( صَيْدِ الخَاطِرِ ) مقتطفات من روائع ابن الجوزي ( متجدد)
1 ـ ابك على خطيئتك ..
ينبغي للعاقل أن يكون على خوف من ذنوبه و إن تاب منها و بكى عليها ! ، وإني رأيت أكثر الناس قد سكنوا إلى قبول التوبة ، و كأنهم قد قطعوا على ذلك ، و هذا أمر غائب ، ثم لو غُفِرَتْ بقي الخجل من فعلها ، و يؤيد الخوف بعد التوبة ؛ أنه في الصحاح : أن الناس يأتون إلى آدم ـ عليه السلام ـ فيقولون : إشفع لــنا ، فيقول : ( ذنبي ) !! ، و إلى نوح ـ عليه السلام ـ فيقول : ( ذنبي ) !! ، و إلى إبراهيم ، و إلى موسى ، و إلى عيسى ـ صلوات الله و سلامه عليهم ـ ، فهؤلاء إذا اعتبرت ذنوبهم لم يكن أكثرها ذنوباً حقيقة ، ثم إن كانت ؛ فقد تابوا منها و اعتذروا ، و هم ـ بعد ـ على خوفٍ منها . ثم إن الخجل ـ بعد قبول التوبة ـ لا يرتفع ! ، و ما أحسن ما قال الفضيل بن عياض ـ رحمه الله ـ : ( و اسوأتاه منك و إن عفوت ) ، فأفٍ ـ و الله ـ لمختارِ الذنوبِ و مؤثرٍ لذةَ لحظةٍ تبقى حسرة لا تزول عن قلب المؤمن و إن غُفِرَ له ، فالحذر الحذر من كل ما يوجب خجلاً ، و هذا أمر قل أن ينظر فيه تائب أو زاهد ؛ لأنه يرى أن العفو قد غمر الذنب بالتوبة الصادقة ، و ما ذكرته يوجب دوام الحذر و الخجل . |
رد: ( صَيْدِ الخَاطِرِ ) مقتطفات من روائع ابن الجوزي ( متجدد)
2 ـ الوقت كالسيف ..
رأيت العادات قد غلبت الناس في تضييع الزمان ، و كان القدماء يحذرون من ذلك ؛ قال الفضيل : ( أعرف من يعد كلامه من الجمعة إلى الجمعة ) !! . و دخلوا على رجل من السلف فقالوا : لعلنا شغلناك ؛ فقال : ( أصدقكم كنت أقرأ ؛ فتركت القراءة لأجلكم ) !! ، و جاء رجل من المتعبدين إلى سَرِي السَّقَطي ، فرأى عنده جماعة ؛ فقال : ( صرتَ مناخ البطالين ) ثم مضى و لم يجلس !! ، و متى لان المزور ؛ طمع فيه الزائر ؛ فأطال الجلوس ؛ فلم يسلم من أذى ، و قد كان جماعة قعوداً عند معروف فأطالوا ؛ فقال : ( إن مَلِكَ الشمس لا يَفتر في سَوقها .. أفما تريدون القيام ) ؟! ، و ممن كان يحفظ اللحظات عامر بن عبد قيس ، قال له رجل : قــف أكلمك ، قال : ( فأمْسِكْ الشمسَ ) !! ، و قيل لكرز بن وبرة : لو خرجت إلى الصحراء ، فقال : ( يبطل الزوجار ) !! ، و كان داود الطائي يَسْتَفَُ الفتيت و يقـول : ( بين سَفِّ الفتيت و أكل الخبز قراءة خمسين آية ) !! ، و كان عثمان الباقلاني دائم الذكر لله ـ تعالى ـ ، فقال : ( إني و قت الإفطار أحس بروحي كأنها تخرج ؛ لأجل اشتغالي بالأكل عن الذكر ) !! ، و أوصى بعض السلف أصحابه فقال : ( إذا خرجتم من عندي ؛ فتفرقوا ؛ لعل أحدكم يقرأ القرآن في طريقه ! ، و متى إجتمعتم ؛ تحدثتم ) !! . و إعلم أن الزمان أشرف من أن يضيع منه لحظة ؛ فإن في الصحيح عن رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ أنه قال : ( من قال سبحان الله العظيم و بحمده ؛ غرست له بها نخلة في الجنة ) !! ، فكم يضيع الآدمي من ساعات يفوته فيها الثواب الجزيل ؟! ، و هذه الأيام مثل المزرعة ، فكأنه قيل للإنسان : كلما بذرت حبة ؛ خرجنا لك ألف كر ، فهل يجوز للعاقل أن يتوقف عن البذر و يتوانى ؟! ، و الذي يعين على إغتنام الزمان الإنفراد و العزلة مهما أمكن ، و الإختصار على السلام أو حاجة مهمة لمن يلقى ، و قلة الأكل ، فإن كثرته سبب النوم الطويل و ضياع الليل ، و من نظر في سِيَرِ السلف و آمن بالجزاء ؛ بان له ما ذكرته . |
رد: ( صَيْدِ الخَاطِرِ ) مقتطفات من روائع ابن الجوزي ( متجدد)
3 ـ جهاد الشيطان ..
