قناديـلُ الحكايــــا يعدو الربيــع بعد الربيــع ويكبر البوح.. ( يمنع المنقول ) |
يعدو الربيــع بعد الربيــع ويكبر البوح..
( يمنع المنقول )
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||||||||||
|
||||||||||||
الفِراق
كل شيء كان هادئا في تلك الليلة ، طبيعة الحياة وروتينها كما هو في كل الأيام ، كل العصافير قد عادت إلى أوكارها بعد أن دنت شمس ذلك اليوم نحو المغيب ، المساء يزحف رويدا رويدا ؛ ليلقي بمعطفه الأسود على أديم الأفق ، الكل يتهيأ للنوم ، إلا ذلك العصفور الصغير الذي راح يلاحظ أباه وهو ممدد على فراشه بين الحياة والموت ، ومضى يقول في نفسه : ترى ماذا أصاب أبي ؟ فمنذ ثلاثة أيام فقط تغيرت حالته ، لم يعد يخرج مع بقية العصافير كعادته ، لم يعد يستطيع الطيران كما كان ، مسكين يا أبي ، ترى ماذا دهاك ؟ .
وبينما هو مسترسل في تلك الأفكار لاحظ حركة غير اعتيادية في وكرهم ، الأسرة بدأت تتجمع حول أبيه ، الأقارب والجيران بدؤوا يتوافدون ، عدد من العصافير تتهامس فيما بينها ، وقد أتت من الأوكار المجاورة في تلك الدوحة ، عصفورة من الجيران تأتي لتأخذه وتطير به إلى وكرها لينام مع أبنائها الصغار . لم ينم ذلك العصفور أبدا ؛ لأنه مشغول على أبيه ، وفجأة تسلل إلى مسمعيه صراخ العصافير ، يا الهي ! هذا الصراخ قادم من وكرنا ، لا .. لا .. لا ، أبي .. غير معقول ! ، وانخرط في بكاء مستمر . كان ذلك العصفور وحيد أبيه ، ماتت أمه بعد خروجه إلى الدنيا ببضعة أيام ، تولى تربيته والده وعمته وجدته أم أبيه ، وكان أبوه كل شيء بالنسبة له في هذه الحياة ، عاشا معا يحلمان بمستقبل مشرق ، ويشيّدان لعيشة أفضل ، ضحى أبوه بكل شيء من أجله ، لم يقترن بعصفورة أخرى خشية عليه ، ربَّاه ، علمه ، رواه ينابيع الحب والحنان ؛ لتعويضه عن فقدان أمه ، مضى يوفر له كل أسباب السعادة ليراه وقد أصبح عصفورا فتيا جميلا تتمناه كل عصفورة جميلة في تلك الدوحة . كانت هذه الدوحة التي يعيش فيها هذا العصفور الصغير مع بقية أسرته دوحة أمن وسلام ، الكل يعيش فيها بالحب والصفاء والطمأنينة ، لا يريدون من هذه الحياة سوى الستر وراحة البال ونعمة الاستقرار . في مكان آخر كانت هناك دوحة تجاورها على العكس من ذلك ، كثيرا ما تدب فيها الخلافات والخصومة بين الطيور التي تقطنها ، وكل ذلك بسبب الزعامة على تلك الدوحة . كان زعيمهم نسرا قويا ، شديد الوطأة ، يحكم تلك الدوحة بعقلية شتائية ، مما جعل سكانها من الطيور يتذمرون من طريقة حكمه ، ويحاولون التخلص منه ومن أعوانه وأنصاره بأي طريقة كانت ، وكم حاولت بعض الطيور الناضجة إلى ذلك سبيلا ، ولكنها كانت تفشل في كل مرة . ومع مرور الأيام تكونت فرقة من الطيور الشابة حملت على عاتقها مسألة التغيير ، ومضت تذرع الأرض يمينا وشمالا باحثة عمن يمد لها يد العون ، ويساعدها في تلك المسألة . في مكان ثان كان هناك نسر آخر يحكم دوحة أخرى ، له عقلية ربيعية وأفكار متفتحة ومبادئ تختلف عن النسر السابق ، مما يوافق أفكار تلك الفرقة التي تبحث عن مساند لها . تحالفت تلك الفرقة من الطيور مع النسر المتفتح ضد نسرهم المستبد ، وتشربوا تجربته وأفكاره بعد أن خاضها مع من كان قبله ، وبدؤوا بتطبيقها على دوحتهم ، وهو يمدهم بما يلزم القيام بهذه المهمة ، وتوالت الأحداث ، وكان ما كان ، قتلٌ وجَرحٌ وتشريدٌ بين صفوف الطيور ، حتى تحققت لهم غايتهم . في دوحة العصفور الصغير كان الجو هادئا والحياة طبيعية بعد طلوع فجر ذلك اليوم المشؤوم ، بعض العصافير تغرد على أغصان الأشجار ؛ بعد أن استيقظت من كراها ، والبعض ما زال نائما ، والبعض قد غادر الأغصان منتشرا في أرض الله الواسعة ، والكل مسرور بهذا الصباح الجميل ، ولم يقطع تلك الفرحة إلا أسراب من الغربان السود ، أرسلها النسر المتفتح ؛ لتعقب فلول