عرض مشاركة واحدة
قديم 05-17-2023, 12:20 PM   #17


الصورة الرمزية أحمد عدوان
أحمد عدوان متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 99
 تاريخ التسجيل :  Sep 2020
 أخر زيارة : يوم أمس (05:50 PM)
 المشاركات : 16,148 [ + ]
 التقييم :  37776
 SMS ~

لوني المفضل : Cadetblue


افتراضي رد: "صداع بالقلب" .. رواية قصيرة





شهرة الآن تقيم بإحدى السكنات الوظيفية التابعة للمستشفى مع ثلاث طبيبات أخريات ، تشتغل بمعدل خمسة أيام أسبوعيا ، ويتم استدعاؤها للحالات الطارئة خلال يومي الإجازة . يبدو أنها بدأت تتعلّق بسالم، وتراسله أكثر الوقت، تعلق على منشوراته ، وتحدثت معه هاتفيا لمرتين ، و مرة مع والدته . تحدثت معه كيف رفضت خطيبين من أبناء عمومتها رغم ضغوطات والدها ، قالت أنها لا تريد أن تدفن نفسها حيّة ، لقد قضيت كل عمري أدرس ، "لا أريد أن أتزوج دون حب" ،
ــ الحب وحده لا يكفي يا شهرة ، هكذا ردّ سالم .
ــ ومن قال لك أنه يأتي وحده ، نحن لا نحب إلا أشباهنا يا سالم ، دعك من الفقر والغنى ، دعك من المراكز والمواقع ، أتحدث عن شبيه لك بروحه وقلبه ، وطبائعه ، نظير لأحلامك وأمنياتك ، يرى الحياة كما تراها أنت ، توأم لك ، لا تدفعه المصلحة ، ولا تثنيه العقبات .
لحظتها كان شهرة تتحدث وسالم يُسقط تلك المواصفات على نفسه ، ويرى مدى نجاحه أو رسوبه في أي يكون حبيبا لها .. يا لقلبك يا سالم ، ذاك القلب الذي ظننته لا يسع غير لولا ، ها هو الآن ينشطر إلى قسمين ، تماما كما درس عن الانقسام الخلوي ، بأيام مراهقته ، شطر يحتفظ بلولا كاملا ، دون أن يمسها فيه نقصان أو نسيان ، وشطر آخر يوشك أن يضم شهرة بكل تفاصيلها ، وصوت ما بداخله يتعاظم ، ويقول له : " ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه" .. ولكن الرحمن الرحيم ما قال أنه ما جعل لرجل منا حبّين في قلبه .
كيف تغير سالم في ثلاثين يوما ؟ الآن يتحدث عن حبّين في قلب واحد ، وهو الذي أوقف ستة أعوام من عمره على حب لولا ، الآن فقط ، صار مؤمنا بالتعدد في الحب قبل الزواج ، صار يعتقد أن الرجل بإمكانه أن يعشق امرأتين بوقت واحد ، حتى قبل أن يتيقن من شعوره تجاه شهرة . صار في شرعه أن الجمع بين لولا وشهرة جائز حلال .
مرّ شهر كامل على ولادة زهراء ، ولازال زياد وحيدا ، زهراء لم تعد بعد ، "هي ترفض العودة ، وتختلق الأعذار الواهية يا سالم" ، كان زياد يتحدث بحسرة وألم مع سالم ، "يبدو أن ذلك الحب انطفأ بقلبها" وكان سالم يخفف من وطأة الأحكام التي يصدرها صاحبه على زوجته .. لقد أصبحت عصبية جدا ، بل وإنها في إحدى لحظات الغضب قد طلبت الطلاق .
ــ هي تحبّك يا زياد لا تنس ذلك ، اصبر عليها قليلا ، النساء لا يمكن فهمهن يا صاحبي ، يريدون الشيء ونقيضه ، يطلبن الطلاق وفي أعماقهن يريدون أن يلمسوا تمسك الرجل ورفضه وإصراره على البقاء .
يستغرب لسالم ، كيف لقصص الحب التي تحيط به أن تتعثر ، وكيف للارتباط الذي نشأ دون حب أن يعمّر وينجح ، حبه مع لولا أخفق قبل ارتباطهما ، وهاهي منذ أربعة أعوام أو يزيد تتزوج دون حب وتنجح بذلك ، زياد وزهراء على وشك التعثّر رغم ذلك الحب بينهما ، خلود ومعتز ينجحان ويجتازان الصعوبات رغم أنها زواجهما كان دون حب .
هل قدر قصص الحب أن تكون جميلة وناجحة ووردية فقط قبل الارتباط ؟ وكيف لارتباط نشأ من زواج تقليدي أن يغلب الظروف وتطول أيامه ؟
مساء أحضر سالم دفتره وشرع يكتب :
المفزع يا حبيبتي ليس الموت ، بل أن نموت بالتقسيط ، أن تموت ابتسامتك أولا ، أن يموت شغفك بالحياة ، أن تموت أحلامك وتموت أمانيك ، أن يموت فرحك ، وقلبك ، ثم تظل حيّا تكابد العيش، مرغما على ذلك ، الموت كثيرٌ يا لولا ، الغياب موتٌ صغير ، والخذلان موتٌ صغير ، والفقد موتٌ صغير والخيبة موتٌ صغير ، وقد يجتمع كل هؤلاء بصدر رجل واحد .
يشهد الله أني سلكت كل الدروب إليك ووجدتها مقطوعة بالجفاء ، يشهد الله أني قعدت على ناصية الطريق وانتظرتك حتى آخر الصبر وما أتيت . يبدو أنك لن تفهم أبدا ماذا يعنيه أن أحبك كل هذا الحب ، وأن تكافئني بكل هذا الخذلان ، ذاك وجع أبعده الله عنك بفضله .. وأوقعه بي بحكمته .
**
(لا
لستُ أسألُك البقاءْ
كلُّ الحكايةِ أنَّنا
سنُعيدُ ترتيبَ الحكايةِ مرةً أخرى
ونبتكرُ النهاياتِ الشجاعةَ مثلَ أي محاربَيْن
نختارُ موتاً لائقاً بنجاتِنا
حين انتصرنا ذات بيَنْ
بعضُ الهزائم طعمُها كالنصرِ فارحلْ
ربما سنكونُ أنبلَ خاسرَيْن
الموتُ يحدثُ مرةً في عمرنا
لا مرّتين )
قرأ سالم تغريدة روضة الحاج بشغف كبير ،. فوجد نفسه يكتب : "تعالي يا لولا ، نختار موتا لائقا لقصّتنا "

