» يومٌ من عمري « | ||||||
|
آخر 10 مشاركات |
روابط تهمك | القرآن الكريم | الصوتيات | الفلاشات | الألعاب | الفوتوشوب | اليوتيوب | الزخرفة | قروب | الطقس | مــركز التحميل | لا باب يحجبنا عنك | تنسيق البيانات |
|
الكلِم الطيب (درر إسلامية) رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا |
رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
08-25-2024, 05:58 AM | #11 |
|
رد: الأخلاق المذمومة في الإسلام ( متجدد )
الافتراء والبهتان
قال الفضيل رحمه الله: "في آخر الزمان قوم بهَّاتون، عيَّابون، فاحذروهم؛ فإنهم أشرار الخلق، ليس في قلوبهم نور الإسلام، وهم أشرار، لا يرتفع لهم إلى الله عمل". فما هو الافتراء والبهتان؟ الافتراء: هو الكذب في حقِّ الغير بما لا يرتضيه، وقال بعضهم: الافتراء هو العظيم من الكذب، وقال السيوطي رحمه الله: الافتراء اختراع قضية لا أصل لها. أما البهتان فمعناه الكذب الذي يُبهَت سامعُه، أي: يُدهش ويتحير، وهو أفحش الكذب. فحين يُستَقبَل الشخص بقذفه بذنب هو منه بريء فذلك البهتان. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: ذكرك أخاك بما يكره. قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول، فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهتَّه) . قال النووي: "يقال: بهَتَه بفتح الهاء مخففة، قلتَ فيه البهتان، وهو الباطل، والغيبة ذكر الإنسان في غيبته بما يكره، وأصل البهت أن يقال له الباطل في وجهه، وهما حرامان". مما لا شك فيه ان الافتراء والبهتان بالمعنى الذي بيناه من المحرمات، وعدَّه بعض أهل العلم من الكبائر. معنى الافتراء والبهتان لغةً واصطلاحًا معنى الافتراء لغةً: الافتراء مصدر افترى يفتري افتراءً: إذا كذب، وفرى كذبًا فريًا: اختلقه. والفرى: جمع فرية وهي الكذبة معنى الافتراء اصطلاحًا: قال العسكري: (الافتراء:.. الكذب في حقِّ الغير بما لا يرتضيه) وقال الكفوي: (الافتراء: هو العظيم من الكذب، يقال لمن عمل عملًا فبالغ فيه: إنه ليفري الفرى. ومعنى افترى: افتعل واختلق ما لا يصحُّ أن يكون؛ وما لا يصحُّ أن يكون أعمُّ مما لا يجوز أن يقال، وما لا يجوز أن يفعل) وقال السيوطي: (الافتراء: اختراع قضية لا أصل لها) معنى البهتان لغةً: البهتان: الكذب المفترى، من بهت الرجل يبهته بهْتًا، وبهَتًا، وبهتانًا، فهو بهَّات أي: قال عليه ما لم يفعله، فهو مبهوت. والبهيتة: الباطِلُ الذي يُتَحَيَّر من بُطلانه، والكذبُ كالبُهت، وبهتُّ الرجل أبهته بهتًا: إذا قابلته بالكذب، وبهت فلان فلانًا: إذا كذب عليه معنى البهتان اصطلاحًا: البهتان: هو الكذب الذي يبهت سامعه، أي: يدهش ويتحير، وهو أفحش الكذب؛ لأنَّه إذا كان عن قصد يكون إفكًا وقال أبو هلال العسكري: (البهتان: هو الكذب الذي يواجه به صاحبه على وجه المكابرة له) وقال القرطبي: (البهتان من البهت، وهو أن تستقبل أخاك بأن تقذفه بذنب وهو منه بريء) الفرق بين الافتراء والبهتان وبعض الصفات الفرق بين الكذب والافتراء والبهتان - يشترك الجميع في عدم مطابقة الخبر للواقع. - الكذب: هو عدم مطابقة الخبر للواقع، أو لاعتقاد المخبر لهما على خلاف في ذلك. - الكذب: يكون في حق النفس، وحق الغير، والافتراء والبهتان: يكون في حق الغير فقط. - الكذب: يحسن في بعض الأحوال، كالكذب في الحرب، وإصلاح ذات البين، وعلى الزوجة، ولا يحسن الافتراء والبهتان في جميع الأحوال. الفرق بين الزور والبهتان: - الزور: هو الكذب الذي قد سُوِّي وحُسِّن في الظاهر؛ ليحسب أنه صدق. - البهتان: هو مواجهة الإنسان بما لم يحبه وقد بهته ذم الافتراء والبهتان أولًا: ذم الافتراء والبهتان والنهي عنهما في القرآن الكريم - قال تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ [العنكبوت: 68] قال ابن كثير: (لا أحد أشدُّ عقوبة ممن كذب على الله، فقال: إنَّ الله أوحى إليه شيئًا، ولم يوحَ إليه شيء، ومن قال: سأنزل مثل ما أنزل الله. وهكذا لا أحد أشدُّ عقوبة ممن كذَّب بالحقِّ لما جاءه، فالأول مفترٍ، والثاني مكذِّب؛ ولهذا قال: أليس في جهنم مثوى للكافرين) وقال الطبري: (يقول تعالى ذكره: ومن أظلم أيُّها الناس ممن اختلق على الله كذبًا- فقالوا إذا فعلوا فاحشة: وجدنا عليها آباءنا، والله أمرنا بها، والله لا يأمر بالفحشاء- أو كذَّب بالحقِّ لما جاءه) - وقال تعالى في من يفتري على الأنبياء: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاؤُوا ظُلْمًا وَزُورًا [الفرقان: 4] وقال ابن كثير: (يقول تعالى مخبرًا عن سخافة عقول الجهلة من الكفار، في قولهم عن القرآن: إن هذا إلا إفك: أي: كذب، افتراه يعنون النبي صلى الله عليه وسلم، وأعانه عليه قوم آخرون أي: واستعان على جمعه بقوم آخرين. قال الله تعالى: فَقَدْ جَاؤُوا ظُلْمًا وَزُورًا أي: فقد افتروا هم قولًا باطلًا هم يعلمون أنه باطل، ويعرفون كذب أنفسهم فيما يزعمون) - وقال سبحانه فيمن ينقل عن المؤمنين والمؤمنات ما لم يفعلوه: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا [ الأحزاب: 58] قال ابن كثير: (فقد احتملوا بهتانًا وإثمًا مبينًا، وهذا هو البهت البيِّن أن يحكي أو ينقل عن المؤمنين والمؤمنات ما لم يفعلوه، على سبيل العيب والتنقُّص لهم، ومن أكثر من يدخل في هذا الوعيد الكفرة بالله ورسوله، ثم الرافضة الذين يتنقصون الصحابة، ويعيبونهم بما قد برأهم الله منه، ويصفونهم بنقيض ما أخبر الله عنهم) وقال الطبري: (فقد احتملوا بهتانًا وإثمًا مبينًا يقول: فقد احتملوا زورًا وكذبًا وفرية شنيعة، وبهتان: أفحش الكذب، وإثمًا مبينًا يقول: وإثمًا يبين لسامعه أنَّه إثم وزور) - وقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [الممتحنة: 12] قال السعدي في قوله تعالى: وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ (البهتان: الافتراء على الغير، أي: لا يفترين بكلِّ حالة، سواء تعلَّقت بهنَّ وأزواجهنَّ، أو سواء تعلَّق ذلك بغيرهم) ثانيًا: ذم الافتراء والبهتان والنهي عنهما في السنة النبوية - عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ مِن أعظم الفِرَى أن يدعي الرجل إلى غير أبيه، أو يُري عينه ما لم ترَ، أو يقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل )) قال العيني: (قوله: الفرى.. جمع: فرية وهي الكذب والبهت... قوله: أن يدَّعي الرجل، أي: أن ينتسب إلى غير أبيه. قوله: أو يُري عينه ما لم ترَ، حاصل المعنى: أن يدَّعي أن عينيه رأتا في المنام شيئًا وما رأتاه،... فإن قلت: إنَّ كذبه في المنام لا يزيد على كذبه في اليقظة، فلم زادت عقوبته؟ قلت: لأنَّ الرؤيا جزء من النبوة والنبوة، لا تكون إلا وحيًا، والكاذب في الرؤيا يدَّعي أنَّ الله أراه ما لم يره، وأعطاه جزءًا من النبوة، ولم يعطه، والكاذب على الله أعظم فرية ممن كذب على غيره. قوله: (أو يقول)... (أو تقَوَّل)... ومعناه: افترى. قوله: (ما لم يقل)... أي: ما لم يقل الرسول. وفي الحديث: تشديد الكذب في هذه الأمور الثلاثة) - وعن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أعظم الناس فرية اثنان: شاعر يهجو القبيلة بأسرها، ورجل انتفى من أبيه )) قال المناوي: (... ((أعظم الناس فرية)) -بالكسر- أي: كذبًا، ((اثنان)) أحدهما: ((شاعر يهجو)) من الهجو ((القبيلة)) المسلمة ((بأسرها)) أي كلَّها؛ لإنسان واحد منهم كان ما يقتضيه؛ لأنَّ القبيلة لا تخلو من عبد صالح، فهاجي الكلِّ قد تورَّط في الكذب على التحقيق؛ فلذلك قال: أعظم فرية) - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: ذكرك أخاك بما يكره. قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول، فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهتَّه )) قال النووي: (يقال: بهتَه بفتح الهاء مخففة. قلتَ فيه البهتان، وهو الباطل، والغيبة ذكر الإنسان في غيبته بما يكره، وأصل البهت أن يقال له الباطل في وجهه، وهما حرامان) - وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه - وكان شهد بدرًا وهو أحد النقباء ليلة العقبة-: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال -وحوله عصابة من أصحابه-: ((بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئًا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئًا، فعوقب في الدنيا، فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئًا، ثم ستره الله، فهو إلى الله، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه )) فبايعناه على ذلك قال البغوي: (معنى الحديث لا تبهتوا الناس افتراءً واختلافًا