما لا يستَنِدُ إلى دَليلٍ، والاختِلافُ مِن آثارِ الرَّحمةِ، والخِلافُ مِن آثارِ البدعةِ، إلى غَيرِ ذلك . ومِن أهلِ العِلمِ من ذَهَب إلى أنَّ الخِلافَ كالاختِلافِ، وأنَّهما مُتَرادِفانِ . ذم التنازع والاختلاف والنهي عنهما أ- مِنَ القُرآنِ الكريمِ - قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال: 45-46] . (هذه وصايا سَماويَّةٌ، وتَعاليمُ مِن رَبِّ العالمينَ عَظيمةٌ، مَن أخَذَ بها ظَفِرَ، ومَن تَرَكها فَشِل وذَهَبَت ريحُه لا شَكَّ) . قال ابنُ كثيرٍ: (أمَرَ تعالى بالثَّباتِ عِند قِتالِ الأعداءِ والصَّبرِ على مُبارَزَتِهم، فلا يفِرُّوا ولا يَنكُلوا ولا يجبُنوا، وأن يذكُروا اللهَ في تلك الحالِ ولا يَنسوه بَل يستَعينوا به ويتَّكِلوا عليه، ويسألوه النَّصرَ على أعدائِهم، وأن يُطيعوا اللهَ ورَسولَه في حالِهم ذلك، فما أمَرَهم اللهُ تعالى به ائتَمَروا، وما نَهاهم عنه انزَجَروا، ولا يتَنازَعوا فيما بَينَهم أيضًا فيختَلفوا، فيكونَ سَبَبًا لتَخاذُلِهم وفشَلِهم، وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ أي: قوَّتُكم ووَحدتُكم وما كُنتُم فيه مِنَ الإقبالِ) . - وقال تعالى في شَأنِ غَزوةِ أُحُدٍ: وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [آل عِمرانَ: 152] . أي: إنَّ اللهَ عَزَّ وجَل قد أنجَزَ لكم ما وعَدَكم به يومَ أُحُدٍ أيُّها المُؤمِنونَ، وهو نَصرُكم على عَدوِّكم، وكان ذلك في بدايةِ المَعرَكةِ حينَ طَفِقتُم تَستَأصِلونَهم بقَتلهم قَتلًا ذَريعًا، وذلك قد وقَعَ عن أمرِ اللهِ تعالى شَرعًا وقدَرًا، حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ أي: لما استَولى عليكم الضَّعفُ والخَورُ، وجَبُنتُم عنِ القِتالِ، ووقَعَ الخِلافُ بَينَ رُماتِكم: هَل يَلزَمونَ ثُغورَهم -كما عَهِدَ إليهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- أم يتَحَرَّكونَ لجَمعِ الغَنائِمِ، وعَصى بَعضُكم في النِّهايةِ أمرَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، مِن بَعدِ أن أظهرَ اللهُ تعالى لكم ما تُحِبُّونَه مِن انهزامِ الكُفَّارِ، وتَوليتِهم الأدبارَ، فلمَّا وقَعَ ذلك كُلُّه، حَلَّت بكم الهَزيمةُ . وفي هذا أنَّ وعدَ اللهِ تعالى المُؤمِنينَ النَّصرَ على عَدوِّهم مَشروطٌ تحَقُّقُه بما إذا لم يعصوا بتَنازُعِهم وفشَلِهم، يُبَيِّنُ ذلك قَولُه تعالى: حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ [آل عمران: 152] . وفيه الحَثُّ على اجتِماعِ الكلمةِ، وجهُه: أنَّ النِّزاعَ سَبَبٌ للخِذلانِ، فيكونُ الاتِّفاقُ سَبَبًا للنَّصرِ، وهو كذلك؛ فاجتِماعُ النَّاسِ على كلمةٍ واحِدةٍ لا شَكَّ أنَّه سَبَبٌ للنَّصرِ؛ ولهذا ينبَغي لطَلبةِ العِلمِ وللعُلماءِ ألَّا يُظهِروا خِلافَهم ونِزاعَهم أمامَ العامَّةِ . - وقال تعالى في المُشرِكينَ: وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ * فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ [يس: 48 - 50] . أي: ما ينتَظِرونَ إلَّا صَيحةً واحِدةً حينَ يُنفَخُ في الصُّورِ عِندَ قيامِ السَّاعةِ، فتُصيبُهم وهم يختَصِمونَ في شُؤونِ دُنياهم؛ فهم في غَفلتِهم لاهونَ عنها، لم تَخطُرْ على قُلوبهم . وفي قَولِه تعالى: تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ بَيانُ حالِ هؤلاء الذين تَقومُ عليهم القيامةُ وتَأخُذُهم الصَّيحةُ، مِنَ الخُصومةِ والتَّنازُعِ؛ مِمَّا يدُلُّ على سوءِ أحوالِهم، وسوءِ أخلاقِهم، وأنَّه