قراءتي لومضة أمجد / روبابيكيا..

https://www.boohalharf.com/vb/showthread.php?t=7800

روبابيكيا

باع المرآة التي ورثها عن جده .. اشترى مرآة جديدة .. كان كل ما نظر فيها يجد نفسه مقلوبا .. ضاق بها ذرعا فحطمها .. عاد إلى المحل لاسترجاع مرآة جده .. وجد ظله قد اشتراها من المحل /
/
/
قراءة في قصة روبابيكيا


يستهل الكاتب النص بفعل باع، مستعملا ضمير الغائب ( هو) لتثبيت فكرة النص، واتساقا مع العنوان، فشخصية القصة الرئيسية والوحيدة، تقدم على التخلي والمتاجرة بموروث عريق، وهي مرآة سبق استعمالها، ونسبتها إلى الجد تدل على ارتباطها بتاريخ قديم، منسجم مع كيان أصحابه، ووظيفته الأساسية، لذلك حين يتخلى عنها بشراء أخرى مستحدثة، في إشارة إلى استبدال طوعي، ربما بسبب الانبهار أو الرغبة في التغيير.
لا تتأقلم الشخصية مع الأداة البديلة، ويحدث الاضطراب، بانقلاب يطغى على حياتها ويفقدها بوصلتها، كأنها فقدت هويتها فانقلبت إلى النقيض، فتقدم على تكسير المرآة الجديدة، كعلامة رفض لهذا الواقع الجديد محاولة العودة إلى الأصل السابق، واسترجاع ماضيها، لكنها تفاجأ أن جانبها العميق والمخفي، قد استعاد وحافظ على إرثها القديم دون أن تدري.

يرد العنوان غامضا ومثيرا، فالكلمة أصلها أجنبي، وتحمل دلالات عديدة، فروبابيكيا هي كلمة من أصل إيطالي وتعنى الملابس القديمة، فـروبا معناها ملابس، وبيكيا القديم. وتعني أيضا تجارة الأشياء المستعملة والمستغنى عنها بصفة عامة. وقد وظفت بذكاء كعنوان لتوحي بالشيء القديم المرتبط بالذات، وأيضا بالموروث الحضاري والثقافي للشخص.

ولغة القصة بسيطة، وأسلوبها يتسم بالانفعال واستخدام الأفعال التي تخدم غرض الفكرة، وتعبر عن الحدث المركزي، وحالة الشخصية وتقلباتها، رغم أن النص كان يمكن أن يكون أكثر إيجازا بالاقتصاد في كلماته.

استعمل الكاتب المرآة كرمز فني في قصته، ويعد تمثيل فكرة الانعكاس من أكثر الاستخدامات شيوعاً لرمزية المرآة في الأدب. حيث تكون المرآة بمثابة انعكاس جسدي لحقيقة النفس، وتظهر الأفكار والرغبات الأعمق المخفية عن الآخرين. تحضر هذه الفكرة في "صورة دوريان جراي" لأوسكار وايلد، حيث تعمل صورة الشخصية كمرآة لروحه حسب الراوي، وتعكس طبيعته الحقيقية. ومع زيادة خطايا دوريان وآثامه، تصبح الصورة بشعة بشكل متزايد، وتعكس الشر المتنامي داخل روحه.
وفي الحكايات الشعبية استخدمت المرآة كأداة سحرية، أو كاشف للحقيقة، فمثلا في حكاية بياض الثلج والأقزام السبعة، تبوح المرآة للملكة الشريرة بالحقيقة رغم وقعها الصادم، وتؤدي بالتالي إلى مختلف أعمال الشر التي تتعرض لها بطلة الحكاية.
كما تحضر في القصة ثنائية القديم المتين المتقن، والجديد المهتز الناقص، الذي يقلب الصورة.
ويطرح النص قضية الاستغناء عن الموروث التاريخي، مبينا صعوبة التخلي عنه، إذ أنه متأصل في الإنسان، متغلغل في داخل نفسه، ولاوعيه أيضا، وهو ما عبر عنه بالظل، وقد وضع عالم النفس السويسري كارل يونغ مصطلح "الظل" ليصف به الجوانب التي نختار إخفاءها في شخصياتنا، فنكبتها ونقمعها لاعتقادنا أن المجتمع لن يتقبلها، ومشاعرنا المختبئة تلك تُعرف بـ "عواطف الظل".
فالظل الذي يمثل الطبيعة الحقيقة للنفس متعلق بإرثه وهويته ويرفض التخلي عنهما. وهي قفلة وفق الكاتب في استعمالها.

تتصف القصة القصيرة جدا بالسمات الدرامية من فعل وحركة وتوتر بأقل عدد من الكلمات، في إيقاع سريع، وتعد المفارقة والرمز والكثافة، من أهم دعائمها القوية، وقد تحقق بعض منها في نص روبابيكيا.

للمزيد من مواضيعي