رأيت الخلق كلهم في صفِّ مُحارَبةٍ ، و الشياطين يرمونهم بـ ( نبل الهوى ) ، و يضربونهم بـ ( أسياف اللذة ) ، فأما ( المُخَلِّطُون ) ؛ فصرعى من أول وقت اللقاء! ، و أما ( المتقون ) ؛ ففي جهد جهيد من المجاهدة ، فلا بد ـ مع طول الوقوف في المحاربة ـ من جِراح ! ، فهم يُجْرَحونَ و يُدَاوَوْنَ ، إلا أنهم من القتل محفوظون ، بل إن الجراحة في الوجه شَيْنٌ باقٍ ؛ فليحذر ـ ذلك ـ المجاهدون . |
رد: ( صَيْدِ الخَاطِرِ ) مقتطفات من روائع ابن الجوزي ( متجدد)
4 ـ حذار من الدنيا ..
الدنيا ( فَخٌ ) ، و ( الجاهل ) بأول نظرة يقع ! ، فأما ( العاقل المتقي ) فهو يصابر المجاعة ، و يدور حول الحَبْ والسلامة بعيدة ، فكم مِن صابرٍ إجتهد سنين ، ثم في آخر الأمر وقع ؟!! ، فالحذر الحذر ، فقد رأينا من كان على سنن الصواب ، ثم زل على شفير القبر ! . |
رد: ( صَيْدِ الخَاطِرِ ) مقتطفات من روائع ابن الجوزي ( متجدد)
5 ـ جهاد الهوى ..
تأملت أمراً عجيباً ! ، و أصلاً ظريفاً ! ، و هو إنهيال الإبتلاء على المؤمن ، و عرض صورة اللذات عليه مع قدرته على نيلها ، و خصوصاً ما كان في غير كلفة من تحصيله كـ ( محبوب موافق في خلوة حصينة ) ، فقلت : سبحان الله ، ههنا يبين أثر الإيمان لا في صلاة ركعتين ! ، و الله ما صَعِدَ يوسف ـ عليه السلام ـ و لا سَعِدَ إلا في مثل ذلك المقام ! ، فبالله عليكم ـ يا إخواني ـ تأملوا حاله لو كان وافق هواه ؛ من كان يكون ؟! ، و قيسوا بين تلك الحالة ، و حالة آدم ـ عليه السلام ـ ثم زنوا بميزان العقل عقبى تلك الخطيئة ، و ثمرة هذا الصبر ، و اجعلوا فهم الحال عُدةً لكم عند كل مشتهى ، و إن اللذات لتعرض على المؤمن ، فمتى لقيها في صف حربه ، و قد تأخر عنه عسكر التدبر للعواقب ؛ هُزِمَ !! ، و كأني أرى الواقع في بعض أشراكها ، و لسان الحال يقول له : ( قف مكانك ، أنت و ما إخترت لنفسك ) ، فغاية أمره الندم و البكاء ، فإن أمِنَ إخراجه من تلك الهوة لم يخرج إلا مدهوناً بالخدوش !! ، وكم من شخص زلَّت قدمه ، فما ارتفعت بعدها ؟! ، ومن تأمل ذل ( إخوة يوسف ) ـ عليهم السلام ـ يوم قالوا : ( و تصدق علينا ) ؛ عرف شؤم الزلل ! ، و من تدبر أحوالهم ؛ قاس ما بينهم و بين أخيهم من الفروق ، و إن كانت توبتهم قُبِلَتْ ! ؛ لأنه ( ليس من رَقَّعَ و خاط ، كمن ثوبه صحيح ) ! ، و رب عَظْمٍ هِيْضَ ـ أي : إنكَسَرَ ـ لم ينجبر ، فإن جُبِرَ فعلى و هى ! ، فتيقظوا ـ إخواني ـ لعرض المشتبهات على النفوس ، و استوثقوا من لجم الخيل ، و انتبهوا للغيم إذا تراكم بالصعود إلى تلعة ـ كل ما إرتفع عن الأرض ـ ؛ فربما مد الوادي فراح بالركب . |
رد: ( صَيْدِ الخَاطِرِ ) مقتطفات من روائع ابن الجوزي ( متجدد)
6 ـ حريق الهوى ..
