» يومٌ من عمري « | ||||||
|
آخر 10 مشاركات |
روابط تهمك | القرآن الكريم | الصوتيات | الفلاشات | الألعاب | الفوتوشوب | اليوتيوب | الزخرفة | قروب | الطقس | مــركز التحميل | لا باب يحجبنا عنك | تنسيق البيانات |
|
الكلِم الطيب (درر إسلامية) رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا |
رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
08-29-2024, 12:27 PM | #21 |
|
رد: الأخلاق المذمومة في الإسلام ( متجدد )
البغض والكراهية
معنى البُغْضِ والكَراهيَةِ لُغةً واصطِلاحًا معنى البُغْضِ لُغةً: البُغْضُ: ضِدُّ الحُبِّ، والشَّيءُ مبغوضٌ وبَغيضٌ، وبَغُضَ الشَّيءُ بَغاضةً، فهو بغيضٌ، وأبغَضْته إبغاضًا، فهو مُبغَضٌ، والاسمُ البُغْضُ، وبَغَّضه اللَّهُ تعالى للنَّاسِ فأبغَضوه، والبِغْضةُ والبَغْضاءُ: شِدَّةُ البُغْضِ، وتباغَضَ القومُ: أبغَض بعضُهم بعضًا . معنى البُغْضِ اصطِلاحًا: قال المُناويُّ: (البُغْضُ هو نفورُ النَّفسِ عن الشَّيءِ الذي يُرغَبُ عنه) . وقال الكَفَويُّ: (البُغْض: عبارةٌ عن نُفرةِ الطَّبعِ عن المؤلِمِ المُتعِبِ) . معنى الكَراهيَةِ: الكَراهيَةُ: خِلافُ الرِّضا والمحبَّةِ، يُقالُ: كَرِهتُ الشَّيءَ أكرَهُه كَراهةً وكَراهيَةً، فهو شيءٌ كَريهٌ ومكروهٌ. والكُرهُ الاسمُ. ويُقالُ: بل الكُرهُ: المشَقَّةُ، والكَرْهُ: أن تُكَلَّفَ الشَّيءَ فتعمَلَه كارِهًا. ويُقالُ من الكُرهِ: الكَراهيَةُ والكَراهيَّةُ. وأكرَهْتُه على كذا: حمَلْتُه عليه كَرهًا . وقال ابنُ عاشورٍ: (الكُرهُ: الكَراهيَةُ ونُفرةُ الطَّبعِ من الشَّيءِ، ومِثلُه الكَرهُ على الأصَحِّ) . الفَرْقُ بَيْنَ البُغْضِ والكراهةِ وبعضِ الصِّفاتِ الفَرْقُ بَيْنَ البُغْضِ والكراهةِ: قال أبو هلالٍ العَسكريُّ: (الفَرْقُ بَيْنَ البُغْضِ والكراهةِ أنَّه قد اتُّسِع بالبُغْضِ ما لم يُتَّسَعْ بالكراهةِ؛ فقيل: أُبغِضُ زيدًا، أي: أُبغِضُ إكرامَه ونَفْعَه، ولا يُقالُ: أكرَهُه، بهذا المعنى، كما اتُّسِع بلفظِ المحبَّةِ، فقيل: أُحِبُّ زيدًا، بمعنى: أحِبُّ إكرامَه ونَفْعَه، ولا يُقالُ: أُريدُه، في هذا المعنى، ومع هذا فإنَّ الكراهةَ تُستعمَلُ فيما لا يُستعمَلُ فيه البُغْضُ، فيُقالُ: أكرَهُ هذا الطَّعامَ. ولا يُقالُ: أُبغِضُه، كما تقولُ: أحِبُّه. والمرادُ أنِّي أكرَهُ أكلَه، كما أنَّ المرادَ بقولِك: أريدُ هذا الطَّعامَ، أنَّك تُريدُ أكلَه أو شِراءَه) . الفَرْقُ بَيْنَ الإباءِ والكراهةِ: قال أبو هلالٍ العَسكريُّ: (إنَّ الإباءَ هو أن يمتَنِعَ، وقد يَكرَهُ الشَّيءَ من لا يَقدِرُ على إبائِه، وقد رأيناهم يقولون للمَلِكِ: أَبَيتَ اللَّعنَ، ولا يعنون أنَّك تَكرَهُ اللَّعنَ؛ لأنَّ اللَّعنَ يَكرَهُه كُلُّ أحَدٍ، وإنَّما يريدونَ أنَّك تمتَنِعُ من أن تُلعَنَ وتُشتَمَ؛ لِما تأتي من جميلِ الأفعالِ، وقال الرَّاجزُ: ولو أرادوا ظُلْمَه أَبَينا أي: امتَنَعْنا عليهم أن يَظلِموا، ولم يُرِدْ أنَّا نكرَهُ ظُلمَهم إيَّاه؛ لأنَّ ذلك لا مَدْحَ فيه، وقال اللَّهُ تعالى: وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ [التوبة: 32] ، أي: يمتنِعُ من ذلك، ولو كان اللَّهُ يأبى المعاصيَ كما يَكرَهُها، لم تكُنْ معصيةٌ ولا عاصٍ) . الفَرْقُ بَيْنَ الكراهةِ ونُفورِ الطَّبعِ: قال أبو هِلالٍ: (إنَّ الكراهةَ ضِدُّ الإرادةِ، ونفورُ الطَّبعِ ضِدُّ الشَّهوةِ، وقد يريدُ الإنسانُ شُربَ الدَّواءِ المُرِّ مع نفورِ طَبْعِه منه، ولو كان نفورُ الطَّبعِ كَراهةً لما اجتمع مع الإرادةِ، وقد تُستعمَلُ الكراهةُ في موضِعِ نفورِ الطَّبعِ مجازًا، وتُسَمَّى الأمراضُ والأسقامُ: مكارِهَ؛ وذلك لكثرةِ ما يكرَهُ الإنسانُ ما يَنفِرُ طبعُه منه) . الفَرْقُ بَيْنَ البُغْضِ والمَقْتِ قيل: البُغْضُ: عبارةٌ عن نُفرةِ الطَّبعِ عن المُؤلِمِ المتعِبِ، فإذا قَويَ يُسَمَّى مَقتًا ، فالمقتُ أشَدُّ البُغْضِ . الفَرْقُ بَيْنَ البُغْضِ والشَّنَآنِ: أنَّ الشَّنَآنَ هو شِدَّةُ البُغْضِ وغايةُ المقتِ، وقيل: الشَّنَآنُ هو المبايَنةُ النَّاشِئةُ عن العداوةِ والبَغْضاءِ، وقيل: الشَّنَآنُ هو البُغْضُ . ذم البغض والكراهية والنهي عنهما أ- من القُرآنِ الكريمِ - قال تعالى: إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ [المائدة: 91] . قال الطَّبَريُّ: (يقولُ تعالى ذِكْرُه: إنَّما يريدُ لكم الشَّيطانُ شُربَ الخَمرِ والمياسَرةَ بالقِداحِ، ويُحَسِّنُ ذلك لكم؛ إرادةً منه أن يوقِعَ بينَكم العداوةَ والبَغْضاءَ في شُربِكم الخَمرَ ومياسرتِكم بالقِداحِ، ليعادِيَ بعضُكم بعضًا، ويُبَغِّضَ بعضَكم إلى بعضٍ، فيُشَتِّتَ أمرَكم بعدَ تأليفِ اللَّهِ بينَكم بالإيمانِ، وجمْعِه بينَكم بأخُوَّةِ الإسلامِ، ويَصُدَّكم عن ذكرِ اللَّهِ) . ب- مِنَ السُّنَّةِ النَّبَويَّةِ - عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه، عن النَّبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إيَّاكم والظَّنَّ؛ فإنَّ الظَّنَّ أكذَبُ الحديثِ، ولا تَحَسَّسوا ولا تَجَسَّسوا، ولا تَنافَسوا ولا تَحاسَدوا، ولا تَباغَضوا ولا تَدابَروا، وكونوا عبادَ اللهِ إخوانًا)) . قال السَّعديُّ: (فعلى المُؤمِنين أن يكونوا مُتحابِّين مُتصافين، غيرَ مُتباغِضين ولا مُتعادين، يَسعَون جميعُهم لمصالحِهم الكُلِّيَّةِ التي بها قِوامُ دينِهم ودُنياهم، لا يتكبَّرُ شريفٌ على وَضيعٍ، ولا يحتَقِرُ أحَدٌ منهم أحدًا) . - عن عبدِ اللَّهِ بنِ عَمرِو بنِ العاصِ رَضِيَ اللَّهُ عنهما، عن رسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((إذا فُتِحَت عليكم فارِسُ والرُّومُ، أيُّ قومٍ أنتم؟ قال عبدُ الرَّحمنِ بنُ عَوفٍ: نقولُ كما أمَرَنا اللَّهُ. قال رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أو غيرَ ذلك، تتنافَسون، ثمَّ تتحاسَدون، ثمَّ تتدابَرون، ثمَّ تتباغَضون، أو نحوَ ذلك، ثمَّ تنطَلِقون في مساكينِ المهاجِرين، فتجعَلون بعضَهم على رقابِ بَعضٍ)) . قال النَّوويُّ: (قال العُلَماءُ: التَّنافُسُ إلى الشَّيءِ المسابقةُ إليه وكراهةُ أخذِ غَيرِك إيَّاه، وهو أوَّلُ درَجاتِ الحَسَدِ، وأمَّا الحَسَدُ فهو تمنِّي زوالِ النِّعمةِ عن صاحبِها، والتَّدابُرُ: التَّقاطعُ، وقد بقيَ مع التَّدابُرِ شيءٌ من المودَّةِ، أو لا يكونُ مودَّةٌ ولا بُغضٌ، وأمَّا التَّباغضُ فهو بعدَ هذا؛ ولهذا رُتِّبَت في الحديثِ) . -عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: قال رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا يَفْرَكْ مُؤمِنٌ مُؤمِنةً، إن كَرِه منها خُلُقًا رَضِيَ منها آخَرَ)) . قولُه: ((لا يَفْرَكْ مُؤمِنٌ مُؤمِنةً)) أي: لا يُبغِضْها بُغضًا كُلِّيًّا يحمِلُه على فِراقِها، بل يَغفِرُ سيِّئَتَها لحَسَنِها، ويتغاضى عما يَكرَهُ لِمَا يحِبُّ ؛ فإنَّه إن صَدَر منها فِعلٌ غيرُ مَرضيٍّ له يصدُرُ منها أفعالٌ مَرضيَّةٌ له، فلْيَعفُ عنها أفعالَها غيرَ المَرضيَّةِ لأجلِ أفعالِها المَرضيَّةِ . ج- من أقوالِ السَّلَفِ والعُلَماءِ - عن عَليٍّ رَضِيَ اللَّهُ عنه قال: (أحبِبْ حبيبَك هَونًا ما؛ عسى أن يكونَ بغيضَك يومًا ما، وأبغِضْ بغيضَك هَونًا ما؛ عسى أن يكونَ حبيبَك يومًا ما) . - وقال بعضُ الصَّحابةِ: (مَن أراد فَضلَ العابِدين فلْيُصلِحْ بَيْنَ النَّاسِ، ولا يوقِعْ بَيْنَهم العداوةَ والبَغْضاءَ) . - وقال أبو حاتمِ بنُ حِبَّانَ: (حاجةُ المرءِ إلى النَّاسِ مع محبَّتِهم إيَّاه خيرٌ من غِناه عنهم مع بُغضِهم إيَّاه، والسَّبَبُ الدَّاعي إلى صَدِّ محبَّتِهم له هو التَّضايُقُ في الأخلاقِ وسوءُ الخُلُقِ؛ لأنَّ مَن ضاق خُلُقُه سَئِمَه أهلُه وجيرانُه، واستثقله إخوانُه، فحينَئذٍ تمنَّوا الخلاصَ منه، ودَعَوا بالهلاكِ عليه) . - وقال: (الواجِبُ على النَّاسِ كافَّةً: مجانبةُ الإفكارِ في السَّبَبِ الذي يؤدِّي إلى البَغْضاءِ والمشاحنةِ بَيْنَ النَّاسِ، والسَّعيِ فيما يُفَرِّقُ جمْعَهم، ويُشَتِّتُ شَمْلَهم) . - وقال ابنُ القَيِّمِ: (البُغْضُ والكراهةُ أصلُ كُلِّ تَركٍ ومَبدؤُه) . - وقال أبو حامِدٍ الغَزاليُّ: (اعلَمْ أنَّ الأُلفةَ ثَمَرةُ حُسنِ الخُلُقِ، والتَّفَرُّقَ ثَمَرةُ سُوءِ الخُلُقِ؛ فحُسنُ الخُلُقِ يُوجِبُ التَّحابَّ والتَّآلُفَ والتَّوافُقَ، وسوءُ الخُلُقِ يُثمِرُ التَّباغُضَ والتَّحاسُدَ والتَّدابُرَ، ومهما كان المثمِرُ محمودًا كانت الثَّمَرةُ محمودةً) . - عن أبي قِلابةَ (أنَّ أبا الدَّرداءِ مَرَّ على رجُلٍ قد أصاب ذنبًا، فكانوا يسبُّونَه، فقال: أرأيتُم لو وجَدتُموه في قَليبٍ، ألم تكونوا مُستخرِجيه؟ قالوا: بلى، قال: فلا تَسُبُّوا أخاكم، واحمَدوا اللهَ الذي عافاكم، قالوا: أفلا تُبغِضُه؟ قال: إنَّما أبغِضُ عَمَلَه، فإذا تركَه فهو أخي) . - وعن مُبارَكٍ أبي حمَّادٍ، قال: سمِعتُ سُفيانَ الثَّوريَّ يقولُ فيما أوصى به عليَّ بنَ الحَسَنِ السُّلَميَّ: (لا تُبغِضْ أحدًا ممَّن يطيعُ اللَّهَ، كنْ رحيمًا للعامَّةِ والخاصَّةِ، ولا تقطَعْ رَحِمَك، وصِلْ مَن قطَعَك، وصِلْ رَحِمَك وإن قطَعَك، وتجاوَزْ عمَّن ظَلَمك تكُنْ رفيقَ الأنبياءِ والشُّهَداءِ) . - وقال له أيضًا: (صِلْ رَحِمَك وقرابَتَك وجيرانَك وإخوانَك، ثمَّ إذا رَحِمْتَ رَحِمتَ مِسكينًا أو يتيمًا أو ضعيفًا... وإيَّاك والشُّحَّ؛ فإنَّ الشُّحَّ يُفسِدُ عليك دينَك، ولا تَعِدَنَّ أحَدًا شيئًا فتُخلِفَه فتَستبدِلَ بالمودَّةِ بُغضًا، وإيَّاك والشَّحناءَ؛ فإنَّه لا تُقبَلُ توبةُ عَبدٍ يكونُ بينه وبين أخيه شَحناءُ، وإيَّاك والبَغْضاءَ؛ فإنَّما هي الحالقةُ، وعليك بالسَّلامِ لكُلِّ مُسلِمٍ يخرُجِ الغِلُّ والغِشُّ من قَلبِك، وعليك بالمصافَحةِ تكُنْ محبوبًا إلى النَّاسِ... ولا تحِبَّ إلَّا في اللَّهِ، ولا تُبغِضْ إلَّا في اللَّهِ، فإنْ لم تفعَلْ كان سيماك سيما المُنافِقين) . آثارُ البُغْضِ والكَراهيَةِ 1- سَبَبٌ في الوُقوعِ في الافتراءِ والبُهتانِ على النَّاسِ، والتَّحامُلِ عليهم عِندَ الخُصومةِ. 2- يتولَّدُ عنه الحِقدُ الشَّديدُ للمَبغوضِ. 3- يتسَبَّبُ في انتِشارِ بعضِ الأمراضِ الاجتماعيَّةِ الخطيرةِ، التي تفتِكُ بالمجتَمَعِ وتهَدِّدُ لُحمَتَه وتماسُكَه، كانتشارِ الإشاعاتِ المُغرِضةِ، والتَّحاسُدِ والتَّنافُسِ غيرِ المحمودِ. 4- سَبَبٌ في فِقدانِ الأمنِ والأمانِ في المجتَمَعِ. 5- بسَبَبِه تضيعُ الثِّقةُ بَيْنَ أفرادِ المجتمَعِ وتتفَرَّقُ كلمتُهم. 6- انتفاءُ العدلِ في المجتمَعِ المتباغضِ؛ ولهذا قيل للعادِلِ: هو الذي إذا غَضِب لم يُدخِلْه غضَبُه في باطِلٍ، وإذا رَضِيَ لم يُخرِجْه رِضاه عن الحَقِّ . 7- البُغْضُ يتسَبَّبُ إلى سُوءِ الخُلُقِ؛ يقولُ الماوَرديُّ: (البُغْضُ الذي تنفِرُ منه النَّفسُ فتُحدِثُ نفورًا على المُبغَضِ، فيَؤولُ إلى سوءِ خُلُقٍ يَخُصُّه دونَ غيرِه) . ( يتبع ) |
نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا ! و ليتني ما أرضيت سواي ! على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات ! |
08-29-2024, 12:35 PM | #22 |
|
رد: الأخلاق المذمومة في الإسلام ( متجدد )
تابع – البغض والكراهية
