ثالثاً:- حياة النص وحيويته: وتتمثل في :
أ- الأسلوب: ومن الأساليب الواردة في
النص :
1- أسلوب التعجب: كقوله (عجزي أمامك يا المدائن أعمق!- إنني ما اخترته!) وهذا الأسلوب يشيع قي القصيدة جواً
من التشويق والاندهاش والتأثر.
2- أسلوب الشرط: كقوله (إنْ- إذا- إذا) يزيد
النص تماسكاً وقوة معنوية.
3- أسلوب النداء: كقوله (عجزي أمامك يا المدائن أعمق!- دم في سلام يا المدائن وارف) ويأتي أسلوب النداء
للتنبيه والتلذذ بذكر المحبوب.
4- أسلوب الاستدراك: كقوله (إنما- إلا – لكن) وهي منعطفات تنبيهيه ترفع من يقظة المتلقي وتحصر المعنى في
المستدرك له.
5- أسلوب الاستفهام الإنكاري : كقوله (كيف يصمت؟- من أين لي شفة بربك أنطق؟) وفي ذلك لفتة لطيفة
باستنطاق المستغرب.
ب- الكلمات المعبرة وتتصف بــ:
1-الجزالة : فالألفاظ قوية الجرس قليلة الاستخدام كقوله (طفقت- فرط- اكفف- عرى)
2-الرصانة: في المفردات قوية الجرس شائعة الاستعمال كقوله (تطرق- تصغر-خبا)
3-الغرابة: ترفع حدس التركيب الذهني للكلمة في الجملة كقوله (أأنق- أتمنطق- جوسق)
4-المصطلحات: ترفع مستوى الإحاطة الذهنية بالكلمة لاستجلاء أبعاد المعاني والمفاهيم كقوله (الفصاحة-
البلاغة- البيان- الصرح- البكامة)
5- أسماء الأعلام: تشكل أبطال تدور حولها الأحداث كقوله (جرير- الرافعي – دافنشي)
ج- الصيغ والأفعال:
1- صيغة اسم التفضيل: التي تتطلب تحديد الأولوية كقوله (أعمق- أليق)
2- صيغة اسم الفاعل: وتفيد الاستمرارية والمبالغة كقوله (متعمق – متوسد)
3- الأفعال المضارعة : وتفيد استمرار حدوث الفعل كقوله (تغرق- توثق- يبرق- يحلق)
4- المصادر: بقوتها التمكينية كقوله (ملامك – سكوني – اخضرار- عجزي)
5- التركيب الإضافي: بين كلمتين تمتزجان لتعطي مسمى أقوى كقوله(لغة البيان- قطرات الندى- عرى الكتاب –
رياض
المبدعين – ثوب البكامة).
رابعاً:- الإبداع اللفظي والجمال التصويري: وتتمثل في :
أ- الإبداع اللفظي: ومن تطبيقاته في النص:
1- التضاد: بين (متعمق – عجزي) – (يصمت – تنطق) – (خبا – يبرق)
2- مراعاة النظير: بين (الفصاحة – البلاغة)
3- الالتفات: من ضمير المخاطب إلى المتكلم كقوله (فـ اكففْ ملامكَ عن سكوتي إنَّني
---- وعذرتُهُ ..! فـ أنا الشبيهُ لـ حالِهِ)
4- المبالغة: إلى حد (الغلو) فيما لا يمكن أن يرد لا عقلا ولا عادة كقوله (وعذلت صمتي كيف يصمت؟)
ب- التصوير الفني:وورد على عدة صور منها:
1- الكناية: بلفظ ليس مقصود به معناه الأصلي وقد يقصد أحيانا كقوله (متوسد أقلامهم – سترى لدافنشي
هنالك جوسق- قطرات الندى تترقرق)
2- المجاز: وهو استعمال اللفظ في غير معناه الموضوع له في اللغة لقرينة تمنع من إيراد المعنى الحقيقي كقوله
(متعمق بالحرف – الفصاحة لم تعرني صوتها –وبلاغة بعرى الكتاب توثق – جئت للشعراء
تطرق بابهم – وإذا طرقت النثر) وأراد أهل النثر.