بما لم تعلموه منهم، فتجنوا عليهم من قبل أيديكم وأرجلكم، أي: قبل أنفسكم جناية تفضحونهم بها، وهم برآء، واليد والرجل كناية عن الذات) قال ابن الجوزي: (المراد بالبهتان هاهنا أربعة أقوال: أحدها: أنه الزنا، وافتراء المرأة بين يديها ورجليها، وهو ولد الزنا؛ لأنَّه يقع عند الوضع بين يديها ورجليها، فإذا ألحقته بزوجها فذلك البهتان المفترى. وقوله للرجال: ولا يأتون ببهتان يفترونه. يحتمل شيئين: أحدهما: أن يكون بايع الرجال والنساء، فاجتمع الكلُّ في النهي عن الزنا، وانفرد النساء بصيغة الافتراء بين أيديهنَّ وأرجلهنَّ. والثاني: أن يكون قرأ عليهم الآية، ولم يسقط ما يتعلَّق بالنساء منها. والقول الثاني: أنَّ المراد بالبهتان هاهنا قذف المحصنات والمحصنين، ويدخل في ذلك الكذب على الناس والاغتياب لهم، وإنما ذكرت الأيدي والأرجل؛ لأنَّ معظم أفعال الناس إنما تضاف منهم إلى الأيدي والأرجل، إذ كانت هي العوامل والحوامل، يقولون: لفلان عندي يد. والكناية باليد عن الذات، قاله أبو سليمان الخطابي. والقول الثالث: البهتان هاهنا المشي بالنَّمِيمَة، والسعي بالفساد. والرابع: أنهما السحر) أنواع الافتراء والبهتان 1- الافتراء على الله وهو أشد أنواع البهتان وهو نوعان: النوع الأول: أن يقول: قال الله كذا، وهو كاذب على الله. والنوع الثاني: أن يفسر متعمدًا كلام الله بغير ما أراد الله؛ لأنَّ المقصود من الكلام معناه، فإذا قال: أراد الله بكذا كذا وكذا، فهو كاذب على الله، شاهد على الله بما لم يرده الله عزَّ وجلَّ. 2- الافتراء على الرسول صلى الله عليه وسلم وهو نوعان: النوع الأول: بأن يقول: قال رسول الله كذا، ولم يقله، لكن كذب عليه. النوع الثاني: تفسير حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، بغير معناه متعمدًا فقد كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم 3- الافتراء على المؤمنين: كأن يتقوَّل على أحد من المسلمين ما لم يقله، أو يقذفه بذنب، وهو منه بريء، أو أن يغتابه بما ليس فيه. قصص في الافتراء والبهتان 1- قصة حادثة الإفك حيث اتهم المنافقون عائشة رضي الله عنها حتى أنزل الله براءتها في القرآن قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ لَوْلا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ [النور: 11-16] والقصة مشهورة معروفة وهي في الصحيح 2- عن جابر بن سمرة، قال: (شكا أهل الكوفة سعدًا إلى عمر رضي الله عنه، فعزله، واستعمل عليهم عمارًا، فشكوا حتى ذكروا أنَّه لا يحسن يصلي، فأرسل إليه، فقال: يا أبا إسحاق، إنَّ هؤلاء يزعمون أنَّك لا تحسن تصلي. قال أبو إسحاق: أما أنا والله، فإني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أخرم عنها، أصلي صلاة العشاء، فأركد في الأوليين وأخفُّ في الأخريين. قال: ذاك الظنُّ بك يا أبا إسحاق. فأرسل معه رجلًا أو رجالًا إلى الكوفة، فسأل عنه أهل الكوفة، ولم يدع مسجدًا إلا سأل عنه، ويثنون معروفًا، حتى دخل مسجدًا لبني عبس، فقام رجل منهم يقال له: أسامة بن قتادة يكنى أبا سعدة. قال: أما إذ نشدتنا، فإنَّ سعدًا كان لا يسير بالسرية، ولا يقسم بالسوية، ولا يعدل في القضية. قال سعد: أما والله لأدعونَّ بثلاث: اللهمَّ إن كان عبدك هذا كاذبًا، قام رياء وسمعة، فأطلْ عمره، وأطلْ فقره، وعرِّضه بالفتن. وكان بعد إذا سُئل يقول: شيخ كبير مفتون، أصابتني دعوة سعد، قال عبد الملك – راوي الأثر عن سمرة -: فأنا رأيته بعد، قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر، وإنَّه ليتعرَّض للجواري في الطرق يغمزهن) 3- قال الذهبي: (قال ابن طاهر: سمعت أصحابنا بهراة يقولون: لما قدم السلطان ألب أرسلان هراة في بعض قدماته، اجتمع مشايخ البلد ورؤساؤه، ودخلوا على أبي إسماعيل، وسلموا عليه، وقالوا: ورد السلطان، ونحن على عزم أن نخرج ونسلم عليه، فأحببنا أن نبدأ بالسلام عليك، وكانوا قد تواطئوا على أن حملوا معهم صنمًا من نحاس صغير، وجعلوه في المحراب تحت سجادة الشيخ، وخرجوا وقام إلى خلوته، ودخلوا على السلطان واستغاثوا من الأنصاري، وأنه مجسِّم، وأنه يترك في محرابه صنمًا يزعم أن الله على صورته، إن بعث الآن السلطان يجده، فعظم ذلك على السلطان، وبعث غلامًا ومعه جماعة فدخلوا الدار، وقصدوا المحراب، فأخذوا الصنم، ورجع الغلام بالصنم، فبعث السلطان من أحضر الأنصاري، فأتى فرأى الصنم والعلماء، والسلطان قد اشتدَّ غضبه؛ فقال السلطان له: ما هذا؟ قال: هذا صنم يعمل من الصفر شبه اللعبة؛ قال: لست عن ذا أسألك؟ قال: فعمَّ يسألني السلطان؟ قال: إنَّ هؤلاء يزعمون أنَّك تعبد هذا، وأنَّك تقول: إنَّ الله على صورته. فقال الأنصاري بصولة وصوت جهوري: سبحانك! هذا بهتان عظيم. فوقع في قلب السلطان أنهم كذبوا عليه، فأمر به فأخرج إلى داره مكرمًا. وقال لهم: اصدقوني. وهددهم، فقالوا: نحن في يد هذا الرجل في بلية من استيلائه علينا بالعامة، فأردنا أن نقطع شرَّه عنا، فأمر بهم، ووكل بكلِّ واحد منهم، وصادرهم وأهانهم) الأمثال والأشعار في الافتراء والبهتان - قولهم يا للأفيكة: وهي فعيلة من الإفك وهو الكذب. - وقولهم: يا للبهيتة: وهي البهتان. - وقولهم: يا للعضيهة: مثلهما في المعنى. يضرب عند المقالة يرمى صاحبها بالكذب، واللام في كلِّها للتعجب وقال منصور بن إسماعيل: هبني تحرزتُ ممن ينمُّ بالكتمانِ فكيف لي باحترازٍ مِن قائلِ البهتانِ وقال بعض الحكماء: إنَّ الكريمَ إذا تقضَّى ودُّه يُخفي القبيحَ ويظهرُ الإحسانا وترَى اللئيمَ إذا تصرَّم حبلُه يُخفي الجميلَ ويظهرُ البهتانا موضوعنا القادم سيكون ان شاء الله عن ( افشاء السر ) |
نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا ! و ليتني ما أرضيت سواي ! على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات !
التعديل الأخير تم بواسطة البراء ; 08-26-2024 الساعة 07:26 AM
|
08-25-2024, 05:20 PM | #12 |
|
رد: الأخلاق المذمومة في الإسلام ( متجدد )
إنَّ الكريمَ إذا تقضَّى ودُّه
يُخفي القبيحَ ويظهرُ الإحسانا وترَى اللئيمَ إذا تصرَّم حبلُه يُخفي الجميلَ ويظهرُ البهتانا حكمة عظيمة وبليغة في هذه الأسطر أجدت السرد والحديث حول الموضوع أبعدهم الله عنا ووقانا منهم لهم من الله الحساب متابعة يالبراء شكرًا تتكاثر لروحك الجميلة هنآ |
هَاتِ القَوَافِيْ ، فَهٰذِيْ المَرْأَةُ الأَسْمَىٰ أَزَاحَ رَبِّيْ بِهَا ، عَنْ مُهْجَتِيْ الهَمَّا فِيْهَا مِنَ الحُبِّ مَا لَا شَيْءَ يَحْمِلُهُ وَمِنْ يَدَيْهَا اِجْتَنَيْتُ الأَمْنَ ، وَالحُلْمَ شكرآ أمير الشعراء وسيف المدائن,, |
08-26-2024, 07:24 AM | #13 | |
|
رد: الأخلاق المذمومة في الإسلام ( متجدد )
اقتباس:
شكرا لمروركم الكريم واطلالتكم الرائعة ردودكم تحفزني لتقديم الافضل سأكون أحسن حالاً إن حظيت بمتابعتكم ، ومتابعة أخواتي واخواني الأعضاء دامت السعادة رفيقة أيامكم والعيش الرغيد عنوانها تحياتي وطوق ياسمين شامي (البراء) |
|
نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا ! و ليتني ما أرضيت سواي ! على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات ! |
08-26-2024, 07:51 AM | #14 |
|
رد: الأخلاق المذمومة في الإسلام ( متجدد )
افشاء السر
السر واحد الأسرار ، وهو ما يكتم ، والسريرة مثله ، قال الله تعالى : ( يوم تبلى السرائر ) "الطارق/9" أي يوم القيامة تختبر الأسرار وتعرف ، وهي ما يسر في القلوب من النيات والاعتقادات وغيرها فيعرف الحسن منها من القبيح . وتقول : أسررت إلى فلان إسرارا وساررته سرارا ، إذا أعلمته بسرك ، واسرار الكف الخطوط بباطنها . وفي قوله تعالى : ( يعلم السر وأخفى) " سورة طه / 7" السر ما حدث به الإنسان غيره وأسره إليه ، والأخفى من السر ما حدث به المرء نفسه وأخطره بباله من غير أن يخبر به أحدا . وهذا من السر أيضا ، إلا أنه أشد الأسرار خفاء . وإفشاء السر نشره وإظهاره ، نقيض الحفظ والكتمان ،وكل شيء انتشر فقد فشا ، ومنه فشوا الحبر في الورق الرقيق ، وفشت الأنعام ترعى : انتشرت ، ولذا تسمى السائمة الفاشية . معنى إفشاء السر لغةً واصطلاحًا معنى الإفشاء: الإفشاء من فَشا الخبر يَفْشو فُشُوًّا وفُشِيًّا، أي: انتشر وذاع، وأفْشاهُ غيره، وتَـفَشَّى الشيء، أي: اتسع، وفشا الشيء: ظهر . . معنى السر لغة: السِّرُّ: هو ما يكتم . وهو خلاف الإعلان، يقال: أسررت الشيء إسرارًا، خلاف أعلنته . . وسارَّه: إذا أوصاه بأن يُسرَّه، وتَسارَّ القومُ. وكنَّي عن النكاح بالسِّرِّ من حيث إنه يخفى . . معنى السر اصطلاحًا: قال الراغب: (السِّرُّ هو الحديث المكتم في