أقسامُ البَغْضاءِ والكَراهيَةِ تنقَسِمُ البَغْضاءُ إلى قِسمَينِ: القِسمُ الأوَّلُ: منهيٌّ عنه، محرَّمٌ مذمومٌ، ومن صُوَرِه كَراهيَةُ المُشرِكين لِما أنزل اللَّهُ سُبحانَه: قال تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ [محمد: 8 - 9] . (فَتَعْسًا لَهُمْ هلاكًا لهم وخيبةً من اللَّهِ ذَلِكَ أي: التَّعْسُ وإضلالُ الأعمالِ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ أي: بسَبَبِ كراهيتِهم ما أنزَل اللَّهُ من القرآنِ المُشتَمِلِ على التَّكاليفِ، فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ أبطَلَها) . كَراهيَةُ رِضوانِ اللَّهِ سُبحانَه: قال تعالى عن المُنافِقين: ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ [محمد: 28] . قال السَّعديُّ: (وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فلم يكُنْ لهم رغبةٌ فيما يُقَرِّبُهم إليه، ولا يُدنيهم منه، فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ أي: أبطَلها وأذهَبها، وهذا بخلافِ مَن اتَّبع ما يُرضي اللَّهَ وكَرِه سَخَطَه، فإنَّه سيُكَفِّرُ عنه سَيِّئاتِه، ويُضاعِفُ أجرَه وثوابَه) . كَراهيَةُ المُشرِكين لإظهارِ دينِ الإسلامِ وإتمامِ نورِه وإحقاقِ الحَقِّ وإبطالِ الباطِلِ: قال تعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التوبة: 33] . وقال سُبحانَه: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [الصف: 9] . والمعنى: هو الذي أرسَل رسولَه محمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالقُرآنِ والمِلَّةِ الحنيفيَّةِ التي اختارها لرسولِه ولأمَّتِه، ليَجعَلَ دينَه ظاهِرًا عاليًا وغالبًا على جميعِ الأديانِ المخالِفةِ له، ولو كَرِهَ المُشرِكون ذلك الإظهارَ؛ فإظهارُ دينِ الحَقِّ يكونُ بإعلاءِ كَلِمةِ اللَّهِ، وإشاعةِ التَّوحيدِ المنبئِ عن بُطلانِ الآلهةِ الباطِلةِ، وأشَدُّ الكارِهين لذلك المُشرِكون . وقال تعالى: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [التوبة: 32] . قال السَّعديُّ: (ونورُ اللَّهِ: دينُه الذي أرسَل به الرُّسُلَ، وأنزل به الكُتُبَ، وسمَّاه اللَّهُ نورًا؛ لأنَّه يُستنارُ به في ظُلُماتِ الجَهلِ والأديانِ الباطِلةِ، فإنَّه عِلمٌ بالحَقِّ، وعَمَلٌ بالحَقِّ، وما عداه فإنَّه بضِدِّه، فهؤلاء اليهودُ والنَّصارى ومَن ضاهَوه من المُشرِكين، يريدون أن يُطفِئوا نورَ اللَّهِ بمجَرَّدِ أقوالِهم التي ليس عليها دليلٌ أصلًا. وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهَ؛ لأنَّه النُّورُ الباهِرُ الذي لا يمكِنُ لجميعِ الخَلقِ لو اجتَمَعوا على إطفائِه أن يُطفِئوه، والذي أنزله جميعُ نواصي العبادِ بيَدِه، وقد تكَفَّل بحِفظِه مِن كُلِّ مَن يريدُه بسُوءٍ؛ ولهذا قال: وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ وسَعَوا ما أمكَنَهم في رَدِّه وإبطالِه، فإنَّ سَعْيَهم لا يَضُرُّ الحَقَّ شيئًا) . وقال تعالى: لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ [الأنفال: 8] . قال الطَّبَريُّ: (يقولُ تعالى ذِكْرُه: ويريدُ اللَّهُ أن يَقطَعَ دابِرَ الكافرين كيما يُحِقَّ الحَقَّ، كيما يُعبَدَ اللَّهُ وَحدَه دونَ الآلهةِ والأصنامِ، ويُعِزَّ الإسلامَ، وذلك هو تحقيقُ الحَقِّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ يقولُ: ويُبطِلَ عبادةَ الآلهةِ والأوثانِ والكُفرِ وَلَوْ كَرِهَ ذلك الذين أجرَموا، فاكتَسَبوا المآثمَ والأوزارَ مِن الكُفَّارِ) . بُغضُ مُنافِقي أهلِ الكتابِ للمُؤمِنين وكراهيتُهم لهم: قال تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَاعَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ * هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [آل عمران: 118-119] (ينهى تعالى عبادَه المُؤمِنين أن يتَّخِذوا بِطانةً من المُنافِقين من أهلِ الكتابِ وغيرِهم، يُظهِرونهم على سرائِرِهم، أو يُولُّونهم بعضَ الأعمالِ الإسلاميَّةِ، وذلك أنَّهم هم الأعداءُ الذين امتلأت قلوبُهم من العداوةِ والبَغْضاءِ، فظهَرَت على أفواهِهم) . و(في قَولِه تعالى: وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ إشارةٌ إلى ما في قُلوبِ هؤلاء القومِ مِن كَراهيَةٍ للمُسلِمين، يتمَنَّون لهم ما يُعنِتُهم ويُثقِلُ كاهِلَهم من همومٍ وآلامٍ. وفي قَولِه تعالى: قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ بيانٌ شارِحٌ لتلك الأسبابِ التي تجعَلُ المُسلِمين على حَذَرٍ من هؤلاء القومِ، وأمارةٌ دالَّةٌ على حقيقةِ تلك الأسبابِ، فعلى ألسنةِ القومِ ومِن أفواهِهم تتساقَطُ الكَلِماتُ المسمومةُ، التي يصَوِّبونها في خُبثٍ ودهاءٍ إلى الإسلامِ والمُسلِمين، وليس هذا الذي يتساقَطُ من أفواهِهم إلَّا شيئًا قليلًا ممَّا تنطوي عليه قلوبُهم من حسَدٍ وغَيظٍ، وما تفيضُ به مشاعِرُهم من عداوةٍ وبَغضاءَ) . كَراهيَةُ المُنافِقين الجهادَ بأموالِهم وأنفُسِهم والإنفاقَ في أوجُهِ الخَيرِ: قال تعالى: فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ [التوبة: 81] . قال الطَّبريُّ: (قولُه: وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يقولُ تعالى ذِكْرُه: وكَرِه هؤلاء المخَلَّفون أن يغزوا الكُفَّارَ بأموالِهم وأنفُسِهم في سبيلِ اللَّهِ، يعني: في دينِ اللَّهِ الذي شرَعَه لعبادِه لينصُروه، ميلًا إلى الدَّعةِ والخَفضِ، وإيثارًا للرَّاحةِ على التَّعَبِ والمشقَّةِ، وشُحًّا بالمالِ أن يُنفِقوه في طاعةِ اللَّهِ. وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ وذلك أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم استنفَرَهم إلى هذه الغزوةِ، وهي غزوةُ تَبوكَ في حَرٍّ شديدٍ، فقال المُنافِقون بعضُهم لبعضٍ: لا تَنفِروا في الحَرِّ، فقال اللَّهُ لنبيِّه محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: قُلْ لهم -يا محمَّدُ-: نارُ جهنَّمَ التي أعدَّها اللَّهُ لمن خالف أمرَه وعصى رسولَه، أشَدُّ حَرًّا من هذا الحَرِّ الذي تتواصَون بينكم ألَّا تَنفِروا فيه! يقولُ: الذي هو أشَدُّ حَرًّا أحرى أن يُحذَرَ ويُتَّقى من الذي هو أقلُّهما أذًى. لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ يقولُ: لو كان هؤلاء المُنافِقون يفقهون عن اللَّهِ وَعْظَه ويتدَبَّرون آيَ كتابِه، ولكِنَّهم لا يَفقَهون عن اللَّهِ، فهم يَحذَرون من الحَرِّ أقَلَّه مكروهًا وأخَفَّه أذًى، ويوافِقون أشَدَّه مكروهًا وأعظَمَه على مَن يَصْلاه بلاءً) . وقال تعالى: وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ [التوبة: 54] . (وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ المعنى: أنَّهم لا يُنفِقون لغَرَضِ الطَّاعةِ، بل رعايةً للمصلحةِ الظَّاهِرةِ، وذلك أنَّهم كانوا يَعُدُّون الإنفاقَ مَغرَمًا وضَيعةً بَيْنَهم، وهذا يوجِبُ أن تكونَ النَّفسُ طيِّبةً عِندَ أداءِ الزَّكاةِ والإنفاقِ في سبيلِ اللَّهِ؛ لأنَّ اللَّه تعالى ذمَّ المُنافِقين بكراهتِهم الإنفاقَ) . بُغضُ وكَراهيَةُ أهلِ البِدَعِ لأهلِ الحَديثِ والأثَرِ: قال أحمَدُ بنُ سِنانٍ القطَّافُ: (ليس في الدُّنيا مُبتَدِعٌ إلَّا وهو يُبغِضُ أهلَ الحَديثِ) . وقال أبو نَصرِ بنُ سلامٍ الفَقيهُ: (ليس شيءٌ أثقَلَ على أهلِ الإلحادِ ولا أبغَضَ إليهم من سَماعِ الحديثِ وروايتِه بإسنادِه) . وقال محمَّدُ بنُ إسماعيلَ التِّرمذيُّ: (كنتُ أنا وأحمَدُ بنُ الحَسَنِ التِّرمذيُّ عِندَ أحمدَ بنِ حَنبَلٍ، فقال له أحمَدُ: يا أبا عبدِ اللَّهِ، ذَكَروا لابنِ أبي قُتَيلةَ بمكَّةَ أصحابَ الحديثِ، فقال: أصحابُ الحديثِ قَومُ سَوءٍ! فقام أبو عبدِ اللَّهِ ينفُضُ ثَوبَه، ويقولُ: زِنديقٌ زِنديقٌ! ودخَل البيتَ) . بُغضُ وكَراهيَةُ الشِّيعةِ الرَّوافِضِ للصَّحابةِ رَضِيَ اللَّهُ عنهم: قال ابنُ تَيميَّةَ في ذِكرِ براءةِ أهلِ السُّنَّةِ من معتَقَدِ الرَّوافِضِ-: (ويتبَرَّؤون من طريقةِ الرَّوافِضِ الذين يُبغِضون الصَّحابةَ ويَسُبُّونهم) . وقال ابنُ عُثَيمين: (ونحن نتبَرَّأُ من طريقةِ هؤلاء الرَّوافضِ الذين يَسُبُّون الصَّحابةَ ويُبغِضونَهم، ونعتَقِدُ أنَّ محبَّتَهم فَرضٌ، وأنَّ الكَفَّ عن مساوِئِهم فَرضٌ، وقُلوبُنا -وللهِ الحمدُ- مملوءةٌ مِن محبَّتِهم؛ لِما كانوا عليه من الإيمانِ والتَّقوى ونَشرِ العِلمِ، ونُصرةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) . بُغضُ النَّواصِبِ وكراهيَتُهم لأهلِ البَيتِ: (النَّواصِبُ إحدى طوائِفِ أهلِ البِدَعِ التي أصيبَتْ في معتَقَدِها بعَدَمِ التَّوفيقِ للاعتقادِ السَّديدِ في الصَّحابةِ الكرامِ رَضِيَ اللَّهُ عنهم؛ فقد زَيَّن لهم الشَّيطانُ اعتقادَ عَدَمِ محبَّةِ رابعِ الخُلَفاءِ الرَّاشِدين وأحَدِ الأئمَّةِ المَهْديِّين عليِّ بنِ أبي طالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، وحملَهَم على التَّدَيُّنِ ببُغضِه وعداوتِه، والقَولِ فيه بما هو بريءٌ منه، كما تعدَّى بغضُهم إلى غيرِه من أهلِ البيتِ، كابنِه الحُسَينِ بنِ عَليِّ بنِ أبي طالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، وغيرِه) . ويقولُ ابنُ بازٍ في بيانِ مُعتَقَدِ أهلِ السُّنَّةِ ومخالفتِه لأهلِ البِدَعِ: (ويحِبُّون أهلَ بَيتِ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المُؤمِنين به، ويتوَلَّونهم ويتوَلَّون أزواجَ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أمَّهاتِ المُؤمِنين، ويترضَّون عنهنَّ جميعًا، ويتبَرَّؤون من طريقةِ الرَّوافِضِ الذين يُبغِضون أصحابَ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ويَسُبُّونهم ويَغْلون في أهلِ البيتِ، ويرفَعونَهم فوقَ منزلتِهم التي أنزَلَهم اللَّهُ عزَّ وجَلَّ، كما يتبَرَّؤون من طريقةِ النَّواصِبِ الذين يؤذون أهلَ البيتِ بقولٍ أو عَمَلٍ) . القِسمُ الثَّاني: بُغضٌ مأمورٌ به، مُثابٌ صاحِبُه، ومِن صُوَرِه 1- بُغضُ وكَراهيَةُ الباطِلِ: فإنَّ حُبَّ الحَقِّ وبُغضَ وكَراهيَةَ الباطِلِ فَضيلةٌ خُلقيَّةٌ؛ فعن عائشةَ: ((أنَّها أخبَرَتْه أنَّها اشتَرَت نُمْرُقةً فيها تصاويرُ، فلمَّا رآها رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قام على البابِ فلم يدخُلْ، فعَرَفَت في وجهِه الكَراهيَةَ، فقالت: يا رسولَ اللَّهِ، أتوبُ إلى اللَّهِ، ماذا أذنَبْتُ؟ فقال رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ما بالُ هذه النُّمرُقةِ؟ قالت: اشتريتُها لتقعُدَ عليها وتوَسَّدَها. فقال رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّ أصحابَ هذه الصُّوَرِ يومَ القيامةِ يُعَذَّبون، يُقالُ لهم: أحيُوا ما خلَقْتُم. وقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّ البيتَ الذي فيه الصُّوَرُ لا تدخُلُه الملائِكةُ)) . 2- بُغضُ وكَراهيَةُ الكُفَّارِ والفُسَّاقِ: قال تعالى: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ [الممتحنة: 4] ، قال ابنُ عاشورٍ: (والبَغْضاءُ: نُفرةُ النَّفسِ والكَراهيَةُ، وقد تُطلَقُ إحداهما في موضعِ الأُخرى إذا افترَقَتا، فذِكْرُهما معًا هنا مقصودٌ به حصولُ الحالتينِ في أنفُسِهم: حالةِ المعاملةِ بالعدوانِ، وحالةِ النُّفرةِ والكَراهيَةِ، أي: نُسيءُ مُعاملتَكم، ونُضمِرُ لكم الكَراهيَةَ حتَّى تؤمِنوا باللَّهِ وحدَه دونَ إشراكٍ) . 3- البُغْضُ في اللَّهِ: فهو من أوثَقِ عُرى الإيمانِ، فمن ظَهَر لرَجُلٍ من أخيه شَرٌّ، فأبغضه عليه، أثيبَ المُبغِضُ له . أسبابُ الوُقوعِ في البُغْضِ والكَراهيَةِ 1- الغِيبةُ والنَّميمةُ من الأسبابِ الرَّئيسةِ للكَراهيَةِ والبَغْضاءِ والتَّشاحُنِ. قال بعضُ الحُكَماءِ: (النَّميمةُ تَهدي إلى القُلوبِ البَغْضاءَ، ومَن واجَهك فقد شتَمَك، ومَن نَقَل إليك فقد نَقَل عنك، والسَّاعي بالنَّميمةِ كاذِبٌ لِمن يسعى إليه، وخائِنٌ لِمن يسعى به) . وقال أحمَدُ بنُ عاصِمٍ الأنطاكيُّ: (أشَرُّ مَكِنةِ الرَّجُلِ البَذاءُ -وهو الوقيعةُ منه، وهي الغِيبةُ- وذلك أنَّه لا ينالُ بذلك منفعةً في الدُّنيا ولا في الآخرةِ، بل يُبغِضُه عليه المتَّقون ويَهجُرُه الغافِلون، وتجتَنِبُه الملائكةُ، وتَفرَحُ به الشَّياطينُ ... والغِيبةُ والنَّميمةُ قرينتانِ، ومخرَجُهما من طريقِ البَغيِ، والنَّمَّامُ قاتِلٌ، والمغتابُ آكِلُ الميتةِ، والباغي مُستكبِرٌ، ثلاثتُهم واحِدٌ، وواحِدُهم ثلاثةٌ، فإذا عوَّد نفسَه ذلك رفَعَه إلى دَرَجةِ البُهتانِ، فيَصيرُ مُغتابًا مباهِتًا كذَّابًا، فإذا ثَبَت فيه الكَذِبُ والبُهتانُ صار مجانِبًا للإيمانِ. ولا يَكسِبُ بالغِيبةِ تعجيلَ ثَناءٍ، ولا يبلُغُ به رئاسةً، ولا يَصِلُ به إلى مزيَّةٍ في دُنيا من مَطعَمٍ أو مَلبَسٍ ولا مالٍ، وهو عِندَ العُقَلاءِ منقوصٌ، وعندَ العامَّةِ سَفيهٌ، وعندَ الأمناءِ خائِنٌ، وعندَ الجُهَّالِ مذمومٌ) . 2- الكَذِبُ والغِشُّ؛ فإنَّه يترُكُ أثَرَ الكَراهيَةِ بَيْنَ الغاشِّ والمغشوشِ. 3- قَسوةُ القَلبِ والغِلظةُ والفَظاظةُ: فهذه الأخلاقُ تُنفِّرُ بَيْنَ القلوبِ، وتُشيعُ الكَراهيَةَ والبَغْضاءَ. قال تعالى: وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران: 159] . 4- التَّجَسُّسُ: فالتَّجَسُّسُ سَبيلٌ إلى الكراهةِ والبُغْضِ بَيْنَ النَّاسِ. قال ابنُ عُثَيمين: (التَّجَسُّسُ أذِيَّةٌ، يتأذَّى به المتجَسَّسُ عليه، ويؤدِّي إلى البَغْضاءِ والعداوةِ) . 5- الغَيرةُ: قال ابنُ القَيِّمِ: (إنَّ الغَيرةَ تتضَمَّنُ البُغْضَ والكراهةَ) . 6- عدَمُ العَدلِ عُمومًا سبَبٌ من أسبابِ البُغْضِ؛ فعَدَمُ العَدلِ بَيْنَ الزَّوجاتِ يُوَلِّدُ الحِقدَ والكَراهيَةَ بَيْنَ الزَّوجاتِ، وبينَ الزَّوجِ وزَوجاتِه، وعَدَمُ العَدلِ بَيْنَ الأبناءِ يُوَلِّدُ الشَّحناءَ والبَغْضاءَ، وتَسودُ بَيْنَهم رُوحُ الكَراهيَةِ. 7- التَّعدِّي على حقوقِ الإنسانِ بأيِّ نوعٍ من أنواعِ التَّعدِّي. 8- الاستِئثارُ بالمنافِعِ، وعَدَمُ إعطائِها لمن يستَحِقُّها. 9- الجِدالُ والمِراءُ: حيثُ يُورِّثُ البَغْضاءَ والكَراهيَةَ. 10- الخيانةُ وعَدَمُ الأمانةِ. 