قراءة في ( رواق الخبز الحرام) أ. جوري

قراءة في ( رواق الخبز الحرام) أ. جوري

رابط القصة الأصلية هنا
https://www.boohalharf.com/vb/showth...590#post366590

تنحو القصة النفسية إلى إظهار الجوانب السيكولوجية والسمات الخاصة التي تتميز بها الشخصيات الرئيسية للقصة ، وتهتم بإبراز المشاعر والصراعات الداخلية التي تنتج سلوكا ومواقف تحدد نظرتهم للحياة، وسبل مواجهتهم لتحدياتها.
وعلى هذا المنوال تغوص قصة "رواق الخبز الحرام" في التعقيدات النفسية المختلفة لبطلة النص.
وتتمحور فكرتها الأساسية حول التعويض العاطفي كوسيلة دفاعية تلجأ إليها النفس لتجاوز واقع ضاغط ومحبط.
فالمجتمع والتقاليد والأسرة كلها قيود تحرم المرأة من حياة طبيعية، وأسوء من ذلك أنها تستغلها وتسلبها ثمرة عملها ( اجلب المال ليتمتعوا...)

ويتكون العنوان من جملة تتسم بالغموض، وتستثير شهية المتلقي وفضوله، إذ أنه يوحي في الذهنية والمتعارف عليه بأمر مخالف للدين أو الأعراف المجتمعية، فالرواق مساحة مغطاة أو غرفة طويلة تُستخدم مكانًا للإقامة والمرور وللتواصل بين مختلف أقسام المبنى وعرض الأعمال الفنية أو البضائع، في حين أن الخبز الحرام يدل على اقتران ما يحفظ الحياة - الأكل- بالشيء المنهي عنه، كما بالنسبة لرواية الخبز الحافي للأديب المغربي محمد شكري التي ترسم السيرة الذاتية للكاتب عارية بدون رتوش أو تجميل، وحيث يتمظهر البؤس والمعاناة في أبهى صورهما.
قد يشير العنوان إلى شيوع الحرام واتساع معناه، والذي لا يقتصر على الساردة وإنما يمتد إلى قمعها وسوء معاملتها أسريا ومجتمعيا، أو إلى كثرة ارتكاب الفعل "الحرام" من وجهة نظر البطلة وعده رغم ذلك نوعا من المعادلة العادلة ، أو إلى أن الرواق هو الرابط المكاني والزماني بين حالة الموت المعنوي وحالة العودة للحياة وفق تصورها ( رحلة اعادتي للحياة). وإن النص في اتساقه مع العنوان قد يحمل كل هذه المعاني أو يشير إليها.

ويناسب أسلوب القصة المروي بصيغة المتكلم الطابع النفسي المركب والمضطرب للبطلة، إذ إنه الأقدر على الإحاطة بأدق المشاعر والخلجات الداخلية ، لكنه يشكو أحيانا من التطويل وضعف بعض التعابير والتكرار ( كل صباح رحلة صباحية- كل صباح هذه الرحلة...) وغياب علامات الترقيم التي تنظم وتربط الأفكار والفقرات، وتؤدي إلى فهم أوضح لمجريات الحدث وتسلله المنطقي والتعبيري.
وتبدو الشخصية الرئيسية في إطار بحثها عن الخروج من مأزقها الوجودي، كأنها تستحضر الصورة المثالية للرجل القوي ( يمتلك جسدا كلاعبي الملاكمة) والقادر على حماية البطلة والخالي من العيوب، فمعنى اسم سالم: الناجي من كل آفة والبريء من الأمراض. كما أن الفستان قد يرمز إلى الزفاف وإلى أمنيتها بتحقيق علاقة الزواج الشرعية.

إن الجوع في القصة ليس ماديا فقط بل معنويا أيضا، يتجلى في الحاجة إلى الحب وإشباع الرغبات العاطفية، لذلك يستخدم النص كلمة الخبز بدلالات مختلفة، تصنفها البطلة وفق ميزانها العاطفي، فخبز الحرام هو ما يحقق الاستقرار النفسي، أما خبز الحرمان فلا يشبع سوى البطون.
إنه خبز لا يشبع جوعا عاطفيا حسب تعبير لشاعر اليمني عبد الله البردوني:
و أنا في هواك أمضي بجوع الـ ... حبّ و الأغنيات مائي وزادي

كما أن الشرخ ليس في الجدار فقط، بل في النفس أيضا حيث يتكوم الشعور بالذنب والخطيئة، في تواز مع الإحساس بالمتعة، الذي تضخم بعد الشعور بالخيبة (اخبرني لقد تزوج انهارت كل الافكار والاحلام)
وهو شرخ تحرص النفس على إخفاءه وستره كما تخفي الفساتين خلف الخزانة. وكذلك ابتسامتها وشعورها بفرحة مختلسة خلف قناع كئيب تظهره للمجتمع الظالم (وابتسامتي تحت وجه الكآبة)

لقد نجح النص في رسم صورة نفسية للمرأة وقدرتها العجيبة على التأقلم مع واقعها مهما اشتدت وطأته، وقدم جانبا من أسرار فتنتها وغموضها، في توافق مع مقولة المخرج والكاتب جيمس كامرون المعبرة " قلب المرأة محيط من الأسرار".

للمزيد من مواضيعي