النفس) . . وقال الكفوي: (هو ما يسرُّه المرء في نفسه من الأمور التي عزم عليها) . . معنى إفشاء السر اصطلاحًا: إفشاء السر هو: تعمد الإفضاء بسرٍّ من شخص ائتمن عليه، في غير الأحوال التي توجب فيها الشريعة الإسلامية الإفضاء، أو تجيزه ذم إفشاء السر والنهي عنه أولًا: في القرآن الكريم - قال تعالى: وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً [النساء: 83]. قال مقاتل: (أَذَاعُواْ بِهِ: يعني أفشوه) . . وقال الطبري: (أَذَاعُواْ بِهِ: أفشوه وبثُّوه في الناس) . . قال ابن عباس: (قوله أَذَاعُواْ بِهِ، قال: أعلنوه وأفشوه) . . - وقال سبحانه: وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ [التحريم: 3]. قال القاسمي: (أشار تعالى إلى غضبه لنبيِّه، صلوات الله عليه، مما أتت به من إفشاء السرِّ إلى صاحبتها، ومن مظاهرتهما على ما يقلق راحته، وأن ذلك ذنب تجب التوبة منه) . . قال الطبري: (فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ: فلما أخبرت بالحديث الذي أسر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحبتها وأظهره عليه) . . - وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ [الأنفال: 27-28]. قال ابن كثير: (كانوا يسمعون من النبي صلى الله عليه وسلم الحديث فيفشونه حتى يبلغ المشركين. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: نهاكم أن تخونوا الله والرسول، كما صنع المنافقون) . . قال بعضهم: نزلت في منافق كتب إلى أبي سفيان يطلعه على سرِّ المسلمين . . ومعنى الآية: (أي ولا تخونوا أماناتكم فيما بين بعضكم وبعض، من المعاملات المالية وغيرها، حتى الشئون الأدبية والاجتماعية، فإفشاء السر خيانة محرمة) ثانيًا: في السنة النبوية - عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إنَّ مِن أشرِّ الناس عند الله منزلة يوم القيامة، الرجل يفضي إلى امرأته، وتفضي إليه، ثم ينشر سرَّها)) . . قال النووي: (في هذا الحديث تحريم إفشاء الرجل ما يجري بينه وبين امرأته من أمور الاستمتاع، ووصف تفاصيل ذلك، وما يجري من المرأة فيه من قول أو فعل ونحوه، فأما مجرد ذكر الجماع؛ فإن لم تكن فيه فائدة ولا إليه حاجة فمكروه؛ لأنَّه خلاف المروءة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت)) . . وإن كان إليه حاجة أو ترتَّب عليه فائدة؛ بأن ينكر عليه إعراضه عنها، أو تدَّعي عليه العجز عن الجماع، أو نحو ذلك، فلا كراهة في ذكره، كما قال صلى الله عليه وسلم: ((إني لأفعله أنا وهذه)) . ، وقال صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة: ((أعرستم الليلة)) . . وقال لجابر: ((الكيس الكيس)) . . . وقال المناوي: (ثم ينشر سرَّها: أي يبثُّ ما حقُّه أن يكتم من الجماع، ومقدماته، ولواحقه، فيحرم إفشاء ما يجري بين الزوجين من الاستمتاع، ووصف تفاصيل ذلك بقول أو فعل) . . وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: ((إنَّا كنَّا- أزواج النبي صلى الله عليه وسلم- عنده جميعًا، لم تغادر منا واحدة، فأقبلت فاطمة تمشي، لا والله ما تخفى مشيتها من مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآها رحَّب، قال: مرحبًا بابنتي. ثم أجلسها عن يمينه - أو عن شماله - ثم سارَّها، فبكت بكاء شديدًا، فلما رأى حزنها سارَّها الثانية، فإذا هي تضحك، فقلت لها، أنا من بين نسائه: خصَّك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسرِّ من بيننا، ثم أنت تبكين، فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم سألتها: عما سارَّك؟ قالت: ما كنت لأفشي على رسول الله صلى الله عليه وسلم سرَّه. فلما تُوفِّي، قلت لها: عزمت عليك بما لي عليك من الحقِّ، لما أخبرتني. قالت: أما الآن، فنعم. فأخبرتني، قالت: أما حين سارَّني في الأمر الأول، فإنَّه أخبرني أنَّ جبريل كان يعارضه بالقرآن كلَّ سنة مرة، وإنَّه قد عارضني به العام مرتين، ولا أرى الأجل إلا قد اقترب، فاتَّقى الله، واصبري، فإني نعم السلف أنا لك. قالت: فبكيت بكائي الذي رأيت، فلما رأى جزعي، سارَّني الثانية، قال: يا فاطمة، ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين، أو سيدة نساء هذه الأمة)) . . آثار إفشاء السر . 1- إفشاء السرِّ خيانة للأمانة، ونقض للعهد. 2- إفشاء السرِّ دليل على لؤم الطبع، وفساد المروءة. 3- إفشاء السرِّ دليل على قلة الصبر، وضيق الصدر. 4- إفشاء السرِّ- خاصة عند الغضب- يعقب الندم والحسرة في نفس صاحبه. 5- إفشاء الأسرار إخلال بالمروءة وإفساد للصداقة، ومدعاة للتنافر. 6- إفشاء الرجل سر امرأته، وإفشاء المرأة سر زوجها؛ يجعل كلا منهما بمثابة الشيطان، ويخلُّ بفضيلة الحياء. 7- إفشاء السرِّ من فضول الكلام الذي يعاب عليه صاحبه. 8- إفشاء السرِّ يفقد الثِّقة بين الإخوان. 9- في إذاعة السرِّ ما يجلب العار والفضيحة للمفشي عندما يعرف بذلك من استودعه هذا السرِّ. 10- إفشاء السرِّ- خاصة ما يتعلق بالميِّت- يعرض صاحبه لعذاب الله. صور إفشاء السر المذموم 1- إفشاء أسرار المسلمين: لقد نهى الشارع الكريم عن إفشاء أسرار المسلمين وأمر بسترها وكتمانها، لما في ذلك من حفظ لأعراضهم، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النور: 19] وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة، فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة)) . . 2- إفشاء أسرار الدولة: إذا كان إفشاء أسرار الأفراد مذمومًا، فإفشاء أسرار الدولة أشدُّ ذمًّا، وأعظم جرمًا، ويترتب عليه من المفاسد الشيء الكثير الذي يزعزع أمن البلد واستقرارها، ويمكن أعداءها منها. 3- إفشاء الأسرار الزوجية: لقد جعل الله سبحانه وتعالى لكلٍّ من الزوجين حقوقًا وواجبات، ومن هذه الحقوق حفظ الأسرار الزوجية، فكلٌّ من الزوجين أمين على أسرار الآخر، يجب عليه حفظها وعدم إفشاءها، ومن أعظم هذه الأسرار وأشدها أسرار الجماع وما يجري بين الزوجين في الفراش. لقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم الزوج أو الزوجة الذي ينشر الأسرار الزوجية بأنه شيطان؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هل منكم رجل أتى أهله، فأغلق عليه بابه، وألقى عليه ستره، واستتر بستر الله؟ قالوا: نعم. قال: ثم يجلس بعد ذلك، فيقول: فعلت كذا، فعلت كذا. فسكتوا، ثم أقبل على النساء؛ فقال: منكن من تحدِّث؟ فسكتن، فجثت فتاة كعاب، على إحدى ركبتيها، وتطاولت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليراها ويسمع كلامها، فقالت: يا رسول الله، إنهم ليحدثون، وإنهن ليحدثن، فقال: هل تدرون ما مثل ذلك؟ إنما مثل ذلك مثل شيطانة لقيت شيطانًا في السكة، فقضى حاجته والناس ينظرون إليه)) . . بل بيَّن أن مفشي سرِّ زوجه من أشرِّ الناس منزلة يوم القيامة؛ فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ مِن أشرِّ الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى المرأة، وتفضي إليه ثم ينشر سرَّها)). قال السفاريني: (يُكره لكلٍّ من الزوجين التحدُّث بما صار بينهما ولو لضرَّتها... لأنَّه من السرِّ، وإفشاء السرِّ حرام) . . وكذلك فكلٌّ من الزوجين مطالب بحفظ باقي الأسرار الأخرى التي تقع في الحياة الزوجية، بل حتى بعد الفراق بطلاق أو غيره، لا ينبغي له إفشاء ما كان بينه وبين زوجه من أسرار خاصة لا ينبغي إطلاع الغير عليها. (يُروى عن بعض الصالحين أنَّه أراد طلاق امرأة؛ فقيل له: ما الذي يريبك فيها؟ فقال: العاقل لا يهتك ستر امرأته. فلما طلَّقها قيل له: لم طلَّقتها؟ فقال ما لي ولامرأة غيري) . . 4- إفشاء وإعلان الذنوب التي يرتكبها: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((كلُّ أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملًا ثم يصبح وقد ستره الله؛ فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه)) صور إفشاء السر المحمود 1- أداء الشهادة عند القاضي: (والشهادة في حدِّ ذاتها هي إخبار بالشيء السري الذي يخفى عن القاضي حقيقته، والمراد من أداء الشهادة: إظهار الأسرار لإثبات الحقِّ في مجلس القضاء، وقد نهى الحقُّ عن كتمان الشهادة: وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ [البقرة:283]. وكذلك لا تكون الشهادة إلا بالإخبار القاطع، والإخبار لا يكون قاطعًا إلا بالإخبار التفصيلي، كما هو حاله في الشهادة على الزنا، لابد من ذكر المكان، والزمان، والكيفية، وذكر الفاعل، والمفعول به، وما إلى ذلك حتى تتوفر فيه الشروط المقررة في حدِّ الزنا. وكذلك في الشهادة على السرقة، لابد من ذكر الكيفية، والحرز، والمقدار؛ حتى تثبت بشهادتهم أنَّ المشهود عليه قد فعل الجناية المستحقة للعقوبة) . . 