(1) من أح ـمد إلى مريم
سواء لَدي أَقَرَأْتِ كتابي هذا أم مزقته، خِلْوٌ من كل شيء يهمك العلم به أو النظر إليه.
كل ما يمكنني أن أطُرفك به من الأخبار أن أقول لك: إن أشجار الربيع قد بدأت
تبتسم عن أزهارها، وإن النسيم العليل يجمع في هذه الساعة التي أكتب لك فيها وأنا أقود سيارتي في سفر طويل لجيزان شذى أول زهرة من زهرات البنفسج وأول عود من أعواد الزنبق.
ويمكنني أن أخبرك أيضًا – وإن كنت لا اظن أن لهذه الأخبار معنى – أن هناك من البشر من لا يكتب إلا في الصباح، ويظن بأن الشمس تشرق أيضاً في ذات اللحظة التي يخط فيها سطوره.
أما أنا يا عزيزتي فيسرني أن أناكف هؤلاء الصباحيين بقدرتي على الكتابة في أي زمان ومكان وبأي كيفية كانت ولو على نطف السحاب لو أمكن، ولا أَدَل على ذلك من أنني أكتب لك الآن وأنا أعد أعمدة النور على سبيل التسلية، وأسمع لما يبثه تردد إذاعة مدار إف إم وأتلذذ بكوب القهوة التركية الزيادة وأدرج لك هذه السطور اليافعة الشابة في قدرتها على التكاثر بواسطة جوالي المحمول، فأنا من أولئك النوع الغريب من البشر الذين يزيد تركيزهم كلما زادت مشاغلهم في ذات الوقت، غير عابئ بعد قدرتي على الاستعانة بالصور التي تساند حروفي كما تعلمين، ومتجاهلاً بعض التفاصيل في تنسيق الخط وتزويقه.
عني فأنا أملك من رصيد الساعات الكثيرة في هذا الخط الطويل الذي لم أقطع منه إلا ما يقارب الـ 200 كيلو من أصل 600 كيلومتر، فسأبثك الكثير من السطور هنا قبل أن أرفع عقيرتي بغناء ( يا ليل ما اطولك ) فاستحمليني بكل رجاء.
في مثل هذه السفرات والتي أشغلها – عادةً – بالإنصات للروايات المسموعة أو مناكفة الحسابات الرياضية التي تحاول النيل من فريقي الكروي المشهور عبر منصة تويتر، أو حتى صيد بعض النصوص الشاردة التي عادة تكون كالقصور التي يبنيها أصحاب القات ويهدموها مع أو تنكيبة، وأبشرك بأنني في هذه الأمور كالمتصوفين تقريباً لا أقرب المشموم منها أو المبلوع أو ما يلاك كما يلاك القصب، كيف لا وأنا لا أعاقر من المنبهات أصلاً إلا ما انحصر في مسماه عند العرب بين ( الهيف – الضيف – الكيف – السيف – الفارس ) أعتقد أنك تعرفين ما أقصد!!.
(2) هرطقة روائية
الجو رائقٌ، السماء سوداء كقلب كافر، والطريق أمامي ماضٍ كرمح، متعرج كرأس أناكوندا ألمحها من بعيد وأنا أقترب من محافظة الليث.
كل ذلك يحرضني على سرد ملخص قصير – قدر الإمكان ( وأشك للأسف ) – لقصة المنفلوطي الشهيرة التي أعاد صياغتها للعربية المعنونة بـ ماجدولين أو ( تحت ظلال الزيزفون ) والتي كان نصها الأصلي للكتاب الفرنسي الذي نسيت اسمه.
لا أظن أنها فلتت من شباك شبكية عينيك إلى اليوم يا
مريم
فاعتبريها إذاً ذكرى، فإن الذكرى تنفع المؤمنين.
ماجدولين ليست رواية خارقة في أصلها القصصي وإنما كليشيه محروق لآلاف القصص الرومنسية التي تبتدئ بمصاعب من نوع ما وتنتهي بكارثة نفسية أو اجتماعية أو أدبية، ولكن ما يميزها ولازلت أشتم رائحة ذلك رغم أنني قرأتها منذ ما يربو على العشرين عاماً بأن هذا المنفلوطي الوغد يملك صياغة خيالية وقدرة أدبية ساحرة وإن كانت عفته الشخصية قد أثرت على الأحداث والأحوال التي تنشأ بين العشاق لتكون أقصى درجات كسر حواجز تلك الأمور أن يقبّل استيفن حبيبته ماجدولين في جبتها لمرة واحدة في كل الرواية.
