ننتظر تسجيلك هـنـا


❆ جدائل الغيم ❆
                        .


آخر 10 مشاركات زفرات       تغريدة على أغصان المقهى...       :: حقيقة ::       يوما ما ...       علمتني الحياة .........       عشقتك لكي لا انساك       بـ بسَاطة .!       شخصٌ ما       جـبـر الخــواطـر       إذا أردت      
روابط تهمك القرآن الكريم الصوتيات الفلاشات الألعاب الفوتوشوب اليوتيوب الزخرفة قروب الطقس مــركز التحميل لا باب يحجبنا عنك تنسيق البيانات
العودة   منتديات مدائن البوح > المدائن الأدبية > سحرُ المدائن > "بقعة ضوء"

"بقعة ضوء"

( " قراءات نقدية وتحليلية للنصوص")



قراءتي لِـ( كَمْ وددتُ)

( " قراءات نقدية وتحليلية للنصوص")


إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 05-17-2024, 12:19 PM
الْياسَمِينْ متواجد حالياً
SMS ~
Awards Showcase
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 880
 تاريخ التسجيل : Aug 2023
 فترة الأقامة : 302 يوم
 أخر زيارة : اليوم (02:00 PM)
 المشاركات : 20,235 [ + ]
 التقييم : 35348
 معدل التقييم : الْياسَمِينْ has a reputation beyond repute الْياسَمِينْ has a reputation beyond repute الْياسَمِينْ has a reputation beyond repute الْياسَمِينْ has a reputation beyond repute الْياسَمِينْ has a reputation beyond repute الْياسَمِينْ has a reputation beyond repute الْياسَمِينْ has a reputation beyond repute الْياسَمِينْ has a reputation beyond repute الْياسَمِينْ has a reputation beyond repute الْياسَمِينْ has a reputation beyond repute الْياسَمِينْ has a reputation beyond repute
بيانات اضافيه [ + ]


افتراضي قراءتي لِـ( كَمْ وددتُ)



رابط الحكاية " كم وددتُ" الكاتب القدير عبد العزيز

https://www.boohalharf.com/vb/showthread.php?t=14343

قراءة في نص كم وددتُ!


ملخص النص: يجلس البطل تحت شجرة عند مغيب الشمس، ويتذكر محبوبته متحسرا على ما ضاع من أمنيات ووصال لم يكتمل رغم قدوم خريف العمر.

تدور فكرة النص حول الحنين، وأمنيات العشق التي لم تتحقق، كما نجدها غالبا في الأدب العالمي والشعر العربي القديم والحديث، خصوصا لدى الشعراء العذريين، فالحنين ظاهرة إنسانية، وإحساس صادق في قلب الإنسان، وثيق بمشاعره، مضمخ بآهاته ولواعج فؤاده.

والعنوان يحمل تكثيفا دلاليا، يبعث على التساؤل والتقصي، وهو مكون من كلمتين: كم اسم مبني على السكون، يكنى بها عن العدد الكثير في مقام الافتخار والتعظيم، وقد تستعمل في التعجب، ودَّ من الود بمعنى أحب أو تمنى. والجملة تنتهي بعلامة تعجب، وتحمل ملامح حسرة وأسف، تتلقف فضول المتلقي وتدفعه لمعرفة أسباب هذه الحسرة والأسف. ويرد تكرارها في النص، وتشكل موضوعه الأساسي.

والنص عبارة عن مشهد أو لقطة صور فيها الكاتب حنين البطل إلى حبيبته وأمنياته الخفية، ابتداء بالطواف حول شجرة الصفصاف، وهو فعل يضفي قدسية على مكان لقائهما، ثم يتبعه بمسح الغبار عن المقعد، مزيحا في نفس الوقت عن ذاكرته ما علق بذكرى الحبيبة من شوائب نتيجة طول العهد، وحين يحدث نفسه يبدو قلقا ومضطربا تتقاذفه مشاعر متباينة، وغير واثق من تحقق أمنياته السابقة، مبتهجا وحزينا يجتر حالته الراهنة المتردية، ويصر على إكمال المسير في دربها حتى النهاية.

يرتكز النص بقوة على الصور الفنية، والتعابير البلاغية والإطناب، ويهيمن الحوار على معظمه. مع غلبة علامة التأثر والتعجب (!) الدالة على شدة الانفعال على إشارات ترقيمه.
وقد استعمل الكاتب ضمير الغائب في السرد ليصور حركة البطل المتسمة بالتوتر، بينما عبر عن إحساسه الداخلي من خلال الحوار مع النفس بضمير المتكلم لأنه الأقدر على تبيان عاطفته.