**
الحجة زينب ، كانت استعادت عافيتها كاملة ، وكانت ملتزمة تماما بنصائح الطبيبة وتعليماتها وبمواقيت الدواء . فتحت غرفة سالم ، كان لا يزال على السرير ، والساعة تجاوزت التاسعة ،
جلست على طرف السرير وأيقظته : قوم يا ابني ، زياد برا .
سالم نسي الموعد بينهما ، كان اتفاقهما أن يخرجا للشواء في الغابة التي لا تبعد عن المدينة سوى بخمسة كيلومترات .. أعد سالم كل احتياجاته ، كبريت وماء وملح وحصير وسكين ،ومشبك حديدي مخصص للشواء ، وصحن كبير ، كل شيء جاهز ، بقي اللحم والعصائر والخبز والفواكه ، كل هذا سيأخذانه من السوق . زياد عرض على الحجة زينب أن تذهب معهما ، لكنها قالت له : "روحو أنتم ، الله يوفقكم " ، كان يوما مميزا ، سالم تكفل بجمع الحطب والأغصان اليابسة والقش ، وزياد خبير الشواء ، والتتبيل ، بعد الغداء ، جلس الاثنان يرتشفان عصيرا على مهل ، وفجأة سألم سأل :
ــ قل لي يا زياد ، هل يمكن للقلب أن يعشق أكثر من امرأة ؟
ــ لا أدري ، ولكن إباحة التعدّد ، توحي بذلك ، هل يتزوج الرجل ثانية وثالثة ورابعة دون حب مثلا ؟
ــ صدقت، حتى النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب كل زوجاته أكيد ليس بنفس القدر ، فلا عدل في الحب .
ــ قل لي يا سالم ، هل تفكر جديّا بشهرزاد ؟
ــ آآآه يا زياد .. ذاك ما يؤرقني حاليا ، إنها تتسلل من باب خلفي بقلبي ، لا أدري من أي فجوة بدأت تدخل وتنمو وتتبرعم ، برفق دون جلبة ، ودون بهرجة ، كل يوم تكسب مساحة أكبر ، تعلقت بها ، وأظنها كذلك ، ولا أدري ، أهكذا يكون الحب في بداياته ، أم أنها مجرد نزوة عابرة .
ــ لا تستعجل ، دع مشاعرك تجاهها تنضج ، لا تقفل بابك ، ولا تندفع ، كن متوازنا حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا .
قبل أن يكتمل الحوار ، كان هاتف سالم يرن ، نظر سالم مستغربا ، عمي صالح ، ليس من عادته أن يكلمني إلا لأمر مهم .
ــ ألو ، مرحبا عمي صالح ، هذي غيبة . كيف أحوالكم ؟
تواصلت المكالمة : نعم ، نعم ، إن شاء الله ، تبقى على خير .
ــ كان عمي ، يريدني الليلة في بيته ، لأمر لا أعلم ما يكون .

