البحر يعظ • •

البحر يعظ • •

بدأت الحكاية في ذاك اليوم الصيفي حيث كان الصياد قد رمى بشباكه إلى البحر
مرّ الوقت وهذه الظهيرة قد داهمته ولم تهزّ شباكه

يتلفت يمنة ويسرة وجانب قدمه عدة أحجار
كل دقيقة يشتاط غضباً فيدفع بقدمه عدة أحجار إلا حجر واحد كان الأكبر ولم يستطع قذفه بقدمه

أيقن أنه سبب الفشل الذي أصابه في هذا اليوم
التقطه بكلتا يديه وتأمله جيداً واستغرب ألوانه المتعددة وشكله المدبب

قذفه بعيداً فإذا هو يرتطم بصخرة ويرتد ليعود إليه
وكأن الحجر يخاطب الصياد بأنك لا تستطيع معي فعل أي شيء

وفعلاً استطاع الحجر استفزاز الصياد فتناوله من جديد ورمى به إلى البحر
أحدث الحجر تموجات وصوت عند ارتطامه بسطح البحر فلم يعد لغروره أي حد

ها أنا استطعت أن أحرك هذا البحر بقوتي وصلابتي

وبدأ الحجر يستفيق لحقيقة ما يجري له
فهاهو ينساق دون إرادته نحو الأعماق ليستقر هناك

سمع قهقهة البحر وهو يقول له ها أنت الآن وقد التقمتك فأرني ماذا أنت فاعل الآن
سأله الحجر وماذا يريد البحر من حجر صغير مثلي
فأجابه الآن أدركت بأنك صغير
اطمئن سألقنك درساً صغيراً ثم ألفظك إلى حيث كنت
ولكن أخبرني أيها البحر العظيم بماذا أزعجتك
قال له كنت أشعر بغرورك عندما اصطدمت بالصخرة
ثم عدت إلى جانب الصياد وكأنك أنت بقوتك فعلت ذلك
وشعرت بغرورك عندما لامست سطحي وماكنت تدري أني سأبتلعك
أيها الحجر الصغير أنت تشبه بعض البشر

كيف؟

أجابه البحر:

لك ألوان عدة وكم من البشر كل يوم تصادفهم بلون ورأي مختلف
تسمح للآخرين بقذفك وأنت تظن أن القوة ناتجة عنك وليست قوة الدفع
تظن إن خدشت أحدهم أنك أنهيته وما هو سوى فخ ومصيدة لك حتى يحبسك في الأعماق
تتناسى حجمك الحقيقي وتحاول أن تتجرأ على بحر مثلي يخافه الجميع
وتختلف لهجة خطابك مع الآخرين عندما تدرك أنك أصبحت بلا حول ولا قوة

كيف تشبهني بالبشر وأنا حجر بلا روح ولا عقل

يجيبه البحر: أو تظن أن كل البشر على اليابسة لهم أرواح وعقول
ثم أثار زوبعة صغيرة أمام الحجر لتبدأ حبات التراب تتناثر من عليه
نظر الحجر إلى نفسه ليرى أن كل لون منه كان حجراً وأن ثمة طين قد جمعته بالآخرين
سأل البحر من جديد لماذا تقوم بتفتيتي سأبدو صغيراً أليس كذلك
أجابه: تلك الأحجار الأخرى التي سأفصلك عنها هي مجرد أفكارك البالية وغرورك وجمودك الفكري

إن قيمتك ليست بحجمك إنما بقدر ما تكون خير للآخرين
لقد أصبحت مضرب المثل فكل متشدد عنيد يقولون عنه بأنه يشبه الحجر
انفصل الحجر عن سواه وبدأت أمواج القاع تقذف به كيفما يحلو لها
وبدا مظهره الخارجي يخلو من كل نتوء ليصبح ناعماً أملساً وبيضوياً
اعتبر البحر أن هذا الدرس كان كافياً فلفظه نحو الشاطئ من جديد

بدأ الحجر ليستعيد وعيه وخلاصة ما مر فيه ليقول
ها آنا عدت حيث كنت بعد أن غير البحر من حجمي وملامحي

كثيراً ما نغرق بالوهم حتى تأتي الحياة وتعرينا على حقيقتنا
ثم تعيدنا إلى نقطة البداية
منا من يستوعب الدرس ويعتبر
ومنا من لا يلين فكره ولا تصح بصيرته

للمزيد من مواضيعي