11- الكِبرُ سَبَبٌ من أسبابِ البُغْضِ؛ فالمتكَبِّرُ يبغِضُ النَّاسَ ويُبغِضونه. قال الجاحِظُ: (ولم تَرَ العُيونُ ولا سَمِعَت الآذانُ ولا توَهَّمَت العقولُ عَمَلًا اجتباه ذو عَقلٍ، أو اختاره ذو عِلمٍ، بأَوْبَأَ مغبَّةً، ولا أنكَدَ عاقِبةً، ولا أوخَمَ مَرعًى، ولا أبعَدَ مَهوًى، ولا أضَرَّ على دينٍ، ولا أفسَدَ لعِرضٍ، ولا أوجَبَ لسَخطِ اللَّهِ، ولا أدعى إلى مَقتِ النَّاسِ، ولا أبعَدَ مِن الفلاحِ، ولا أظهَرَ نفورًا عن التَّوبةِ، ولا أقَلَّ دَرَكًا عِندَ الحقيقةِ، ولا أنقَضَ للطَّبيعةِ، ولا أمنَعَ من العِلمِ، ولا أشَدَّ خلافًا على الحِلمِ- من التَّكبُّرِ في غيرِ مَوضِعِه، والتَّنبُّلِ في غيرِ كُنْهِه) . وقال ابنُ القَيِّمِ: (وأمَّا الكِبرُ فأثَرٌ من آثارِ العُجبِ والبَغيِ من قَلبٍ قد امتلأَ بالجَهلِ والظُّلمِ، ترحَّلَت منه العبوديَّةُ، ونزل عليه المقتُ، فنَظَرُه إلى النَّاسِ شَزْرٌ، ومَشيُه بَيْنَهم تبختُرٌ، ومعاملتُه لهم معاملةُ الاستئثارِ لا الإيثارِ ولا الإنصافِ، ذاهِبٌ بنفسِه تِيهًا، لا يبدَأُ مَن لَقِيَه بالسَّلامِ، وإن رَدَّ عليه رأى أنَّه قد بالَغ في الإنعامِ عليه، لا ينطَلِقُ لهم وجهُه، ولا يسَعُهم خُلُقُه، ولا يرى لأحَدٍ عليه حَقًّا، ويرى حقوقَه على النَّاسِ، ولا يرى فَضْلَهم عليه، ويرى فَضْلَه عليهم، لا يزدادُ من اللَّهِ إلَّا بُعدًا، ومن النَّاسِ إلَّا صَغارًا وبُغضًا) . 12- إخلافُ الوعدِ: قال سُفيانُ الثَّوريُّ: (لا تَعِدَنَّ أحَدًا شيئًا فتُخلِفَه فتَستبدِلَ بالمودَّةِ بُغضًا) . 13- الحَسَدُ، وهو من أقوى الأسبابِ التي تثيرُ البُغْضَ بَيْنَ النَّاسِ؛ لذا قال الشَّاعِرُ: ليس للحاسِدِ إلَّا ما حَسَد وله البَغْضاءُ من كُلِّ أَحَد وأرى الوَحدةَ خيرًا للفتى من جليسِ السُّوءِ فانهَضْ إن قَعَد 14- كثرةُ العتابِ واللَّومِ، ومن أمثالِ العَرَبِ: (كثرةُ العتابِ تُوجِبُ البَغْضاءَ) . ( يتبع ) |
نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا ! و ليتني ما أرضيت سواي ! على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات ! |
08-29-2024, 12:42 PM | #23 |
|
رد: الأخلاق المذمومة في الإسلام ( متجدد )
تابع - البغض والكراهية:
الوسائلُ المعينةُ على تجنُّبِ البُغْضِ والكَراهيَةِ 1- الإحسانُ: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [فصلت4] . عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: ((بعَث رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خَيلًا قِبَلَ نَجدٍ، فجاءت برجُلٍ مِن بَني حَنيفةَ، يُقالُ له: ثُمامةُ بنُ أُثالٍ، سيِّدُ أهلِ اليَمامةِ، فربَطوه بساريةٍ مِن سَواري المسجدِ، فخرَج إليه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: ماذا عندَك يا ثُمامةُ؟ قال: عِندي يا محمَّدُ خَيرٌ؛ إن تقتُلْ تقتُلْ ذا دَمٍ، وإن تُنعِمْ تُنعِمْ على شاكِرٍ، وإن كنْتَ تُريدُ المالَ فسَلْ تُعطَ منه ما شِئْتَ، فترَكه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتَّى إذا كان الغدُ، ثُمَّ قال له: ما عِندك يا ثُمامةُ؟ فأعاد مِثلَ هذا الكلامِ، فترَكه حتَّى كان بَعدَ الغدِ فذكَر مِثلَ هذا، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أطلِقوا ثُمامةَ، فانطلَق إلى نَخلٍ قريبٍ مِن المسجدِ، فاغتسَل فيه، ثُمَّ دخل المسجدَ، فقال: أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأشهَدُ أنَّ محمَّدًا عَبدُه ورسولُه، يا محمَّدُ، واللهِ ما كان على الأرضِ وَجهٌ أبغَضَ إليَّ من وَجهِك، فقد أصبح وجهُك أحبَّ الوُجوهِ إليَّ، واللهِ ما كان من دينٍ أبغَضَ إليَّ من دينِك، فأصبح دينُك أحَبَّ الدِّينِ إليَّ، واللهِ ما كان من بَلَدٍ أبغَضَ إليَّ من بلَدِك، فأصبح بلَدُك أحبَّ البلادِ إليَّ، وإنَّ خيلَك أخذَتْني وأنا أريدُ العُمرةَ، فماذا ترى؟ فبَشَّرَه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأمَرَه أن يعتَمِرَ، فلمَّا قَدِم مكَّةَ قال له قائِلٌ: صَبَوتَ؟! قال: لا، ولكِنْ أسلَمْتُ مع محمَّدٍ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولا واللهِ لا يأتيكم من اليمامةِ حَبَّةُ حِنطةٍ حتى يأذَنَ فيها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)) . عن ابنِ شِهابٍ، قال: (غزا رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم غزوةَ الفتحِ، فتحِ مكَّةَ، ثمَّ خرج رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بمَن معه من المُسلِمين، فاقتَتَلوا بحُنَينٍ، فنَصَر اللَّهُ دينَه والمُسلِمين، وأعطى رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومَئذٍ صَفوانَ بنَ أميَّةَ مائةً مِن النَّعَمِ، ثمَّ مائةً ثمَّ مائةً)، قال ابنُ شِهابٍ: حدَّثَني سعيدُ بنُ المُسَيِّبِ أنَّ صفوانَ قال: (واللهِ لقد أعطاني رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما أعطاني، وإنَّه لأبغَضُ النَّاسِ إليَّ، فما بَرِحَ يُعطيني حتَّى إنَّه لأحَبُّ النَّاسِ إليَّ) . 2- الإنصافُ: فبالإنصافِ تُنـتَزَعُ صِفاتُ الحِقدِ والكَراهيَةِ؛ لتَحُلَّ محَلَّها صفاتُ الاحترامِ والحبِّ والتَّنافُسِ في الخيراتِ. 3- المعاتبةُ دونَ إكثارٍ: فالمعاتبةُ تنقِّي النُّفوسَ من الشَّرِّ والكَراهيَةِ، وتزيدُ المحبَّةَ والألفةَ، إذا كانت برِفقٍ ولينٍ، دونَ جِدالٍ، مع حُسنِ انتِقاءِ الألفاظِ، وبُعدٍ عن اللَّومِ الشَّديدِ والتَّجريحِ. 4- الصَّبرُ. 5- البُعدُ عن كُلِّ ما من شأنِه أن يُكَدِّرَ الصَّفوَ، ويَشْحَنَ النُّفوسَ بالكَراهيَةِ؛ كالجدالِ، والشَّتمِ، والغِيبةِ والنَّميمةِ، والحَسَدِ، وغيرِها من الأدواءِ والأمراضِ. 6- اتِّخاذُ الوسائِلِ التي توطِّدُ العَلاقاتِ، وتُرَسِّخُ الصِّلاتِ، وتحَبِّبُ المُؤمِنين إلى بعضِهم: كإفشاءِ السَّلامِ، والتَّهادي بَيْنَ النَّاسِ، والتَّعاوُنِ والتَّكافُلِ وغيرِها. قال ابنُ حِبَّانَ: (الواجِبُ على العاقِلِ أن يَلزَمَ إفشاءَ السَّلامِ على العامِّ... والسَّلامُ ممَّا يذهِبُ إفشاؤُه بالمُكَتَنِّ من الشَّحناءِ، وما في الخَلَدِ من البَغْضاءِ، ويقطَعُ الهِجرانَ ويُصافي الإخوانَ) . وقال ابنُ جُزَيٍّ: (حقوقُ الصَّديقِ سَبعةٌ؛ الأوَّلُ: المُشاركةُ في المالِ حتَّى لا يختَصَّ أحدُهما بشيءٍ دونَ الآخَرِ. الثَّاني: الإعانةُ بالنَّفسِ في قَضاءِ الحاجاتِ وتقديمُ حاجتِه على حاجتِك. الثَّالِثُ: الموافقةُ له على أقوالِه والمساعدةُ له على أغراضِه من غيرِ مخالفةٍ ولا منازعةٍ؛ فإنَّ المخالفةَ تُوجِبُ البَغْضاءَ. الرَّابعُ: العَفوُ عن هَفَواتِ الصَّديقِ والإغضاءُ عن عيوبِه، فمَن طَلَب صديقًا بلا عَيبٍ بَقِيَ بلا صديقٍ. الخامِسُ: النَّصيحةُ له في دينِه ودُنياه. السَّادِسُ: الخُلوصُ في مودَّتِه ظاهِرًا وباطِنًا، حاضِرًا وغائبًا، والانتصارُ له في غَيبتِه. السَّابعُ: الدُّعاءُ له بظَهرِ الغَيبِ) . 7- البُعدُ عن التَّنافُسِ المذمومِ على الدُّنيا الفانيةِ؛ فإنَّه من أكبَرِ أسبابِ البَغْضاءِ والكَراهيَةِ. 8- الإغضاءُ عن المساوئِ، وملاحظةُ المحاسِنِ. قال السَّعديُّ: (وفي قولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا يَفْرَكْ مُؤمِنٌ مُؤمِنةً، إن كَرِهَ منها خُلُقًا رَضِيَ منها آخَرَ)) فائدتانِ عظيمتانِ: إحداهما: الإرشادُ إلى معاملةِ الزَّوجةِ والقريبِ والصَّاحبِ والعامِلِ، وكُلِّ مَن بينك وبينه علاقةٌ واتِّصالٌ، وأنَّه ينبغي أن تُوَطِّنَ نفسَك على أنَّه لا بدَّ أن يكونَ فيه عيبٌ أو نقصٌ أو أمرٌ تكرَهُه، فإذا وجَدْتَ ذلك فقارِنْ بَيْنَ هذا وبين ما يجِبُ عليك أو ينبغي لك من قوَّةِ الاتِّصالِ والإبقاءِ على المحبَّةِ؛ بتذَكُّرِ ما فيه من المحاسِنِ والمقاصدِ الخاصَّةِ والعامَّةِ، وبهذا الإغضاءِ عن المساوِئِ وملاحَظةِ المحاسِنِ، تدومُ الصُّحبةُ والاتِّصالُ، وتَتِمُّ الرَّاحةُ وتَحصُلُ لك. الفائِدةُ الثَّانيةُ: وهي زوالُ الهَمِّ والقَلَقِ، وبقاءُ الصَّفاءِ، والمداومةُ على القيامِ بالحُقوقِ الواجبةِ والمستحَبَّةِ، وحصولُ الرَّاحةِ بَيْنَ الطَّرفينِ. ومن لم يَسترشِدْ بهذا الذي ذكَرَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، بل عَكَس القضيَّةَ: فلَحَظ المساوئَ، وعَمِيَ عن المحاسِنِ؛ فلا بُدَّ أن يَقلَقَ، ولا بُدَّ أن يتكَدَّرَ ما بينَه وبينَ من يتَّصِلُ به من المحبَّةِ، ويتقَطَّعَ كثيرٌ من الحقوقِ التي على كُلٍّ منهما المحافظةُ عليها) . حُكمُ البُغْضِ والكَراهيَةِ إنَّ المُسلِمين جعلَهم اللَّهُ إخوةً، والإخوةُ يتحابُّون بَيْنَهم ولا يتباغَضون، والتَّباغُضُ بَيْنَهم في غيرِ اللَّهِ بل على أهواءِ النُّفوسِ منهيٌّ عنه، وقد حرَّم اللَّهُ على المُؤمِنين ما يوقِعُ بَيْنَهم العداوةَ والبَغْضاءَ، ومن ذلك تحريمُ المشيِ بالنَّميمةِ؛ لِما فيها من إيقاعِ العداوةِ والبَغْضاءِ. فالواجِبُ على المُسلِمِ أن يحِبَّ أخاه في اللَّهِ وألَّا يُبغِضَه، إلَّا إذا كان يتعاطى مُنكَراتٍ؛ فإنَّه يبغِضُه على قَدْرِها، فيُبغِضُ المبتَدِعَ على قَدرِ بِدعتِه إن كانت غيرَ مُكَفَّرةٍ، والعاصيَ على قَدرِ معصيتِه، أمَّا يُبغِضُه لغيرِ سَبَبٍ فلا يجوزُ. والمُؤمِنُ مأمورٌ ببُغضِ الكُفَّارِ مع دعوتِهم إلى اللَّهِ سُبحانَه والِحرصِ على هدايتِهم . أمَّا مَن أبغَضَ شيئًا ممَّا جاء به الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ولو عَمِلَ به، فقد كَفَر . قال ابنُ مُفلِحٍ: (مَن كَفَر طَوعًا ولو هازِلًا فمُرتَدٌّ، بأن أشرَكَ باللَّهِ تعالى... أو كان مبغِضًا لرَسولِه ولِما جاء به اتِّفاقًا) . وقال ابنُ الهُمامِ: (كُلُّ مَن أبغَض رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بقَلبِه، كان مرتَدًّا) . البغض والكراهية في واحة الأدب مِنَ الشِّعرِ 1- قال يحيى بنُ زيادٍ الحارِثيُّ: ولكِنْ إذا ما حَلَّ كُرهٌ فسامَحَتْ به النَّفسُ يومًا كان للكُرهِ أذهَبَا 2- وقال الشَّاعِرُ: أخو البِشْرِ محبوبٌ على حُسنِ بِشْرِهِ ولن يَعدَمَ البَغْضاءَ مَن كان عابِسَا ويُسرِعُ بُخلُ المرءِ في هَتْكِ عِرْضِهِ ولم أرَ مِثلَ الجُودِ للمَرءِ حارِسَا 3 - وقال آخَرُ: وما أُحِبُّ إذا أحبَبْتُ مُكتَتِمًا يُبدي العداوةَ أحيانًا ويخفيها تَظَلُّ في قَلبِه البَغْضاءُ كامِنةً فالقَلبُ يَكتُمُها والعَينُ تُبديها والنَّفسُ تَعرِفُ في عينَي مُحَدِّثِها مَن كان مِن سِلمِها أو مِن أعاديها عيناك قد دلَّتا عيني منكَ على أشياءَ لولاهما ما كنتُ أَدريها 4- وقال آخَرُ: وعينُ البُغْضِ تُبرِزُ كُلَّ عَيبٍ وعَينُ الحُبِّ لا تجِدُ العُيوبَا 5- وقال آخَرُ: ما الذَّنبُ إلَّا على قومٍ ذوي دَغَلٍ وَفى لهم عدلُك المألوفُ إذ غَدَروا قومٌ نصيحتُهم غِشٌّ وحُبُّهم بغضٌ ونَفعهُم إن صرَفوا ضَرَرُ يميَّزُ البُغْضُ في الألفاظِ إن نَطَقوا ويُعرَفُ الِحقدُ في الألحاظِ إن نَظَروا . 6- وقال عُمارةُ بنُ عَقيلٍ: تُبدي لك العَينُ ما في نَفسِ صاحِبِها من الشَّناءةِ والوُدِّ الذي كانا إنَّ البغيضَ له عينٌ يَصُدُّ بها لا يستطيعُ لِما في القَلبِ كِتمانَا وعينُ ذي الوُدِّ لا تنفَكُّ مُقبِلةً ترى لها مَحجَرًا بَشًّا وإنسانَا والعينُ تَنطِقُ والأفواهُ صامتةٌ حتَّى ترى من ضميرِ القَلبِ تِبيانَا 7- وقال آخَرُ: قضى اللَّهُ أنَّ البُغْضَ يَصرَعُ أهلَه وأنَّ على الباغي تدورُ الدَّوائِرُ 8- عن أبي إسحاقَ السَّبيعيِّ، قال: كان عليُّ بنُ أبي طالبٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه يذاكِرُ أصحابَه وجُلَّاسَه في استعمالِ حُسنِ الأدَبِ، بقَولِه: وكُنْ مَعدِنًا للخيرِ واصفَحْ عن الأذى فإنَّك رائي ما عَمِلتَ وسامِعُ وأحبِبْ إذا أحبَبْتَ حُبًّا مُقارِبًا فإنَّك لا تدري متى أنت نازِعُ وأبغِضْ إذا أبغَضْتَ بُغضًا مُقارِبًا فإنَّك لا تدري متى الحُبُّ راجِعُ موضوعنا القادم سيكون ان شاء الله عن (( التجسس )) |
نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا ! و ليتني ما أرضيت سواي ! على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات ! |
08-30-2024, 06:35 AM | #24 |
|
رد: الأخلاق المذمومة في الإسلام ( متجدد )
التجسس