2- إفشاء الأسرار إذا أدت إلى المصلحة العامة: يحمد إفشاء السر إذا كان في إفشائه مصلحة أو فائدة يعود نفعها على الإسلام والمسلمين، أو فرصة سانحة يمكن أن تنفذ الدعوة من خلالها إلى ميادين الخير. وقد أخبرنا الله عن قصة مؤمن آل فرعون الذي أفشى خبر فرعون وقومه إلى موسى حينما كانوا يسعون لقتله، فأفشى ذلك السرَّ لموسى، وكان في ذلك نجاة له من القتل بإذن الله. قال تعالى: وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ [القصص: 20]. وهذا رئيس المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول لما قال: لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ [المنافقون: 8] وسمع بذلك زيد بن أرقم، أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قاله ابن سلول الحالات التي يجوز فيها إفشاء السر لا يجوز إفشاء السر الواجب كتمانه إلا في أحوال محدودة منها: 1- انقضاء حالة كتمان السر. 2- موت صاحب السر – بشرط أن لا يعود عليه بالضرر-. 3- أن يؤدِّي الكتمان إلى ضرر أبلغ من ضرر الإفشاء. 4- دفع الخطر. الأسباب المعينة على ترك إفشاء السر . 1- إدراك خطورة اللسان. 2- تذكر عاقبة كشف السر. 3- تعويد النفس على الصبر. 4- أن لا نحمل ما لا نطيق من الأسرار. 5- التزام ضوابط كشف السر. 6- لا تنس هذه الوصايا: - لا تحدث بكل ما سمعت: قال صلى الله عليه وسلم: ((كفى بالمرء إثمًا أن يحدِّث بكلِّ ما سمع)) . . - لا تبحث عن الأسرار: قال صلى الله عليه وسلم: ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)) . . - ستر المسلم فضيلة: قال صلى الله عليه وسلم: ((لا يستر عبد عبدًا في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة)) . . - الأسرار أمانات فلا تخن من ائتمنك. - لا تكن أسير سرِّك. - احذر كثرة المستودعين، قال الماوردي: (وليحذر كثرة المستودعين لسره، فإن كثرتهم سبب الإذاعة، وطريق الإشاعة لأمرين: أحدهما: أن اجتماع هذه الشروط في العدد الكثير مُعْوِز، ولابد إذا كثروا أن يكون فيهم من أخلَّ ببعضها. الثاني: أن كل واحد منهم يجد سبيلًا إلى نفي الإذاعة عن نفسه، وإحالة ذلك إلى غيره، فلا يضاف إليه ذنب، ولا يتوجه عليه عتب، وقد قال بعض الحكماء: (كلما كثرت خزان الأسرار ازدادت ضياعًا). ( يتبع ) |
نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا ! و ليتني ما أرضيت سواي ! على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات ! |
08-26-2024, 08:03 AM | #15 |
|
رد: الأخلاق المذمومة في الإسلام ( متجدد )
تابع – افشاء الاسرار
إفشاء سرِّ الميت (قال ابن بطال: الذي عليه أهل العلم أن السرَّ لا يُباح به إذا كان على صاحبه منه مضرة، وأكثرهم يقول: إنَّه إذا مات لا يلزم من كتمانه ما كان يلزم في حياته إلا أن يكون عليه فيه غضاضة. قلت -القائل ابن حجر-: الذي يظهر انقسام ذلك بعد الموت إلى ما يباح، وقد يستحب ذكره، ولو كرهه صاحب السرِّ، كأن يكون فيه تزكية له من كرامة أو منقبة أو نحو ذلك، وإلى ما يكره مطلقًا، وقد يحرم، وهو الذي أشار إليه ابن بطال، وقد يجب كأن يكون فيه ما يجب ذكره كحقٍّ عليه كان يعذر بترك القيام به؛ فيرجى بعده إذا ذكر لمن يقوم به عنه أن يفعل ذلك) . . (ولقد أجاز بعض العلماء إفشاء سرِّ الرجل بعد موته، مستدلين بما ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها ((أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أجلس فاطمة بجواره ثم سارَّها، فبكت بكاء شديدًا، فلما رأى حزنها سارَّها الثانية، فإذا هي تضحك، فقلت لها، أنا من بين نسائه: خصَّك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسرِّ من بيننا، ثم أنت تبكين، فلمَّا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم سألتها: عما سارَّك؟ قالت: ما كنت لأفشي على رسول الله صلى الله عليه وسلم سرَّه، فلما تُوفِّي، قلت لها: عزمت عليك بما لي عليك من الحقِّ لما أخبرتني، قالت: أما الآن فنعم. فأخبرتني، قالت: أما حين سارَّني في الأمر الأول، فإنَّه أخبرني: أنَّ جبريل كان يعارضه بالقرآن كلَّ سنة مرة، وإنَّه قد عارضني به العام مرتين، ولا أرى الأجل إلا قد اقترب، فاتقي الله واصبري، فإني نعم السلف أنا لك. قالت: فبكيت بكائي الذي رأيت، فلما رأى جزعي سارَّني الثانية، قال: يا فاطمة، ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين، أو سيدة نساء هذه الأمة)) إفشاء الغاسل حال الميت قال الخطيب الشربيني: (فإن رأى الغاسل من بدن الميت خيرًا كاستنارة وجهه، وطيب رائحته، ذكره ندبًا؛ ليكون أدعى لكثرة المصلين عليه، والدعاء له، أو غيره كأن رأى سوادًا، أو تغير رائحة، أو انقلاب صورة حرم ذكره؛ لأنه غيبة لمن لا يتأتَّى الاستحلال منه) . . قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة)) صفات من يفشي سرَّ نفسه قال الماوردي: (وفي الاسترسال بإبداء السرِّ دلائل على ثلاثة أحوال مذمومة: إحداها: ضيق الصدر، وقلة الصبر، حتى أنَّه لم يتسع لسرِّ، ولم يقدر على صبر. والثانية: الغفلة عن تحذر العقلاء، والسهو عن يقظة الأذكياء. وقد قال بعض الحكماء: انفرد بسرك ولا تودعه حازمًا فيزل، ولا جاهلًا فيخون. والثالثة: ما ارتكبه من الغدر، واستعمله من الخطر. وقال بعض الحكماء: سرُّك من دمك، فإذا تكلمت به فقد أرقته) ضوابط في إفشاء السر قال الماوردي: (واعلم أن من الأسرار ما لا يستغنى فيه عن مطالعة صديق مساهم، واستشارة ناصح مسالم. فليختر العاقل لسرِّه أمينًا إن لم يجد إلى كتمه سبيلًا، وليتحرَّ في اختيار من يأتمنه عليه، ويستودعه إياه. فليس كلُّ من كان على الأموال أمينًا كان على الأسرار مؤتمنًا. والعفة عن الأموال أيسر من العفة عن إذاعة الأسرار؛ لأنَّ الإنسان قد يذيع سرَّ نفسه ببادرة لسانه، وسقط كلامه، ويشحُّ باليسير من ماله، حفظًا له وضنًّا به، ولا يرى ما أذاع من سرِّه كبيرًا في جنب ما حفظه من يسير ماله، مع عظم الضرر الداخل عليه. فمن أجل ذلك كان أمناء الأسرار أشد تعذرًا، وأقل وجودًا من أمناء الأموال. وكان حفظ المال أيسر من كتم الأسرار؛ لأنَّ أحراز الأموال منيعة، وأحراز الأسرار بارزة يذيعها لسان ناطق، ويشيعها كلام سابق) أكثر من يذيع السر قال الجاحظ: (وأكثر ما يذيع أسرار الناس أهلوهم وعبيدهم، وحاشيتهم وصبيانهم، ومَن لهم عليهم اليد والسلطان. فالسرُّ الذي يودعه خليفة في عامل له يلحقه زينه وشينه، أحرى ألا يكتمه. وهذا سبيل كلِّ سرٍّ يستودعه الجلة والعظماء، ومن لا تبلغه العقوبة ولا تلحقه اللائمة. وقال سليمان بن داود في حكمته: ليكن أصدقاؤك كثيرًا، وصاحب سرِّك واحدًا من ألف) أكثر الأمور عرضة لإفشاء السر وإفشاء السرِّ إنما يوكَّل بالخبر الرائع، والخطب الجليل، والدفين المغمور، والأشنع الأبلق، مثل سرِّ الأديان لغلبة الهوى عليها، وتضاغن أهلها بالاختلاف والتضاد، والولاية والعداوة. ومثل سرِّ الملوك في كيد أعدائهم ومكنون شهواتهم ومستور تدبيراتهم، ثم من يليهم من العظماء والجلة، لنفاسة الملوك على العوام، وأنهم سماء مظلة عليهم، أعينهم إليها سامية، وقلوبهم بها معلقة، ورغباتهم ورهباتهم إليها مصروفة. ثم عداوات الإخوان، فإنما صارت العداوة بعد المودة أشد لاطلاع الصديق على سرِّ صديقه، وإحصائه معايبه، وربما كان في حال الصداقة يجمع عليه السقطات، ويحصي العيوب، ويحتفظ بالرقاع، إرصادًا ليوم النبوة، وإعدادًا لحال الصريمة وصية في عدم إفشاء السر وصية أُمامة بنت الحارث ابنتها أم إياس بنت عوف بن محلم الشيباني لما حان زفافها بعمرو بن حجر ملك كندة، وفيها: (فلا تعصينَّ له أمرًا، ولا تفشينَّ له سرًّا، فإنَّك إن خالفت أمره أوغرت صدره، وإن أفشيت سرَّه لم تأمني غدره) حكم وأمثال في إفشاء السر - صدرك أوسع لسرِّك. أي: فلا تفشه إلى أحد. ومنه قول أكثم بن صيفي: - لا تفش سرَّك إلى أمةٍ، ولا تبل على أكمة. - اجعل هذا في وعاءٍ غير سَرِبٍ. يقوله الرجل لأخيه في الأمر يسره إليه. وأصله في السقاء السائل، وهو السرب يقول: فلا تبد سري كإبداء السقاء ماءه سائل. - سرُّك من دمك. يقال: ربما أفشيته فيكون سبب حتفك . . - الحاج أسمعت. وذلك إذا أفشى السر. أي إنك إذا أسمعت الحجاج فقد أسمعت الخلق . . - وقال دعامة بن يزيد الطائي: إذا ما جعلت السِّر عند مضيع فإنَّك ممَّن ضيَّع السِّر أذنب . - وقيل لعدي بن حاتم: أيُّ الأشياء أوضع للرجال؟ قال: كثرة الكلام، وإضاعة السرِّ، والثقة بكلِّ أحدٍ من أقوال الحكماء والبلغاء - قال بعض الأدباء: (من كتم سرَّه كان الخيار إليه، ومن أفشاه كان الخيار عليه) . . - وقال بعض البلغاء: ما أسرَّك؛ ما كتمت سرَّك) . . - وقال بعض الفصحاء: (ما لم تغيبه الأضالع، فهو مكشوف ضائع) . . - وقال المأمون: (ثلاثة لا ينبغي للعاقل أن يقدم عليها: شرب السمِّ للتجربة، وإفشاء السرِّ إلى القرابة والحاسد وإن كان ثقة، وركوب البحر وإن كان فيه غنى) . . - ويروى: (أصبر الناس من لا يفشي سرَّه إلى صديقه مخافة التقلُّب يومًا ما) . . - وقال بعض الحكماء: (القلوب أوعية الأسرار، والشفاه أقفالها، والألسن مفاتيحها، فليحفظ كلٌّ منكم مفاتيح سرِّه) . . - وقَالَ بعض الحكماء: (من أفشى سرَّه كثر عليه المتآمرون) . . - وقال حكيم لابنه: (يا بني، كن جوادًا بالمال في موضع الحقِّ، ضنينًا بالأسرار عن جميع الخلق، فإنَّ أحمد جود المرء الإنفاق في وجه البرِّ، والبخل بمكتوم السرِّ) . . - قَالَ بعض البلغاء: (إِذا وقفت الرعية على أسرار الملوك؛ هان عليها أمرها) . . - وقال بعض الحكماء: (لا تطلع واحدًا من سرِّك إلا بقدر ما لا تجد فيه بُدًّا من معاونتك) . . - وَفِي منثور الحكم: (من ضَاقَ صَدره اتَّسع لِسَانه) ذم إفشاء السر في واحة الشعر قال أبو الشيص: ضعِ السرَّ في صماءَ ليست بصخرةٍ صلود . كما عاينت من سائر الصخرِ ولكنها قلبُ امرئٍ ذي حفيظةٍ يرى ضيعةَ الأسرارِ هترًا . من الهترِ يموتُ وما ماتت كرائمُ فعلِه ويبلى وما يبلى نَثاه على الدهرِ . وقال محمد بن إسحاق الواسطي: إذا المرءُ لم يحفظْ سريرةَ نفسِه وكان لسرِّ الأخ غيرُ كتومِ فبعدًا له من ذي أخ ومودةٍ وليس على ودٍّ له بمقيمِ . وقال قيس بن الخطيم: وإن ضيَّع الإخوانُ سرًّا فإنني كتومٌ لأسرارِ العشيرِ أمينُ يكونُ له عندي إذا ما ائتمنته مكانٌ بسوداءِ الفؤادِ مكينُ . وقال الكريزي: إذا أنت لم تحفظْ لنفسِك سرَّها فأنت إذا حملته الناسَ أضيعُ ويضحكُ في وجهي إذا ما لقيتُه وينهشني بالغيبِ يومًا ويلسعُ . وقال قيس بن الخطيم الأنصاري: إذا جاوز الاثنين سرٌّ فإنه بنثٍّ . وتكثير الوشاة قمينُ . وقال الكريزي: اجعل لسرِّك مِن فؤادك منزلًا لا يستطيعُ له اللسانُ دخولا إنَّ اللسانَ إذا استطاع إلى الذي كتم الفؤادُ من الشؤونِ وصولا ألفيتَ سرَّك في الصديقِ وغيرِه من ذي العداوة فاشيًا مبذولا . وقال البغدادي: صُنِ السرَّ بالكتمانِ يُرضيك غبُّه فقد يظهرُ المرءُ المضِيعَ فيندمُ فلا تلجئنْ سرًّا إلى غيرِ حرزِه فيُظهرَ حرزَ السوءِ ما كنتَ تكتمُ . وقال آخر: لا تودعنَّ ولا الجماد سريرةً فمِن الجوامدِ ما يشير وينطقُ وإذا المحكُّ أذاع سرَّ أخٍ له وهو الجمادُ فمن به يستوثقُ . وقال المنتصر بن بلال الأنصاري: سأكتمُه سرِّي وأكتمُ سرَّه ولا غرَّني أني عليه كريمُ حليمٌ فيفشي أو جهولٌ يذيعُه وما الناسُ إلا جاهلٌ وحليمُ . وقال آخر: ونفسُك فاحفظْها ولا تفشِ للعدَى مِن السرِّ ما يُطوي عليه ضميرُها فما يحفظُ المكتومَ من سرِّ أهلِه إذا عُقدُ الأسرارِ ضاع كثيرُها مِن القومِ إلا ذو عفافٍ يعينُه على ذاك منه صدقُ نفسٍ وخيرُها . وقال عامر الخزرجي: إذا أنت لم تجعلْ لسرِّك جُنَّةً تعرضتَ أن تُروَى عليك العجائبُ . وقال آخر: إذا ما ضاق صدرُك عن حديثٍ فأفشته الرجالُ فمن تلومُ إذا عاتبتُ مَن أفشى حديثي وسرِّي عنده فأنا الظلومُ وإني حين أسأم حملَ سرِّي وقد ضمَّنته صدري سئومُ ولست محدثًا سرِّي خليلًا ولا عرسي إذا خطرت همومُ وأطوي السرَّ دون الناسِ إني لما استودعتُ من سرِّي كتومُ موضوعنا القادم سيكون ان شاء الله عن ((الانتقام)) |
نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا ! و ليتني ما أرضيت سواي ! على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات ! |
08-27-2024, 05:40 AM | #16 |
|
رد: الأخلاق المذمومة في الإسلام ( متجدد )
الانتقام
الإسلام أبعد ما يكون عن روح الانتقام ومنطق الانتقام، فضلاً عن الانتقام الأعمى الذي لا يعرف الضوابط والحدود، كما رأينا في تصرفات دول عصرية كبرى، وما نزال نرى في عالمنا البائس هذه الأيام الإسلام في تعاليمه النظرية، وفي تطبيقاته العملية كما جسّمها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم ومن اتبع هداه على توالي العصور، يسمح بالقصاص العادل، ولا يسمح بالانتقام الذي يتجاوز بصاحبه حدود العدل والإنصاف والخلق الكريم فالمسلم بين خيارين هما خيار العدل، وخيار الإحسان والصفح، مهما كانت قوته وقدرته وتَجَاوُزُ العدل إلى الطغيان والظلم، تجاوزٌ لحدود الإسلام، ولو كان خصمه من أعدى أعداء الإسلام: ((وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ)) -الشورى: 40- ((وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)) -المائدة: 8- لقد دخل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم مكة بجيش كبير لا قِبَلَ للمشركين بمقاومته، واجتمعت قريش عند الكعبة مستسلمة عاجزة، تنتظر حكم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم فيها، وهي التي كذبته وآذته ونكلّت بالمستضعفين من أصحابه، وناوأته وحاربته أكثر من عشرين سنة، وقتلت من قتلت من أصحابه وأحبابه وذوي قرباه وقفت تنتظر مستسلمة عاجزة حكم الرسول، وهي تستحضر ما أصابه، وأصاب المؤمنين معه، على أيديها من المصائب والأهوال وقام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم على باب الكعبة فخطب خطبته الخالدة: - «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، صَدَقَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَه» إلى أن قال: - «يا معشر قريش، إنٌ اللَّه قد أذهب عنكم نخوةَ الجاهلية وتَعَظُّمَها بالآباء، الناس من آدم وآدمُ من تُراب» ثم تلا هذه الآية: - ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ...)) -الحجرات: 13- ثم قال: - «يا معشر قريش، ما تُرَوْنَ أنّي فاعل فيكم؟» قالوا: - خَيْراً، أخ كريم وابن أخ كريم قال: - «اذهبوا فأنتم الطلقاء» معنى الانتِقَام لغةً واصطلاحًا معنى الانتِقَام لغةً: الانتقام مصدر انتقم، وأصل هذه المادة يدلُّ على إنكارِ شيءٍ وعَيبه، يقال: لم أَرْض منه حتى نَقِمْت وانتَقَمْت، إذا كافأَه عقوبةً بما صنَع. والنِّقْمَةُ العقوبة، وانْتَقَمَ الله منه أي: عاقَبَه، والاسم منه: النَّقْمة، ونَقَمْت ونَقِمْتُ: بالَغْت في كراهة الشَّيء . . معنى الانتِقَام اصطلاحًا: الانتقام هو: إنزال العقوبة مصحوبًا بكراهية تصل إلى حدِّ السَّخط . . وقال أبو هلال العسكريُّ: (الانتِقَام: سَلْبُ النِّعمة بالعذاب) - الفرق بين الانتِقَام والعقاب: أنَّ الانتِقَام: سَلْبُ النِّعمة بالعذاب.. والعقاب: جزاء على الجُرم بالعذاب، لأنَّ العقاب نقيض الثَّواب، والانتِقَام نقيض الإنعام الانتقام في الكتاب والسنة أولًا: في القرآن الكريم - قال تعالى: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [البقرة: 194]. قال السعدي: (ولما كانت النُّفوس -في الغالب- لا تقف على حدِّها إذا رُخِّص لها في المعاقبة لطلبها التَّشفِّي -أي: الانتِقَام-، أمر تعالى بلزوم تقواه، التي هي الوقوف عند حدوده، وعدم تجاوزها، وأخبر تعالى أنَّه مَعَ الْمُتَّقِينَ [البقرة: 194]، أي: بالعون، والنَّصر، والتَّأييد، والتَّوفيق) . . - قال الله تعالى: وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ [الشُّورى: 37]. قال ابن جرير الطَّبري: (وقوله: وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ يقول تعالى ذكره: وإذا ما غضبوا على من اجترم إليهم جُرمًا، هم يغفرون لمن أجرم إليهم ذنبه، ويصفحون عنه عقوبة ذنبه) . . وقال أبو إسحاق: (ولم يقل هم يقتلون، وفي هذا دليل على أنَّ الانتِقَام قبيح فِعْله على الكِرَام؛ فإنَّهم قالوا: الكريم إذا قَدِر غَفَر، وإذا عثر بمساءة ستر، واللَّئيم إذا ظفر عقر، وإذا أَمِن غَدَر) . . (وتأتي هذه الصِّفة أي في قوله: وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ . بعد الإشارة الخفيَّة إلى سماحة الله مع الإنسان في ذنوبه وأخطائه، فتُحَبِّب في السَّماحة والمغفرة بين العباد. وتجعل صفة المؤمنين أنَّهم إذا ما غضبوا هم يغفرون. وتتجلَّى سماحة الإسلام مرَّةً أخرى مع النَّفس البشريَّة، فهو لا يكلِّف الإنسان فوق طاقته. والله يعلم أنَّ الغضب انفعال بشريٌّ ينبع مِن فطرته. وهو ليس شرًّا كلَّه. فالغضب لله ولدينه وللحقِّ والعدل غضبٌ مطلوب وفيه الخير. ومِن ثمَّ لا يُحَرِّم الغضبَ في ذاته، ولا يجعله خطيئةً. بل يعترف بوجوده في الفطرة والطَّبيعة، فيعفي الإنسان مِن الحيرة والتَّمزُّق بين فطرته وأمر دينه. ولكنَّه في الوقت ذاته يَقُودُه إلى