عرض مشاركة واحدة
قديم 04-30-2023, 11:16 AM   #6


الصورة الرمزية أحمد عدوان
أحمد عدوان متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 99
 تاريخ التسجيل :  Sep 2020
 أخر زيارة : 05-18-2024 (05:39 PM)
 المشاركات : 16,148 [ + ]
 التقييم :  37776
 SMS ~

لوني المفضل : Cadetblue


افتراضي رد: "صداع بالقلب" .. رواية قصيرة






تلك الليلة لم ينم سالم ، ظل يفكر بكلماتها العجيبة ، "ماذا يعني أن أعترف لها بالحب وتقول أنني أسكنها ؟ ثلاثة أشهر كانت كافية لأمتلئ بحبها، لكن أن تقول لي أنني أسكنها فهذا لا يعني شيئا ، الكثير من الأشياء تسكننا ، الحزن والهواجس والمخاوف والأحلام والأوهام والآلام ، هل يُعقل أن أكون واحدا من هؤلاء بداخل لولا ؟ ولماذا يزاحمني كل هؤلاء "
لم يقتنع سالم بتلك الكلمة اليتيمة التي جاءت بعد اعتراف كبير ، بات متوجّسا ، فرق هائل بين الحب ، وبين أن تكون بداخل أحدهم، ربما كنت بداخله على هيئة وجع أو على هيئة تسلية ، ربما كنت مقيما مؤقتا سيأتي موعد مغادرته، "لكن أنا أحبها سواء كانت تبادلني الحب أو لا . حبي لها لا يُلزمها أن تحبّني أيضا .. "
باتت الهواجس تتصارع بداخله ، إلى أن صلّى الفجر وانتظم في نوم عميق إلى ما بعد الزوال ، مساء فور دخوله وجد أن لولا تركت له رسالة مطولة ، توقيتها كان فجرا ، ربما بوقت نومه تماما :