التجسس على المسلمين في الأصل حرام منهيٌ عنه ، لقوله تعالى ( ولا تجسسوا ) الحجرات . لأنه تتبع لعورات المسلمين ومعايبهم ، والاستكشاف لما ستروه . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم محذرا : " يا معشر من آمن بلسانه ، ولم يدخل الإيمان إلى قلبه ، لا تتبعوا عورات المسلمين ، فإنّ من تَتبّع عورات المسلمين تتبع الله عورته ، حتى يفضحه ولو في جوف بيته " أخرجه الترمذي . ويباح التجسس في الحرب من المسلمين على عدوهم من الكفار المحاربين ، وبعث الجواسيس لتعرف أخبار الكفار وجيوشهم ، وعددهم وعتادهم وما إلى ذلك مما يعين على قتالهم . كما يباح التجسس والتحري إذا قيل للحاكم : إنّ في بيت فلان خمراً ، وشهد بذلك شهود ، أو قيل : فلان خلا بامرأة أجنبية ، وذلك لمنع الشر ومكافحة أهله . وكذلك يحل للمحتسب أن يكشف عن مرتكبي الفواحش ، إذا ظهرت له علاماتها ، من صوت وزمر ونحوها . * أما التجسس على المسلمين لمصلحة الكفار : فهو خيانة للدّين ، ومحاربة للمسلمين ، ومبارزة بالعداوة لهم ، وسعي في إيقاع الضرر بل الهلاك بهم ، ومعاونة لأهل الشرك والكفر عليهم ، وكلها كبائر عظيمة ، وتصل للردّة إذا صدرت من المسلم ، قال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تَخونوا اللهَ والرسولَ وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون ) الأنفال : 27 . وهي من نواقض العهود والمواثيق إذا صدرت من المعاهدين وأهل الذمة ، قال تعالى ( إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم يَنقصوكم شيئاً ولم يُظاهروا عليكم أحداً فأتموا إليهم عهدهم إلى مدّتهم ) التوبة : 4. وقال ( فما استَقاموا لكم فاستقيموا لهم ) التوبة : 7 . وقال سبحانه ( ألا تقاتلون قوماً نكثوا أيمانهم ) التوبة : 13 . معنى التجسس لغةً واصطلاحًا معنى التجسس لغةً: مأخوذ من الجَسِّ: وهو جَسُّ الخبر، ومعناه: بحث عنه وفحص، وتَجَسَّسْتُ فلانًا ومن فلان: بحثت عنه، والتَّجَسُّسُ بالجيم التفتيش عن بواطن الأمور، وأكثر ما يقال في الشرِّ، والجاسُوسُ: العين يَتَجَسَّسُ الأخبار ثم يأتي بها، وهو صاحب سِرِّ الشَّر، والناموسُ صاحب سرِّ الخير .. . معنى التجسس اصطلاحًا: التجسس: البحث عن العورات والمعايب، وكشف ما ستره الناس الفرق بين التجسس والتحسس قال أبو هلال العسكري: (الفرق بين التحسس والتجسس: التحسس - بالحاء المهملة -: طلب الشيء بالحاسة، والتجسس - بالجيم - مثله. وفي الحديث: ((لا تحسسوا، ولا تجسسوا)) .. . قيل: معناهما واحد، وعطف أحدهما على الآخر لاختلاف اللفظين كقول الشاعر: متى أدن منه ينأ عني ويبعد وقيل: التجسس -بالجيم- البحث عن عورات النساء، -وبالحاء- الاستماع لحديث القوم، ويروى أن ابن عباس سئل عن الفرق بينهما فقال: (لا يبعد أحدهما عن الآخر: التحسس في الخير، والتجسس في الشر) .. . قلت: ويؤيده قوله تعالى حكاية عن يعقوب: يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ [يوسف: 87]- بالحاء - على القراءة المشهورة، فإنَّه كان متوقِّعًا لأن يأتيه الخبر بسلامة يوسف. وقوله سبحانه: وَلا تَجَسَّسُوا [الحجرات: 12] - بالجيم - فإنَّ المنهي عنه البحث عن معائب الناس وأسرارهم التي لا يرضون بإفشائها، واطلاع الغير عليها) .. . وقال بعضهم: (التحسس بالحاء أن تستمع الأخبار بنفسك، وبالجيم أن تتفحَّص عنها بغيرك) .. . وقال الترمذي الحكيم: (التحسُّس- يعني بالحاء- هو طلب أخباره والفتش عنه؛ شفقة ونصحًا واحتياطًا؛ فتطيب نفسه لطيب أخباره، وحسن حاله، أو ليرفده إن كان في أمره خلل بنصح واحتياط ومعونة، والتجسس أن تفتش عن أخبار مغطية مكروهة أن تعلم بها، فتستخرجها بفتشك لهتك الستور، والكشف عن العورات والمساوئ) .. . وقال ابن حبيب: (بالحاء أن تسمع ما يقول أخوك فيك، وبالجيم أن ترسل من يسأل لك عما يقال لك في أخيك من السوء) ذم التجسس والنهي عنه أولًا: في القرآن الكريم - نهى الله تبارك وتعالى عباده المؤمنين عن التجسس في آية محكمة وصريحة تدلُّ على حرمة هذا الفعل المشين، والخصلة المذمومة، فقال تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ [الحجرات: 12]. قال ابن جرير وهو يتحدث عن تفسير قوله: وَلا تَجَسَّسُوا يقول: (ولا يتتبع بعضكم عورة بعض، ولا يبحث عن سرائره، يبتغي بذلك الظهور على عيوبه، ولكن اقنعوا بما ظهر لكم من أمره، وبه فاحمدوا أو ذموا، لا على ما لا تعلمونه من سرائره ...). ثم ذكر أثر ابن عباس: (نهى الله المؤمن من أن يتتبع عورات المؤمن) .. . وقال البغوي: (نهى الله تعالى عن البحث عن المستور من أمور الناس وتتبع عوراتهم؛ حتى لا يظهر على ما ستره الله منها) .. . - ومن ذلك قول الله تعالى:وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا[الأحزاب: 58]. وأي إيذاء أكبر من تتبع عورات الناس، والبحث عن سوءاتهم، والتجسس عليهم، وإظهار ما ستره الله من ذنوبهم. قال ابن عثيمين: (التجسس أذية، يتأذى به المتجَسس عليه، ويؤدي إلى البغضاء والعداوة ويؤدي إلى تكليف الإنسان نفسه ما لم يلزمه، فإنك تجد المتجسس والعياذ بالله، مرة هنا ومرة هنا، ومرة هنا، ومرة ينظر إلى هذا ومرة ينظر إلى هذا، فقد أتعب نفسه في أذية عباد الله) .. . - وقال تعالى وهو يتحدث عن المنافقين وعن صفاتهم: لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ [التوبة: 47]. قال مجاهد: (معناه وفيكم محبون لهم، يؤدون إليهم ما يسمعون منكم، وهم الجواسيس) .. . وقال القرطبي: ( وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ أي: عيون لهم، ينقلون إليهم الأخبار منكم) ( يتبع ) |
نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا ! و ليتني ما أرضيت سواي ! على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات ! |
08-30-2024, 06:40 AM | #25 |
|
رد: الأخلاق المذمومة في الإسلام ( متجدد )
تابع - التجسس
ثانيًا: في السنة النبوية لقد شدَّد رسول الله صلى الله عليه وسلم في النهي عن التجسس والتحذير منه، وبيَّن أنَّه مفسد للأخوة، وسبب في تقطيع الأواصر والصلات، وسبيل إلى إفساد الناس: - فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إيَّاكم والظنَّ، فإنَّ الظنَّ أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا)) .. . - وعن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته)) .. . قوله: ((يا معشر من آمن بلسانه، ولم يدخل الإيمان قلبه)). (فيه تنبيه على أنَّ غيبة المسلم من شعار المنافق لا المؤمن. ((ولا تتبعوا عوراتهم)). أي: لا تجسسوا عيوبهم ومساويهم... ((يتبع الله عورته)). ذكره على سبيل المشاكلة، أي: يكشف عيوبه، وهذا في الآخرة. وقيل: معناه يجازيه بسوء صنيعه. يفضحه. أي: يكشف مساويه. ((في بيته)). أي: ولو كان في بيته مخفيًّا من الناس) .. . - وعن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنَّك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم)). فقال أبو الدرداء: (كلمة سمعها معاوية من رسول الله صلى الله عليه وسلم نفعه الله تعالى بها) .. . - وفي رواية أخرى عن معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أعرضوا عن الناس، ألم تر أنك إن ابتغيت الريبة في الناس أفسدتهم، أو كدت تفسدهم)) .. . قال المناوي: (أي ولوا عن الناس، ولا تتبعوا أحوالهم، ولا تبحثوا عن عوراتهم... ألم تعلم أنك إن اتبعت التهمة فيهم لتعلمها وتظهرها؛ أوقعتهم في الفساد، أو قاربت أن تفسدهم؛ لوقوع بعضهم في بعض بنحو غيبة، أو لحصول تهمة لا أصل لها، أو هتك عرض ذوي الهيئات المأمور بإقالة عثراتهم، وقد يترتب على التفتيش من المفاسد ما يربو على تلك المفسدة التي يُراد إزالتها، والحاصل أنَّ الشارع ناظر إلى الستر مهما أمكن، والخطاب لولاة الأمور ومن في معناهم) .. . - وعن ابن عباس، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون، أو يفرون منه، صُبَّ في أذنه الآنك يوم القيامة) .. . - وعن جبير بن نفير وكثير بن مرة، وعمرو بن الأسود، والمقدام بن معد يكرب، وأبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((إنَّ الأمير إذا ابتغى الريبة فى الناس أفسدهم)) .. . يقول المناوي: (إن الأمير إذا ابتغى الريبة. أي: طلب الريبة، أي: التهمة في الناس بنية فضائحهم. أفسدهم. وما أمهلهم، وجاهرهم بسوء الظن فيها، فيؤديهم ذلك إلى ارتكاب ما ظنَّ بهم ورموا به ففسدوا، ومقصود الحديث حثُّ الإمام على التغافل، وعدم تتبع العورات، فإنَّ بذلك يقوم النظام، ويحصل الانتظام، والإنسان قلَّ ما يسلم من عيبه، فلو عاملهم بكلِّ ما قالوه أو فعلوه اشتدت عليهم الأوجاع، واتسع المجال، بل يستر عيوبهم، ويتغافل، ويصفح، ولا يتبع عوراتهم، ولا يتجسس عليهم) أقسام التجسس وحكم كلِّ قسم الأصل في التجسس أنَّه محرم شرعًا، منهيٌّ عنه، غير أنَّ هناك بعض الصور قد تقتضي المصلحة جوازها. وعليه فيمكننا أن نقسم التجسس إلى قسمين: تجسس ممنوع: (ويُقصد به تتبع عورات الناس وأسرارهم، والكشف عن معائبهم؛ بدافع الفضول وإشباع غريزة حبِّ الاستطلاع، دون أن يكون له غرض مباح؛ من جلب منفعة راجحة، أو دفع مفسدة متوقعة، سواء أكان ذلك بالتطلُّع، أو التنصت والاستماع) .. . وهذا النوع من أنواع التجسس هو الذي نصَّت الأدلة الواضحة على تحريمه، ولم يبح إلا في حالات خاصة، فـ(إنَّ الأصل في المسلم الطهارة، والعفة، والبراءة، والسلامة من كلِّ شيء مشين، ولذا كان الأصل في الإسلام النهي عن التجسس بجميع صوره وأشكاله، سواء كان تجسس الفرد على الفرد، أو الفرد على الدولة، أو الدولة على الدولة؛ لأنَّ التجسس انتهاك لحرمة المسلم، وكشف ستره، وقد يسبب الحقد والبغض بين أفراد المجتمع المسلم، وهذا الذي يرفضه الإسلام جملة وتفصيلًا) .. . تجسس مشروع: وأما النوع الثاني من أنواع التجسس، وهو التجسس المشروع، فـيراد به كلُّ تجسس يهدف إلى مصلحة الدولة الإسلامية في تعاملها مع أعدائها، أو تطهيره المجتمعات من أهل الشرِّ والفساد، وملاحقتهم والتضييق عليهم. وهذا القسم من أقسام التجسس يتفاوت حكمه التكليفي من الوجوب إلى الإباحة، حسب ما تقتضيه المصلحة والضرورة، فهناك ما هو تجسس واجب: (وهو ما يكون طريقًا إلى إنقاذ نفس من الهلاك، أو القضاء على الفساد الظاهر؛ كاستدراك فوات حرمة من حرمات الله... ووجه وجوبه أنَّ ذلك من ضمن وسيلة النهي عن المنكر) .. . وهناك ما هو تجسس مباح، وهو ما عدا ذلك من الصور التي استثناها الشرع من التحريم، ولا تصل إلى درجة الوجوب، كالتجسس على الأعداء لمعرفة عددهم وعتادهم وغيرها آثار التجسس الممنوع 1- أن التجسس مظهر من مظاهر سوء الظنِّ، وأثر من آثاره، فهو متولِّد عن صفة مذمومة سيئة نهى عنها الدين الحنيف. وذلك (لأنَّ الظنَّ يبعث عليه حين تدعو الظانَّ نفسه إلى تحقيق ما ظنَّه سرًّا، فيسلك طريق التجسس) .. . 2- والتجسس صورة من صور ضعف الإيمان، وضعف التدين، وقلة المراقبة، هذا على الجانب الديني؛ أما الأخلاقي والسلوكي، فهو يدلُّ على دناءة النفس وخسَّتها، وضعف همَّتها، وانشغالها بالتافه من الأمور عن معاليها وغاياتها. 3- وهو سبيل إلى قطع الصلات، وتقويض العلاقات، وظهور العداء بين الأحبة، وبثِّ الفرقة بين الإخوان، (فقد يرى المتجسس مِن المتجسس عليه ما يسوءه، فتنشأ عنه العداوة والحقد. ويدخل صدره الحرج والتخوف؛ بعد أن كانت ضمائره خالصة طيبة، وذلك من نكد العيش) .. . 4- وبالتجسس تنهار القدوات، وتصغر في الأعين القامات، وعندها تهون الذنوب وتحقَّر السيئات، وتفسير ذلك أنَّ المتجسس عليه إذا كان في منزل القدوة؛ واطلع منه على أمر سيئ، أو ذنب، أو معصية فإنَّه لا شكَّ سيقلُّ قدره، وستتلاشى مكانته، ولن يقبل منه نصحًا ولا توجيهًا، بل ربما تهون المعصية التي عملها على المتجسس فيعملها؛ بحجة أن ليس أحسن حالًا من فلان القدوة الذي تلبس بها. 5- والتجسس يؤدي إلى فساد الحياة؛ فتصبح مليئة بالشكوك والتخوفات، فلا يأمن الإنسان على خصوصياته من أن تنكشف أو تظهر للناس، بل يعيش المرء في حالة من الشك الذي لا ينتهي، وهذا تصديق لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاوية رضي الله عنه قال: ((إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم، أو كدت أن تفسدهم)) .. . ((يتبع)) |
نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا ! و ليتني ما أرضيت سواي ! على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات ! |
08-30-2024, 06:44 AM | #26 |
|
رد: الأخلاق المذمومة في الإسلام ( متجدد )
صور التجسس
