قناديـلُ الحكايــــا يعدو الربيــع بعد الربيــع ويكبر البوح.. ( يمنع المنقول ) |
يعدو الربيــع بعد الربيــع ويكبر البوح..
( يمنع المنقول )
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||||||||||
|
||||||||||||
أصدقائي الكلاب
كان لاجتهادي وتميزي وإخلاصي في العمل خلال السنوات الأولى للتخرج ـــــ كحال كل المتخرجين الجدد ــــــ مردوده الإيجابي عليَّ ، ( طبعا بعد توفيق الله تعالى ) ، حيث كانت أصداء تلك المجهودات تصل إلى مديري الفاضل ( يرحمه الله ) عن طريق كاميرات ( ساهر ) التي تعمل لصالحه داخل المدرسة ، وبما أن إحدى تلك الكاميرات قد منحتها محبتي وتقديري واحترامي ، ومساعداتي المالية في بعض الأحيان ، فقد كانت تنقل لي انطباعات مديري عني وارتياحه لي وإشادته الدائمة بي ، ونيته منحي أي فرصة تعود علي بالفائدة وتحسين وضعي المالي ، حتى أصبح لدي ثلاث وظائف في وقت واحد كل وظيفة براتب مستقل .
كنت أعمل معلما في الفترة الصباحية إلى الواحدة ظهرا ، ومشرفا للتغذية المدرسية بالمدرسة من الرابعة عصرا إلى السادسة مساء ، ومعلما بتعليم الكبار ( الليلية ) من السابعة مساء إلى العاشرة ليلا . كنتُ سعيدا بذلك رغم المعاملة السيئة من بعض الزملاء لا أعرف لها سببا غير الحسد والغيرة من وضعي المميز ، إذ وصل الأمر بأحدهم حين شاهد دفتر تحضيري تزينه النقوش والتسطير والتنظيم والتلوين بأن قال لي : (( تحسبهم بيركبولك تاج فوق رأسك ، والله ما تحَصِّل إلا نعال مقطعة )) هكذا وبدون مقدمات ، سامحه الله . العم ( هادي ) كان هو تلك الكاميرا التي منحتُها محبتي وتقديري ، رجل قارب السبعين من العمر في تلك الفترة الزمنية ، يتصف ذلك الرجل بشجاعته ، وطيبة قلبه ، وشهامة حضوره ، ومروءة نفسه ( يرحمه الله تعالى ) ، كان حينها لا يزال يتمتع ببنية جسم مشدودة وعضلات مفتولة ، وربما كان مرد ذلك إلى عمله السابق في السلك العسكري ( قبل أن يتقاعد منه ويعمل بمدرستنا مستخدما على بند العمال ) . كانت العشيماء في تلك الفترة أرض رملية فضاء إلا من بعض البيوت المتناثرة هنا وهناك ، وأما مدرستي التي التحقتُ بالعمل فيها فكانت عبارة عن مبنى شعبي ، ثم انتقلنا إلى مبنى آخر في أعلى المرتفع المطل على المبنى القديم ، وهذا المبنى مشيَّد من المسلح ، كانت نهاية الأسفلت عند محطة كهرباء جيزان ( جرف الحصار ) ، أما البقية فهي شوارع رملية تغرز بها السيارات العادية ( غير الدفع الرباعي ) وهو ما سبب الكثير من المتاعب للزملاء الذين يمتلكون سيارات ، أما أنا فقد اشتريت دراجة نارية ( دباب هوندا ) عرضها علي أحد طلابي الكبار في ( الليلية ) ؛ بسبب ضائقة مالية تعرضت لها أسرته ، حيث أصبحتُ أباشر دوامي يوميا على تلك الدراجة في مصارعة غير متكافئة مع تلك الرمال . لم تكن الرمال هي معاناتنا الوحيدة ــــ آنذاك ـــــ بل كانت كثرة الكلاب معاناتنا الأخرى ، وخاصة في الفترة المسائية ، لكننا استطعنا أن نكوِّن معها صداقات حميمة فألفتنا وألفناها ، وكنت أنا بالذات أعطف عليها جالبا لها الفائض من طعام أسرتي حتى تيقنتُ أنهم قد أصبحوا أصدقائي المخلصين . ذات ليلة وبعد انتهاء دوامي الليلي وانصراف المدير وبقية الزملاء بقيتُ في المدرسة ؛ لعمل ستائر لغرفة مديري ؛ ردا لجمائله الكثيرة علي ، كان رفيقي في البقاء داخل المدرسة هو العم هادي باعتباره يبيت داخل المدرسة ؛ لعدم استطاعته دفع إيجار مسكن ، وفي نفس الوقت يكون حارسا ليليا محتسبا بها ، وكنت قبل فترة قد استطعتُ إقناع اثنين من الزملاء الفضلاء بالاشتراك معي في شراء سرير حديدي وفراش ومخدة وبطانية وإهدائها للعم هادي ؛ لينام عليها ، بعد فراغي من عمل الستائر نظرتُ إلى ساعتي فإذا بها تشير إلى الحادية عشرة والنصف ليلا ، حينها خرجت من بوابة المدرسة مودعا العم هادي ثم أدرتُ محرك ( دبَّابي ) المبجَّل وإذا بنباح الكلاب قد تصاعد بشكل غريب . حمل العم هادي عصاه الغليظة عارضا علي مرافقته لي حتى نهاية المنحدر وبداية المنازل فرفضت ، طبعا ركبني حينها غرور الشباب و ( العنطزة ) الكذَّابة ، وأحببت أن أثبت له أنني شجاع مثله حيث قلت له : ــــــ لا تخاف يا عم هادي ابنك قدها وقدود ، حتى لو كانوا أسود ، ما بقي إلا هذي الكلاب أخاف منها . تحركتُ للأسفل وأغلق العم هادي بوابة المدرسة ، وعند منتصف المنحدر وجدت عشرين كلبا متأهبين لالتهامي من أخمص قدميَّ حتى صلعتي ، وحين سلطتُ عليهم النور وجدتهم فعلا عازمين على الشر ، قلت أجرب وتقدمتُ قليلا فإذا بهم يقطعون علي المنحدر ، صرخت فيهم : أيها الخونة أين الصداقة والعهود التي بيننا ؟ أين الوفاء الذي يتحدث الناس به عنكم ؟ وعندما سمعني صديقي الأسود المرقم ببقع بيضاء على جلده والذي أعطف عليه أكثر من البقية كشَّر في وجهي ونبح بشراسة ، فقلت له : أنت بالذات تخرس يا ابن الكلب ، فتحرك نحوي هاجما ، طبعا عدت أدراجي نحو أعلى المرتفع وأنا أردد في نفسي : ( دنا بأخاف من فأر يطلع لي عشرين كلب ) ! وصلتُ عند بوابة المدرسة وهممتُ بالنداء على العم هادي ولكني خجلت والله ، كان هناك طريق آخر يقع خلف المدرسة من الجهة الشرقية ينحدر بين بعض التلال نزولا إلى الطريق الترابي عند المسجد وبداية المنازل ، غير أني لا أضمن خلوه من الكلاب أيضا ، قلت : أجربُ حظي وتوكلتُ على الله ونزلت ، وفي منتصف المنحدر وجدت ثلاثين كلبا ــــ تقريبا ـــــ ينتظرون رزقهم ، قلت : لا والله عشرين أهون من ثلاثين ، على الأقل بيتركوا مني عظمة ولا شوية جلد ذكرى لأهلي . عدت للمنحدر الأول راسما خطة بارعة للخلاص من تلك الكلاب : فعندما أقترب منهم بدبابي أُعشِّقهُ في الأول وأمرق من بينهم بكل سرعتي ، طبعا نفذتُ الخطة واخترقتهم بسرعة البرق وأنا في كامل ارتباكي وخوفي ، أحسست بأن الكلاب تتقافز على الدباب وترتطم بظهري وساقيَّ وتنهش في أشياء خلفي وأنا في شبه حلم ، كانت هناك صخرة كبيرة بحجم نصف غرفة تتوسط نهاية المنحدر ، ومن خوفي وارتباكي والظلام لم أشاهدها ، حيث ارتطمت بها بكل قوتي وسرعتي ولم أدر ماذا حصل بعد ذلك ؛ لأنني حين أفقتُ وجدت أصحاب المنازل حولي يحملون عصيَّهم ويقولون لي : حمدا لله على سلامتك . طبعا في هذا الاعتداء الغاشم نُهشت نصف مقعدة الدباب ، بالإضافة إلى دفتر التحضير وكتابيّ التاريخ والتربية الإسلامية للصف الثاني متابعة ( يعادل الصف السادس في النهارية ) اللذين كانا على سُلَّم الدباب الخلفي ، حيث وجد أشلاءها الفراشون صباحا بين التلال المحيطة بالمدرسة ، مع بعض العضَّات البسطة في مقعدي . ( مع الاعتذار للأستاذ : ( فالح مهدي ) مؤلف رواية أصدقائي الكلاب ) *** للمزيد من مواضيعي
المصدر: منتديات مدائن البوح
علمتني الحياة أن أبني جسرا من الأمل فوق أي بحر من الأحزان
آخر تعديل الغيث يوم
06-30-2022 في 01:03 AM.