(3) البداية
تحكي الرواية قصة استيفن المولود لأسرة متوسطة الحال الخالي تقريباً مما يلفت أي فتاة تبحث عن القشرة لدى الشبّان، لكنه كان مولع جداً بالموسيقى والطبيعة والمطالعة، كثير العزلة قليل الاتصال بالناس، ترك بيت أسرته وسكن حجرة متواضعة في منزل صديق والده الذي يملك ابنة وحيدة هي ماجدولين.
ودون الخوض في التفاصيل التي ستجدينها في أقل فيلم رومانسي عرضته أرخص دار عرض أو شاشة في يوم ما، شاءت الظروف أن يحب استيفن هذا ابنة صديق والده ماجدولين الي كان يلتقي بها لمرات ومرات تحت شجرة زيزفون بائسة على متن زورق في نهر قريب.
ومعاً حلما بالحياة الرومنسية التي يرسمها أي عاشقان منذ العهد الجوراسي حين كان الرجل يعبر عن عشقه وهيامه وحبه بفخذة تقطر دما لـ كارنوتوروس مسكين ( ديناصور لاحم ) شاءت الأحوال أن تراق دمائه في حالة حب.
المهم يا
مريم كانا يحلمان ببيت مناسب يجمعهما وحياة رغيدة توفر لهما الأمان العاطفي الممتد لأجل غير مسمى وهذا ما تحطم لاحقاً على صخرة رفض والد ماجدولين الذي ما فتئ عن إرسال رسالة للعاشق الولهان وطلب منه مغادرة المنزل، لكن هذا الاستيفن لم يغادر قبل أن يلتقي بمعشوقته في الخفاء لآخر مرة قبل أن يتعاهدان على الوفاء هلى أن تنتظره الوقت الكافي لجهز أموره ويعود مرة أخرى ليزفها لعش الزوجيه بعد أن يصبح رجلاً بالقدر الكافي الذي يقنع والدها، وإلى أن يتم ذلك تبادل العشيقان قطع من خصلات الشعر وجعلاها خاتماً في اصبعيهما كنوع من أنواع العهود والمواثيق الغليظة لتبدأ رحلة استيفن لجمع المال.
بقيت الرسائل بينهما كنوع من أنواع العقود المبرمة بينهما، ولن أخبرك بمدى روعة مثل هذه الأمور، حيث أن محدثك الثرثار كان أريباً في هذه الأمور قبل سنوات بعيدة، ومن عتاة الهواة للمراسلة في تلك الأيام الغابرة والذي يحتفظ بصندوق كبير منها إلى اليوم ومن وقت لآخر يطلع زوجته عليها ليذكرها بأي أنواع الصعاليك كان.
(4) إدوارد الوغد الجديد
سكن استيفن في بداية رحلة لجمع المال المطلوب في غرفة صغيرة زاره فيها صديقه إدوارد قبل أن يشاركه فيها، وقد كان هذا الإدوارد يومها يافعاً انتظر مع استيفن إلى أن بلغ الرشد ليرث ثروة كبيرة من عمه، وكان استيفن عضده وساعده العظيم الذي مكنه من الحصول على حقه.
في ذات الوقت الذي زارت ماجدولين صديقتها الثرية سوزان التي اعترفت لها بحبها لفتى من الأثرياء وتخطط للزواج منه، فأخبرت ماجدولين صديقتها بقصتها مع استيفن التي حاولت اقناعها بالعدول عن هذه الفكرة الغبية التي تتمثل بالزواج من فتى عادي من عامة الشعب وفضلت لها الزواج من شاب ثري تعرفه اسمه إدوارد.
وأقنعتها بكونه المبتغى والمراد لتنتقل لدنيا الخيال والثراء والحياة السعيدة.
ثم تمر الأيام ويرث استيفن أحد أعمامه ( ذحين وش ذي الرواية اللي كلها اعمام يموتون ومهمتهم في الحياة توريث أبناء إخوتهم المال، يارب ارزقنا من فضلك بأعمام مثلهم ) ,, المهم صاحبنا استيفن فجأة ألشت معاه الدنيا وأرته وجهها الصبوح وبدأ ترتيبات بناء عش الزوجية.
وعندما عاد استيفن لحبيبته وجدها وقد أبدلت خاتم المواثيق المكون من خصلات شعره بخاتم من الماس.