يبرز الزمان والمكان بوصفهما لاعبين يؤطران النص، ويشاركان في تأثيت المشهد بفاعلية، حيث أن الشجرة والمقعد الخالي يلقيان بظلالهما بقوة على نفسية البطل، الذي يستحضر الحنين من خلال علاقته بالمكان، فهو الذي يتوجه إلى مكان لقاءاتهما السابقة، ويمرر يده على الحرفين المنقوشين في جذع الشجرة الضخمة.
أما الزمان فذو بعدين: حقيقي قصير يتجلى في وقت غروب الشمس، ونفسي ممتد يعاني فيه البطل مادام البعد قد طال، والاجتماع بالمحبوبة من الأمنيات بعيدة المنال، والشوق جمرة متقدة في القلب لاتنطفئ. أو كما وصفه جلال الدين الرومي: "إلى أن يحين الوصال فإن الشوق لا ينتهي"

وتبدو الشخصية الرئيسية والتي لا تظهر منها سوى معاناتها النفسية وحوارها مع ذاتها، حالمة ومتعلمة (كان أنيسي القلم) ويفهم من السياق أنها متقدمة في السن (انصرام الريعان، تداني الخطى، إرهاق الكاهل، شيخوخة القلب، إدناف الجسد ) وتكابد الوحدة ( والوحدة الممضة ) والشعور بالوحدة يستدعي حنين الإنسان إلى الماضي في علاقة متداخلة وثيقة، إذ أنه يخفف من وطأة الوحدة على النفس، والحبيبة لا تحضر إلا من خلال رؤية البطل، فلا نعلم شيئا عنها، سوى أنها من نقشت حرفي اسمهما على جذع الشجرة. ويغلب الاشتهاء الحسي على اشتياق البطل وحنينه إليها، فترسمها مخيلته كائنا مثاليا بألف إغراء، يخاطبها كأنها حاضرة أمامهُ يبثها لوعته وهواه، وحنينه المفاجئ إليها هو اشتياق لنصفه الآخر ليلتئم جرح الحنين النازف. والألم مرهق وغامض، تُستبدل فيه المحبوبة الحقيقية، بذكرى أمنيات البطل وتخيلاته عنها، ويحتفظ بداخله بتلك الصورة المشتهاة غير المتحققة باستمرار، أو كما عبر عنه الكاتب الإيطالي أليساندرو باريكو:"ألمٌ غريب أن تموت من الحنين لشيء لم تعشـه أبداً".

النص رغم أسلوبه ولغته الجميلة، وفكرته المتمحورة حول مناجاة رجل عاشق ومتقدم في العمر لنفسه، ينقصه نوعا ما عنصر التشويق، ونهايته مغلقة ومتوقعة.
للمزيد من مواضيعي

 

الموضوع الأصلي : قراءتي لِـ( كَمْ وددتُ)     -||-     المصدر :     -||-     الكاتب : الْياسَمِينْ





 توقيع : الْياسَمِينْ



آخر تعديل الْياسَمِينْ يوم 05-17-2024 في 12:24 PM.
رد مع اقتباس
قديم 05-17-2024, 01:44 PM   #2


الصورة الرمزية بُشْرَى
بُشْرَى غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 20
 تاريخ التسجيل :  Sep 2020
 أخر زيارة : اليوم (12:58 AM)
 المشاركات : 221,301 [ + ]
 التقييم :  731379
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Female
 MMS ~
MMS ~
 SMS ~
لوني المفضل : Indianred


افتراضي رد: قراءتي لِـ( كَمْ وددتُ)



.
.

أهلا بقراءة الياسمين
منها العبق يفوح بالجمال ..
النص فيه التكثيف الغزير بكل أدوات القصة
بدءاً بالمقدمة الطللية
لحين الختم
بالوفاء الذي تجسّدفي سطوره الأخيرة
النص راقي جدا جدا
ويستحق هذا الألق منك

للنشر والمكافأة .


 
 توقيع : بُشْرَى

.
.

يا بلسماً في الحب لك الروح ساخية
دم سالماً يا قرّة قلبي بصحة وعافية

#أبي


رد مع اقتباس
قديم 05-19-2024, 04:58 PM   #3
مبتدئ .