بعد صلاة العشاء، توجه سالم نحو بيت عمه صالح، الذي كان بانتظاره، ووجد عمّه حمزة هناك،
ــ سالم، أرض جدّك التي تعرف، لقد قررنا بيعها،
ــ تعرفون رأيي، أنا طالبت بهذا منذ زمن.
ــ المهم الآن ثمنها ارتفع كثيرا ، خصوصا بعد شق طريق بجانبها ،
ــ على بركة الله، ما عندي اعتراض
ــ الحقيقة لقد حصلنا على عرض مناسب من إحدى الشركات الخاصة : 2.5 مليار سنتيم .
فتح سالم فمه مندهشا .. هذا مبلغ ضخم جدا : قلت 2.5 مليار ؟
ـ نعم ، لا تنس أن الأرض مساحتها 75 هكتارا .
ــ من الغد سنباشر الإجراءات يا سالم ، المهم أنت وأختك ووالدتك تبصمون على العقود فيما بعد وتستلمون نصيبكم كاملا .
افترق الجميع على هذا ، وخرج سالم غير مصدق لما سمع .
عاد سالم إلى والدته وحكي لها الموضوع ، قالت :
ــ الحمد لله الذي وهبنا من فضله . والدك يا سالم، كان يحب هذه الأرض .
ــ الآن يا أمي نحن لا نستفيد منها بأي شيء، وأخشى أن يموت أحد أعمامي وتحصل مشاكل في تقسيمها نحن في غنى عنها.
ــ الله يقدر الخير ويرضينا به .
أبلغ سالم أخته أيضا ، فقالت له الرأي رأيك يا سالم .. أنا لا دخل لي بهذه الأمور .

،،

حينما اختلى سالم بنفسه ، وفتح هاتفه ، وكانت شهرة تنتظره ،
ــ سالم أنت غائب اليوم، أريد تقريرا مفصلا عن يومك .
ابتسم سالم ، وأخبرها بكل ما حدث .قالت له :
ــ ربي يباركلك في رزقك ويهنيك .
ثم قالت : سالم ، منذ أيام لم تكتب أي شيء على صفحتك ، لماذا أنت بخيل هكذا ؟
ـــ طيب ، سأكتب الآن ،
" أنا أقولُ صديقتِي ، وأعني بها حبيبتي ، وأنتِ تفهمينها على النحوِّ الذي أشتهي ، لكنَّنا نتبادلُ الجحود بكاملِ النكران "
كتب عبارته تلك وألقاها على شكل لغم بوجه شهرة ، ابتسمت ، وقالت له : يبدو أنّك تحب .
أجابها سالم :
ــ قد يكون ذلك ، وما المانع أن نحب ،
ــ لا مانع يا صديق ، الحب خطوة أولى في مسيرة ألف ميل .
ــ لا طاقة لقلبي بألف ميل يا شهرة ، بمجرد أن أحب سأقيم حفل الزفاف .
ــ الألف ميل إذن ستكون بعد الزواج .
مرّ أسبوعان آخران ، لازالت زهراء ترفض العودة إلى زياد ، بل وتزداد تصميما على ذلك ، هي تحمّله مسؤولية موت وليد ، لكن لماذا انتظرت كل هذا حتى تطلب الطلاق يا زياد ؟
ــ لا أعلم ـ، ذهني متوفق عن الاستيعاب ، والتفكير .
ــ وماذا تنوي أن تفعل ؟
ــ سأنفذ لها رغبتها ، لا طاقة لي بتحمل حياة كهذه .
كان حديثا في بيت سالم ، ذات مساء ، وهما يرتشفان القهوة ، وبتلك اللحظة اتصلت خلود ، كانت تبشّر سالم وأمها بحملها الثاني ، وانهمرت التهاني من الجميع ، كانت لحظة سعادة طرقت باب القلب دون سابق موعد .
مساء دخل سالم لمحادثة شهرة ، بعد فترة وجيزة قال لها :
ــ شهرة ، أريدك بموضوع مهم .
ــ اوك . تحدث يا سالم .
ــ لا .. الموضوع يحتاج مقابلة وجها لوجه .
ــ ممم ،غدا بالوقت المخصص للزيارات يمكنك أن تجدني بمكتبي .
ــ إلى الغد إذن .


 
 توقيع : أحمد عدوان

حسابي على تويتر


التعديل الأخير تم بواسطة أحمد عدوان ; 05-17-2023 الساعة 12:23 PM

رد مع اقتباس
 
1 1 1 2 2 2 3 3 3 5 5 5 6 6 6 7 7 7 8 8 8 10 10 10 11 11 11 12 12 12 13 13 13 15 15 15 16 16 16 17 17 17 28 28 28 30 30 30 31 31 31 32 32 32 37 37 37 38 38 38 39 39 39 41 41 41 44 44 44 45 45 45 46 46 46 47 47 47