وما كان من استيفن إلا أن ركبته عبلة .. وهاج وماج وتنططت العفاريت في وجهه فيما يشبه رقصة الزولو المشهورة، ثم مرض مرضاً شديداً في أثناءه زارته الخائنة أم ستة وستين جزمة مع زوجها أبو سبعين حمار صديقه إدوارد.
طاب بعدها بفترة صديقنا المكلوم وبدأ بعدها في شق طريقه عازماً على نسيان الأمر برمته والاتفات لمستقبله وأكل عيشه وبرع في الموسيقى ليصبح من أكبر الموسيقاريه في البلد ويجمع شوية فلوس حلوة.
(5) الوغد وزوجته الوغدة .. وشيء ما عن لحن الموت
وفي الناحية المقابلة كان ادوارد اللعوب يبدد ثروته بين القمار والليالي الحمراء والخمور، إلى أن أفلس تماماً ليهاجر وينتحر بعدها الجبان تاركاً زوجته الحامل بابنتهما لتندب أم أم حظها الملعون، وتقوم ببيع بيت أبيها لسداد دين زوجها الوغد.
حاولت الاتصال باستيفن وعرفت بأن قلبه الملعون لازال يحبها لكن كرامته بتنأح عليه ومع ذلك قام بمساعدتها هي وابنتها الرضيعة.. إلى أن أتي اليوم الذي قررت فيه ماجدولين أن تستسلم لوساوسها وتضع الطفلة أمام منزل استيفن ومعها رسالة له بأن يرعى طفلتها وبأنها ستنتحر غرقاً في النهر القريب.
وكالملسوع ركض استيفن للنهر لينتشلها ميتة من تحت الماء.
ثم أوصى بكل ثروته لابنة ماجدولين وينتحر بعد أن أنشد سمفونية الموتى، وأن يدفن في قبر واحد مع ماجدولين موصياً أيضاً صديقه فرتز بأن تختار الطفلة حبيبها بنفسها عندما تكبر.
(6) من ش ـاهد لـ مريم
مما سبق يُظَنُّ لوهلة بأنه سرد لقصة لا تسمن ولا تغني من جوع وسط كم القصص الرومنسية المبتكرة التي يمكن التطرق لها وعلى سبيل المثال والاقتراح أذكر رواية me before you (أنا قبلك ) التي تحولت قبل كم سنة لفيلم للكاتبة الرائعة جوجو مويس، أو حتى strnege weather in wokyo (طقس غريب في طوكيو) الرواية اليابانية الأشهر في هذا المجال.
واتركيك او اخثريك من روايات عبير المصرية وما على شاكلتها التي كونت يوماً جزءاً مريضاً من رومنسيتنا المشوهة أيام الطيبين، لو كنتِ منهم طبعاً.
المهم .. ماجدولين هذه أفضل مثال تبادر لذهني للتمثيل بطريقتي المعتادة في السرد الطويل الممل وتحقيق مقولة صديقي
هادي مدخلي الدائمة ( أنت يا
ش ـاهد أبو التنع ) .. ولو كنت يا
هادي تقرأ هذه السطور فبالله ركز على ( مهيج الجماهير ) فهي ألطف من ( أبو التنع ).
وفي أن الحياة بالمجمل عبارة عن سلسلة معينة من القرارات التي تختلف مستويات أهميتها، لكنها تضعك في المعتاد على مفترق طرق .. شرف أو ختلة .. حق أو باطل .. عفو أو بغضاء .. وفي النهاية أنت من يختار أو تقبل بأن تُدفع لاختار مصيرك، كما فعلت سوزان المأفونة بصديقتها ماجدولين الوغدة.
وبالحديث عن خسارة الكلمات بانقطاع الاتصال مع وسائل التواصل .. فالعودة للسبل القديمة دائماً ما تنجح .. فطيورك المهاجرة التي ضاعت لو أنك يوماً تحمستي بالقدر الكافي وبنيت لها أعشاشاً احتياطية بين دفات الدفاتر أم 40 أو 60 أو الـ 100 ورقة في حالات البذخ القصوى .. لكانت الآن تملأ دولابك بالبيوض وبعض الفراخ المتحمسة لنشر زغبها الذي يجلب الحساسية في كل مكان.