من نازعته نفسه إلى لذة محرمة ، فشغله نظره إليها عن تأمل عواقبها و عقابها ، وسمع هتاف العقل يناديه : ( ويحك لا تفعل ، فإنك تقف عن الصعود ، و تأخذ في الهبوط ، و يقال لك : إبق بما إخترت ) ، فإن شغله هواه فلم يلتفت إلى ما قيل له ؛ لم يَزَل في نزول ! ، و كان مثله ـ في سوء إختياره ـ كالمثل المضروب : ( أن الكلب قال للأسد : ياسيد السباع ، غير إسمي فإنه قبيح ، فقال له : أنت خائن لا يصلح لك غير هذا الإسم ، قال : فجربني فأعطاه شقة لحم و قال : إحفظ لي هذه إلى غد و انا أغير إسمك ، فجاع و جعل ينظر إلى اللحم ، و يصبر ، فلما غلبته نفسه ؛ قال : و أي شيء بإسمي ؟! ، و ما كلب إلا إسم حَسَن ؛ فأكل ) !! ، و هكذا الخسيس الهمة ، القنوع بأقل المنازل ، المختار عاجل الهوى على آجل الفضائل ، فااللهَ اللهَ في حريق الهوى إذا ثار ، و انظر كيف تطفئه ، فرُبَّ زلة أوقعت في بئر بوار ، و رُبَّ أثر لم ينقلع ، و الفائت لا يُستدرك ـ على الحقيقة ـ ، فابعد عن أسباب الفتنة ؛ فإن المقاربة محنة لا يكاد صاحبها يسلم ، و السلام . |
رد: ( صَيْدِ الخَاطِرِ ) مقتطفات من روائع ابن الجوزي ( متجدد)
7 ـ طغيان الهوى ..
تأملت على الخلق و إذا هم في حالة عجيبة ، يكاد يُقطع معها بفساد العقل ؛ و ذلك أن الإنسان يَسمع المواعظ ، و تذكر له الآخرة ، فيعلم صدق القائل ، فيبكي و ينزعج على تفريطه ، و يعزم على الإستدلاك ، ثم يتراخى عمله بمقتضى ما عزم عليه ، فإذا قيل له : ( أتشك فيما وُعِدَّتَ به ) ؟ ، قال : ( لا و الله ) ، فيـــــــقال لـه : ( فاعمل ) ، فينوي ذلك ثم يتوقف عن العمل ، و ربما مال إلى لذة محرمة ـ و هو يعلم النهي عنها !! ـ ، ومن هذا الجنس تأخر الثلاثة الذين خُلِّفوا ، و لم يكـن لهم عذر ، هم يعلمون قُبح التأخر ـ و كذلك كل عاص ـ ، فتأملت السبب ـ مع أن الإعتقاد صحيح ، و الفعل بطىء ـ ؛ فإذا له ثلاثة أسباب : أحدها : رؤية الهوى العاجل ؛ فإن رؤيته تشغل عن الفكر فيما يجنيه .. و الثاني : التسويف بالتوبة ؛ فلو حضر العقل لحذر من آفات التأخير ، فربما هجم الموت و لم تحصل التوبة . و العجب ممن يُجَوِّزُ سلب روحه قبل مضي ساعة ، و لا يعمل على الحزم !! ، غير أن الهوى يطيل الأمد ، و قد قال صاحب الشرع ـ صلى الله عليه و سلم ـ : ( صلِّ صلاة مُودِعٍ ) ، و هذا نهاية الدواء لهذا الداء ؛ فإنه من ظن أنه لا يبقى إلى صلاة أخرى ؛ جَدَّ و إجتهد .. و الثالث : رجاء الرحمة ؛ فيرى العاصي يقول : ربي رحيم ، و ينسى أنه شديد العقاب ! ، و لو علم أن رحمته ليست رِقَّة ، إذ لو كانت كذلك لما ذبح عصفوراً ! ، و لا آلم طفلاً ! ، و عقابه غير مأمون ، فإنه شرع قطع اليد الشريفة بسرقة خمسة قراريط ! . |
رد: ( صَيْدِ الخَاطِرِ ) مقتطفات من روائع ابن الجوزي ( متجدد)
8 ـ حساب النفس ..
