رد: ( صَيْدِ الخَاطِرِ ) مقتطفات من روائع ابن الجوزي ( متجدد)
2 ـ الوقت كالسيف ..
رأيت العادات قد غلبت الناس في تضييع الزمان ، و كان القدماء يحذرون من ذلك ؛ قال الفضيل : ( أعرف من يعد كلامه من الجمعة إلى الجمعة ) !! . و دخلوا على رجل من السلف فقالوا : لعلنا شغلناك ؛ فقال : ( أصدقكم كنت أقرأ ؛ فتركت القراءة لأجلكم ) !! ، و جاء رجل من المتعبدين إلى سَرِي السَّقَطي ، فرأى عنده جماعة ؛ فقال : ( صرتَ مناخ البطالين ) ثم مضى و لم يجلس !! ، و متى لان المزور ؛ طمع فيه الزائر ؛ فأطال الجلوس ؛ فلم يسلم من أذى ، و قد كان جماعة قعوداً عند معروف فأطالوا ؛ فقال : ( إن مَلِكَ الشمس لا يَفتر في سَوقها .. أفما تريدون القيام ) ؟! ، و ممن كان يحفظ اللحظات عامر بن عبد قيس ، قال له رجل : قــف أكلمك ، قال : ( فأمْسِكْ الشمسَ ) !! ، و قيل لكرز بن وبرة : لو خرجت إلى الصحراء ، فقال : ( يبطل الزوجار ) !! ، و كان داود الطائي يَسْتَفَُ الفتيت و يقـول : ( بين سَفِّ الفتيت و أكل الخبز قراءة خمسين آية ) !! ، و كان عثمان الباقلاني دائم الذكر لله ـ تعالى ـ ، فقال : ( إني و قت الإفطار أحس بروحي كأنها تخرج ؛ لأجل اشتغالي بالأكل عن الذكر ) !! ، و أوصى بعض السلف أصحابه فقال : ( إذا خرجتم من عندي ؛ فتفرقوا ؛ لعل أحدكم يقرأ القرآن في طريقه ! ، و متى إجتمعتم ؛ تحدثتم ) !! . و إعلم أن الزمان أشرف من أن يضيع منه لحظة ؛ فإن في الصحيح عن رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ أنه قال : ( من قال سبحان الله العظيم و بحمده ؛ غرست له بها نخلة في الجنة ) !! ، فكم يضيع الآدمي من ساعات يفوته فيها الثواب الجزيل ؟! ، و هذه الأيام مثل المزرعة ، فكأنه قيل للإنسان : كلما بذرت حبة ؛ خرجنا لك ألف كر ، فهل يجوز للعاقل أن يتوقف عن البذر و يتوانى ؟! ، و الذي يعين على إغتنام الزمان الإنفراد و العزلة مهما أمكن ، و الإختصار على السلام أو حاجة مهمة لمن يلقى ، و قلة الأكل ، فإن كثرته سبب النوم الطويل و ضياع الليل ، و من نظر في سِيَرِ السلف و آمن بالجزاء ؛ بان له ما ذكرته .
|