ولكونك تتوسدين خيفتك كلما ساعدك العم قوقل لدخول المنتدى من اختفاء الكلمات .. فالأخ العزيز
هادي أخبرني بأن قاعدة بيانات المنتدى يتم نسخها يومياً واسبوعياً وشهرياً لتلافي فقد أي حرف يكتب فيه .. أو هكذا قال قدس الله سره العظيم.
ثم أنني يا
مريم قد فكرت بسؤالك عن إمكانية تدوير الألم.
فأقول لك بكل بساطة الدنيا بأنني بطل نفسي حتى وإن اندثر كل ما يذكرني بكل بطولة حققتها، لأنني أعرف في قرارة نفسي أنني أمتلك صلادة وصلابة المواجهات كوني قد صمدت سابقاً أمام وجوه من لا وجوه لهم.. بوجهي الـ (وحيد) وقلبي الـ (متوحد).
وعلى ذكر الكتابة التي هي محور حياتك اليومية كما تقولين .. دعيني أسألك عن مدى إمكانية أن تشعري بأنك حين تسقطين في عمق صمتك ذاته، هل يمكنك البكاء والكتابة والتحدث للآخرين .. أم تكتفين بالعويل النفسي وتقطيع شرايين الأسباب ولعن كل لحظة تسببت لك بأذية بالغة؟!!.
ثم ما قصة عبثية أن تنفي العدل من كل البشر، واسمحي لي أن أصفها بالعبثية لكونها الفلسفة التي تتلخص في أن مجهودات البشر للإدراك دائماً ما تنتهي بالفشل الحتمي.
أليس رسولنا الكريم من يقول ( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك ) أخرجه مسلم.
ولإن كانت فصيلة دمك تشبه تلك التي يمتلكها الحمار والغول والدّجاجة والبؤساء والقمل كما تقولين .. فأضنك تقصدين ( o+ ) التي هي أكثر الفصائل انتشارا وأنا أحد الذين ذكرتهم من بداية الحمار للقمل.. لكنني ومع انتشارها الذي يصل لأن نجد في كل 3 متبرعين.. أحدهم يملك هذه الفصيلة، ولقد حزت على الوسام الفضي والذهبي لكثرة التبرع بها رغم شيوعها الرهيب عند الحمار بدايةً إلى القمل، كونها كما اعتقد أنك تعلمين تمنح 4 فصائل بالتبرع وهي a+، أو b+، أو ab+، وكذلك o+ .
أما بخصوص فصيلة والدك شفاه الله وعافاه فمشكلتها أنها تستقبل التبرع من فصيلتين فقط للأسف هما o- و a- فقط .. وإنه لمن المحزن أن نعرف هذه المعلومة عن والدك.
ولعل الله يبدل البلاء بالعافية قريباً جداً إن شاء الله ..
مريم ..
أبشرك أنني ببحث صغير وبقدرة قادر وجدت زهرة لوتس مخبأة بإهمال – لا اعلم لم؟ - داخل أروقة المدائن بالرغم من عجبي الشديد لذلك كونها لا تتواجد إلا في مصر وجنوب وغرب آسيا وشمال أمريكا وأستراليا كما أظن.
متعجباً من اختيارها بالتحديد لصعوبة الحصول عليها وكونها تعيش في المستنقعات .. أمن الممكن أن يكون هذا ما تقصديه .. زهرة جميلة ( صالحة للأكل ) تستخدم للزينة .. تقدسها بعض الثقافات .. لا تتواجد إلا في المستنقعات الآسنة .. هل هذا ما تريدين الوصول إليه؟
في الختام الرابع تقريباً .. سرني جداً أن أراك تثقين بحديثي ورسائلي رغم معرفتك بأن حرفي خصماً لك في ساحة حرب.
وكأفلام الغرب المتوحش الأمريكية سأنزع لك قبعتي مرحباً لقبول نزال بالمسدسات المشهورة وسأمنحك حق استلال مسدسك قبلي بثانية واحدة فقط كرد جميل على ثقتك التي ذكرتها .. علماً بأنها ثانية غالية لو تم استغلالها بكفاءة، وأن هذه المنحة لا تعدوا اختبارت لكفاءة خفة يدي فقط.
اسلمك الان يا مريم مفتاح المكان بما أن نوبتك الكتابية تبدأ بالصباح أيتها الصباحية .. وأنا أرى بدائر الدخول على الشقيق تلوح بعد أن أكلت بعض المطبات الملعونة وأنا أكتب بحماس.
على هامش الهامش:
عثرت على زهرة اللوتس .. ماذا بعد؟