صور التجسس الممنوع: - التجسس على بيوت المسلمين والاطلاع على عوراتهم (بالاستماع من وراء الأبواب، أو بالدخول في البيوت على حين غفلة من أهلها، أو باستئذان لغرض كاذب، كشرب الماء والمقصود غير ذلك... وكل ذلك لا يجوز في شرع الإسلام) .. . - ومن صوره أيضًا اقتحام البيوت، والخلوات بحجة ضبط من فيها متلبسين بالمعصية، ولا شك أنَّ هذا مما لا يبيحه الشرع ولا يقبله. - ومن صور التجسس الممنوع التقصي والبحث عن معاصٍ وسيئات اقترفت في الماضي، والتجسس على أصحابها لمعرفتها. قال السفاريني: (ويحرم تجسيس على ما يفسق به في الزمن الماضي، أو الفسق الماضي مثل أن يشرب الخمر في الزمن الذي مضى، وتبحث عنه أنت بعد مدة لأن ذلك إشاعة للمنكر بما لا فائدة فيه، ولا عود على الإسلام، وإنما هو عيب ونقص، فينبغي كفه ونسيانه دون إذاعته وإعلانه، وإنما يحرم التجسس عن ذلك إن لم يجدد العود عليه، والإتيان به ثانيًا. فإن عاوده فلا حرمة إذن. قال في الرعاية: ويحرم التعرض لمنكر فُعِل خفية على الأشهر، أو ماض، أو بعيد، وقيل يجهل فاعله ومحله. وقال أيضًا: لا إنكار فيما مضى وفات إلا في العقائد أو الآراء) .. . - ومن صور التجسس الممنوع استماع المرء إلى حديث قوم، وهم له كارهون، فقد تُوُعِّدَ على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه سيصبُّ في أذنه الآنك يوم القيامة بسبب فعلته. فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون، أو يفرون منه، صُبَّ في أذنه الآنك يوم القيامة) . (ومن هذا الحديث يُعلم أنَّ الاستماع لحديث الآخرين بغير رضاهم وإذنهم هو من التجسس المحرم الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وحذَّر منه، وكفى بترتيب العقوبة المذكورة في الحديث على من يفعل هذا دليلًا على حرمته) .. . صور التجسس المشروع: - من صور التجسس المشروع التجسس على أعداء الأمة لمعرفة عددهم وعتادهم (فقد اتفق الفقهاء على أنَّ التجسس والتنصت على الكفار في الحرب مشروع وجائز لمعرفة عددهم، وعتادهم، وما يخطِّطون له، ويدبِّرون من المكائد للمسلمين، وهو الأمر الذي يكون بعلم الإمام، وتحت نظره ومعرفته) .. . (فالتجسس على أعداء الأمة الإسلامية بتتبُّع أخبارهم، والاطِّلاع على مخططاتهم التي يعدُّونها للقضاء على الأمة الإسلامية، وإثارة الفتنة والقلاقل بين صفوفها، وزعزعة أمنها واستقرارها أمر مشروع، بل قد يكون واجبًا في حالة قيام حرب بينهم وبين المسلمين، وقد دلَّ على مشروعيته الكتاب والسنة وعمل الصحابة: فمن الكتاب: عموم قول الله تعالى:وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ [الأنفال: 60]. فقد أمرت الآية المسلمين بإعداد ما يستطيعون من قوة لمواجهة الأعداء، ومن أسباب القوة التخطيط السليم، واليقظة والحذر، والتأهب الدائم؛ لإحباط مخططات الأعداء، ولا شكَّ أنَّ ذلك لا يتمُّ إلا بمعرفة أخبار الأعداء وخططهم، ورصد تحركاتهم، وما لا يتمُّ الواجب إلا به فهو واجب، فدلَّت الآية على مشروعية التجسس على الأعداء بكلِّ وسيلة شريفة، وطريقة نبيلة). ومن السنة أحاديث كثيرة، منها: - عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: ((من يأتينا بخبر القوم؟ فقال الزبير: أنا. ثم قال: من يأتينا بخبر القوم؟ فقال الزبير: أنا، ثم قال: من يأتينا بخبر القوم؟ فقال الزبير: أنا. ثم قال: إنَّ لكلِّ نبيٍّ حواريًّا، وإنَّ حواريَّ الزبير)) .. . - وعن المسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم، يزيد أحدهما على صاحبه قالا: ((خرج النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه، فلما أتى ذا الحليفة، قلَّد الهدي وأشعره وأحرم منها بعمرة، وبعث عينًا له من خزاعة، وسار النبي صلى الله عليه وسلم حتى كان بغدير الأشطاط أتاه عينه، قال: إنَّ قريشًا جمعوا لك جموعًا، وقد جمعوا لك الأحابيش، وهم مقاتلوك، وصادُّوك عن البيت، ومانعوك. فقال: أشيروا أيها الناس عليَّ، أترون أن أميل إلى عيالهم وذراري هؤلاء الذين يريدون أن يصدُّونا عن البيت، فإن يأتونا كان الله عزَّ وجلَّ قد قطع عينًا من المشركين، وإلا تركناهم محروبين. قال أبو بكر: يا رسول الله، خرجت عامدًا لهذا البيت، لا تريد قتل أحد، ولا حرب أحد، فتوجَّه له، فمن صدنا عنه قاتلناه. قال: امضوا على اسم الله)) .. . (فهذه الأحاديث جميعها تدل على مشروعية جمع المعلومات عن الأعداء، وكشف مخططاتهم، وذلك بالطرق المشروعة والوسائل الشريفة، وأنَّه عليه الصلاة والسلام كان يتخير لهذه المهمة الأشخاص الذين كان يثق بهم حرصًا منه على صحة المعلومات التي تصله، ودقَّتها، لكي يبني عليها خططه العسكرية في مواجهة الأعداء) .. . - ومن صور التجسس المشروع (تتبع المجرمين الخطرين وأهل الريب، وقد عدَّه بعض الفقهاء من التجسس المشروع إذا كانت جرائمهم ذات خطر كبير على الأفراد، أو على الأمَّة بأسرها، وغلب على الظنِّ وقوعها بأمارات وعلامات ظاهرة، وذلك كالتجسس على إنسان يغلب على الظنِّ أنَّه يتربص بآخر ليقتله، أو بامرأة أجنبية ليزني بها، بل قد يكون واجبًا إذا خيف فوات تدارك الجريمة بدون التجسس. أسباب التجسس الممنوع للتجسس الممنوع عدة دوافع يمكننا أن نذكر منها ما يلي: - الفضول المحض: قد يكون الدافع إلى التجسس وتتبع عورات الناس هو الفضول المحض، وحبَّ الاستطلاع، ومعرفة ما خفي واستتر. - قصد الإيذاء والفضيحة: فيتجسس على الشخص لكي يؤذيه، أو يفضحه؛ لغرض في نفسه، قد يكون دافعه الحسد، أو الكراهية، أو غير ذلك من الأمور. - سوء الظنِّ: فالتجسس كما أسلفنا هو أثر من آثار سوء الظنِّ، فإذا ظنَّ شخص بشخص سوءًا دفعه ذلك إلى التحقُّق من ظنِّه، فيعمد إلى التجسس وتتبع العورات. - الانتقام والمعاملة بالمثل: وذلك إذا علم المتجسس عليه أن شخص ما يتتبع عورته، ويتجسس على خصوصياته، فعند ذلك يدفعه الانتقام إلى التجسس والبحث والتقصي، وخاصة إذا تسبب المتجسس في أذيته وفضحه. - أن يكون مدفوعًا من جهة ما للتجسس، نظير تحصيل مال أو غيره. الوسائل المعينة على ترك التجسس 1- أن يراقب الله تبارك وتعالى قبل كل شيء، ويخشى أليم عقابه، وقوة انتقامه، فإن في ذلك زاجرًا له عن هذه الخلة القبيحة. 2- أن يترك الإنسان فضوله، وحبه للتفتيش، والاستطلاع على الآخرين، وذلك بأن يشغل نفسه بما يهمه في دنياه وأخراه، ويعلق نفسه بمعالي الأمور، ويبعدها عن سفاسفها، ويعمل بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)) .. . 3- أن ينمي في نفسه الحرص على وحدة المسلمين وترابطهم، والخوف من تفككهم، وتقطع الأواصر بينهم، فإن هذا يجعله يبتعد عن كل ما يكون سببًا في تهديد هذه الوحدة والترابط، سواء كان ذلك السبب هو التجسس، أو غيره من الأخلاق السيئة. 4- أن يتدبر النصوص القرآنية، والأحاديث النبوية، وآثار السلف التي تحذر من هذه الصفة فإن في ذلك رادع قوي وعلاج ناجع. 5- أن يعرف أن ما يفعله هو أذية للمسلمين، وأن أذيتهم لا تجوز شرعًا. 6- أن يخشى المتجسس من الفضيحة التي توعد بها رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين يتتبعون عورات الناس، وأن الله سيفضحهم ولو في قعر دورهم. ذم التجسس في واحة الشعر قال الشاعر: لا تلتمسْ مِن مساوي الناسِ ما ستروا فيهتكَ الناسُ سترًا مِن مساويكا واذكرْ محاسنَ ما فيهم إذا ذكروا ولا تعِبْ أحدًا عيبًا بما فيكا .. وقال آخر: يخرجُ أسرارَ الفتى جليسُه ربَّ امرئٍ جاسوسُه أنيسُه .. وشكا بعض الملوك تنقيب العوام عن أسرار الملوك فقال: ما يريدُ الناسُ منا ما ينامُ الناسُ عنَّا لو سكنَّا باطنَ الأر ضِ لكانوا حيث كنَّا إنما همُّهمُ أن ينشروا ما قد دفنَّا موضوعنا القادم سيكون ان شاء الله عن (( التسرع والتهور والعجلة )) |
نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا ! و ليتني ما أرضيت سواي ! على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات ! |
08-31-2024, 11:25 AM | #27 |
|
رد: الأخلاق المذمومة في الإسلام ( متجدد )
التَّسَرُّعِ والتَّهَوُّرِ والعَجَلةِ
معنى التَّسَرُّعِ والتَّهَوُّرِ والعَجَلةِ لُغةً واصطِلاحًا معنى التَّسَرُّعِ لُغةً: التَّسَرُّعُ: من السُّرعةِ التي هي نقيضُ البُطءِ، يُقالُ: تَسَرَّع إلى الشَّيءِ، أي: أسرَع وبادَر، وتسَرَّع الشَّخصُ: تعَجَّل وتصَرَّف بدونِ تفكيرٍ ورَوِيَّةٍ، وتسَرَّع إلى الشَّرِّ: عَجِلَ . معنى التَّسَرُّعِ اصطِلاحًا: التَّعَجُّلُ إلى فِعلِ الشَّيءِ، واتِّخاذُ القراراتِ بدونِ تفكيرٍ ورَوِيَّةٍ. معنى التَّهَوُّرِ لُغةً: التَّهَوُّرُ: نقيضُ التَّأنِّي، وهي من: تَهَوَّر الجُرفُ أو البناءُ، أي: انصَدَع وانهدَم، ويقال: تهوَّر فلانٌ على غيرِه: اعتدى عليه في طَيشٍ، وتهوَّر الشَّخصُ: أقدم على أمرٍ واندفع بدونِ مُبالاةٍ وبدونِ تصَوُّرٍ للعاقبةِ معنى التَّهَوُّرِ اصطِلاحًا: قال الجُرْجانيُّ والمُناويُّ: (التَّهَوُّرُ: هي هيئةٌ حاصِلةٌ للقُوَّةِ العَصَبيَّةِ، بها يُقدَمُ على أمورٍ لا ينبغي أن يُقدَمَ عليها، وهي كالقتالِ مع الكُفَّارِ إذا كانوا زائِدين على ضِعفِ المُسلِمين) . وقال مِسْكَوَيهِ: (التَّهَوُّرُ: هو الإقدامُ على ما لا ينبغي أن يُقدَمَ عليه) . وقال الرَّازيُّ: (التَّهَوُّرُ: الوقوعُ في الشَّيءِ بقِلَّةِ مُبالاةٍ) . وقال السُّيوطيُّ: (التَّهَوُّرُ: الثَّباتُ المذمومُ في الأمورِ المُعطِبةِ) . معنى العَجَلةِ لُغةً: العَجَلةُ: تسَرُّعٌ واندفاعٌ، وهي ضِدُّ الأناةِ والبُطءِ، فيُقالُ: عَجِل في الأمرِ: تَسَرَّع واندَفَع، واستعجَلْتُه، أي: حَثَثْتُه وأمَرْتُه أن يعجَلَ في الأمرِ، ويقالُ: خُلِقَ الإنسانُ مِن عَجَلٍ وعلى عَجَلٍ، كأنَّك قُلتَ: بِنْيَتُه العَجَلةُ وخِلقتُه العَجَلةُ وعلى العَجَلةِ . معنى العَجَلةِ اصطِلاحًا: قال الرَّاغِبُ: (العَجَلةُ طَلَبُ الشَّيءِ وتحَرِّيه قَبلَ أوانِه) . وقيل: (العَجَلةُ ضِدُّ الأناةِ، وهي الإسراعُ الباعِثُ على الإقدامِ بأوَّلِ خاطِرٍ) . الفَرْقُ بَيْنَ التَّسَرُّعِ والتَّهَوُّرِ والعَجَلةِ وغَيرِها من الصِّفاتِ الفَرْقُ بَيْنَ السُّرعةِ والعَجَلةِ: (أنَّ السُّرعةَ: التَّقَدُّمُ فيما ينبغي أن يُتقَدَّمَ فيه، وهي محمودةٌ، ونَقيضُها مذمومٌ، وهو الإبطاءُ. والعَجَلةُ: التَّقدُّمُ فيما لا ينبغي أن يُتقَدَّمَ فيه، وهي مذمومةٌ، ونقيضُها محمودٌ، وهو الأناةُ) . الفَرْقُ بَيْنَ العَجَلةِ والمبادَرةِ: العَجَلةُ: هي الاستِعجالُ والتَّسَرُّعُ والاندفاعُ، والمبادرةُ هي المسارعةُ إلى اتِّخاذِ العَمَلِ الصَّائبِ والقرارِ الصَّائبِ في وقتِه المناسِبِ . والملاحَظُ أنَّ هذه الصِّفاتِ تشترِكُ في التَّصرُّفِ بسُرعةٍ، ولكِنَّ التَّهَوُّرَ والتَّسَرُّعَ يكونُ التَّصرُّفُ فيهما دونَ تفكيرٍ ورَويَّةٍ، فهما مذمومانِ دائمًا. أمَّا العَجَلةُ فإنَّها تفترِقُ عنهما في أنَّ منها ما يكونُ مذمومًا، ومنها ما يكونُ محمودًا. ذم التسرع والتهور والعجلة أ- من القُرآنِ الكريمِ 1- قال تعالى: خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ [الأنبياء: 37] . هذه الآيةُ تُبَيِّنُ أنَّ الإنسانَ بطبيعتِه عَجولٌ، فيستعجِلُ كثيرًا من الأشياءِ وإن كانت مُضِرَّةً ، فلمَّا كانت طبيعتُه العَجَلةَ صار كأنَّه ناشئٌ منها، كأنَّها عُنصُرُ وُجودِه . وهو وإن كان قد جُبِل على العَجَلِ، لكِنْ في استطاعتِه أن يُلزِمَ نفسَه بالتَّأنِّي، كما أنَّه جُبِل على حُبِّ الشَّهَواتِ مع أنَّه في استطاعتِه أن يُلزِمَ نفسَه بالكَفِّ عنها . 2- وقال تعالى: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ [الحج: 47] ، استعجَل الكُفَّارُ العذابَ تهَوُّرًا منهم واستهزاءً، وتهكُّمًا وإنكارًا أن يقعَ؛ لأنَّهم طلَبوا ذلك تَكرارًا ومرارًا ولم يَنزِلْ، فكأنَّهم استبعدوه ، فرَدَّ اللَّهُ عليهم ردًّا عامًّا، وحذَّرَهم من هذا التَّسَرُّعِ في طَلَبِ الاستعجالِ بالعذابِ، فقال لهم: وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ، فهم متهَوِّرون في استعجالِ العذابِ، ولكِنَّ اللَّهَ سُبحانَه حليمٌ لا يُعَجِّلُه لهم؛ ولذلك أعقبه بإنذارِ الكُفَّارِ بأنَّ عذابَ الآخرةِ لا يُفلِتون منه، وهو أشَدُّ العذابِ؛ فقَولُه: وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ خبَرٌ مُستعمَلٌ في التَّعريضِ بالوعيدِ، وهذا اليومُ هو يومُ القيامةِ؛ فلذلك فإنَّه سُبحانَه لا يَعجَلُ بعقوبةِ من أراد العذابَ حتَّى يبلُغَ غايةَ مُدَّتِه وإن استبطأ نزولَ العذابِ؛ فإنَّ اللَّهَ يُمهِلُ المُدَدَ الطَّويلةَ ولا يُهمِلُ، حتَّى إذا أخذ الظَّالمين بعذابِه لم يُفلِتْهم . 