الهاربين من أنصار ذلك النسر المستبد ـ أخذت تحوم في تلك الأجواء ، تنشر الخوف والرعب في قلوب العصافير ، وتملأ الدنيا بضجيجها الصاخب ، وترمي بحممها على دوحة العصفور الصغير . وبعد ساعة من الزمن تقريبا ، كان المنظر مؤلما ومأساويا ، قتلى هنا ، أصابات هناك ، حروق ، حرائق ، دخان كثيف ، جثث العصافير في كل مكان ، في الشوارع وفي الأزقة وعند ينابيع الماء وعند مواقع الطعام ، شيء مؤلم لا يوصف . والد العصفور الصغير كان من ضمن الناجين من الموت في ذلك اليوم الحزين ، لكنه استنشق أبخرة تلك الحمم فتسممت بها أجهزة جسده جميعها ، وما هي إلا أيام قلائل حتى أصبح طريح الفِراش . وبينما كان العصفور الصغير في بيت جارتهم يبكي وينتحب إذ بجدته تأتي ، بعد أنتهاء مراسم الدفن والعزاء ، وتضمه إلى صدرها ، وتقول له هيا بنا يا بني إلى وكرنا الجميل . ويدخل العصفور إلى وكره والحزن يخيم عليه من كل ناحية ، ليجد أن أباه قد فارقه ، وأنه أصبح يتيما بعد أن دفع ثمنا باهظا لحرية الآخرين . *** الغيث حصري للمزيد من مواضيعي
المصدر: منتديات مدائن البوح
علمتني الحياة أن أبني جسرا من الأمل فوق أي بحر من الأحزان
آخر تعديل الغيث يوم
06-01-2022 في 09:05 PM.
|
06-01-2022, 08:10 PM | #2 |
|
رد: الفِراق
.
. قصة مأساوية . لكنها محبوكة باحتراف الرمزية عالية جدا ... والتسلسل جميل .. مشوق القاص الغيث ... جميل المداد ..ومن ينصفه غيرك قصة ذات بهاء كروحك الوشم والتقييم والنشر مع منح المكافأة |
.
. يا بلسماً في الحب لك الروح ساخية دم سالماً يا قرّة قلبي بصحة وعافية #أبي |
06-01-2022, 08:30 PM | #3 |
|
رد: الفِراق
قصه جميلة بالرغم من الحزن المتراكم فيها
الأديب الكبير الغيث هنا سرقني الوقت من واقعي لأتنهد هناك وأتشوق هنا وتارة أستاء حتى أسعفتني المآقي منذ البداية لا فكاك حتى بلغت وإياك هنا لقد عشت الواقع داخل أوراقك حقا كما تفضلت الفراق صعب مؤلم والقصة هنااا رصاصة تصيب الهدف أسرع من الرواية لن يفيك غير إنك أكثر من رائع شكرًا تتكاثر لروحك الجميلة هنا |
هَاتِ القَوَافِيْ ، فَهٰذِيْ المَرْأَةُ الأَسْمَىٰ أَزَاحَ رَبِّيْ بِهَا ، عَنْ مُهْجَتِيْ الهَمَّا فِيْهَا مِنَ الحُبِّ مَا لَا شَيْءَ يَحْمِلُهُ وَمِنْ يَدَيْهَا اِجْتَنَيْتُ الأَمْنَ ، وَالحُلْمَ شكرآ أمير الشعراء وسيف المدائن,, |
06-01-2022, 09:40 PM | #5 |
|
رد: الفِراق
قصة مليئة بالأحزان
الجروح مُتشابكة كان الغيث فيها رائعاً في التسلسل وصولاً إلى الحبكة ونهاية القصة شكراً لك وأكثر |
|
06-02-2022, 12:57 AM | #6 | |
|
رد: الفِراق
اقتباس:
وليس غريبا أن تكون قراءتك نموذجية فأنت ربيبة الأدب وابنة الضاد ورفيقة اللغة ما شاء الله وكأني لم أكتب هذا النص حين قرأت ما سطرته هنا باحتراف زادك الله نورا وسعة وثقافة وأدبا وبارك فيك عمرا وفكرا وروحا |
|
علمتني الحياة أن أبني جسرا من الأمل فوق أي بحر من الأحزان
|
06-02-2022, 01:10 AM | #7 | |
|
رد: الفِراق
اقتباس:
وقراءتك أيضا لها قيمتها ومدلولاتها والقصة فعلا تحاكي واقعا حصل لكنها في صورة رمزية فشكرا لهذا الجمال وما سطرته هنا وشكرا لذائقتك الراقية بارك الله فيك وايعك لروحك السلام |
|
علمتني الحياة أن أبني جسرا من الأمل فوق أي بحر من الأحزان
|
06-02-2022, 01:12 AM | #8 |
|
رد: الفِراق
|
علمتني الحياة أن أبني جسرا من الأمل فوق أي بحر من الأحزان
|
06-02-2022, 01:17 AM | #10 | |
|
رد: الفِراق
اقتباس:
وخير من يقرأ النصوص هو أنت يا ابا علي وكما قلت فالقصة محزنة وتمثل أحداثا حزينة حصلت في الواقع فشكرا لكل هذا الجمال وشكرا لحضورك الوارف وروحك المعطاءة بارك الله فيك واسعدك |
|
علمتني الحياة أن أبني جسرا من الأمل فوق أي بحر من الأحزان
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|