لا همَّ لهم إلَّا هذه المُخاصَمةُ والمُنازَعةُ؛ شُحًّا وطَمَعًا في الدُّنيا، وغَفلةً عنِ الآخِرةِ؛ ولهذا جاءَ في الحَديثِ الصَّحيحِ: أنَّ السَّاعةَ لا تَقومُ إلَّا على شِرارِ الخَلقِ ، وهؤلاء مِنَ المَعلومِ أنَّهم يأكُلونَ ويشرَبونَ، لكِنْ لم يذكُرِ اللهُ إلَّا هذا التَّخاصُمَ؛ لبَيانِ سوءِ حالِهم في ذلك الزَّمَنِ . - وقال تعالى مُبَيِّنًا أنَّ السَّبَبَ في التَّنازُعِ واختِلاف العُقولِ هو قِلَّةُ العَقلِ: لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ [الحَشر: 14] . قال الشِّنقيطيُّ: (بَيَّن تعالى أنَّ اختِلافَ القُلوبِ، والمُنازَعاتِ الشَّديدةَ، وتَشَتُّتَ الآراءِ والأفكارِ، وعَدَمَ الاتِّحادِ؛ أنَّ سَبَبَ هذا الذي يجتَلبُه به إنَّما هو ذَهابُ العَقلِ وعَدَمُ العَقلِ؛ لأنَّ العاقِلَ لا يتَسَبَّبُ في المُخالفةِ؛ لأنَّك إذا اختَلفتَ أنتَ وأخوك كان تَدبيرُه وكُلُّ ما عِندَه مِن قوَّةٍ يعمَلُ ضِدَّك، فإذا كُنتَ عاقِلًا -ولو عَقلًا دُنيويًّا- كان تَسبُّبُك في أن يكونَ مَعَك؛ لأنَّ كونَ قوَّتِه وما أعطاه اللهُ في صالحِك خَيرٌ لك مِن أن يكونَ في غَيرِ ذلك؛ ولذا بَيَّن تعالى أنَّ سَبَبَ اختِلافِ القُلوبِ هو ضَعفُ العُقولِ وعَدَمُها؛ قال في قَومٍ -وهمُ اليهودُ لعنَهمُ اللهُ- بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى أي: مُختَلفةٌ مُفتَرِقةٌ، فِرَقٌ مُتَعاديةٌ مُختَلفةٌ. ثُمَّ بَيَّنَ العِلَّةَ التي أوجَبَت تَشَتُّتَ تلك القُلوبِ، قال: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ) . - وقال تعالى: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف: 199] . فدَخَل في قَوله: وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ الحَضُّ على التَّخَلُّقِ بالحِلمِ، والإعراضُ عن أهلِ الظُّلمِ، والتَّنَزُّهُ عن مُنازَعةِ السُّفهاءِ، ومُساواةِ الجَهَلةِ والأغبياءِ، وغَيرُ ذلك مِنَ الأخلاقِ الحَميدةِ، والأفعالِ الرَّشيدةِ . - وقال تعالى مُحَذِّرًا الأُمَّةَ الإسلاميَّةَ مِنَ الاختِلافِ والتَّفرُّقِ الذي وقَعَ في الأُمَمِ السَّالفةِ: وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [آل عمران: 105] . قال ابنُ جَريرٍ: (يعني بذلك جَلَّ ثَناؤُه: ولا تَكونوا يا مَعشَرَ الذين آمَنوا كالذين تَفرَّقوا مِن أهلِ الكِتابِ، واختَلفوا في دينِ اللهِ وأمرِه ونَهيِه، مِن بَعدِ ما جاءَهمُ البَيِّناتُ مِن حُجَجِ اللهِ، فيما اختَلفوا فيه، وعَلموا الحَقَّ فيه، فتَعَمَّدوا خِلافَه، وخالفوا أمرَ اللهِ، ونَقَضوا عَهدَه وميثاقَه؛ جَراءةً على الله، وَأُولَئِكَ لَهُمْ يعني: ولهؤلاء الذين تَفرَّقوا واختَلفوا مِن أهلِ الكِتابِ مِن بَعدِ ما جاءَهم عَذَابٌ مِن عِندِ اللهِ عَظيمٌ يقولُ جَل ثَناؤُه: فلا تَفرَّقوا يا مَعشَرَ المُؤمِنينَ في دينِكم تَفرُّقَ هؤلاء في دينِهم، ولا تَفعَلوا فِعلَهم، وتَستَنُّوا في دينِكم بسُنَّتِهم؛ فيكونَ لكم مِن عَذابِ اللهِ العَظيمِ مِثلُ الذي لهم) . - وقال تعالى مُبَيِّنًا قُبحَ الاختِلافِ وما يُفضي إليه مِن شِقاقٍ ونِزاعٍ: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ [البقرة: 176] . قال الرَّازيُّ: (أمَّا قَولُه: وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ فاعلَمْ أنَّا وإن قُلنا: المُرادُ مِنَ الكِتابِ هو القُرآنُ، كان اختِلافُهم فيه أنَّ بَعضَهم قال: إنَّه كِهانةٌ، وآخَرونَ قالوا: إنَّه سِحرٌ، وثالثٌ قال: رِجزٌ، ورابعٌ قال: