أشهرٌ ستّ مرّت على آخر رسالة كتبتها لك ..
نحن الآن في عزّ الصيف ، وكلّ العالم يشكو شدّة الحرّ ، وأنا لازلتُ أشكو شدّة الشوق ، وطول الانتظار ، لازال في داخلي بصيص الأمل المضني ، ذلك الأمل المنهَك والمنهِك ، الأمل الذي يجعلني أتماسك وأنا على شفا السقوط ، أصمد وأنا على حافة القنوط ، يمنحني رصيدًا ضئيلا من القدرة على انتظارك حتى المساء ، وحينما يأتي المساء وينقضي ذلك الأمل تأتي جرعة خفيفة آخرى منه ، تتناسل في غفلة مني لتستمر الحلقة المفرغة التي علقت بها منذ رحيلك .
لقد اتفقنا على النسيان والجفا، ثم مضينا في طريقين مختلفين ، لم أدرِ حينها ما فعلتُ بنفسي ، لاحقًا حينما بدأت الجراح تتسع أدركتُ يقينا أنني أذوي ، كان لزامًا على أحدنا أن يصمد ، أن يمضي دون أن يلتفت ، يركض بأقصى ما لديه من الإنكار ناحية النسيان والتناسي ، لقد كان ذلك الطرف هو أنت ، وكنت أنا من خانته قسوته وحنّ إلى تفاصيلنا ، كنتُ أنا من تمادى في الغناء رفقة حليم :
" وإن مقدرتش تيجي تاني تاني تاني
ونسيت زماني ونسيت مكاني مكاني
إبقى افتكرني
حاول حاول ..
حاول
تفتكرني "
كنتُ أنا من استحضر من الذاكرة كلّ شيئ ، الشوارع والأزقة والأمكنة ، الأمنيات والأحلام ، الأغنيات والألحان ، المواعيد والصدف ، السهر والأرق ، فناجين القهوة ومحادثات المسنجر ، الوفاق والخصام ، الضحكات العالية والدموع ، ثم الأحرف والكلمات ، كأنما تُعرض أمامي شريطا مسجّلا به كلّ ما مرّ بيننا وسؤال لا يفارقني : كيف يمكن أن تتقني النسيان إلى هذا الحدّ ؟
لقد كان فراقا متفقا عليه ، فلماذا صنت هذا العهد بكل هذه الصرامة المفرطة ؟ أما كان لرسالة عابرة أن تتسرب من بين أصابعك في غفلة من الوعد القديم ؟ أما كان لمحادثة هاتفية قصيرة أن تقتطع من السبعة أعوام دقيقتين لا أكثر ؟ أما كان لمنشور صغير أن يتسلل ذات مساء فيقرأه الجميع ويفهمه قلب محب ؟
يقينا سيحبك الكثيرون ، سيُفتنون ويعجبون ويغرقون ويهيمون ، لكن واحدا فقط من سيموت لأجلك ، واحدًا فقط سيظل على الوعد حتى وإن طال زمانه ، وعد المحب الذي لا ينسى ولا يسأم ، لا يتراجع ولا يستسلم ، نعم ، ذاك أنا .
تذكّرني أو
حاول ،
أما أنا فلا مجال عندي للمحاولة ، ربما حاولت النسيان ذات نزق وشطط ، وأدركت حينها أنني عبثا أفعل ، فأنتِ الكيان المتجذر داخل الروح ، أنت تفاصيلي وعناويني ، أنت العميقة في داخلي ، العريقة في تاريخي وسر الحياة التي أتشبث بأطرافها وتبتعد ، أمدّ يدي للأشياء من بعدك فأجدها السراب الذي يستدرجني إلى المحاولة الأخرى .