3- التشبيه البليغ: المحذوف فيه وجه الشبه والأداة كقوله (ثوب البكامة)
4- الاستعارة التصريحية : التي حذف فيها المشبه وصرح بالمشبه به كقوله (وجلال هذا الصرح- رياض المبدعين)
5- الاستعارة المكنية : إذ حذف المشبه وحذف المشبه به وأتى بصفة من لوازم المشبه به كقوله (وطفقت في
وهن هنا أتمنطق! – سلام وارفٍ – واخضرارك في دمي)
6- الاستعارة التركيبية التمثيلية: إذ حذف المشبه وحذف المشبه به وأبقى من لوازمه أفعال متعددة كقوله (تصغر
عنده لغة البيان وتغرق– فلا ترى نجم خبا إلا وآخر يبرق)
رابعاً:- الموسيقى والإيحاءات والظلال: وتتمثل في :
أ- الأوزان العروضية:
1- الوزن: القصيدة من بحر الكامل الذي يتنوع فيه الإيقاع لتعدد الدوائر في البيت
الشعري وهذا البحر عذب سلس
وسهل نسبياً ولذلك هو الأنسب لأصحاب المطولات الشعرية 0
وهو من البحور الصافية التي تحتمل الكثير من الأغراض الشعرية وسمّي بالكامل لأن فيه ثلاثين حركة لم تجتمع
في غيره من الشعر فهو كامل لكمال حركاته.
2- القافية: حرف القاف المتحركة بما تعطيه من قلقلة لتفخيم الموضوع وإضفاء هالة صوتية من الفرح تصدح
بالمعاني المتفردة في الممدوح مدعومة بالروي الصحيح غالبا والمتحرك فيعطي الممدوح من الاحتفاء ما هو به أليق.
ب- الجرس الصوتي الداخلي : ركز فيه الشاعر على :
1- حروف القلقة (قطب جد) : التي هي عبارة عن اضطراب في الصوت عند النطق بالحرف الساكن حتى يسمع بنبرة
قوية .
2- حروف الإظهار الحلقية (ء ، هـ ، ع ، غ ، خ) بما تمد به
النص من فصاحة جهورية
ج- الإيحاءات: وهي مدى ارتداد الجرس اللفظي على المعاني فيشعر المتلقي بالمعنى من مواصفات حروف
الكلمة كقوله (الحرف ، وهني ، شفة ، فرط ، فصاحة ، جنحت ، تطرق ، متوسد ، ثوب ، تترقرق ، مشرق).
د- الظلال: وهي مدى ما يهيم به الخيال العاطفي والذهني لتصور أبعاد ارتدادية بتمثل أحداث وصور ومشاهد
عند ذكر هذه اللفظة وهذا التصور قد يرتبط بأحداث سابقة
إيجابية أو سلبية كقوله (عجزي ، البيان ، رياض ، نجم ، يحلق ، جوسق ، سلام ، قطرات الندى ، عيوني ، اخضرار).