الصورة الرمزية عبدالعزيز
عبدالعزيز غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 176
 تاريخ التسجيل :  Nov 2020
 أخر زيارة : 05-30-2024 (09:08 PM)
 المشاركات : 26,425 [ + ]
 التقييم :  73391
 SMS ~
لوني المفضل : Cadetblue


افتراضي رد: قراءتي لِـ( كَمْ وددتُ)



أهلًا بالأديبة البديعة الياسمين : أميل جدًّا للخواطر والقصص ، وقد أردتُ دمج هذين الفنين معًا ، وهذا ما دعاني إلى عدم الاهتمام بالنهاية فجل التركيز منصبٌّ على الدمج أكثر منه في الأحداث والتشويق والنهاية (وأقر أني أخفقتُ إخفاقًا ذريعًا فيما أردته من الدمج) ، ولم أعد أرغب في الكتابة ولدي كتاب مخطوط قصص قصيرة جله على نهج هذه القصة (كم وددتُ) .
نعود إلى الموضوع ! وفقتِ غاية التوفيق في قراءتك الأدبية المبدعة لنص (كم وددتُ) ، ولدي بعض الأمور التي أود لفت انتباهكِ لها (وقد وجدتُ في قلمكِ بيئةً نقديةً بارعة تجيد تحليل النص بدقة) ومع أني مبتدئٌ فلن يُعدمَ قارئُ تعقيبي هذا من بعض الفائدة !
أولًا : أخالفكِ في هذه النقطة (ويغلب الاشتهاء الحسي على اشتياق البطل وحنينه إليها، فترسمها مخيلته كائنا مثاليا بألف إغراء... إلخ)
ثانيًا : لماذا أورد اللثم بدل النضو والعناق ؟!
ثالثًا : لماذا ذكر النقش على الجذع الضخم ، ولم يذكر الكتابة ؟!
رابعًا : لماذا اختار وقت الأصيل ولم يختر الفجر أو الظهر أو العصر ؟! ولماذا مضى صوب الشمس المائلة للغروب ؟!
وايم الله لولا أنني وجدتُ قلمًا بارعًا مبدعًا في القراءات النقدية والغوص في النصوص بدراية تامة للزمتُ الصمت ولم ألفتْ انتباهكِ إلى بعض ما ورد في النص !

* كما هي العادة في جل ما أكتبه لم أنشره كاملًا ، ولو علمتُ أنه سيحظى بهذه القراءة النقدية البارعة لنشرته كاملًا !



 
 توقيع : عبدالعزيز




آيات الشكر والعرفان ، المضمخة بالمسك والريحان ، الموشاة باللؤلؤ والزبرجد والعقيان للمصممة المتفردة ودق الحروف على هذا التصميم الذي لا يُسامى !


رد مع اقتباس
قديم 05-19-2024, 05:01 PM   #4
مبتدئ .


الصورة الرمزية عبدالعزيز
عبدالعزيز غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 176
 تاريخ التسجيل :  Nov 2020
 أخر زيارة : 05-30-2024 (09:08 PM)
 المشاركات : 26,425 [ + ]
 التقييم :  73391
 SMS ~
لوني المفضل : Cadetblue


افتراضي العبقُ الفردوسيُّ !



وهذا نصٌّ تجاوز الخمس عشرة صفحة لم أنشر منه إلا أقل من الصفحتين !