أن يغلب غضبه، وأن يغفر ويعفو، ويحسب له هذا صفةً مُثْلَى مِن صفات الإيمان المحبَّبة. هذا مع أنَّه عُرِف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه لم يغضب لنفسه قطُّ، إنَّما كان يغضب لله، فإذا غضب لله لم يقم لغضبه شيء. ولكن هذه درجة تلك النَّفس المحمَّديَّة العظيمة، لا يكلِّف الله نفوس المؤمنين إيَّاها. وإن كان يحبِّبهم فيها. إنَّما يكتفي منهم بالمغفرة عند الغضب، والعفو عند القُدْرَة، والاستعلاء على شعور الانتِقَام، ما دام الأمر في حدود الدَّائرة الشَّخصيَّة المتعلِّقة بالأفراد) . . بيَّن الله سبحانه وتعالى أنَّ العفو عن المعتدي -والتَّغاضي عن خطئه- أفضل مِن الانتِقَام منه. - قال تعالى:لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ 28 إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ [المائدة: 28-29]. فهابيل كان أقوى وأقدر على الانتِقَام والبطش؛ لكن منعه خوف الله. ثانيًا: في السُّنَّة النَّبويَّة - عن عائشة رضي الله عنها أنَّها قالت: ((ما خُيِّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلَّا أخذ أيسرهما، ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد النَّاس منه، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه، إلا أن تُنتَهك حُرْمَة الله فينتقم لله بها)) . . - وعنها رضي الله عنها قالت: (ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا قطُّ بيده، ولا امرأة، ولا خادمًا، إلَّا أن يجاهد في سبيل الله. وما نِيل منه شيء قطُّ، فينتقم مِن صاحبه، إلا أن يُنْتَهك شيء مِن محارم الله، فينتقم لله عزَّ وجلَّ) . . قال علي القاري: (... ((وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم)) أي: ما غاضب أحدًا لنفسه، أي: لأجل حظِّها، ((إلَّا أن يُنْتَهك حُرْمَة الله)) أي: يُرْتَكَب، فينتقم أي: فيعاقب حينئذ لغرض آخر، أي بسبب تلك الحُرْمَة، ثمَّ انتهاك الحُرمة تناولها بما لا يحلُّ. يقال: فلان انتهك محارم الله، أي: فعل ما حرَّم الله فعله عليه) . . قال النَّوويُّ: (قولها: ((إلَّا أن تُنْتَهك حُرْمَة الله)) استثناء منقطع، معناه: لكن إذا انتُهِكت حُرْمَة الله، انتصر لله تعالى، وانتقم ممَّن ارتكب ذلك، وفي هذا الحديث الحثُّ على العفو والحِلْم واحتمال الأذى، والانتصار لدين الله تعالى ممَّن فعل محرَّمًا أو نحوه، وفيه أنَّه يُسْتَحبُّ للأئمَّة والقُضَاة وسائر وُلاة الأمور التَّخلُّق بهذا الخُلُق الكريم، فلا ينتقم لنفسه، ولا يهمل حقَّ الله تعالى) . . وقال ابن عثيمين: (حديث عائشة رضي الله عنها، أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم ما ضرب أحدًا -لا خادمًا ولا غيره- بيده، إلَّا أن يجاهد في سبيل الله، وهذا مِن كرمه صلى الله عليه وسلم ؛ أنَّه لا يضرب أحدًا على شيءٍ مِن حقوقه هو الخاصَّة به؛ لأنَّ له أن يعفو عن حقِّه، وله أن يأخذ بحقِّه. ولكن إذا انتُهِكت محارم الله؛ فإنَّه صلى الله عليه وسلم لا يرضى بذلك، ويكون أشدَّ ما يكون أخذًا بها؛ لأنَّه صلى الله عليه وسلم لا يُقرُّ أحدًا على ما يُغضِب الله سبحانه وتعالى، وهكذا ينبغي للإنسان أن يحرص على أخذ العفو، وما عفي مِن أحوال النَّاس وأخلاقهم ويعرض عنهم، إلَّا إذا انتُهِكَت محارم الله، فإنَّه لا يقرُّ أحدًا على ذلك) أسباب الوقوع في الانتِقَام مِن أسباب الوقوع في الانتِقَام: 1- عدم التَّحلِّي بالحِلْم والصَّبر. 2- عدم التَّحلِّي بالعفو والصَّفح. 3- عدم القُدْرَة على كَظْم الغَيْظ. 4- الغضب، وهو مِن أهمِّ الأسباب المؤدِّية إلى إيقاع الأذى بالشَّخص المنتقم منه، فالإنسان عندما يغضب، تدعوه نفسه إلى البطش والانتِقَام. 5- العداوة والبغضاء والحقد: قال الغزَّالي: (فإنَّ مَن آذاه شخصٌ بسببٍ مِن الأسباب، وخالفه في غرضٍ بوجهٍ مِن الوجوه، أبغضه قلبه وغضب عليه، ورسخ في نفسه الحقد، والحقد يقتضي التَّشفِّي والانتِقام، فإن عجز المبْغِض عن أن يتشفَّى بنفسه، أحبَّ أن يتشفَّى منه الزَّمان، وربَّما يحيل ذلك على كرامة نفسه عند الله تعالى، فمهما أصابت عدوَّه بليَّةٌ فرح بها، وظنَّها مكافأة له مِن جهة الله على بغضه، وأنَّها لأجله، ومهما أصابته نعمة ساءه ذلك؛ لأنَّه ضدُّ مراده، وربَّما يخطر له أنَّه لا منزلة له عند الله، حيث لم ينتقم له مِن عدوِّه الذي آذاه، بل أنعم عليه) . . 6- تسمية بعض الجهَّال الانتِقَام شجاعةً ورجولةً وعزَّة نفسٍ وكِبر همَّة، وتلقيبه بالألقاب المحمودة غباوةً وجهلًا، حتى تميل النَّفس إليه وتستحسنه. 7- وقوع أذية أو إساءة تدفع إلى الرغبة في الانتقام. 8- عدم الانتصاف للمظلوم، وردِّ الحقوق لأصحابها. ( يتبع ) |
نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا ! و ليتني ما أرضيت سواي ! على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات ! |
08-27-2024, 05:52 AM | #17 |
|
رد: الأخلاق المذمومة في الإسلام ( متجدد )
الوسائل المعينة على ترك الانتِقَام
مِن الوسائل المعينة على ترك الانتِقَام: 1- تذكُّر انتقام الله مِن أهل معاصيه: قال تعالى: أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ [إبراهيم: 5]. قال: (أيَّامه التي انتقم فيها مِن أهل معاصيه مِن الأمم، خوَّفهم بها، وحذَّرهم إيَّاها، وذكَّرهم أن يصيبهم ما أصاب الذين مِن قبلهم) . . 2- العفو والصَّفح: الإنسان إذا عفا وأحسن، أورثه ذلك مِن سلامة القلب لإخوانه، ونقائه مِن طلب الانتِقَام وإرادة الشَّرِّ، وحصل له مِن حلاوة العفو ما يزيد لذَّته ومنفعته عاجلًا وآجلًا . . قال ابن حبَّان: (ولم يُقْرَن شيءٌ إلى شيءٍ أحسن مِن عفوٍ إلى مَقْدِرة. والحِلْم أجمل ما يكون مِن المقتدر على الانتِقَام) . . وعن ابن السَّمَّاك أنَّ رجلًا مِن قريش -عظيم الخطر في سالف الدَّهر- كان يطالب رجلًا بذَحْلٍ، وألحَّ في طلبه، فلمَّا ظفر به، قال: لولا أنَّ المقدرة تُذْهِب بالحفيظة لانتقمت منك، ثمَّ عفا عنه . . 3- كَظْم الغَيْظ: قال تعالى: وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران: 133-134]. قال السعدي: (قوله تعالى: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ أي: إذا حصل لهم مِن غيرهم أذيَّةٌ توجب غيظهم، وهو امتلاء قلوبهم مِن الحَنْق الموجب للانتقام بالقول والفعل، هؤلاء لا يعملون بمقتضى الطِّباع البشريَّة، بل يكظمون ما في القلوب مِن الغيظ، ويصبرون عن مقابلة المسيء إليهم) . . 4- تجنُّب السُّخرية والاستهزاء بين أفراد المجتمع: فشيوع أمثال هذه الأخلاق يبْذُر بذور العداوة والبغضاء بين الناس، ويوَلِّد الرَّغبة في الانتِقَام. 5- الخوف مِن ضياع الزَّمان والعمر، وتفرُّق القلب وفَوْت المصالح: أن يعلم أنَّه إذا اشتغلت نفسه بالانتِقَام وطلب المقَابَلة، ضاع عليه زمانه، وتفرَّق عليه قلبه، وفاته مِن مصالحه ما لا يمكن استدراكه . . 6- التَّفكير بأنَّ في الانتِقَام زيادة شرِّ الخصومة: فإذا انتقم لنفسه، تسبَّب إلى زيادة شرِّ خصمه. 7- فراغ القلب مِن الاشتغال به والفِكْر فيه: وأن يقصد أن يمحوه مِن باله كلَّما خطر له، فلا يلتفت إليه، ولا يخافه، ولا يملأ قلبه بالفِكر فيه . . 8- الإقبال على الله والإخلاص له، وذلك في كلِّ وقت وحين. 9- دفع أسباب الانتِقَام: ومنها الغضب: ولا يأتي إلَّا عند هيجانه، فلا بدَّ مِن معرفة العلاج للغضب عند هيجانه؛ حتى يتسنَّى للمرء التَّخلُّص مِن هذه المعضلة، وقد ذكر الغزَّالي أسباب علاج الغضب، فقال: (وإنَّما يُعَالَج الغضب عند هيجانه بمعجون العلم والعمل، وأمَّا العلم فهو أمور: الأوَّل: أن يتفكَّر فيما ورد في فضل كَظْم الغَيْظ والعفو والحِلْم والاحتمال، فيرغب في ثوابه، وتمنعه الرَّغبة في الأجر عن الانتِقَام، وينطفئ عنه غيظه. الثَّاني: أن يخوِّف نفسه بعقاب الله لو أمضى غضبه، وهل يأمن مِن غضب الله يوم القيامة، وهو أحوج ما يكون إلى العفو. الثَّالث: أن يحذِّر نفسه عاقبة العداوة والانتِقَام، وتشمُّر العدو لمقابلته، والسَّعي في هدم أغراضه، والشَّماتة بمصائبه، وهو لا يخلو عن المصائب، فيخوِّف نفسه بعواقب الغضب في الدُّنيا، إن كان لا يخاف مِن الآخرة. الرَّابع: أن يتفكَّر في قُبْح صورته عند الغضب، بأن يتذكَّر صورة غيره في حالة الغضب، ويتفكَّر في قُبْح الغضب في نفسه، ومشابهة صاحبه للكلب الضَّاري والسَّبع العادي، ومشابهة الحليم الهادي التَّارك للغضب للأنبياء والأولياء والعلماء والحكماء، ويخيِّر نفسه بين أن يتشبَّه بالكلاب والسِّباع وأراذل النَّاس، وبين أن يتشبَّه بالعلماء والأنبياء في عادتهم؛ لتميل نفسه إلى حب الاقتداء