رد: ( صَيْدِ الخَاطِرِ ) مقتطفات من روائع ابن الجوزي ( متجدد)
7 ـ طغيان الهوى ..
تأملت على الخلق و إذا هم في حالة عجيبة ، يكاد يُقطع معها بفساد العقل ؛ و ذلك أن الإنسان يَسمع المواعظ ، و تذكر له الآخرة ، فيعلم صدق القائل ، فيبكي و ينزعج على تفريطه ، و يعزم على الإستدلاك ، ثم يتراخى عمله بمقتضى ما عزم عليه ، فإذا قيل له : ( أتشك فيما وُعِدَّتَ به ) ؟ ، قال : ( لا و الله ) ، فيـــــــقال لـه : ( فاعمل ) ، فينوي ذلك ثم يتوقف عن العمل ، و ربما مال إلى لذة محرمة ـ و هو يعلم النهي عنها !! ـ ، ومن هذا الجنس تأخر الثلاثة الذين خُلِّفوا ، و لم يكـن لهم عذر ، هم يعلمون قُبح التأخر ـ و كذلك كل عاص ـ ، فتأملت السبب ـ مع أن الإعتقاد صحيح ، و الفعل بطىء ـ ؛ فإذا له ثلاثة أسباب :
أحدها : رؤية الهوى العاجل ؛ فإن رؤيته تشغل عن الفكر فيما يجنيه .. و الثاني : التسويف بالتوبة ؛ فلو حضر العقل لحذر من آفات التأخير ، فربما هجم الموت و لم تحصل التوبة . و العجب ممن يُجَوِّزُ سلب روحه قبل مضي ساعة ، و لا يعمل على الحزم !! ، غير أن الهوى يطيل الأمد ، و قد قال صاحب الشرع ـ صلى الله عليه و سلم ـ : ( صلِّ صلاة مُودِعٍ ) ، و هذا نهاية الدواء لهذا الداء ؛ فإنه من ظن أنه لا يبقى إلى صلاة أخرى ؛ جَدَّ و إجتهد .. و الثالث : رجاء الرحمة ؛ فيرى العاصي يقول : ربي رحيم ، و ينسى أنه شديد العقاب ! ، و لو علم أن رحمته ليست رِقَّة ، إذ لو كانت كذلك لما ذبح عصفوراً ! ، و لا آلم طفلاً ! ، و عقابه غير مأمون ، فإنه شرع قطع اليد الشريفة بسرقة خمسة قراريط ! .
|