لم يألف الأشمَّ والخضَمَّ –وإن وجد بهما بعضَ الأُنْسِ والسُّرورِ والبهجة- ، وظل الحنين ينازعه إلى مغاني طفولته ، وملاعب صباه !
لم يطق الصبر أكثر ، وفي إحدى الليالي ركب سيارته ويمم وجهه شطر مغاني طفولته ، وعندما تعالى الضحى كان في الشارع الرئيسي الذي عن يمينه المنازل والمغاني .
انعطف يمينًا ، عند أول منعطفٍ يؤدي إلى وسط الحي الذي كان يقطنه ، ثم ترجل من مركبته ، وبدأ السَّيْرَ متمهِّلًا ، متأمِّلًا ، متذكِّرًا ساعات أجمل ، وأنقى عهد !
عاج على منزله وخطى خطوتين إلى الداخل ، ثم وقف ونظر إلى نافذة المطبخ المطلة على الفناء الضيق ، التي يُخبِّئُ بعض لعبه فيها لعلوِّها ، ثم مضى إلى يساره مباريًا الحائط الأبيض القصير –الذي يفصل بين الفناء والممر- ، الذي يجعلونه مرمىً لكرة القدم .
دلف إلى الفناء الواسع ذي الحيطان المطلية باللون الأبيض ، والأسقف المرصوفة بالخشب المطلي باللون الأزرق والأبواب الخشبية المطلية باللون البني .
أجال ناظره في الفناء الواسع فعن يمينه المطبخ ، ثم باب خشبي يؤدي إلى غرفة النوم والصالة ، والمجلس الذي يقيم فيه مآدب النجاح ، والمناسبات السعيدة ، وضيافة أصحابه ، ثم العريش الشمالي والغربي ، الذي ينام فيه في فصل الشتاء ، ليبهج ناظره وسمعه بالبرق والرعد ، والغيث المنهمر ، والعصافير التي تخرج من أوكارها في التجويف الخشبي بأعلى العمود .
يليها غرفة التلفاز ، ثم المستودع ، ثم الدرج المؤدي إلى السطح ، توقف قليلًا ثم صعد الدرج ،ومضى إلى السطح وجال فيه ودموعه تنهمر على وجنتيه !
بجانب الباب عن يمينه مصطبة كان يلوذ بها كثيرًا عندما ينتابه الشجن ، وفي سقف الدرج كان يضع طنفسة ويمضي بعض الوقت فيها يتأمل ، ويسرح مع أحلامه وأمانيه !
صعد المصطبة ، ونظر إلى بيوت الحي ، ثم ثبَّتَ بصره على أحدها ، وقال : عندما تَهُبُّ الرياحُ أتَعَرَّضُ لها ، لعلها تَأْخُذُ بعضًا من الحنين الذي أَنْهَكَ قلبي ، لتُلقيه في قلبكِ ، لتَشْعُري بما أُكَابدُهُ من الحنين إليكِ ، فتعطفي ، وترأفي !
ثم نزل ، وجال في السطح المقسم إلى أربعة أقسام ، وجال في الغرف الثلاث فيه ، ووقف عند الغرفة الأخيرة ، وتبسم عندما تذكر عندما كان يضعُ العلمَ في آخر الزاوية منها ، وكاد يسقط ، لولا أن الله سلم !
نزل من السطح ، ونظر إلى الغرف الثلاث عن يمينه ، ثم دلف إلى الغرفة الأخيرة التي تؤدي إلى الفناء الخلفي (الغربي) ذي الثلاث نخلات ، وجوافة ، وكينة –يصطاد الطيور التي تأوي إليها- ، وتينة ، وخم دجاج وحمام ، وغرفة مسقفة بالطين والجريد !
تبسَّم ، عندما تذكر عندما غاب عن الحي بضعة أسابيع ، ثم عاد ، فاستقبله أترابه بالحفاوة والترحيب وأهدوه بعض ألعابهم !
كان يجول في المنزل ، ودموعه تنهمر ، والحنين تصطخب أمواجه مع كل ذكرى ، ولم يستطع نظم بيت ، ولو استطاع لاحتاج لمائة بيتٍ –على الأقل- لوصف ما يعتلجُ بقلبه !
خرج من الباب الأحمر الكبير ، الجنوبي الغربي ، واتجه إلى المنزل الذي أودع قلبه فيه ، ودلف من الباب الأخضر ، واتجه إلى شجرة الليمون في آخر الفناء الشمالي الشرقي ، ووقف أمامها ، وقال : لئن نالت الأيام من قوتي ، وصحتي ، وشبابي ، فلن تنال من قلبي الذي استعمره هواكِ ، وسيظلُّ على توقده ، قلب الطفل(عزُّو) الذي أحبكِ بكل جوارحه ، والذي ما في جسده جارحة ، إلا وتحن إليكِ حنين الحبِّ للفتكِ بالقلوب ، واللصِّ الخفيِّ (الحنين) للتسلل إليها لحرقها وإرماضها !
ثم هبتْ نسمةٌ خفيفةٌ حركتْ أغصانها الريانة ، فقال : حُكمَ على من صبا بدنف القلب ، وإرماضه ، وسهر الليل ، ومخادنة بلابل الحنين ، أفما في هذا كفارة له ، ورأفة به ، وحصوله على الخروج من ضنكِ النأي ، وإدناف الحنين ، إلى بستان الوصل ، ورياض اللقاء ، وقصور السرور !
آهٍ لو تعلمين عِظَم حبي لكِ ، وحنيني إليكِ ، فوالله ما صليتُ لله صلاةً إلا وكنتِ من أعز الأماني التي أرفعها إليه ، وأسأله إنجازها ! فليت لكِ عيناي وقلبي ، فتري بأي عينٍ أنظرُ إليكِ ، وبأي قلبٍ أجلُّكِ !