3- وقد تهَوَّر أبو جَهلٍ واستعجَلَ بالعذابِ وتسَرَّع في طلَبِ ذلك دونَ رَويَّةٍ، فقال دونَ تفكيرٍ في العواقِبِ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ، فنزلت: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [الأنفال33 - 34] . وأبو جَهلٍ هنا يمثِّلُ الكُفَّارَ الذين (استعجلوا العذابَ فأعلمهم اللَّهُ أنَّه لا يفوتُه شيءٌ، وقد نَزَل بهم في الدُّنيا يومَ بدرٍ) . وقد استعجلوا بالعذابِ زيادةً في تحقيقِ يَقينِهم بأنَّ هذا العذابَ المحلوفَ عليه في هذا الدُّعاءِ لن يَنزِلَ بهم من عِندِ اللَّهِ، وهو ما جعَلَهم يتهَوَّرون، فعَرَّضوا أنفُسَهم لخطَرٍ عظيمٍ، على تقديرِ أن يكونَ القرآنُ حَقًّا، ومنَزَّلًا من عِندِ اللَّهِ ، ومِثلُ ذلك ما أخبَرَ به اللَّهُ سُبحانَه في قولِه: أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ * أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ [الشعراء: 204-207] ؛ فالكُفَّارُ يَستعجِلون أن تحُلَّ بهم العقوبةُ، ولكِنَّ اللَّهَ سُبحانَه يحلُمُ عليهم. وقال تعالى: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ * فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ * وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ * أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ * فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ [الصافات: 171 - 177] ، وقال أيضًا: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ [العنكبوت: 53 -54] . هذه الآياتُ الكريماتُ تدُلُّ على أنَّ الرُّسُلَ وأتباعَهم منصورون دائمًا على الأعداءِ بالحُجَّةِ والبيانِ، ومَن أمَر منهم بالجهادِ منصورٌ أيضًا بالسَّيفِ والسِّنانِ، وفي هذا تهديدٌ لأعداءِ الرُّسُلِ، وأنَّهم مخذولون؛ لأنَّه إذا كُتِب النَّصرُ للرَّسولِ فسيكونُ الخِذلانُ لأعدائِهم، فيكونُ استعجالُ هؤلاء الكَفَرةِ بمجيءِ العذابِ تهَوُّرًا وعَجَلةً في طلَبِ هَلاكِهم المحَقَّقِ في الدُّنيا بالقَتلِ والحَربِ، وفي الآخرةِ بالعذابِ المحَقَّقِ في نارِ جهنَّمَ . ومن ذلك استِعجالُ قومِ نوحٍ عليه السَّلامُ بالعذابِ؛ قال تعالى: قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ [هود: 32] . ومنه استعجالُ ثمودَ قومِ صالحٍ عليه السَّلامُ وتسَرُّعُهم في طلَبِ الإتيانِ بالعذابِ؛ قال تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ * قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ * قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ [النمل: 45 - 47] . 4- وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا [الإسراء: 11] . فهذه الآيةُ توضِّحُ أنَّ الإنسانَ مركوزٌ في طَبعِه العَجَلةُ، فيَعجَلُ بسُؤالِ الشَّرِّ كما يَعجَلُ بسؤالِ الخيرِ، فيدعو على نفسِه بالشَّرِّ إذا أصابته مصيبةٌ من فقرٍ أو مَرَضٍ أو غيرِ ذلك؛ وذلك لأنَّ الإنسانَ بفِطرتِه عَجولٌ: وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا؛ يُؤثِرُ العاجِلَ وإن قَلَّ على الآجِلِ وإن عَظُمَ وجَلَّ، ويفعَلُ الشَّيءَ قبلَ وَقتِه اللَّائقِ؛ ولذلك ذُمَّت العَجَلةُ التي هي من مُقتَضياتِ الشَّهوةِ؛ ولذلك فعلى الإنسانِ أن يغالِبَ نفسَه وطبعَه، ويتَّصِفَ بالأناةِ، فلو استُجيبَ له في دعائِه بالشَّرِّ كما يستجابُ له في الخيرِ، لهلَك ومِن أجْلِ ذلك ورد في الحديثِ الصَّحيحِ أنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى يحِبُّ الأناةَ؛ فعن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال لأشَجِّ عبدِ القيسِ: (إنَّ فيك خصلَتينِ يحِبُّهما اللَّهُ: الحِلمَ والأناةَ) . 5- قال تعالى لنبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ [القيامة: 16 - 19] ؛ فقد كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يتعجَّلُ في تلقِّي القرآنِ من جِبريلَ؛ خوفًا من نسيانِه، فنهاه المولى سُبحانَه عن ذلك، وطمْأَنه بحِفظِه إيَّاه، فقال تعالى: إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ [القيامة: 17] قال: جَمْعَه لك في صَدْرِك وتَقْرَأَه: فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ [القيامة: 18] قال: فاستَمِعْ له وأنصِتْ، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ [القيامة: 19] ، ثمَّ إنَّ علينا أن تقرَأَه. فكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يتعَبُ من التَّنزيلِ ومِن شِدَّةِ تلقِّيه الوَحيَ؛ ولخشيتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يَضيعَ القُرآنُ ويتفَلَّتَ قبل أن يَضبِطَه كان يتعجَّلُ ويتسَرَّعُ فيُحَرِّكُ شفَتَيه في أثناءِ نُزولِ الوَحيِ بالقرآنِ ليَحفَظَه؛ مخافةَ أن يذهَبَ عنه جبريلُ عليه السَّلامُ دونَ أن يحفَظَ ما نُزِّل عليه، فتكَفَّل اللَّهُ سُبحانَه وتعالى بأن يُثَبِّتَ القرآنَ في صدرِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فيتلو منه ما شاء بعدَ انقضاءِ الوَحيِ، فكان رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بعدَ ذلك إذا أتاه جبريلُ بالوَحيِ استمَع دونَ أن يتعَجَّلَ في تلقِّيه؛ استجابةً لأمرِ اللَّهِ عزَّ وجَلَّ، فإذا انطَلَق جبريلُ عليه السَّلامُ منصَرِفًا قرأ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم القرآنَ كما قرأه جبريلُ عليه السَّلامُ . فالآيةُ فيها النَّهيُ عن حُبِّ العَجَلةِ؛ لأنَّ العَجَلةَ إذا كانت مذمومةً فيما هو أهَمُّ الأمورِ، وأصلُ الدِّينِ، فكيف بها في غيرِه ؟! ب- من السُّنَّةِ النَّبَويَّةِ 1- عن عائشةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال لها: ((يا عائشةُ إنَّ اللَّهَ رفيقٌ يحِبُّ الرِّفقَ، ويُعطي على الرِّفقِ ما لا يُعطي على العُنفِ، وما لا يُعطي على ما سِواه)) ، وقد ورد أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قد حَثَّ عائشةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها على ذلك لمَّا تسَرَّعت في الرَّدِّ على اليهودِ حينَ استأذنوا على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقالوا: «السَّامُ عليك» بدلًا من «السَّلامُ عليك»، والسَّامُ هو الموتُ، فقالت عائشةُ رَضِيَ اللَّهُ عنها: (بل عليكم السَّامُ واللَّعنةُ) ، فأمرها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالرِّفقِ بالتَّثبُّتِ، وعَدَمِ التَّسَرُّعِ في الغَضَبِ والقَسوةِ، وأدَّبَها لمَّا نطَقَت به من اللَّعنةِ، وأمرَها بالرِّفقِ لِمَا فيه من الأجرِ والمثوبةِ، ولِما فيه من حُسنِ التَّروِّي الذي يؤدِّي إلى حُسنِ الدَّعوةِ وتوصيلِ المفاهيمِ الصَّحيحةِ للمُخالفين حتَّى وإن أساؤوا الأدَبَ . 2-عن جُندَبِ بنِ عبدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((كان فيمن كان قَبلَكم رجُلٌ به جُرحٌ فجَزِع فأخَذ سِكِّينًا فحَزَّ بها يَدَه فما رقأَ الدَّمُ حتَّى مات. قال اللَّهُ تعالى: بادرني عبدي بنفسِه، حرَّمْتُ عليه الجنَّةَ)) ، فهذا الرَّجُلُ تعجَّل وتهوَّر فقَتَل نفسَه، ويوضِّحُ ذلك قولُه: ((بادَرَني عبدي بنفسه)). قال ابنُ حَجَرٍ: (هو كنايةٌ عن استعجالِ المذكورِ الموتَ، وقولُه: ((حَرَّمْتُ عليه الجنَّةَ)) جارٍ مجرى التَّعليلِ للعقوبةِ؛ لأنَّه لمَّا استعجَل الموتَ بتعاطي سَبَبِه من إنفاذِ مَقاتِلِه فجَعَل له فيه اختيارًا، عصى اللَّهَ به؛ فناسَب أن يعاقِبَه، ودَلَّ ذلك على أنَّه حزَّها لإرادةِ الموتِ لا لقَصدِ المداواةِ التي يغلِبُ على الظَّنِّ الانتفاعُ بها) . وهذا فيه تحذيرٌ وتخويفٌ من التَّهَوُّرِ والتَّعَجُّلِ الذي يؤدِّي بصاحِبِه إلى سوءِ العاقبةِ. 3- وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه قال: قال رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن تردَّى مِن جَبَلٍ فقَتَل نفسَه، فهو في نارِ جَهنَّمَ يتردَّى فيه خالدًا مخلَّدًا فيها أبدًا، ومَن تحسَّى سُمًّا فقَتَل نفسَه، فسُمُّه في يَدِه يتحَسَّاه في نارِ جهنَّمَ خالِدًا مخَلَّدًا فيها أبَدًا، ومَن قَتَل نفسَه بحديدةٍ فحديدتُه في يَدِه يَجَأُ بها في بَطنِه في نارِ جهنَّمَ خالِدًا مخلَّدًا فيها أبَدًا)) ، فقَولُه: تردَّى، أي: رمى بنفسِه مِن الجَبَلِ وغيرِه فهَلَك، وهذا تهوُّرٌ (لإفضائِه إلى الهلَكةِ، والمرادُ به هنا أن يتهَوَّرَ الإنسانُ، فيرميَ نفسَه من جَبَلٍ) فيموتَ؛ لأنَّ قَتْلَ الرَّجُلِ لنفسِه لم يُسرِعْ بأجَلِه المقدَّرِ له، وإنَّما استحَقَّ المعاقبةَ؛ لأنَّ اللَّهَ لم يُطلِعْه على انقضاءِ أجَلِه، فاختار هو قَتْلَ نفسِه؛ فاستَحقَّ المعاقبةَ لعصيانِه . 4- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((يُستجابُ لأحَدِكم ما لم يَعْجَلْ، يقولُ: دعَوتُ فلم يُستجَبْ لي)) . فهذا الحديثُ فيه تعليمٌ نَبَويٌّ وأدبٌ من آدابِ الدُّعاءِ، وهو أن يلازِمَ العبدُ الطَّلبَ في دعائِه، ولا يستعجِلَ الإجابةَ إن تأخَّرَت، ولا يكونُ مُتسَرِّعًا في اليأسِ من الإجابةِ، بل عليه أن يُظهِرَ الانقيادَ والاستسلامَ والافتقارَ للهِ ولا يتعجَّلَ، فإذا داوم على الدُّعاءِ دونَ استكثارٍ أو ملَلٍ أو سآمةٍ مع رجاءِ الإجابةِ وحُسنِ الظَّنِّ باللَّهِ تعالى، فإنَّ دعوتَه مستجابةٌ إن شاء اللَّهُ، وإن تأخَّرَت الإجابةُ بعضَ الوقتِ؛ ففيه حثٌّ على التَّروِّي وتحذيرٌ من العَجَلةِ والتَّسَرُّعِ في طلَبِ حُصولِ إجابةِ الدُّعاءِ . ( يتبع ) |
نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا ! و ليتني ما أرضيت سواي ! على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات !
التعديل الأخير تم بواسطة البراء ; 08-31-2024 الساعة 11:27 AM
|
08-31-2024, 11:34 AM | #28 |
|
رد: الأخلاق المذمومة في الإسلام ( متجدد )
تابع – التسرع والتهور والعجلة
ج- من أقوالِ السَّلَفِ والعُلَماءِ وغيرِهم - كتَب عَمرُو بنُ العاصِ إلى معاويةَ يُعاتِبُه في التَّأنِّي، فكَتَب إليه معاويةُ: (أمَّا بعدُ، فإنَّ التَّفهُّمَ في الخَبَرِ زيادةٌ ورُشدٌ، وإنَّ الرَّاشِدَ مَن رَشَد عن العَجَلةِ، وإنَّ الخائبَ مَن خاب عن الأناةِ، وإنَّ المتثَبِّتَ مصيبٌ أو كاد أن يكونَ مصيبًا، وإنَّ العَجِلَ مُخطئٌ أو كاد أن يكونَ مخطِئًا) . - وقال وَهبُ بنُ مُنَبِّهٍ: (يتشَعَّبُ من العَجَلةِ: الخُسرانُ، والنَّدامةُ، وقِلَّةُ الفهمِ، وسوءُ المنظَرِ، وفراقُ الصَّاحِبِ، وطلاقُ المرأةِ، وتضييعُ المالِ، وشماتةُ العَدُوِّ، واكتسابُ الشَّرِّ، واكتسابُ الملامةِ، والنَّدامةُ والمذَمَّةُ) . - وقال مالِكٌ: (كان يُقالُ: التَّأنِّي من اللَّهِ، والعَجَلةُ من الشَّيطانِ، وما عَجِل امرؤٌ فأصاب، واتَّأد آخَرُ فأخطأ، إلَّا كان الذي اتَّأد أصوَبَ رأيًا، ولا عَجِل امرؤٌ فأخطَأ، واتَّأد آخَرُ فأخطأ، إلَّا كان الذي اتَّأد أيسَرَ خَطَأً) . - وقال ابنُ حِبَّانَ: (الخائِبُ مَن خاب عن الأناةِ، والعَجِلُ مخطِئٌ أبدًا كما أنَّ المتثَبِّتَ مصيبٌ أبدًا) . - وقال أيضًا: (إنَّ العاجِلَ لا يكادُ يَلحَقُ، كما أنَّ الرَّافِقَ لا يكادُ يَسبِقُ، والسَّاكِتُ لا يكادُ يندَمُ، ومَن نطَق لا يكادُ يَسلَمُ، وإنَّ العَجِلَ يقولُ قَبلَ أن يَعلَمَ، ويجيبُ قبلَ أن يفهَمَ، ويحمَدُ قَبلَ أن يُجَرِّبَ) . - وقال: (العَجَلةُ مُوكَّلٌ بها النَّدَمُ، وما عَجِلَ أحَدٌ إلَّا اكتَسَب ندامةً واستفاد مذَمَّةً؛ لأنَّ الزَّلَلَ مع العَجَلِ، والإقدامُ على العَمَلِ بعدَ التَّأنِّي فيه أحزَمُ من الإمساكِ عنه بعدَ الإقدامِ عليه، ولا يكونُ العَجولُ محمودًا أبدًا) . - وقال الخليفةُ العبَّاسيُّ المعتَزُّ باللَّهِ: (لا يَصلُحُ لقَودِ الجُيوشِ وسَدِّ الثُّغورِ وإبرامِ الأمورِ وتدبيرِ الأقاليمِ إلَّا رجُلٌ قد تكامَلَت فيه خِلالٌ أربَعٌ: حَزمٌ يتيقَّنُ به عِندَ مواردِ الأمورِ حقائِقَ مَصادِرِها، وعِلمٌ يَحجُزُه عن التَّهَوُّرِ والتَّغريرِ في الأشياءِ إلَّا مع إمكانِ فُرصتِها، وشجاعةٌ لا يَنقُصُها الملِمَّاتُ مع تواتُرِ حوائِجِها، وجُودٌ يَهونُ به تبذيرُ جلائلِ الأموالِ عِندَ سؤالِها) . - وقال الرَّاغِبُ: (العَجَلةُ ... مِن مُقتضى الشَّهوةِ؛ فلذلك صارت مذمومةً في عامَّةِ القرآنِ، حتَّى قيل: العَجَلةُ من الشَّيطانِ) . - وقال الرَّازيُّ: (مَن بالَغ في الأعمالِ الغَضَبيَّةِ وَقَع في التَّهَوُّرِ، ومَن بالَغ في تَرْكِها وَقَع في الجُبنِ، والصِّراطُ المستقيمُ هو الوَسَطُ، وهو الشَّجاعةُ اللَّطيفةُ) . - وقال ابنُ تَيميَّةَ: (والشَّجاعةُ ليست هي قوَّةَ البَدَنِ، وقد يكونُ الرَّجُلُ قَوِيَّ البَدَنِ ضَعيفَ القَلبِ، وإنَّما هي قوَّةُ القَلبِ وثباتُه، فإنَّ القتالَ مدارُه على قوَّةِ البَدَنِ وصَنعتِه للقتالِ، وعلى قوَّةِ القَلبِ وخبرتِه به، والمحمودُ منهما ما كان بعِلمٍ ومعرفةٍ دونَ التَّهَوُّرِ الذي لا يُفَكِّرُ صاحبُه ولا يميِّزُ بَيْنَ المحمودِ والمذمومِ؛ ولهذا كان القَويُّ الشَّديدُ الذي يملِكُ نفسَه عِندَ الغَضَبِ، حتَّى يفعَلَ ما يَصلُحُ، فأمَّا المغلوبُ حينَ غَضَبِه فليس بشُجاعٍ ولا شديدٍ) . - وقال ابنُ القَيِّمِ: (لا حِكمةَ لجاهِلٍ، ولا طائِشٍ، ولا عَجولٍ . وقال: (العَجَلةُ من الشَّيطانِ؛ فإنَّها خِفَّةٌ وطَيشٌ وحِدَّةٌ في العبدِ) . وقال: (إن حصَلَت الشَّجاعةُ بلا رأيٍ فالتَّهَوُّرُ والعَطَبُ) . - وقال الشَّوكانيُّ: (مَن استطاع أن يمنعَ نفسَه من أربعةِ أشياءَ فهو خليقٌ ألَّا يَنزِلَ به المكروهُ كما ينزِلُ بغيرِه: العَجَلةُ، واللَّجاجةُ، والعُجبُ، والتَّواني؛ فثَمَرةُ العَجَلةِ النَّدامةُ، وثَمَرةُ اللَّجاجةِ الحَيرةُ، وثَمَرةُ العُجبِ البَغضاءُ، وثَمَرةُ التَّواني الذِّلَّةُ) . - وقال محمَّدٌ الأمين الهَرَريُّ: (التَّهَوُّر مذمومٌ؛ لأنَّه يحمِلُ على البغيِ، وإلقاءِ النَّفسِ إلى الهلاكِ والموتِ حيثُ لا يُحمَدُ) - وقال ابنُ عاشورٍ: (جاءت الشَّريعةُ لإتمامِ مكارمِ الأخلاقِ، وإبعادِ الإنسانِ عن التَّهَوُّرِ والهَمَجيَّةِ) . آثارُ التَّسَرُّعِ والتَّهَوُّرِ والعَجَلةِ 1- التَّنفيرُ والصَّدُّ عن سبيلِ اللَّهِ. 