خامساً:- الاقتباس والتجديد: ويتمثل هنا في أربعة مجالات:
أ- اقتباس مفردات مصدرها القرآن الكريم كقول الشاعر:
1- (عرى الكتاب) مأخوذة من قول الله تعالى (فقد استمسك بالعروة الوثقى) 256البقرة
2- (الصرح) مأخوذة من قول الله تعالى (صرح ممرد من قوارير) 44 النمل
3- (جنحت) مأخوذة من قول الله تعالى (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها) 16 الأنفال
ب- اقتباس أساليب شعرية: كقول الشاعر:
1- (متعمِّقٌ بـ الحرفِ جئتُ .. وإنما): وهذا الأسلوب قد سبقه إليه كثير من شعراء الأندلس وشعراء العصر الحديث
ومنهم إيليا أبو ماضي في قوله :
جئت لا أعلم من ------ أين ولكن أتيت
2- (وعذلتُ صمتي،كيف يصمتُ؟!قال لي ) وهذا البيت وبداية البيت الحادي عشر مأخوذ حرفيا عن قول المتنبي :
وعذلت أهل العشق حتى ذقته ---------- فعجبت كيف يموت من لا يعشق
وعذرته وعرفت ذنبي أنني --------- عيرتهـــــم فلقيت فيه ما لقــــــوا
3- (نجمٌ " خَبَا .... إلا و آخرَ يبرقُ): وهذا الأسلوب نجده في العصر الجاهلي عند الشاعر السموأل ابن عاديا:
إذا مات منا سيد قام سيد ----------- قؤول لما قال الكرام فعول
4- (فـ اكففْ ملامكَ عن سكوتي إنَّني): وهذا الأسلوب نجد روحه عند الشاعر الجاهلي عبد يغوث الحارثي :
ألا لا تلوماني كفى اللوم ما بيا ----------- وما لكما في اللوم خير ولا ليا
فيا راكباً إما عرضت فبلغن ----------- نداماي من نجران أن لا تلاقيا
5- (وبـ كلِّ عامٍ ، واخضراركَ في دمي ----------- وطنٌ ، ووجهك في عيوني مُشرِقُ ): وهذا البيت واضح فيه أثر بيت أحمد
شوقي الذي يقول فيه :
وللأوطان في دم كل حر ------------ يد سلفت ودين مستحق
ج- اقتباس الصور الجمالية وأثر التجديد عند الشاعر كما في قوله:
1- (الفصاحةِ لم تُعرني صوتها) هذه الصورة أجدها عند الشاعر الأموي قيس بن الملوح:
أسراب القطا هل من معير جناحه ------------- لعلي إلى من هويت أطير
ولكن أثر التجديد عند المعيني أن جعل للفصاحة صوتاً مع أنها أمر معنوي.
2- (و الكلُّ في " ثوبِ البَكَامَةِ " أليَقُ): وهذه الصورة سبقه إليها ابن الرومي في قوله:
ولو كان الكثير يطيب كانت ------------ مصاحبة الكثير من الصواب
ولكن قلّ ما استكثرت إلا ------------ سقطت على ذئاب في ثيـــاب
ولكن أثر التجديد عند المعيني أن جعل البكامة ثوباً وهي أمر صوتي .
3- (وعليكَ "قطرات الندى" تترقرقُ): وهذه الصور نجدها عند البحتري في قوله:
أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكاً ----------- من الحسن حتى كاد أن يتكلما
وقد نبه النوروز في غلس الدجى ----------- أوائل ورد كنا بالأمس نومــــا
يفتقها برد الندى فكأنّه ------------ يبث حديثاً كان بالأمس مكتما
ولكن التجديد عند الشاعر المعيني أن جعل القطرات ذات استمرارية ومنظر مبهج
د- صور جمالية تعتبر جديدة : لم يسبق الشاعر إليها أحد حسب علمي ومنها:
1- (وطفقتُ من وهني، هُنا أتمنطقُ) إذ أن الصورة الأساسية أن الإنسان الضعيف يحاول الوقوف والمشي
يشبه بها الشاعر حالته أنّه لقلة قدرته على البيان يحاول أن يتكلم ولكن تغلبه البكامة
2- (وعذلتُ صمتي، كيف يصمتُ؟!قال لي: ---------- من أين لي شَفةٌ، بـ ربِّكَ تنطقُ ؟!)
هنا شبه الصمت في صورة شخص يحاوره
3- (وجلال هذا الصرح تصغرُ عندهُ ----------- لغة البيانِ على الشفاهِ ؛ و تغرقُ)
وهنا لغة البيان كالشخص الغريق تغرق في الفم
4- (وإذا طرقتَ النثر تلقى الرافعي ----------- مُتوسِّدٌ " أقلامهم ويُحَلِّقُ !)
فالشاعر صور احترافية الكتاب وبيانهم وكأن الرافعي يتوسد أقلامهم
5- (وبـ كلِّ عامٍ ، واخضراركَ في دمي ----------- وطنٌ ، ووجهك في عيوني مُشرِقُ )
هنا شبه الشاعر بقاء حب الوطن متجدداً في دمه بالروض المخضر)
سادساً- تحليل الجو الفكري والوجداني عند الشاعر في قصيدته:
1- الجو الفكري: من خلال تحليل القصيدة يبدو لنا أن الشاعر يتمتع بنضج تجاوز فيه الأربعين من عمره العقلي وأن مخزونه الثقافي مكتسب من تعليم قوي واطلاع واسع ذو شغف بالموروث الأدبي العريق.