ثم قطف ليمونة ، ونظر إليها مليًّا ، وتبسمَ عندما تذكر إطلالتها عليهم وهم يلعبون تحتها ، فقال : عندما تطلين علي وأنا بجانبها أقطف منها واحدة ثم آكلها فأجدها حلوة لذيذة لأني كنت أنظر إليكِ ولو شربتُ السم الزعاف في تلك اللحظة لاستطبته واستعذبته لأني أراكِ أما حين تختفين عن ناظري يصبح الكون على اتساعه أضيق علي من سَمِّ الخياط .
ثم نقل ناظره إلى الباب الأخضر المطل على جهة الشمال ، الذي كانتْ تطلُّ عليهم منه على استحياء ، وقال : (مَصِيْرُ الأَحْيَاءِ اللقَاءُ) ! لم يَصْدُقْ قَائِلُ هذه العبارة ! فقد طال انتظاري ، ورفع أكفي ، ولم نلتقِ ولا حتى عن طريق الصدفة ، وقد مضى أكثر العمر ، ولم يبق إلا أقله ، وإني لأنتظر ذلك الحلم على أحر من الجمر ، فإن تحقق فالسلام والحنين عليكِ وإليكِ إلى يوم يبعثون ، وموعدنا في أرض المحشر !
خرج من المنزل ، وسار بخطى وئيدة وعيناه على منزلهم الذي لا يبعدُ عن منزل شجرة الليمون إلا بضعة أمتار ، واتجه إلى حائطه المطلي باللون الأبيض ذي الأبواب البيضاء –الذي قطنه وهو في السابعة من العمر- ووقف أمام عمود الإنارة الذي يجلسون تحته ليلعبوا ما يحلوا لهم من ألعاب ، أو يتناولوا الشاي في ليالي رمضان ، أو يمضوها في السمر والأحاديث ، ثم مضى مباريًا المنزل ، ثم انعطف بعده يمينًا –من جانب الباب الأحمر الكبير- ، وجال في الحي ، وبين البيوت التي أعيد بناء بعضها ، وترميم وطلاء بعضها الآخر !
كان يجولُ في حيِّه الذي ظعن عنه أُلَّافُهُ ، ومضى عنه أنداده ، فقال : أيتها المنازل ، التي أضحتْ أطلالًا : أين أهلكِ الذين شادوكِ –فيما مضى- لبنةً لبنةً ، ثم حجرًا حجرًا ؟!
أين من عمروكِ بأخلاقهم ، قبل أن يبنوكِ بسواعدهم ؟!
أين من تعالتْ ضحكاتهم ، وملأ عَرَصَاتَكِ نقاؤهم ، طهرهم ، براءتهم ؟!
تغيرت المعالم ، وتبدلت المنازل ، ومضى أهل الحي ، وحل غيرهم ، فأين أهلكِ وأصحابكِ ؟!
وايم الحق ، لو نطقتْ لقالتْ : لبوا نداء من لا يرفض نداؤه ، ولا يعصى أمره ، فتبدلوا بالمنازل الفيحاء الأجداث الضيقة –جعلهم الله ممن مُدَّ لهم مَدَّ البصر- ، وإن لم تحرم على الأرض أجسادهم ، فلم يبق منهم غير عجب الذنب !
أجال ناظره في منازل الحي مرةً أخرى ، ثم ثبَّتَ بصره على منزلهم –المطلي باللون الأزرق ذي الأبواب الرصاصية- المطل على الشرق والجنوب الذي فيه نشأ ، وفي عرصته درج ، ووقف أمامه –وقوف الصفيِّ على قبر صفيِّه- مطأطئ الرأس ، شجي القلب ، ودموعه تنساب على وجنتيه وقدماه مسمَّرتان لم يَسْتَطِعِ الدُّخُولَ إليه للذكرى التي أَرْمَضَتْ قلَبَهُ ، وأحْرَقَتْ كَبِدَهُ !
وقفَ خارجه ينظرُ إلى النخلات الثلاث التي تُطاولُ الحائط ، وشجرة البرتقال بجانب الحظار التي له معها ذكرى وأي ذكرى ، ثم قال : لم أَحُلْ ولم أَنْسَ ، وليس الأمرُ بيدي لأتَّخذَ قراري ، ولكنه قرارٌ في النهاية سألقاه أطال الزمنُ أم قَصُرَ !
أذكرُ ولادتكَ في الليل ، أذكركَ عندما كنتَ تحبو وتدرجُ ، وتتعثَّرُ ! وأذكر مضيَّكَ معي إلى مغنى الصبا ، ولعبنا ولهونا !
أذكرُ ذكرى ! بل سهامًا تُغرزُ في قلبي ، وبركانًا يُحرقُ كبدي ، وحِمْلًا يُثقلُ كاهلي !
لم يَستطعِ المكُوثَ أكثر ، فنظر إلى الدرب الذي عن يمينه المؤدي إلى مغنى الصبا ، وملتقى أنداده ، وأترابه ، ثم نقل ناظره إلى الدرب الذي عن شماله المؤدي إلى المسجد ، ومنازل أنداده الآخرين ، أطال التأمل ، ثم قال : هل يُلامُ الكَهْلُ في كَثْرَةِ عَوْجِهِ على مغاني صباه ، ليُجَدِّدَ أكسجين روحه ، ويَجْمَعَ أَشْتَاتَ قَلْبِهِ ، ويَزُوْرَ ضَريْحَ أُنْسِهِ وسُرُوْرِهِ ؟!
مضى إلى مغنى الصبا ، وجال بين الأثل المتناثر فيه ، ثم مضى إلى الأرجوحة ملتقى أترابه ، وموطن مرحهم ، ووقف أمامها ، ونظر إلى السلسلتين الحديديتين التي شُدَّتْ بهما ، وأسبل دموع ناظريه ، حنينًا إلى ما مضى ، ثم اتجه إلى الأثلة العتيقة المتأصلة في قلبه ، وجثا أمامها ، وأسبل ناظره ، وقال :


أيا أثلةً كانتْ سرورًا وبهجةً
أغيثي فؤادي بالوصال أثيبي

ولُمِّي لِدَاتَ الطُّهْرِ بَعْدَ تَشَتُّتٍ
لنَلْبَسَ أَثْوَابَ الّلِقَاءِ القَشِيْبِ

ونلهو كما كنا صباحًا وفي الدجى
ونشدو لأيام البراءةِ أوبي

ثم رفع رأسه إليها ، ونظر إلى أغصانها التي كان يتسلقها مع أترابه فيما مضى ، ويكسروا بعض أغصانها الرقيقة ، ليحركوا به الشاي ، وقال : هنا ابتدأت رحلتي ، وهنا انتهتْ وما بينهما إلا أعوامٌ قليلةٌ تخللها الأنس والسرور ، والشجى والسقم ، والحنين والنأي !
أيتها الأثلة ، يا معلم الصبا ، وملتقى الأتراب : إني أرقب الأحبة يظعنون ، فأحاول العدو إليهم والمضي معهم ، فتتسمر قدماي في الأرض لا أستطيع براحًا ، وسيأتي اليوم الذي تنطلقُ فيه قدماي دون قيدٍ ، وأمضي إلى حيث مضى الأحباب
كنتُ أخشى وها قد أتى اليوم الذي أخشاه، والذي أصبحتُ فيه أرنو من خلف سحب الكهولة إلى عهد الشباب الغضير ، والصبا الغض ، وأسفح دموع الشجى والحنين إليهما !
ثم مضى ، وهو يقول : سألقي على مرابع أنسي وسروري النظرة الأخيرة ، وأملأُ من عبقها النقي رئتي ، وأمضي إلى ربعٍ ضم أجساد أحبابي ، وأتمرغُ فوق أجداثهم ، قبل أن ألبي النداء الأعظم ، الذي لا يرفض ، ولا يؤخر !
ثم يمم وجهه شطر الشارع العام ، ووقف أمامه قليلًا ، وهو ينظرُ إلى شجر البرسوبس بين الرصيفين ، والأثلة العتيقة التي تطل على الشارع العام من جهة الشمال –التي كان يلعبُ تحتها ، ويتسلق أغصانها مع أترابه- ، وقال –وله مغزاه- : أحشاءٌ تلتهبُ ! قلوبٌ تحترقُ ! أحبابٌ تُرْتَهَنُ ! أجسادٌ تَفْتَرِقُ ! نواقيسُ تُقْرَعُ ! جَوْزَاءُ تَتَّقِدُ !
ثم ركب سيارته ، ونظر إلى البقعة البعيدة التي ضمَّتْ أحباب قلبه ، ثم مضى ، وعيناه لا تريمان عنها ، وعندما وصل إليها ، وقف طويلًا ينظرُ إلى بابها ، متذكرًا ما مضى ، متأملًا فيما سيأتي ، ثم قال : أخشى ذلك الباب ، لقلة الزاد ، ووعورة السبيل ، ولا عمل لدي يؤهلني لرحمتكَ ، ورجائي بعفوك ورحمتكَ التي وسعتْ كل شيءٍ هي ما يتقدَّمني !
ثم رفع رأسه إلى السماء ، وقال : والذي لا إله إلا هو ، ما انسلخ يومٌ من عمري ، إلا وشعرتُ بضآلة الدينا ، وتفاهة أمرها ، وأنها العجوز المتصابية ، المثقلةُ بالتجاعيد التي تخفيها بالحليِ والحللِ التي ترتديها !
ترجل من مركبته ، ودلف إليها وجثا بين القبور مطأطئ الرأس ، ذارف العينين ، ورفع أكف الضراعة لله أن يتغمدهم برحمته ، ويرضى عنهم ، ويغيثهم بالروح والريحان ، والمغفرة والرضوان !
أطال الـجُثُوَّ والتَّضَرُّعَ ، ثم نهض وبدأ المسير بخطى وئيدة بين الرِّجامِ الخرساء –الواعظة أيما وعظٍ- ، وبقلبه يعتلج ما يعتلجُ ، وقال : للفقر العمل والسعي الدؤوب !
للسقم العلاج في المشافي –بإذن الله- !
للابتلاء الصبر ، والتضرع لله عز وجل !
فما للفقد المضني ، والرحيل الأبدي ؟!
ثم جثا عند أحد القبور ، وأخذ بعض التراب ، وفركه ، وتركه ينسل من بين أصابعه ، ثم قال : علام خروجي من المنزل ؟! وإلام تقودني خطاي في ظلمة الدجى ؟!
أمضي صوب موطنٍ ضمَّ أجساد أحباب قلبي ! وتقودني إليه خطاي -حنينًا- أما الأرواح ، فهي برحمة الله في روحٍ وريحانٍ !
أنسوا ببطن الأرض أكثر من ظهرها ! وألفوا الأموات أكثر من الأحياء ، ووجدوا من رحمة الله ، ورضوانه ، وروحه وريحانه –بإذنه- ما طمأنهم ، وتوقهم إلى تعجيل النشر !
نسوا القلوب التي أخذوها ، والأجساد التي أرمضوها ، والدموع التي سكبوها ، والتباريح التي أضرموها !
ثم سجد وأطال السجود ، وقال : اللهم يا من رحمته وسعتْ كل شيء ، يا من يتطاولُ إبليس غدًا لينالها –لعلمه ويقينه بسعتها- ، أسألكَ برحماتكَ المائة ، وبكل خفقة رحمة في قلوب البشر وغيرهم ، أن ترحم أحباءنا وأصفياءنا ، وأن تسكنهم الفردوس الأعلى برحمتكَ !
ثم خرج وركب سيارته ، ومضى وهو يقول : سبحان الحي الدائم الكبير المتعال ، سبحان الحي الدائم الكبير المتعال ، سبحان الحي الدائم الكبير المتعال !