2- جَلبُ المضَرَّةِ والمَفسدةِ، وتفويتُ المصلحةِ العامَّةِ. 3- التَّعَبُ الجَسَديُّ والإنهاكُ البدَنيُّ. 4- التَّوتُّرُ والقَلَقُ. 5- تَدَهورُ العلاقاتِ الاجتماعيَّةِ. 6- الوُقوعُ في الأخطاءِ الفِكريَّةِ والسُّلوكيَّةِ. 7- الوقوعُ في النَّدَمِ والحَسرةِ. 8- المنعُ من التَّثبُّتِ والوَقارِ والحِلمِ. 9- توجِبُ للمرءِ وَضعَ الأشياءِ في غيرِ مواضِعِها. 10- تجلِبُ على المرءِ أنواعًا من الشُّرورِ. 11- تمنَعُ عن المرءِ أنواعًا من الخيرِ. أقسامُ العَجَلةِ العَجَلةُ تنقَسِمُ إلى قِسمَينِ: الأوَّلُ: عَجَلةٌ مذمومةٌ، وهي العَجَلةُ فيما كان المطلوبُ فيه الأناةَ. الثَّاني: عَجَلةٌ محمودةٌ فيما يُطلَبُ تعجيلُه من المسارعةِ إلى الخيراتِ ونحوِها . مظاهِرُ وصُوَرُ التَّسَرُّعِ والتَّهَوُّرِ والعَجَلةِ 1- التَّهَوُّرُ والتَّسَرُّعُ في القراراتِ الفَرديَّةِ والشَّخصيَّةِ. 2- التَّهَوُّرُ والتَّسَرُّعُ في القراراتِ الأُسَريَّةِ، مِثلُ إيقاعِ الطَّلاقِ بسَبَبِ الانفعالِ والغَضَبِ. 3- التَّسَرُّعُ بالأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المُنكَرِ بلا حِكمةٍ، ودونَ مُراعاةِ الضَّوابطِ الشَّرعيَّةِ، وربَّما أدَّى ذلك إلى مفاسِدَ أكبَرَ من مفسَدةِ المُنكَرِ الذي يريدُ تغييرَه. قال ابنُ بازٍ: (الواجِبُ تشجيعُ الشَّبابِ على الخيرِ، وشُكرُهم على نشاطِهم في الخيرِ، مع توجيهِهم إلى الرِّفقِ والحِكمةِ وعَدَمِ العَجَلةِ في الأمورِ؛ لأنَّ الشَّبابَ وغيرَ الشَّبابِ يكونُ عندَهم زيادةُ غَيرةٍ فيقعون فيما لا ينبغي، فالواجِبُ توجيهُ الشَّيخِ والشَّابِّ إلى أن يتثبَّتَ في الأمورِ وأن يتحَرَّى الحَقَّ في كُلِّ أعمالِه حتَّى تقَعَ الأمورُ منه في موقِعِها. وقد رأى رجُلٌ في عهدِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بعضَ المُنكَراتِ فحمَلَتْه الغَيرةُ للهِ على أن قال لصاحِبِ المُنكَرِ: ((واللَّهِ لا يغفِرُ اللَّهُ لك! فقال اللَّهُ عزَّ وجَلَّ: مَن ذا الذي يتألَّى علَيَّ ألَّا أغفِرَ لفلانٍ؟! إنِّي قد غفَرْتُ له، وأحبَطْتُ عمَلَك)) ، وما ذلك إلَّا لأنَّه تجاوَز الحَدَّ الشَّرعيَّ بجَزمِه بأنَّ اللَّهَ لا يغفِرُ لصاحِبِ هذا المُنكَرِ، وذلك يوجِبُ على المُؤمِنِ التَّثبُّتَ والحذَرَ من خَطَرِ اللِّسانِ وشِدَّةِ الغَيرةِ، والمقصودُ أنَّ الشَّابَّ والشَّيخَ وغيرَهما كلُّهم عليهم واجِبُ إنكارِ المُنكَرِ، لكِنْ بالرِّفقِ والحِكمةِ والتَّقيُّدِ بنُصوصِ الشَّرعِ، فلا يزيدون على الحَدِّ الشَّرعيِّ فيكونون غُلاةً كالخوارجِ والمعتزلةِ ومَن سلك سبيلَهم، ولا ينقُصون فيكونون جُفاةً متساهِلين بأمرِ اللَّهِ. ولكِنْ يتحَرَّون الوَسَطَ في كلامِهم وإنكارِهم وتحرِّيهم للأسبابِ التي تجعَلُ قَولَهم مقبولًا ومؤثِّرًا، ويبتَعِدون عن الوسائِلِ التي قد تُنَفِّرُ مِن قَبولِ قولِهم ولا ينتَفِعُ بهم المجتمَعُ؛ لقولِ اللَّهِ عزَّ وجَلَّ: وَلَوْ كُنْتُ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران: 159] الآية، وقولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الحديثِ الصَّحيحِ : «إنَّ الرِّفقَ لا يكونُ في شيءٍ إلَّا زانَه، ولا يُنزَعُ من شيءٍ إلَّا شانَه») . 4- التَّسَرُّعُ بإنزالِ العُقوبةِ بمن خالَفه من الزَّوجةِ أو الأولادِ دونَ رَويَّةٍ أو تمَهُّلٍ، ورُبَّما تهَوَّر فيها وجاوَز الحَدَّ. 5- التَّهَوُّرُ في التَّكفيرِ والتَّسَرُّعُ في التَّبديعِ دونَ عِلمٍ وبَيِّنةٍ، وقَبلَ النَّظَرِ في توَفُّرِ الشُّروطِ وانتفاءِ الموانِعِ. قال ابنُ تَيميَّةَ: (فليس لأحَدٍ أن يُكَفِّرَ أحدًا من المُسلِمين وإنْ أخطأ وغَلِط، حتَّى تقامَ عليه الحُجَّةُ، وتَبِينَ له المحَجَّةُ، ومَن ثَبَت إيمانُه بيقينٍ لم يَزُلْ ذلك عنه بالشَّكِّ، بل لا يُزالُ إلَّا بعدَ إقامةِ الحُجَّةِ، وإزالةِ الشُّبهةِ) . 6- التَّسَرُّعُ في طَلَبِ العِلمِ، وقد تضَمَّنَ قَولُه تعالى: لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ[القيامة: 16] التَّأنِّيَ والتَّثَبُّتَ في تلقِّي العِلمِ، وألَّا يحمِلَ السَّامِعَ شِدَّةُ محبَّتِه وحِرصِه وطَلَبِه على مبادرةِ المُعَلِّمِ بالأخذِ قبلَ فراغِه من كلامِه، بل من الآدابِ التي أدَّب اللَّهُ بها نبيَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أمْرُه بتركِ الاستعجالِ على تلقِّي الوَحيِ، بل يصبِرُ إلى أن يَفرُغَ جبريلُ من قراءتِه، ثمَّ يقرؤُه بعدَ فراغِه عليه، فهكذا ينبغي لطالِبِ العِلمِ ولسامِعِه أن يصبِرَ على مُعَلِّمِه حتَّى يقضيَ كلامَه، ثمَّ يعيدَه عليه، أو يسألَ عمَّا أشكَلَ عليه منه، ولا يبادِرَه قبلَ فَراغِه ؛ فإنَّ الإنسانَ إذا تسرَّع في تلقِّي العِلمِ فرُبَّما يتلقَّاه على غيرِ ما ألقاه إليه شَيخُه . 7- العَجَلةُ والتَّسَرُّعُ في التَّصدُّرِ قَبلَ التَّأهُّلِ؛ قال عُمَرُ بنُ الخطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عنه: (تفَقَّهوا قبل أن تُسَوَّدوا) . 8- التَّعَجُّلُ في طَلَبِ الرِّزقِ والحُصولِ على الأموالِ، ولا يخفى خَطَرُ ذلك؛ فإنَّ تعَجُّلَ الرِّزقِ قد يجعَلُ الإنسانَ يطلُبُه من الحرامِ، مع أنَّ الرِّزقَ أمرٌ مُقَدَّرٌ؛ فعن جابِرِ بنِ عبدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عنهما قال: قال رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أيُّها النَّاسُ، اتَّقوا اللَّهَ وأجمِلوا في الطَّلَبِ ؛ فإنَّ نفسًا لن تموتَ حتَّى تستوفيَ رِزقَها وإن أبطَأَ عنها، فاتَّقوا اللَّهَ وأجمِلوا في الطَّلَبِ، خُذوا ما حَلَّ، ودَعُوا ما حَرُمَ)) . 9- استعجالُ المُؤمِنين لنَصرِ اللَّهِ؛ فعن خَبَّابِ بنِ الأرَتِّ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: ((شكَونا إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهو متوَسِّدٌ بُردةً له في ظِلِّ الكعبةِ، قُلْنا له: ألَا تَسْتَنْصِرُ لنا؟ ألَا تَدْعو اللهَ لنا؟ قال: كان الرَّجلُ فيمَنْ قبلَكم يُحفَرُ له في الأرْضِ، فيُجعَلُ فيهِ، فيُجاءُ بالمِنْشارِ فيُوضَعُ على رأسِهِ فيُشَقُّ باثْنتَينِ، وما يصُدُّه ذلك عن دِينِه، ويُمشَطُ بأمْشاطِ الحَديدِ ما دُونَ لَحمِه مِن عظْمٍ أو عَصَبٍ، وما يصُدُّهُ ذلك عن دِينِه، واللهِ لَيُتِمَّنَّ هذا الأمرَ، حتَّى يَسيرَ الرَّاكبُ مِن صَنْعاءَ إلى حَضْرَمَوتَ، لا يَخافُ إلَّا اللهَ أو الذِّئْبَ على غَنَمِه، ولكنَّكم تَستعجِلونَ)) . 10- الاستِعجالُ في الدَّعوةِ وطَلَبُ ثَمَرتِها من استجابةِ المدعوِّين وحُصولِ التَّغييرِ ما بَيْنَ يومٍ وليلةٍ. سُئِل ابنُ بازٍ: (ما هي نصيحتُكم للدُّعاةِ الذين يَستعجِلون قَطْفَ ثمارِ الدَّعوةِ ونتائجِها؟ فقال: (الواجِبُ على الدُّعاةِ التَّحمُّلُ والصَّبرُ وعَدَمُ العَجَلةِ، حتَّى يُفَقِّهوا النَّاسَ وحتَّى يُرشِدوا النَّاسَ، فيَعلَموا ما أوجب اللَّهُ عليهم وما حَرَّم عليهم عن بصيرةٍ، الواجِبُ التَّأنِّي والتَّثبُّتُ حتى يفقَهَ العامِّيُّ، ويفقَهَ المتعَلِّمُ ما قيل له، ولا مانِعَ من تَردادِ الكلامِ وإيضاحِه بأنواعِ العباراتِ التي توضِّحُ للسَّائِلِ أو للحاضِرين مُرادَ المعَلِّمِ ومرادَ المُرشِدِ؛ لأنَّ الحاضِرين قد يكونُ فيهم من لا يفهَمُ لُغةَ المعَلِّمِ ولغةَ المُرشِدِ، فيُكَرِّرُ العباراتِ ويوضِّحُها بالعباراتِ التي يفهمونَها والألفاظِ التي يفهمونَها؛ حتَّى يكوَن البيانُ كامِلًا، وحتى تقومَ الحُجَّةُ، ولا بدَّ من الصَّبرِ، كما قال اللَّهُ تعالى: وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال: 46] ، وقال سُبحانَه: وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ[النحل: 127] ، واللَّهُ وليُّ التَّوفيقِ) . 11- التَّسَرُّعُ في الفتوى دونَ تأنٍّ أو تثَبُّتٍ. عن عبدِ الرَّحمنِ بنِ أبي ليلى، قال: (أدركتُ عِشرين ومائةً من الأنصارِ من أصحابِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما منهم رجلٌ يُسأَلُ عن شيءٍ إلَّا وَدَّ أنَّ أخاه كفاه) . وقال أبو حُصَينٍ عُثمانُ بنُ عاصِمٍ: (إنَّ أحدَهم ليُفتي في المسألةِ، ولو ورَدَت على عُمَرَ بنِ الخطَّابِ لجَمَع لها أهلَ بَدرٍ!) . وقيل: أسرَعُهم إلى الفُتيا أقلُّهم عِلمًا، وأشَدُّهم دَفعًا لها أورَعُهم . 12- التَّهَوُّرُ في قيادةِ السَّيَّاراتِ بتجاوُزِ السُّرعةِ المسموحِ بها على الطُّرُقِ، أو قَطعِ الإشاراتِ، إلى غيرِ ذلك. 13- التَّسَرُّعُ بإنهاءِ العَلاقاتِ وقَطعِ الصَّداقاتِ وإعلانِ الخُصوماتِ. أسبابُ الوُقوعِ في التَّسَرُّعِ والتَّهَوُّرِ والعَجَلةِ 1- الغَضَبُ والحُزنُ الشَّديدُ، قال ابنُ حَجَرٍ: (الغَضَبُ والحُزنُ يحمِلُ الرَّجُلَ الوقورَ على تَركِ التَّأنِّي المألوفِ منه) . وقال ابنُ الجَوزيِّ: (أشَدُّ النَّاسِ تفريطًا مَن عَمِل مبادرةً في واقعةٍ من غيرِ تثَبُّتٍ ولا استشارةٍ، خُصوصًا فيما يوجِبُه الغَضَبُ؛ فإنَّه طَلَبُ الهلاكِ أو النَّدَمُ العظيمُ. وكم مَن غَضِب فقَتَل وضَرَب، ثمَّ لَمَّا سكَن غَضَبُه بَقِيَ طولَ دَهرِه في الحُزنِ والبكاءِ والنَّدَمِ! والغالِبُ في القاتِلِ أنَّه يُقتَلُ، فتفوتُه الدُّنيا والآخِرةُ . 2- استِسلامُ الإنسانِ لِما جُبِل عليه من العَجَلةِ دونَ مجاهدةِ نَفسِه وإلزامِها التَّأنِّيَ والتَّروِّيَ في الأمورِ. 3- التَّفريطُ، فإذا فَرَّط المرءُ فيما ينبغي له القيامُ به، فإنَّه يُضطَرُّ للقيامِ به على وَجهِ السُّرعةِ والعَجَلةِ، حتَّى يتدارَكَ الأمرَ، وربَّما لا يحصُلُ له مقصودُه. 4- إجابةُ داعي الشَّهَواتِ، وقد يكونُ في إجابتِه الهلاكُ، فكم من شَهوةٍ أورَثَت حُزنًا وندامةً! 5- تركُ استِشارةِ ذوي الخِبرةِ في أمورٍ يجهَلُها، وهذا الجَهلُ يجعَلُ الإنسانَ لا يحسِنُ التَّعامُلَ مع الأمورِ، فرُبَّما يَعجَلُ فيما حقُّه التَّأنِّي، أو يتأنَّى فيما حقُّه التَّعَجُّلُ، وهكذا. ( يتبع ) |
نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا ! و ليتني ما أرضيت سواي ! على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات ! |
08-31-2024, 11:40 AM | #29 |
|
رد: الأخلاق المذمومة في الإسلام ( متجدد )
تابع – التسرع والتهور والعجلة