تفكرت في نفسي ـ يوماً ـ تفكر محقق ؛ فحاسبتها قبل أن تُحاسب ، و وزنتها قبل أن تُوزن ؛ فرأيت اللطف الرباني ! ؛ فمنذ الطفولة ـ و إلى الآن ـ أرى لطفاً بعد لطف ، و ستراً على قبيح ، و عفواً عما يوجب عقوبة ، و ما أرى لذلك شكراً إلا باللسان ، و لقد تفكرت في خطايا لو عوقبت ببعضها ؛ لهلكت سريعاً !! ، و لو كُشِفَ للناس بعضها ؛ لإستحييت ! ، و لا يعتقد معتقد ـ عند سماع هذا ـ أنها من كبائر الذنوب ، حتى يظن في ما يظن في الفساق ، بل هي ذنوب قبيحة في حــق مثلي ، ووقَعَتْ بتأويلات فاسدة ، فصرت إذا دعوت أقول : ( اللهم بحمدك و سترك علي إغفر لي ) ، ثم طالبت نفسي بالشكر على ذلك ؛ فما وجدته كما ينبغي ، ثم أنا أتقاضى القدر مراداتي و لا أتقاضى نفسي بصبر على مكروه ، و لا بشكر على نعمة ...... |
رد: ( صَيْدِ الخَاطِرِ ) مقتطفات من روائع ابن الجوزي ( متجدد)
9 ـ عواقب الخطايا ..
قد تبغت العقوبات ، و قد يُؤخرها الحلم ، و العاقل من إذا فعل خطيئة ؛ بادرها بالتوبة ، فكم مغرور بإمهال العصاة لم يُمْهَل ؟! ، و أسرع المعاصي عقوبة ؛ ما خلا عن لذة تنسي النهي ! ، فتكون تلك الخطيئة كالمعاندة و المبارزة ، فإن كانت توجب إعتراضاً على الخالق أو منازعة له في عظمته ؛ فتلك التي لا تتلافى ، خصوصاً إن وقعت من عارف بالله ؛ فإنه يندر إهماله !! ، قال عبد المجيد بن عبد العزيز : ( كان عندنا بخراسان رجل كتب مصحفاً في ثلاثة أيام فلقيه رجل فقال : في كم كتبت هذا ؟ ، فأومأ بالسبابة و الوسطى و الإبهام و قال : في ثلاث [ و ما مسنا من لغوب ] ؛ فجفت أصابعه الثلاث ؛ فلم ينتفع بها فيما بعد ) !! ، وخطر لبعض الفصحاء أن يقدر أن يقول مثل القرآن ، فصعد إلى غرفة فانفرد فيها ، و قال أمهلوني ثلاثاً ، فصعدوا إليه بعد الثلاث و يده قد يبست على القلم و هو ميت ! ، قال عبد المجيد : ( و رأيت رجلاً كان يأتي امرأته حائضاً ؛ فحاض ، فلما كثر الأمر به ؛ تاب ؛ فانقطع عنه ) ، ويلحق هذا أن يعير الإنسان شخصاً بفعل ، و أعظمه أن يعيره بما ليس إليه ، فيقول يا أعمى ، و يا قبيح الخلقة ، و قال ابن سيرين : ( عيرت رجلاً بالفقر ، فحبست على دين ) !! ، و قد تتأخر العقــوبة و تأتي في آخر العـــمر ! ، فيا طول التعثير ـ مع كِبَرِ السِّنِّ ـ لذنوب كانت في الشباب ، فالحذر الحذر من عواقب الخطايا ، و البدار البدار إلى محوها بالإنابة ؛ فلها تأثيرات قبيحة إن أسرعت ، و إلا اجتمعت و جاءت . |
رد: ( صَيْدِ الخَاطِرِ ) مقتطفات من روائع ابن الجوزي ( متجدد)
طرح مميز وانتقاء ثري جُزيت خيرا جهد مميز ورائع سلمت الايادي تحياتي القلبية وسوسنتي الحلوة احمد الحلو |
الساعة الآن 01:51 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions Inc.
المنتدى حاصل على تصريح مدى الحياه
دعم وتطوير الكثيري نت
مجتمع ريلاكس