إنَّه أساطيرُ الأوَّلينَ، وخامِسٌ قال: إنَّه كلامٌ مَنقولٌ مُختَلقٌ، وإن قُلنا: المُرادُ مِنَ الكِتابِ التَّوراةُ والإنجيلُ فالمُرادُ باختِلافِهم يحتَمِلُ وُجوهًا أحَدُها: أنَّهم مُختَلفونَ في دَلالةِ التَّوراةِ على نُبوَّةِ المَسيحِ، فاليهودُ قالوا: إنَّها دالَّةٌ على القدحِ في عيسى، والنَّصارى قالوا: إنَّها دالَّةٌ على نُبوَّتِه، وثانيها: أنَّ القَومَ اختَلفوا في تَأويلِ الآياتِ الدَّالةِ على نُبوَّةِ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فذكر كُلُّ واحِدٍ منهم له تَأويلًا آخَرَ فاسِدًا؛ لأنَّ الشَّيءَ إذا لم يكُنْ حَقًّا واجِبَ القَبولِ بَل كان مُتَكلَّفًا كان كُلُّ أحَدٍ يذكُرُ شَيئًا آخَرَ على خِلافِ قَولِ صاحِبه، فكان هذا هو الاختِلافَ) . وقال السَّعديُّ: (وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ أي: وإنَّ الذين اختَلفوا في الكتابِ، فآمَنوا ببَعضِه، وكفَروا ببَعضِه، والذين حَرَّفوه وصَرَفوه على أهوائِهم ومُراداتِهم لَفِي شِقَاقٍ أي: مُحادَّةٍ، بَعِيدٍ عنِ الحَقِّ؛ لأنَّهم قد خالفوا الكِتابَ الذي جاءَ بالحَقِّ الموجِبِ للاتِّفاقِ وعَدَمِ التَّناقُضِ، فمَرَج أمرُهم، وكثُرَ شقاقُهم، وتَرَتَّبَ على ذلك افتِراقُهم) . - وقال تعالى في بَيانِ نِعمَتِه سُبحانَه على مَن عَصَمَهم مِنَ الاختِلافِ المُهلكِ: وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ [هود: 118-119] . قال ابنُ كثيرٍ: (قَولُه: وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ أي: ولا يزالُ الخُلفُ بَينَ النَّاسِ في أديانِهم واعتِقاداتِ مِلَلِهم ونِحَلِهم ومَذاهِبِهم وآرائِهم. وقَولُه: إلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ أي: إلَّا المَرحومينَ مِن أتباعِ الرُّسُلِ، الذين تَمَسَّكوا بما أُمِروا به مِنَ الدِّينِ، أخبَرَتهم به رُسُلُ اللهِ إليهم، ولم يزَلْ ذلك دَأبَهم، حتَّى كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الأُمِّيُّ خاتَمَ الرُّسُلِ والأنبياءِ، فاتَّبَعوه وصَدَّقوه، ونَصَروه ووازَروه؛ ففازوا بسَعادةِ الدُّنيا والآخِرةِ؛ لأنَّهم الفِرقةُ النَّاجيةُ) . وقال ابنُ عاشورٍ: (لمَّا أشعر الاختِلافُ بأنَّه اختِلافٌ في الدِّينِ، وأنَّ مَعناه العُدولُ عنِ الحَقِّ إلى الباطِلِ؛ لأنَّ الحَقَّ لا يقبَلُ التَّعَدُّدَ والاختِلافَ، عَقَّبَ عُمومَ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ باستِثناءِ مَن ثَبَتوا على الدِّينِ الحَقِّ ولم يُخالِفوه، بقَولِه: إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ أي: فعَصَمَهم مِنَ الاختِلافِ) . ( يتبع ) |
نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا ! و ليتني ما أرضيت سواي ! على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات ! |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 19 ( الأعضاء 0 والزوار 19) | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
الأخلاق أرزاق | فاطمة | الكلِم الطيب (درر إسلامية) | 14 | 07-16-2024 05:02 PM |
الأخلاق وهائب….!!!! | النقاء | الكلِم الطيب (درر إسلامية) | 12 | 02-25-2024 02:59 PM |
ربيع الأخلاق | بُشْرَى | الصحة والجمال،وغراس الحياة | 4 | 05-15-2023 12:50 PM |
لنتصدق على فقراء الأخلاق. | رهيبة | الكلِم الطيب (درر إسلامية) | 6 | 09-16-2022 10:57 PM |
الأخلاق وهائب | المهرة | الكلِم الطيب (درر إسلامية) | 5 | 03-16-2021 10:07 PM |