 
 توقيع : عبدالعزيز




آيات الشكر والعرفان ، المضمخة بالمسك والريحان ، الموشاة باللؤلؤ والزبرجد والعقيان للمصممة المتفردة ودق الحروف على هذا التصميم الذي لا يُسامى !


رد مع اقتباس
قديم 05-19-2024, 09:03 PM   #5


الصورة الرمزية الْياسَمِينْ
الْياسَمِينْ متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 880
 تاريخ التسجيل :  Aug 2023
 أخر زيارة : اليوم (02:00 PM)
 المشاركات : 20,235 [ + ]
 التقييم :  35348
 SMS ~
لوني المفضل : Cadetblue


افتراضي رد: قراءتي لِـ( كَمْ وددتُ)



اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالعزيز مشاهدة المشاركة
أهلًا بالأديبة البديعة الياسمين : أميل جدًّا للخواطر والقصص ، وقد أردتُ دمج هذين الفنين معًا ، وهذا ما دعاني إلى عدم الاهتمام بالنهاية فجل التركيز منصبٌّ على الدمج أكثر منه في الأحداث والتشويق والنهاية (وأقر أني أخفقتُ إخفاقًا ذريعًا فيما أردته من الدمج) ، ولم أعد أرغب في الكتابة ولدي كتاب مخطوط قصص قصيرة جله على نهج هذه القصة (كم وددتُ) .
نعود إلى الموضوع ! وفقتِ غاية التوفيق في قراءتك الأدبية المبدعة لنص (كم وددتُ) ، ولدي بعض الأمور التي أود لفت انتباهكِ لها (وقد وجدتُ في قلمكِ بيئةً نقديةً بارعة تجيد تحليل النص بدقة) ومع أني مبتدئٌ فلن يُعدمَ قارئُ تعقيبي هذا من بعض الفائدة !
أولًا : أخالفكِ في هذه النقطة (ويغلب الاشتهاء الحسي على اشتياق البطل وحنينه إليها، فترسمها مخيلته كائنا مثاليا بألف إغراء... إلخ)
ثانيًا : لماذا أورد اللثم بدل النضو والعناق ؟!
ثالثًا : لماذا ذكر النقش على الجذع الضخم ، ولم يذكر الكتابة ؟!
رابعًا : لماذا اختار وقت الأصيل ولم يختر الفجر أو الظهر أو العصر ؟! ولماذا مضى صوب الشمس المائلة للغروب ؟!
وايم الله لولا أنني وجدتُ قلمًا بارعًا مبدعًا في القراءات النقدية والغوص في النصوص بدراية تامة للزمتُ الصمت ولم ألفتْ انتباهكِ إلى بعض ما ورد في النص !