الوسائِلُ المُعينةُ على تَركِ التَّسَرُّعِ والتَّهَوُّرِ والعَجَلةِ 1- التَّربيةُ؛ فالإنسانُ المتسَرِّعُ والمتهَوِّرُ والعَجولُ يحتاجُ إلى التَّربيةِ والإعدادِ. 2 – دعاءُ الإنسانِ وتضرُّعُه إلى اللَّهِ أن يرزُقَه التَّأنِّيَ، وأن يجنِّبَه التَّهَوُّرَ، وقد كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يدعو اللَّهَ بأن يهديَه إلى أحسَنِ الأخلاقِ، وأن يَصرِفَ عنه سيِّئَها، فكان من دعائِه: ((واهْدِني لأحسَنِ الأخلاقِ، لا يهدي لأحسَنِها إلَّا أنت، واصرِفْ عنِّي سَيِّئَها، لا يصرِفُ عنِّي سيِّئَها إلَّا أنت( . 3- النَّظَرُ في عواقِبِ الأمورِ المترتِّبةِ على التَّهَوُّرِ والتَّسَرُّعِ والعَجَلةِ. 4- الرُّجوعُ إلى العُلَماءِ يَعصِمُ من التَّهَوُّرِ والتَّسَرُّعِ. 5- قراءةُ السِّيرةِ النَّبَويَّةِ والاستفادةُ من أحداثِها. 6- قراءةُ سيرةِ السَّلَفِ الصَّالحِ؛ لأنَّ في سِيَرِهم نماذِجَ كثيرةً تدُلُّ على تحَلِّيهم بخُلُقِ التَّأنِّي، والتَّريُّثِ في أمورِهم، فقراءةُ سِيَرِهم تُعينُ على الاقتداءِ بهم، وانتهاجِ طريقِهم. 7- استشارةُ أهلِ الصَّلاحِ والخِبرةِ: فإذا أقدَمَ الشَّخصُ على أمرٍ يجهَلُه فعليه أن يستشيرَ أهلَ الصَّلاحِ والخِبرةِ، ولا يتعجَّلَ في أمرِه، قال تعالى لنبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ [آل عمران: 159] . نماذِجُ من التَّسَرُّعِ والعَجَلةِ 1- من ذلك تسَرُّعُ الرَّماةِ المُسلِمين في تَركِ أماكنِهم في غزوةِ أحُدٍ، ومخالفتُهم أمرَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان سَبَبًا في هزيمةِ المُسلِمين: وفي هذا يروي البراءُ بنُ عازبٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما: ((جَعَل النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على الرَّجَّالةِ يومَ أحُدٍ -وكانوا خمسينَ رَجُلًا- عبدَ اللهِ بنَ جُبَيرٍ، فقال: إنْ رأيتُمونا تخطَفُنا الطَّيرُ فلا تَبْرَحوا مكانَكم هذا حتَّى أُرسِلَ إليكم، وإن رأيتُمونا هزَمْنا القومَ وأوطَأْناهم فلا تَبْرَحوا حتَّى أرسِلَ إليكم، فهزموهم، قال: فأنا -واللهِ- رأيتُ النِّساءَ يشتَدِدْنَ، قد بَدَت خلاخِلُهنَّ وأَسْوُقُهنَّ، رافِعاتٍ ثيابَهنَّ، فقال أصحابُ عبدِ اللهِ بنِ جُبَيرٍ: الغنيمةَ أيْ قَومِ الغنيمةَ! ظهر أصحابُكم فما تنتَظِرون؟ فقال عبدُ اللهِ بنُ جُبَيرٍ: أنسِيتُم ما قال لكم رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟ قالوا: واللهِ لنأتِيَنَّ النَّاسَ، فلَنُصيبَنَّ من الغنيمةِ، فلمَّا أتَوهم صُرِفَت وجوهُهم، فأقبَلوا مُنهَزِمين)) . وهكذا لمَّا تعجَّل هؤلاء الرُّماةُ الحُصولَ على الغنائمِ وتَسَرَّعوا وتَركوا أماكِنَهم، انكشف ظهرُ المُسلِمين، فالتَفَّ خالِدُ بنُ الوليدِ بمن معه من المُشرِكين وأخذوا مواضِعَ رُماةِ المُسلِمين وأثخَنوا القَتلَ فيهم، وعاقَب اللَّهُ المُسلِمين فقُتِل حَمزةُ بنُ عبدِ المطَّلِبِ، وقُتِل معه من المُسلِمين سبعون وجُرِح مثلُهم، وجُرِح النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بعدَ تفَرُّقِ المُسلِمين عنه إلَّا القليلَ، ولَمَّا أبى الرُّماةُ الثَّباتَ في أماكِنِهم وتسَرَّعوا وانطلَقوا يبحثون عن الغنائِمِ، صَرَف اللَّهُ وجوهَهم، أي: تحَيَّروا فلم يدروا أين يذهَبون، وحصلت الهزيمةُ؛ فدَلَّ هذا الحديثُ على أنَّه يجِبُ على الجُندِ طاعةُ القائِدِ فيما يأمُرُهم به؛ لأنَّ مخالفةَ أوامِرِه من أعظَمِ أسبابِ الهزيمةِ، فإنَّ المُسلِمين لم ينهَزِموا في أُحُدٍ إلَّا بسَبَبِ مخالفتِهم كما أشار إلى ذلك القرآنُ الكريمُ في قولِه تعالى: وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ * إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ [آل عمران: 152-155] ، هذا كلُّه يُبَيِّنُ شُؤمَ التَّسَرُّعِ والتَّهَوُّرِ في ارتكابِ المنهيِّ عنه، وأنَّه يَعُمُّ ضَرَرُه من لم يقَعْ منه هذا الخَطَأُ . 2- ومنه تسَرُّعُ أسامةَ بنِ زيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما في قَتلِ مَن نَطَق بالشَّهادتينِ ظَنًّا منه أنَّه كان يقولُها حمايةً لنفسِه من القَتلِ؛ فعن أُسامةَ بنِ زيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما، قال: ((بعَثَنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى الحُرَقةِ، فصَبَّحْنا القومَ فهَزْمناهم، ولحِقتُ أنا ورجُلٌ من الأنصارِ رجُلًا منهم، فلمَّا غَشِيناه قال: لا إلهَ إلَّا اللهُ، فكَفَّ الأنصاريُّ فطعَنْتُه برُمحي حتَّى قتَلْتُه، فلمَّا قَدِمْنا بلغ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: يا أُسامةُ، أقتَلْتَه بعدَ ما قال لا إلهَ إلَّا اللهُ؟! قُلتُ: كان مُتعَوِّذًا، فما زال يُكَرِّرُها، حتى تمنَّيتُ أنِّي لم أكُنْ أسلَمْتُ قَبلَ ذلك اليومِ)) ، فالنَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كرَّر إنكارَه على أسامةَ لتسَرُّعِه وتعجُّلِه في قَتلِ الرَّجُلِ بعدَ أن نطَق الشَّهادةَ، ولأنَّه ترَك الاحتياطَ؛ فإنَّ الأحوطَ عدَمُ قتلِه، وأخبرَ أسامةُ رَضِيَ اللَّهُ عنه أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما زال يُكَرِّرُها عليه حتَّى تمنَّى أنَّه لم يكُنْ أسلَم قبلَ ذلك اليومِ؛ لأنَّ الإسلامَ يجُبُّ ما قبلَه، واستصغر أسامةُ ما سبَق له قبلَ ذلك مِن عَمَلٍ صالحٍ في مقابلةِ هذه الفَعلةِ؛ لِمَا سَمِع من النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من الإنكارِ الشَّديدِ، وإنَّما أورد ذلك على سبيلِ المبالغةِ، وفي روايةٍ أُخرى قال أسامةُ رَضِيَ اللَّهُ عنه للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((يا رسولَ اللَّهِ، استَغفِرْ لي، قال: وكيف تصنعُ بلا إلهَ إلَّا اللَّهُ إذا جاءت يومَ القيامةِ؟! قال: فجَعَل لا يزيدُه على أن يقولَ: كيف تصنَعُ بلا إلهَ إلَّا اللَّهُ إذا جاءت يومَ القيامةِ؟!)) ، وعدَمُ استغفارِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم له نوعٌ من التَّأنيبِ له، وتخويفٌ لغيرِه من المُسلِمين، وإن كان أسامةُ هو حبيبَ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، إلَّا أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أبى أن يستغفِرَ له . 3- وعندما تولَّى عُمَرُ بنُ عبدِ العزيزِ الخلافةَ جاءه ابنُه عبدُ المَلِكِ، وكان قويًّا ومتَحَمِّسًا من الأتقياءِ، فتخيَّل أنَّ أباه الخليفةَ متباطئٌ في التَّغييرِ، وحَملِ النَّاسِ على الحَقِّ، فقال: (يا أبتِ، ما لك لا تُنفِذُ الأمورَ؟! فواللَّهِ، ما أبالي لو أنَّ القدورَ قد غلت بي وبك في الحَقِّ، فأجابه الخليفةُ الرَّاشِدُ: لا تَعجَلْ يا بُنَيَّ؛ فإنَّ اللَّهَ قد ذمَّ الخَمرَ في القرآنِ مرَّتينِ، وحَرَّمها في الثَّالثةِ، وإنِّي أخافُ أن أحمِلَ الحقَّ على النَّاسِ جُملةً، فيَدفَعوه جُملةً، ويكونَ من هذا فِتنةٌ) . فهذه قِصَّةٌ تجمَعُ بَيْنَ التَّعَجُّلِ والتَّسَرُّعِ في حملِ النَّاسِ على تطبيقِ الشَّريعةِ، وفيها أيضًا الحِكمةُ في علاجِ الأمورِ. 4- ومِن ذلك تهوُّرُ خوارِزم شاه الذي كان سبَبًا في اجتياحِ التَّتارِ للعالمِ الإسلاميِّ. قال ابنُ كثيرٍ: (قَتَل جَنْكِزخان من الخلائِقِ ما لا يعلَمُ عَدَدَهم إلَّا الذي خلَقَهم، ولكِنْ كان البداءةُ من خوارِزم شاه؛ فإنَّه لمَّا أرسل جَنْكِزخان تجَّارًا من جِهتِه معهم بضائعُ كثيرةٌ من بلادِه، فانتَهَوا إلى إيرانَ، فقَتَلهم نائبُها من جهةِ خوارِزم شاه، وهو والِدُ زوجتِه كشلي خان، وأخَذ جميعَ ما كان معهم. فأرسَلَ جَنْكِزْخان إلى خوارِزم شاه يستعلِمُه: هل وقع هذا الأمرُ عن رضًا منه أو أنَّه لم يعلَمْ به فأنكَره؟ وقال له فيما أرسَلَ إليه: من المعهودِ من الملوكِ أنَّ التُّجَّارَ لا يُقتَلون؛ لأنَّهم عِمارةُ الأقاليمِ، وهم الذين يحمِلون إلى الملوكِ التُّحَفَ والأشياءَ النَّفيسةَ، ثمَّ إنَّ هؤلاء التُّجَّارَ كانوا على دينِك، فقتَلَهم نائبُك، فإن كان أمرًا أنكَرْتَه، وإلَّا طلَبْنا بدمائِهم. فلمَّا سَمِع خوارِزم شاه ذلك من رسولِ جَنْكِزخان لم يكُنْ له جوابٌ سِوى أنَّه أمَرَ بضَربِ عُنُقِه! فأساء التَّدبيرَ. وقد كان خَرِفَ وكَبِرَت سِنُّه... فلمَّا بلغ ذلك جَنْكِزخان تجهَّز لقتالِه وأخَذ بلادَه، فكان بقَدَرِ اللَّهِ تعالى ما كان من الأمورِ التي لم يُسمَعْ بأغرَبَ منها ولا أبشَعَ!) . الصفة من الشعر والأدب أ- من الأمثالِ والحِكَمِ - تَيسٌ في سفينةٍ. يُذكَرُ في المتهَوِّرُ الأحمَقِ . - "مَن سابَقَ الدَّهرَ عَثَر" يُذكَرُ في العَجولِ المتهَوِّرِ - عَجِلَت الكَلبةُ أن تَلِدَ ذا عينَينِ. قال أبو الفَضلِ النَّيسابوريُّ: (ذلك أنَّ الكلبةَ تُسرِعُ الولادةَ حتَّى تأتَي بولَدٍ لا يُبصِرُ، ولو تأخَّر وِلادُها لخَرَج الوَلَدُ وقد فَقَحَ . يُضرَبُ للمُستعجِلِ عن أن يَستَتِمَّ حاجتَه) . - (لا تُؤَدِّبْ مَن لا يؤاتيك، ولا تُسرِعْ فيما لا يَعْنيك) . - مَن تعَجَّل شيئًا قبلَ أوانِه، عُوقِبَ بحِرمانِه. وهي من القواعِدِ الفِقهيَّةِ، ومن فُروعِها حرمانُ القاتلِ مُوَرِّثَه الإرثَ . - وقيل: (الأدَبُ الصَّبرُ على كَظْمِ الغَيظِ حتَّى تملِكَ الفُرصةَ) . - وقيل: (رُبَّ عَجَلةٍ تَهَبُ رَيثًا ، يقولُ: رُبَّ عَجَلةٍ يرادُ بها صلاحُ الأمرِ فتُفسِدُه حتَّى لا يَصلُحَ إلَّا بَعدَ مُدَّةٍ طويلةٍ، فكأنَّها كانت رَيثًا) . - وعن العَتبيِّ قال: (مِن كلامِ البُلَغاءِ: ... العَجَلةُ زَلَلٌ، والإبطاءُ مَلَلٌ ...) . - وقال أبو إسحاقَ القَيروانيُّ: (قال بعضُ الحُكَماءِ: إيَّاك والعَجَلةَ؛ فإنَّ العَرَبَ كانت تُكَنِّيها أمَّ النَّدامةِ؛ لأنَّ صاحِبَها يقولُ قَبلَ أن يعلَمَ، ويجيبُ قَبلَ أن يَفهَمَ، ويَعزِمُ قَبلَ أن يُفَكِّرَ، ويَقطَعُ قَبلَ أن يُقَدِّرَ، ويَحمَدُ قَبلَ أن يُجَرِّبَ، ويَذُمُّ قَبلَ أن يَخبُرَ، ولن يصحَبَ هذه الصِّفةَ أحدٌ إلَّا صَحِب النَّدامةَ، واعتَزَل السَّلامةَ) . - قيل: لا تَعجَلْ عَجَلةَ الأخرَق، ولا تُحجِمْ إحجامَ الواني الفَرِق . ( يتبع ) |
نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا ! و ليتني ما أرضيت سواي ! على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات ! |
08-31-2024, 11:47 AM | #30 |
|
رد: الأخلاق المذمومة في الإسلام ( متجدد )
تابع – التسرع والتهور والعجلة ب- مِنَ الشِّعرِ 1- قال القَطاميُّ: قد يُدرِكُ المتأنِّي بعضَ حاجَتِه وقد يكونُ مع المُستَعجِلِ الزَّلَلُ وربَّما فات قومًا بعضُ أمْرِهم من التَّأنِّي وكان الحزمُ لو عَجِلوا 2- وقال ابنُ الرُّوميِّ: ولستُ كالمرءِ يُؤتى عِندَ عَزمتِه من التَّهَوُّرِ يومًا لا، ولا الفَشَلِ . 3- وقال ابنُ الرُّوميِّ أيضًا: نارُ الرَّويَّةِ نارٌ جِدُّ مُنضِجةٍ وفي البديهةِ نارٌ ذاتُ تلويحِ وقد يُفَضِّلُها قومٌ لعاجِلِها لكِنَّه عاجِلٌ يمضي مع الرِّيحِ 4- وقال وضَّاحُ اليَمَنِ: منا الأناةُ وبَعضُ القومِ يحسَبُنا أنا بِطاءٌ وفي إبطائِنا سِرَعُ 5- وقال القَرويُّ: إذا رُمْتَ أمرًا فلا تَعجَلَنْ وإلَّا نَدِمتَ على فِعلِهِ فما عَثرةُ المرءِ قَتَّالةٌ إذا كان يمشي على مَهلِهِ 6- وقال الشَّنْفَرى: وإنْ مُدَّت الأيدي إلى الزَّادِ لم أكُنْ بأعجَلِهم إذ أجشَعُ القَومِ أعجَلُ 7- وقال أبو الفَتحِ البُستيُّ: فلا تكُنْ عَجِلًا بالأمرِ تَطلُبُه فليس يُحمَدُ قبلَ النُّضجِ بُحْرانُ 8- وقال محمود سامي الباروديُّ: تمهَّلْ، ولا تعجَلْ إذا رُمتَ حاجةً فقد يَلحَقُ الخُسرانُ من يتوَرَّطُ فذو الحَزمِ يرعى القَصدَ في كُلِّ حالةٍ وذو الجَهلِ إمَّا مُفرِطٌ أو مُفَرِّطُ 9- وقال الشَّاعِرُ: لا تَعجَلَنَّ لأمرٍ أنت طالِبُه فقلَّما يُدرِكُ المطلوبَ ذو العَجَلِ فذو التَّأنِّي مُصيبٌ في مقاصِدِه وذو التَّعَجُّلِ لا يخلو عن الزَّلَلِ 10- وقال غيرُه: إن أمكَنَتْ فُرصةٌ فانهَضْ لها عَجِلًا ولا تؤخِّرْ فللتَّأخيرِ آفاتُ بادِرْ إذا حاجةٌ في وَقتِها عَرَضَت فللحوائجِ أوقاتٌ وساعاتُ 11- وقال آخَرُ: الرِّزقُ يأتي قدَرًا على مَهَلْ والمرءُ مطبوعٌ على حُبِّ العَجَلْ 12- وقال آخَرُ: ومن يتأنَّ يُصِبْ أو يَكَدْ وأخطَأَ أو كاد من يَعجَلُ 13- وقال آخَرُ: يا راكِبَ الهَولِ والآفاتِ والهَلَكهْ لا تعجَلَنَّ فليس الرِّزقُ بالحَرَكهْ مَن غيرُ رَبِّك في السَّبعِ العُلى مَلِكًا ومَن أدار على أرجائِها فَلَكَهْ 14- وقال الشَّاعِرُ: لا تعجَلَنَّ فرُبَّما عَجِل الفتى فيما يَضُرُّه ولرُبَّما كَرِه الفتى أمرًا عواقِبُه تَسُرُّه 15- وقال الشَّاعِرُ: انطِقْ مُصيبًا بخيرٍ لا تكُنْ هَذِرًا عيَّابةً ناطِقًا بالفُحشِ والرِّيَبِ وكُنْ رزينًا طويلَ الصَّمتِ ذا فِكَرٍ فإن نطَقْتَ فلا تُكثِرْ من الخُطَبِ ولا تُجِبْ سائِلًا من غيرِ ترويةٍ وبالذي عنه لم تُسأَلْ فلا تُجِبِ 16- وقال أحمد شوقي: رأيتُ في بعضِ الرِّياضِ قُبَّرَه تُطَيِّرُ ابنَها بأعلى الشَّجَرَه وهْيَ تقولُ: يا جمالَ العُشِّ لا تعتَمِدْ على الجَناحِ الهَشِّ وقِفْ على عودٍ بجَنْبِ عُودِ وافعَلْ كما أفعَلُ في الصُّعودِ فانتَقَلَت من فَنَنٍ إلى فَنَنْ وجعَلَت لكُلِّ نَقلةٍ زَمَنْ كي يستريحَ الفَرْخُ في الأثناءِ فلا يَمَلَّ ثِقَلَ الهواءِ لكنَّه قد خالَفَ الإشارَه لمَّا أراد يُظهِرُ الشَّطارَه وطار في الفضاءِ حتَّى ارتَفَعا فخانه جَناحُه فوقَعَا فانكَسَرت في الحالِ رُكْبَتاهُ ولم يَنَلْ من العُلا مُناهُ ولو تأنَّى نال ما تمنَّى وعاش طولَ عُمُرِه مُهَنَّا لكلِّ شيءٍ في الحياةِ وَقتُه وغايةُ المُستعجِلين فَوتُه موضوعنا القادم سيكون ان شاء الله عن (( التعسير )) |
نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا ! و ليتني ما أرضيت سواي ! على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات ! |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 21 ( الأعضاء 0 والزوار 21) | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
الأخلاق أرزاق | فاطمة | الكلِم الطيب (درر إسلامية) | 14 | 07-16-2024 05:02 PM |
الأخلاق وهائب….!!!! | النقاء | الكلِم الطيب (درر إسلامية) | 12 | 02-25-2024 02:59 PM |
ربيع الأخلاق | بُشْرَى | الصحة والجمال،وغراس الحياة | 4 | 05-15-2023 12:50 PM |
لنتصدق على فقراء الأخلاق. | رهيبة | الكلِم الطيب (درر إسلامية) | 6 | 09-16-2022 10:57 PM |
الأخلاق وهائب | المهرة | الكلِم الطيب (درر إسلامية) | 5 | 03-16-2021 10:07 PM |