|
06-30-2022, 12:36 AM | #2 |
متسكع
|
رد: أصدقائي الكلاب
ههههههههههه
الكلاب مشكله تستقعد للبشر في أماكن خاليه مجرد مايسلكها الإنسان تهاجمه معتمده على كثرتها ووجوده لوحده وإن كان خائفا هنا أصبح لحمه جاهزه مع مرقها بأعواد الاسنان او الانياب مع فاتورة المطعم المدفوعه مسبقا من الجهات البلديه والقروية لخدمة بطون الكلاب تلك الجهات لاتألو جهدا في إشباع بطون الكلاب شكرا لك استاذنا غيث لك من اسمك نصيب وافر ولكلماتك صوره جميله فيها عذوبه لا يمل القاريء من قراءتها فن لايتقنه إلا أهله ماشاء الله عليك دمت بسعاده ورضى من الله استاذنا |
|
06-30-2022, 04:49 AM | #3 |
|
رد: أصدقائي الكلاب
الغيث
سلمت كفوفك .. لطيب الجهد وَ تمُيز العطاء لاحرمنا الله روائِع مجهوداتك لقلبك الفرح |
ولا شي أصعب من البعد عنكم إذكروني بخيير |
06-30-2022, 08:38 PM | #5 |
|
رد: أصدقائي الكلاب
أوف شديت أعصابي أول شيء الله يعطيك الصحة والعافية ثاني شيء الحمدلله أنك فكرت بالستارة في وقت بعيد عن أعين الطلاب :d ورجعت بي الذاكرة فعلاً الخريج يتعرض لإحباط بأول عمله كنت بكل حماس وتفاؤل أصافح الموظفات بأول يوم، وحيث جلست قالوا "تدخلين معنا بجدول القهوة اليوم الفلاني" هههههههه السرد رائع رائع، أستمتعت جداً رعاك ربي |
|
06-30-2022, 09:19 PM | #6 |
|
رد: أصدقائي الكلاب
وكأننا عشنا معك تلك الحكاية ابتداء من اجتهادك الوظيفي وروح الحماس التي أعادتني بذاكرتي لاول يوم وظيفي لي..
أما موقف الكلاب هذا جربته مرة وانا في الثانوية حيث ذات يوم خرجت في الصباح الباكر لالتحق بدوامي في المدرسة وإذا بمجموعة من الكلاب لاأدري من أين خرجت واعترضت طريقي كان أهلنا يعلموننا أننا اذا صادفنا كلبا شرسا ماعلينا إلا الانحناء والتقاط حجر من الأرض واخافتها به فتهرب.. انا التقطت كل الاحجار التي في الطريق ولم تهرب كان موقفا لاينسى,,, ... السرد والتفاصيل كلها تشدنا بأسلوبك العفوي المميز لغة و معنى شكرا لجمال ماتطرحه أيها الغيث |
|
07-01-2022, 11:42 AM | #7 |
|
رد: أصدقائي الكلاب
.
. العبرة .. الكلب كلب .في النهاية حيوان لا يقدر العشرة مع ان العشرة ليست بحسابه كما تظن . مثلك وحدك لم تتخلص من هذه الكلاب الضالة .. بقي علينا أن نكون أكثر إخلاص ووفاء نحو من كانوا لنا عونا بيوم للتصدي لهذه الكلاب .. ورجوعك سالما معززا من بينها .. تخيّل لو استفردوا فيك ... !! الغيث ... حتى بقلمه ينتصر لفكرةٍ يريد أن يوصلها .. سلم القلم وناثر الجمال ... حييت |
.
. يا بلسماً في الحب لك الروح ساخية دم سالماً يا قرّة قلبي بصحة وعافية #أبي |
07-02-2022, 03:34 PM | #8 | |
|
رد: أصدقائي الكلاب
اقتباس:
وكفانا الله شر الكلاب سواء من الحيوانات أو من البشر شكرا لحضورك الرائع وتفاعلك الأروع ودي وتقديري وأجمل تحياتي |
|
علمتني الحياة أن أبني جسرا من الأمل فوق أي بحر من الأحزان
|
07-02-2022, 03:35 PM | #9 |
|
رد: أصدقائي الكلاب
|
علمتني الحياة أن أبني جسرا من الأمل فوق أي بحر من الأحزان
|
07-02-2022, 03:36 PM | #10 |
|
رد: أصدقائي الكلاب
|
علمتني الحياة أن أبني جسرا من الأمل فوق أي بحر من الأحزان
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|