* كما هي العادة في جل ما أكتبه لم أنشره كاملًا ، ولو علمتُ أنه سيحظى بهذه القراءة النقدية البارعة لنشرته كاملًا !

مساء الخير أخي عبدالعزيز ..

لكل نص تأويلاته المختلفة بتنوع المتلقين وقراءاتهم له، لذلك فهو عملية اجتهادات تقوم على الذائقة والإحساس والأثر، يتفاعل فيها المتلقي مع النص كقارئ مثقف، ويبقى المعنى الحقيقي في بطن الكاتب كما يقال. والإبداع يتجلى في قدرة الكاتب على مشاركة أفكاره مع المتلقي بطريقة فنية تجمع بين المتعة والجمال الفني.

قد تتوفر للنص الأدبي عدة قراءات قد تلتقي أو تتعارض في ما بينها أو تخالف ما ذهب إليه الكاتب، أو تكتشف معاني لم يقصدها، ولا مجال لتفصيل تدخل اللاوعي أيضا في عملية النشاط الأدبي، ومهمة المبدع الأساسية أن يخلف عمله أثرا ومتعة لدى القارئ.

ورغم أن تفاصيل الأعمال الأدبية ليست ألغازا ينبغي حلها، ولا يجدر التوقف عندها مطولا، إذ أن لكل قارئ تفسيرا لها وفق ثقافته ورصيده الفكري والفني.

فأرى أن الاشتهاء الحسي يتبين من خلال التركيز على التقبيل على كل جسد الأنثى وتكراره( وددت لو غمرتك بالقبل من مفرق رأسك إلى أخمص قدميك- أحتسي من رضابك- شهد رضابك-أقبلك- أرشف شهدها- أقبلك أخرى- أقبلك ثالثة وأتبعها رابعة…)، وقد يكون اللثم أشد تعبيرا عن العشق من العناق. كما أن النقش أشد وأبقى من الكتابة، لذلك فالحب ثابت رغم طول المدة، وأذهب إلى أن ذكر الأصيل متسق مع حالة البطل النفسية.

ولا يلزم من قراءة النص فهمه بأكمله أو الإحاطة به من جميع جوانبه، وإنما يدلي المتلقي بانطباعه الكلي وربما يغفل عن بعض التفصيلات، أو لا يتسق تفسيره مع غاية الكاتب ورؤيته، وكل ذلك يثري النص ويوسع من أفقه الدلالي والجمالي.

وفقك الله أخي


 
 توقيع : الْياسَمِينْ



رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 6 ( الأعضاء 0 والزوار 6)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
قراءتي لومضة أمجد / روبابيكيا.. الْياسَمِينْ "بقعة ضوء" 5 05-28-2024 09:12 PM
كم وددتُ ! عبدالعزيز قناديـلُ الحكايــــا 24 05-21-2024 06:23 PM
قراءتي لومضة الوداع / حيال محمد الأسدي الْياسَمِينْ "بقعة ضوء" 2 05-12-2024 06:41 PM
قراءتي لظلال على أعشاب الشوق- لصالح بحرق الْياسَمِينْ "بقعة ضوء" 3 05-08-2024 02:09 AM

Bookmark and Share


الساعة الآن 02:14 PM

أقسام المنتدى

المدائن الدينية والاجتماعية | الكلِم الطيب (درر إسلامية) | أرواح أنارت مدائن البوح | الصحة والجمال،وغراس الحياة | المدائن الأدبية | سحرُ المدائن | قبس من نور | المكتبة الأدبية ونبراس العلم | بوح الأرواح | المدائن العامة | مقهى المدائن | ظِلال وارفة | المدائن المضيئة | شغب ريشة وفكر منتج | المدائن الإدارية | حُلة العيد | أبواب المدائن ( نقطة تواصل ) | محطة للنسيان | ملتقى الإدارة | معا نحلق في فضاء الحرف | مدائن الكمبيوتر والجوال وتطوير المنتديات | آفاق الدهشة ومواسم الفرح | قناديـلُ الحكايــــا | قـطـاف الـسـنابل | المدائن الرمضانية | المنافسات الرمضانية | نفحات رمضانية | "بقعة ضوء" | رسائل أدبية وثنائيات من نور | إليكم نسابق الوفاء.. | الديوان الشعبي | أحاسيس ممزوجة |



Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
مجتمع ريلاكس
Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

new notificatio by 9adq_ala7sas