هذا الرصيد الثقافي والأدبي واضح في أفكاره ومعانيه وأساليبه وصوره الفنية وقد يرى الشاعر أنه لم يخطر في باله ما قاله الأولون ولكن هذا لا يخلي مسؤولية استفادته من تلك النصوص فقد ظهر أثرها في صقل شخصيته الأدبية والاحتفاظ بها – كما يقول علماء النفس – في البعد الثالث فتظهر في سقطات القلم وفلتات اللسان.
كما أن الشاعر يجنح إلى الفكر الفلسفي في طرق أفكار جديدة واستنطاق ما لا ينطق. واتباعه خطوات البرهنة الإقناعية حتى عذره معاتبوه.
2- الجو الحسي: يقول علماء النفس أن مستويات الإدراك الإقناعي ثلاثة : السمعي والبصري والحسي ومن خلال
النص نجد الشاعر يحول المعاني الذهنية إلى صور تشخصية محسوسة .
كما أنه يعمد إلى عرض صور بارزة كـ(الصرح – جوسق – شفة – نجم- التوسّد – ثوب – اخضرار) وهذا يعكس واقعية الشاعر وحسن تقديره للمتلقي.
3- الجو النفسي: نلمس أن الشاعر مؤيد للمنتدى في حسن إدارته ومحتواه الأدبي والعلاقة بين أعضائه إذ لم يورد أي سلبية له.
كما أن الشاعر يشعر بالزهو والافتخار بهذا الإنجاز الصرح الأدبي الإبداعي المتميز فاختار له أفخم الألفاظ التعبيرية كقوله (جلال – الفصاحة – البلاغة – البيان – وارف - الندى- تترقرق)
وكذلك نسب الأعضاء إلى القدوات في مجالاتهم (جرير – الرافعي – دافنشي).
4- الجو الوجداني: لا أبلغ من صفة الوفاء عند الشاعر فهي التي دفعته إلى الشدو بهذه القصيدة المقعقعة في ألفاظها البراقة في أفكارها النجمية الساطعة في قيمها، ونلمس ذلك في الاستهلال الطللي الذي أبدى فيه تواضعه عن رد جميل المنتدى شعرا فصيحا كما شعراء الحب يظهرون ما أصابهم في نفوسهم وأجسادهم من تباريح الحب .
وكذلك يعبر عن إعجابه بالمنتدى وأعضائه من خلال وصفه برياض
المبدعين وأنهم قمم كما جرير والرافعي ودافنشي . ثم الدعاء لهذا المنتدى بالسلام والازدهار وبقاء وفائه له في دمه متوهجا وأن موقع المنتدى دوما في عيونه التي تزدهي بسببه بكل صحة وإشراق.
وأخيراً: شاعرنا تركي المعيني قامة أدبية وطنية ذو إيقاع حماسي يتملك المتلقي بعطائه الفكري ومهارته في قيادة أدواته الأدبية سيكون له حضور باهر على المستوى الوطني والعربي ولأن سقف الإبداع لا حد له نأمل من شاعرنا التأني في بناء القصيدة والمشاركات الاحترافية في المناسبات والمنتديات والملتقيات الأدبية ،
والحقيقة أن متعتنا كانت حقيقية في تذوق نصه الأدبي لأننا وجدنا – ونحن متذوقو اللغة جن الإنس نرى في الكلام ما لا يراه الإنس كما يقول الشافعي – فيه درر قيمة ، وهو يحتاج إلى مزيد من التأمل والدراسة ويعذرني الشاعر رغم اجتهادي إن قصرت أو تجاوزت فهذه دراسة
تحليلية بسيطة .
والشكر الكبير للشاعر الكبير: تركي المعيني
ولكل القراء على كرم اهتمامهم.