" حبيبي سالم ..
أجل حبيبي ، وصديقي وسكني ، وكل جميل أتمناه بهذه الحياة التي بادرتني بالحزن منذ سنين طفولتي ، أيها الجميل الذي باغتني ذات وحدة ، أيها الجميل الذي أثبت لي أن للحياة وجها آخر غير الحزن ، أيها الجميل الذي أضاءني من الداخل ومسح عني وجه العتمة ، أيها الجميل الذي جاء على مقاسي تماما ، حنونا ومجنونا ، متزنا وشغوفا ، أيها الجميل الذي انتشلني من السواد الذي يسكنني ، ومن الخوف الذي يحيطني ، أيها الجميل الذي سأحبه دائما.
ها أنا أعلنها حتى لو أنك ما سبقتني بها كنت لأفعل ذلك ، أعلنها لا لألزمك بشيء ، أنا موقنة تماما أنّك حلم لا يتحقّق ، وأنُك درب خالصة للفرح لا تقوى قدماي على السير بها، أحبك يا شقيق الروح ، وأحلم بك ، وسأبقى كذلك مهما نأت بنا الدروب وتباعدنا ،
أنت تسكنني ، ولا غيرك يفعل ، أنت لا تدري ما يعنيه ذلك أبدا، طفلة لا تعرف سوى الحزن ، ولا تجد غير الخوف لأعوام عديدة ، ثم تجد كل ما تتمناه برجل اسمه سالم ، لماذا جئت جميلا هكذا ؟ أنت فوق قدرتي على الحلم والتّمنى يا سالم ، لا أخالني أستطيع . عليك أن تعلم ذلك جيدا ، وألا تنساه أبدا ،
أحبّك، أقولا إقرارا واقتناعا، وليس رد فعل أو مبادلة، أقولها بعقلي ، فقلبي لم ينتظر ثلاثة أشهر ليفعل ، هو يرددها منذ اليوم الثالث لتعارفنا يا سالم ، بالأمس قرأت عبارة لغادة السمان تقول : "هناك أشخاص عندما تلتقي بهم تشعر أنك التقيت بنفسك" ، أنت نفسي التي التقيتها بعد سبع وعشرين عاما ، أتدري ما يعنيه ذلك يا حبيبي ؟ يعني أنك توأم هذا القلب الذي ينبض بداخلي ، وشقيق هذه الروح التي تسري بجسدي ، لم أكتب قبلك رسالة كهذه ، ولا أظنني سأفعل بعدك ، ولم تأتي على لساني ـ قبلك ـ كلمة أحبك لرجل ، ولا أخالها ستكون لغيرك ،
لم أنم ليلتي ، لا أدري ماذا حدث لي أيها الجميل الذي اختطفني ، ثم اختطف مني إرادتي ، وزرع حبّه بداخلي ، ثم رسم لي جناحين ودعاني لأن أطير ، فطرت ، ولكن ليس في غير أرجائه ومساحاته ، لماذا جئت قلبت كياني ، وحياتي ، وفتحت لي نافذة على الجنة ، ودعوتني لأن أمرح فيها ؟ ألا تخشى أن نغرق يا سالم ؟ ألا يراودك ولو خاطر عابر أننا نحلم و سنصحو على لاشيء ؟ أو ربما سنصحو وكلانا على جرف يوشك أن يسقط بنا .
أخيرًا أيها الرائع الذي لا يكف عن منازعتي روحي ، ولا يكف عن إعادة تشكيلي كأنثى تسبق كل إناث الأرض وتغلبهم : إن كنت تقصدُ حبّي ـ فأنا أحببتك مرتين" .
قرأ سالم الرسالة مرتين ، وأقفلها ، وأخذ فنجان قهوة كبير ، وجلس وحيدا بغرفته ، ثلاث عبارات علقت بذهنه ، ولا زالت ، بل لقد ارتسمت كما هي ، حاول أن يجد لها مدلولا آخر ، أو أوضح وما وجد ، لماذا تقول له "أنها موقنة تماما أنه حلم لا يتحقق" وأنه درب خالصة للفرح لا يمكنها السير عليها ، وبأنه فوق قدرتها على الحلم والتمني ؟ ، تلك عبارات تزرع الخوف يا لولا ، كيف لرسالة حب أن تأتي مدججة بكل هذا القلق والخوف والمطبات التي لا يجتازها القلب بسهولة ؟ كيف لكل هذه الحواجز أن تجتمع مع اعتراف بالحب في قول واحد ، وبريد واحد ؟ يومها قرر سالم ألا يسألها ذلك ، وأن يترك للأيام كي تفصح له عما كانت تلمح إليه لولا ، أو ربما ما كانت تقصد شيئا محددا .
**
لازالت نبراس حبه الأكبر ، لقد كانت تتسلل إلى غرفته ، تستلقي على سريره وتشد اللحاف وتختبئ تحته ، وتبقى منتظرة إلى أن يتوضأ سالم للعشاء ويصلي ، و يعود ، يتظاهر سالم أنه لم يرها ، ثم ينقض عليها دغدغة وتقبيلا ، إلى أن تنام على سريره فيحملها نحو خلود ، ويجلس معها رفقة والدته للحديث والسمر ، في تلك الليلة تحالفت الأخت والأم ضد سالم ، ونصبا له محاكمة علنية لم يجد فيها مدافعا أو نصيرا أو مفرا .
ــ والدتك يا سالم صارت كبيرة لا تستطيع لشؤون البيت ، وأنت ما عدت صغيرا ، وما بقي لك إلا الزواج ، عليك أن تحسم أمرك وتختار من النساء ما يعجبك ، ولن تجد واحدة ترفض طلبك .
ـ اسمع يا بني ، مريم بنت خالك ، وسلوى بنت خالتك مناسبتان جدا ، أيضا بنات عمك حمزة ، عائشة ، أو سمية ، وبنات عمك صالح ، وفاء وفاطمة ، ولا تنس بنت جيراننا إيمان .. اختر منهن ما شئت .
يا الله .. قائمة الخيارات محصورة بمن تعرفهن الحجة زينب لا غير . شرع سالم في تبيان عيوب كل واحدة .. قصيرة ، غير جميلة ، عمرها كبير ، لا يطيقها منذ الصغر ، وهنا تدخلت أخته ، وقالت له أن إيمان مكتملة وبلا عيوب ، وأردفت : "لا تنسى يا سالم ، أننا لو نفتش خلف كل إنسان لوجدنا ألف عيب ، وأنت مليان عيوب"
انتهت الجلسة تلك الليلة بالتأجيل، بقي كل طرف متمسك برأيه، وقناعته ، سالم مازال لا ينوي التفريط بعزوبيته ، ووالدته متمسكة بسنن الحياة .
" لو أن كل إنسان عرف متى يمتنع عن الخطوة الأولى، لتغيرت أشياء كثيرة " ، عبارة كتبها سالم بأول صفحات دفتره الأسود ، كلما فتحه قابلته بخط جميل ، كتبها منذ عام أو يزيد حينما بدأ يكتب خواطره ، كان مؤمنا جدا مثل الطيب صالح ، بأن الخطوة الأولى هي الأهم ، وأن ما يليها ويعقبها هي نتاج تلك الخطوة لا غير ، هي البدايات تأتي جميلة وناصعة ، وعنها تنبثق النهايات ، والتي غالبا ما تكون على غير ما تشتهي الأنفس ، في البدايات ، تكون الأسئلة شغف ، والإجابات دهشة ، تتعقد الأمور فيما بعد ، حينما ينتهي الكلام ، ويصير للصمت أجران وعمران ووجع ، وبدايته مع لولا كانت "أحبك" ، هي
الخطوة الأولى التي لم يمتنع عنها سالم ، ولم تتمنّع عنها لؤلؤة ، بل وكانا على أشد الحماسة لخطوها على درب حب أوجعته النهايات . استمر سالم بتقليب دفتره إلى أن وصل آخر شيء كتبه ، وشرع يكتب :
خطواتنا الأولى أودت بنا إلى ذلك الحب، هل من خطوة أخرى يمكن أن تودي بذلك الحب ؟
تماسك يا سالم، ليس ثمة امرأة يمكن أن تطيح بك ، ولا حب يمكن أن يستهلك العمر من بين يديك وأنت واقف لا تبالي ، ثمة مواجع لا ينبغي الالتفات لها ، ولا الوقوف عندها ، وثمة جراح لا يجب الكشف عنها أو الإمعان في النظر لها ، هكذا التخلص من العشق ، يكمن في التغاضي ، والسير بعيدا عنه بألف ميل من اللامبالاة ، إن كانت مأساتك في خسارة امرأة تعشقك ، فلا تجعلها في خسارة عُمر بأكمله أيها الوغد "
لم يكن سالم يدري من خطَّ هذه الكلمات على دفتره ، هل كان صوت الضمير في داخله ؟ أيعقل أن يكون قلبه ؟ كيف جاءت الكلمات حادة الحواف هكذا وكأنها تصدر من غريب لا يدري ما الحكاية .


 
 توقيع : أحمد عدوان

حسابي على تويتر



رد مع اقتباس
 
1 1 1 2 2 2 3 3 3 5 5 5 6 6 6 7 7 7 8 8 8 10 10 10 11 11 11 12 12 12 13 13 13 15 15 15 16 16 16 17 17 17 28 28 28 30 30 30 31 31 31 32 32 32 37 37 37 38 38 38 39 39 39 41 41 41 44 44 44 45 45 45 46 46 46 47 47 47