بهؤلاء إن كان قد بقي معه مُسْكَةٌ مِن عقل. الخامس: أن يتفكَّر في السَّبب الذي يدعوه إلى الانتِقَام، ويمنعه مِن كَظْم الغَيْظ، مثل قول الشَّيطان له: إنَّ هذا يحمل منك على العجز والذِّلَّة وتصير حقيرًا في أعين النَّاس. فيقول لنفسه: (ما أعجبك! تأنفين مِن الاحتمال الآن، ولا تأنفين مِن خزي يوم القيامة، ولا تحذرين مِن أن تصغري عند الله والملائكة والنَّبيين). فمهما كَظَم الغَيْظ فينبغي أن يكظمه لله، وذلك يعظِّمه عند الله، فما له وللنَّاس؟! السَّادس: أن يستشعر لذَّة العفو، فلو علم النَّاس أنَّ لذَّة العفو خيرٌ مِن لذَّة التَّشفِّي؛ لأنَّ العفو يأتي بالحمد، والتَّشفِّي يأتي بالنَّدم، لو علموا هذا ما انتقم لنفسه إنسان، لأنَّه لو فعل كلُّ إنسان هذا، وانتقم لنفسه لانحطَّ عالم الإنسان إلى دَرْك السِّباع والوحوش. وأمَّا العمل: فأن تقول بلسانك: أعوذ بالله مِن الشَّيطان الرَّجيم، وإن كنت قائمًا فاجلس، وإن كنت جالسًا فاضطجع، ويُستحبُّ أن يتوضأ بالماء البارد؛ فإنَّ الغضب مِن النَّار، والنَّار لا يطفئها إلا الماء الحِكَم والأمثال في الانتِقَام - أَلْأَم أعمال المقتدرين الانتِقام . . - قولهم: لا قرارَ عَلى زَأرٍ مِن الأَسَد. يُضْرَب مثلًا للمتوعِّد القادر على الانتِقَام، وقولٌ مِن قول النَّابغة. نُبِّئت أنَّ أبا قابوس أوعدني ولا قرارَ على زأرٍ . مِن الأَسَد . - ضَغا مِنِّي وهو ضَغَاء. يُضْرَب لمن لا يقدر مِن الانتِقَام إلَّا على صِياح . . - لَم يُشْطِط مَن انتَقَم. هذا منتزعٌ مِن قوله تعالى: وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ [الشُّورى: 41] . . - العفو أشدُّ أنواع الانتِقَام . . - وقال بعض الحكماء: (إذا ظَلَمْتَ فاحذر الانتِقَام؛ فإنَّ الظُّلم لا يُكسبك خيرًا، إنَّك لا تجد عند أصحاب السُّوء جميلًا) . . - وقال بعضهم: (لا يحملنَّك الحَنَق . على اقتراف إثم؛ يشفي غيظك، ويسقم دينك) . . - وقيل: (مَن انتقم فقد شَفَى غَيْظَه، وأخذ حقَّه، فلم يجب شُكره، ولم يُحْمَد في العالمين ذِكْرُه) . . - والعرب تقول: (لا سؤدد مع الانتِقَام) ذم الانتِقَام في واحة الشِّعر قال الشَّاعر: إذا انتقموا أعلنوا أمرَهم وإن أنعموا أنعموا باكتتامِ يقومُ القعودُ إذا أقبلوا وتقعدُ هيبتُهم بالقيامِ . وقال المأمون لإبراهيم بن المهدي: إنِّي شاورت في أمرك فأشاروا عليَّ بقتلك، إلَّا أنِّي وجدتُ قَدْرَك فوق ذنبك، فكرهت القتل للازم حُرْمَتك. فقال: يا أمير المؤمنين، إنَّ المشار أشار، ممَّا جرت به العادة في السِّياسة، إلَّا أنَّك أبيت أن تطلب النَّصر إلَّا مِن حيث عوَّدته مِن العفو، فإن قتلت فلك نظير، وإن عفوت، فلا نظير لك، وأنشأ يقول: البرُّ بي منك وَطَّا العذرَ عندكَ لي فيما فعلتَ فلم تعذِلْ ولم تَلُمِ وقامَ عذرُك لي فاحتجَّ عندك لي مقامُ شاهدِ عدلٍ غيرَ متَّهمِ لئن جحدتُك ما أوليتَ مِن نعمٍ إنِّي لفي اللَّومِ أولى منك بالكَرِم تعفو بعدلٍ وتسطو إن سطوتَ به فلا عَدِمْنَاك مِن عافٍ ومنتقمِ . وقال الشَّاعر مبينًا سبب تركه للانتقام ممَّن يتعدَّى عليه: إذا كان دوني مَن بُليت بجهلِه أبيتُ لنفسي أن أقابلَ بالجهلِ وإن كان مثلي في محلِّي مِن العُلا هويت إذَا حِلْمًا وصَفْحًا عن الْمَثْلِ وإن كنتُ أَدنَى منه في الفضلِ والحجا فإن له حقَّ التَّقَدُّمِ والفضلِ . وقال آخر: إن يُمْكِنِ الدَّهرُ فسوف أنتقمُ أوْ لا فإنَّ العفو أولى للكَرَم . وقال جرير: عوى الشُّعراءُ بعضُهم لبعضٍ عليَّ فَقَدْ أصابهم انتقامُ إذا أرسلتُ صاعقةً عليهم رأوا أخرى تحرقُ فاستداموا . وقال معاوية ابن أبي سفيان رضي الله عنه في ترك الانتِقَام ممَّن تعدَّى عليك بالشَّتم: وما قَتَلَ السَّفاهةَ مثلُ حِلْمٍ يعودُ به على الجهلِ الحليمُ فلا تسفهْ وإن مُلِّيتَ غيظًا على أحدٍ فإنَّ الفحشَ لُومُ ولا تقطعْ أخًا لك عندَ ذنبٍ فإنَّ الذَّنبَ يعفوه الكريمُ موضوعنا القادم سيكون ان شاء الله عن ( البخل والشح ) |
نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا ! و ليتني ما أرضيت سواي ! على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات ! |
08-28-2024, 10:23 AM | #18 |
|
رد: الأخلاق المذمومة في الإسلام ( متجدد )
البخل والشح
إن البخل دليل على قلة العقل وسوء التدبير، وهو أصل لنقائص كثيرة، ويدعو إلى خصال ذميمة، ولا يجتمع مع الإيمان، بل من شأنه أن يهلك الإنسان ويدمر الأخلاق كما أنه دليل على سوء الظن بالله عز وجل، يُؤخر صاحبه، ويبعده عن صفات الأنبياء والصالحين. فالبخيل محروم في الدنيا مؤاخذ في الآخرة، وهو مكروه من الله عز وجل مبغوض من الناس، ومن هنا قال القائل: جود الرجل يحببه إلى أضداده، وبخله يبغضه إلى أولاده. وقال آخر: البخل هو محو صفات الإنسانية وإثبات عادات الحيوانية. وقال بشر الحافي: "البخيل لا غيبة له". ومُدحت امرأة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: صوّامة قوّامة، إلاّ أن فيها بخلاً. قال: "فما خيرها إذًا" . وقد تتسع دائرة البخل حتى تشمل امتناع المرء عن أداء ما أوجب الله تعالى عليه فترى البعض يبخل بنفسه وماله ووقته، وقد يمتنع عن تأدية حقوق الله أو النفس أو الخلق، قال الجاحظ: البخل خُلقٌ مكروه من جميع الناس إلاّ أنه من النساء أقل كراهية، بل قد يستحب من النساء البخل (بمال أزواجهن إلاّ أن يؤذن بالجود) فأما سائر الناس فإن البخل يشينهم وخاصة الملوك والعظماء، فإن البخل أبغض منهم أكثر مما هو أبغض من الرعية والعوام ويقدح في ملكهم؛ لأنه يقطع الأطماع منهم، ويبغضهم إلى رعيتهم". والشح أشد في الذم من البخل ويجتمع فيه البخل مع الحرص، وقد يبخل الإنسان بأشياء نفسه، وأشد منه دعوة الآخرين للبخل، قال تعالى: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} [النساء: 37]. وقد يصل البخل بصاحبه إلى أن يبخل على نفسه، بحيث يمرض فلا يتداوى، وفي المقابل فأرفع درجات السخاء الإيثار، وهو أن تجود بالمال مع الحاجة إليه. أوَّلًا: معنى البُخلِ والشُّحِّ لُغةً واصطِلاحًا معنى البُخلِ لُغةً: البُخلُ ضِدُّ الكَرَمِ والجُودِ، وقد بَخِل بكذا: أي: ضَنَّ بما عندَه ولم يَجُدْ، ويُقالُ: هو بخيلٌ وباخِلٌ، وجمعُه بُخلاءُ، والبَخَّالُ: الشَّديدُ البُخلِ، والمَبخَلةُ: ما يحمِلُك عليه ويدعوك إليه وبه . (والبُخلُ في كلامِ العَرَبِ منعُ الرَّجُلِ سائِلَه ما لديه وعندَه من فَضلٍ عنه) . معنى البُخلِ اصطِلاحًا: قال الرَّاغبُ الأصفهانيُّ: (البُخلُ: إمساكُ المُقتَنَياتِ عمَّا لا يحِقُّ حَبسُها عنه) . وقال الجُرجانيُّ: (البُخلُ هو المنعُ مِن مالِ نفسِه) . وقال ابنُ حَجَرٍ: (البُخلُ هو مَنعُ ما يُطلَبُ ممَّا يُقتنى، وشَرُّه ما كان طالِبُه مُستحِقًّا، ولا سيَّما إن كان من غيرِ مالِ المسؤولِ) . وقال الفيوميُّ: (البُخلُ في الشَّرعِ: مَنعُ الواجِبِ) . معنى الشُّحِّ لُغةً: الشُّحُّ: البُخلُ مع حِرصٍ. وقيل: هو أشَدُّ البُخلِ، وقيل: الشُّحُّ يكونُ بالمالِ والمعروفِ. ويقالُ: رجُلٌ شحيحٌ وقومٌ شِحاحٌ وأشِحَّةٌ وأشِحَّاءُ، وتشاحَّ القومُ: إذا شَحَّ بعضُهم على بعضٍ . معنى الشُّحِّ اصطِلاحًا: قال النَّوويُّ: (الشُّحُّ: هو البُخلُ بأداءِ الحقوقِ، والحِرصُ على ما ليس له) . وقال الطَّبَريُّ: (الشُّحُّ: الإفراطُ في الحِرصِ على الشَّيءِ) . وقال الرَّاغبُ الأصفهانيُّ: (الشُّحُّ: بخلٌ مع حرصٍ، وذلك فيما كان عادةً) . ثانيًا: الفَرْقُ بَيْنَ البُخلِ والشُّحِّ اختلف أهلُ العِلمِ في البُخلِ والشُّحِّ: هل هما مترادفانِ أو لكُلِّ واحدٍ منهما معنًى غيرُ معنى الآخَرِ، وقد بَيَّنَ الطِّيبيُّ أنَّ الفَرْقَ بَيْنَهما عسيرٌ جِدًّا ، وسنعرِضُ هنا بعضًا من أقوالِ العُلَماءِ في الفَرْقِ بَيْنَهما: - فقد فَرَّق ابنُ عُمَرَ بَيْنَ الشُّحِّ والبُخلِ، فقال: (ليس الشُّحُّ أن يمنَعَ الرَّجلُ مالَه، ولكِنَّه البُخلُ، وإنَّه لشَرٌّ، إنَّما الشُّحُّ أن تطمَحَ عينُ الرَّجُلِ إلى ما ليس له) . - وقيل: إنَّهما مترادِفانِ لهما المعنى نفسُه . - (وقيل: البُخلُ: الامتناعُ من إخراجِ ما حصَل عندك، والشُّحُّ: الحِرصُ على تحصيلِ ما ليس عندك) . - وقيل: (البُخلُ منعُ الواجِبِ، والشُّحُّ منعُ المُستحَبِّ) . واستدلَّ أصحابُ هذا القولِ على أنَّ البُخلَ هو منعُ الواجِبِ بأمورٍ: أحَدُها: أنَّه قد جاء الوعيدُ الشَّديدُ في البُخلِ، ومنه قولُه تعالى: وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران: 180] ، والوعيدُ لا يليقُ إلَّا بالواجِبِ. وثانيها: أنَّه تعالى ذمَّ البُخلَ وعابه، ومنعُ التَّطوُّعِ لا يجوزُ أن يُذَمَّ فاعِلُه، وأن يُعابَ به. وثالثُها: وهو أنَّه تعالى لا ينفَكُّ عن تَركِ التَّفضُّلِ؛ لأنَّه لا نهايةَ لمقدوراتِه في التَّفضُّلِ، وكلُّ ما يدخُلُ في الوجودِ فهو مُتناهٍ، فيكونُ لا محالةَ تاركًا التَّفضُّلَ، فلو كان تَركُ التَّفضُّلِ بُخلًا لَزِم أن يكونَ اللهُ تعالى موصوفًا بالبُخلِ لا محالةَ، تعالى اللهُ عزَّ وجَلَّ عنه عُلُوًّا كبيرًا. ورابعُها: قال عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: ((وأيُّ داءٍ أدوَأُ من البُخلِ؟)) . ومعلومٌ أنَّ تارِكَ التَّطوُّعِ لا يليقُ به هذا الوصفُ. وخامِسُها: أنَّه لو كان تارِكُ التَّفضُّلِ بخيلًا لوجب فيمن يملِكُ المالَ كُلَّه العظيمَ ألَّا يتخَلَّصَ من البُخلِ إلَّا بإخراجِ الكُلِّ. وسادِسُها: أنَّه تعالى قال: وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ [البقرة: 3] ، وكَلِمةُ مِنْ للتَّبعيضِ، فكان المرادُ مِن هذه الآيةِ: الذين يُنفِقون بعضَ ما رزَقَهم اللهُ، ثمَّ إنَّه تعالى قال في صِفتِهم: أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [البقرة: 5] . فوصَفَهم بالهُدى والفلاحِ، ولو كان تارِكُ التَّطوُّعِ بخيلًا مذمومًا لَمَا صحَّ ذلك؛ فثبَتَ أنَّ البُخلَ عبارةٌ عن تَركِ الواجِبِ . أمَّا الدَّليلُ على كَونِ الشُّحِّ منْعَ المستحَبِّ فقَولُه تعالى: وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر: 9] ، والإيثارُ مُستحَبٌّ، وسُمِّي منعُه شُحًّا . واعتُرِض على ذلك . - وقيل: (البُخلُ هو المنعُ من مالِ نَفسِه، والشُّحُّ: هو بُخلُ الرَّجلِ من مالِ غيرِه ...) . - وقيل: (البُخلُ هو نفسُ المنعِ، والشُّحُّ الحالةُ النَّفسيَّةُ التي تقتَضي ذلك المنعَ) . - وقيل: إنَّ الشُّحَّ هو البُخلُ مع زيادةِ الحِرصِ، وهو ما رجَّحه القُرطبيُّ، فقال: (وقيل: إنَّ الشُّحَّ هو البُخلُ مع حِرصٍ. وهو الصَّحيحُ؛ لِما رواه مُسلِمٌ عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((اتَّقوا الظُّلمَ؛ فإنَّ الظُّلمَ ظُلُماتٌ يومَ القيامةِ، واتَّقوا الشُّحَّ؛ فإنَّ الشُّحَّ أهلَك مَن كان قَبلَكم؛ حمَلَهم على أنْ سَفَكوا دِماءَهم، واستحَلُّوا محارِمَهم)) . وهذا يرُدُّ قولَ من قال: إنَّ البُخلَ منعُ الواجِبِ، والشُّحَّ مَنعُ المُستحَبِّ؛ إذ لو كان الشُّحُّ مَنعَ المُستحَبِّ لَما دخل تحتَ هذا الوعيدِ العظيمِ والذَّمِّ الشَّديدِ الذي فيه هلاكُ الدُّنيا والآخرةِ. ويؤيِّدُ هذا المعنى ما رواه النَّسائيُّ عن أبي هُرَيرةَ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا يجتَمِعُ غُبارٌ في سبيلِ اللهِ ودُخانُ جهنَّمَ في مَنخِرَي رجلٍ مُسلِمٍ أبدًا، ولا يجتَمِعُ شُحٌّ وإيمانٌ في قلبِ رُجلٍ مُسلِمٍ أبدًا)) ) . - ويرى ابنُ القَيِّمِ أنَّ (الفَرْقَ بَيْنَ الشُّحِّ والبُخلِ: أنَّ الشُّحَّ هو شِدَّةُ الحِرصِ على الشَّيءِ، والإحفاءُ في طلَبِه، والاستقصاءُ في تحصيلِه، وجَشَعُ النَّفسِ عليه، والبُخلُ: منعُ إنفاقِه بعدَ حُصولِه، وحُبُّه وإمساكُه، فهو شحيحٌ قبلَ حُصولِه، بخيلٌ بعدَ حُصولِه؛ فالبُخلُ ثمَرةُ الشُّحِّ، والشُّحُّ يدعو إلى البُخلِ، والشُّحُّ كامِنٌ في النَّفسِ، فمَن بَخِل فقد أطاع شُحَّه، ومَن لم يبخَلْ فقد عصى شُحَّه ووُقِيَ شَرَّه، وذلك هو المُفلِحُ: وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر: 9] ) . ذم البخل والنهي عنه: أ- من القُرآنِ الكريمِ 1- الآياتُ الوارِدةُ في ذَمِّ البُخلِ: البُخلُ خُلُقٌ مكروهٌ ذَمَّه اللُه تبارك وتعالى في غيِر آيةٍ مِن كتابِه الكريمِ، وتوعَّد أصحابَه بوعيدٍ شديدٍ، وعُقوباتٍ تَلحَقُهم في الدُّنيا والآخِرةِ، وسنذكُرُ بعضًا من تلك الآياتِ الكريمةِ. - قال اللهُ تبارك وتعالى: وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [آل عمران: 180] . (أي: ولا يَظُنَّ الذين يَبخَلون، أي: يمنَعون ما عندَهم ممَّا آتاهم اللهُ من فَضلِه، من المالِ والجاهِ والعِلمِ، وغيرِ ذلك ممَّا منحَهم اللهُ، وأحسَنَ إليهم به، وأمَرَهم ببذلِ ما لا يَضُرُّهم منه لعبادِه، فبَخِلوا بذلك، وأمسَكوه، وضَنُّوا به على عبادِ اللهِ، وظنُّوا أنَّه خيرٌ لهم، بل هو شرٌّ لهم في دينِهم ودُنياهم، وعاجِلِهم وآجِلِهم سُيَطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران: 180] أي: يُجعَلُ ما بَخِلوا به طوقًا في أعناقِهم، يُعَذَّبون به) . - وقال تعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا * الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا [النساء: 36-37] . قال ابنُ تَيميَّةَ: (قد تُؤُوِّلَت في البُخلِ بالمالِ والمنعِ، والبُخلِ بالعِلمِ ونحوِه، وهي تَعُمُّ البُخلَ بكُلِّ ما ينفَعُ في الدِّينِ والدُّنيا من عِلمٍ ومالٍ وغيرِ ذلك) . فـ (المرادُ بالبُخلِ في الآيةِ البُخلُ بالإحسانِ الذي أمَرَ به فيما تقدَّم، فيَشمَلُ البُخلَ بلِينِ الكلامِ، وإلقاءِ السَّلامِ، والنُّصحِ في التَّعليمِ، وإنقاذِ المُشرِفِ على التَّهلُكةِ، وكتمانُ ما آتاهم اللهُ من فضلِه يشمَلُ كِتمانَ المالِ، وكِتمانَ العِلمِ) . - وقال تعالى:الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [الحديد: 24] . (أي: يجمَعون بَيْنَ الأمرينِ الذَّميمَينِ، اللَّذَينِ كُلٌّ منهما كافٍ في الشَّرِّ: البُخلُ: وهو مَنعُ الحُقوقِ الواجبةِ، ويأمُرون النَّاسَ بذلك، فلم يَكْفِهم بُخلُهم، حتى أمروا النَّاسَ بذلك، وحثُّوهم على هذا الخُلُقِ الذَّميمِ بقولِهم وفِعلِهم، وهذا من إعراضِهم عن طاعةِ رَبِّهم، وتولِّيهم عنها ...) . - وقد بَيَّنَ القرآنُ الكريمُ سوءَ عاقبةِ البُخلِ في آياتٍ عِدَّةٍ، كما قال تعالى: وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى * وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى [الليل: 8-11] . وقال تعالى: هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ [محمد: 38] . 2- الآياتُ الواردةُ في ذمِّ الشُّحِّ: 1- قال تعالى: وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا [النَّساء: 128] . قال السَّعدي: (وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ أي: (جُبِلت النُّفوسُ على الشُّحِّ، وهو: عدَمُ الرَّغبةِ في بذلِ ما على الإنسانِ، والحِرصُ على الحَقِّ الذي له؛ فالنُّفوسُ مجبولةٌ على ذلك طبعًا، أي: فينبغي لكم أن تحرِصوا على قَلعِ هذا الخلُقِ الدَّنيءِ من نفوسِكم، وتستبدِلوا به ضِدَّه، وهو السَّماحةُ، وهو بَذلُ الحَقِّ الذي عليك، والاقتناعُ ببعضِ الحَقِّ الذي لك، فمتى وُفِّق الإنسانُ لهذا الخُلُقِ الحسَنِ سَهُل حينئذٍ عليه الصُّلحُ بَينَه وبينَ خَصمِه ومُعامِلِه، وتسهَّلت الطَّريقُ للوصولِ إلى المطلوبِ، بخلافِ مَن لم يجتَهِدْ في إزالةِ الشُّحِّ من نفسِه؛ فإنَّه يَعسُرُ عليه الصُّلحُ والموافقةُ؛ لأنَّه لا يُرضيه إلَّا جميعُ مالِه، ولا يرضى أن يؤدِّيَ ما عليه، فإن كان خَصمُه مثلَه اشتَدَّ الأمرُ) . 2- وقال تعالى: وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر: 9] . قال ابنُ كثيرٍ: (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر: 9] ، أي: من سَلِم من الشُّحِّ فقد أفلَح وأنجَح) . وقال السَّعديُّ: (مَن رُزِق الإيثارَ فقد وُقِيَ شُحَّ نَفسِه وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر: 9] ، ووقايةُ شُحِّ النَّفسِ يَشمَلُ وقايتَها الشُّحَّ في جميعِ ما أمَر به، فإنَّه إذا وقِيَ العبدُ شُحَّ نفسِه سمَحَت نفسُه بأوامرِ اللهِ ورَسولِه، ففعَلها طائعًا منقادًا، منشَرِحًا بها صدرُه، وسمَحت نفسُه بتركِ ما نهى اللهُ عنه، وإن كان محبوبًا للنَّفسِ تدعو إليه، وتطَّلِعُ إليه، وسمَحَت نفسُه ببذلِ الأموالِ في سبيلِ اللهِ وابتغاءَ مرضاتِه، وبذلك يحصُلُ الفلاحُ والفوزُ، بخِلافِ مَن لم يُوقَ شُحَّ نفسِه، بل ابتُليَ بالشُّحِّ بالخيرِ، الذي هو أصلُ الشَّرِّ ومادَّتُه) . ( يتبع ) |
نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا ! و ليتني ما أرضيت سواي ! على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات ! |
08-28-2024, 10:30 AM | #19 |
|
رد: الأخلاق المذمومة في الإسلام ( متجدد )
تابع – الخل والشح
ب- من السُّنَّةِ النَّبَويَّةِ - عن أنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: ((اللَّهُمَّ إنِّي أعوذُ بك من الهَمِّ والحَزَنِ، والعَجزِ والكَسَلِ، والجُبنِ والبُخلِ، وضَلَعِ الدَّينِ ، وغَلَبةِ الرِّجالِ)) . يقولُ ابنُ القَيِّمِ تعليقًا على هذا الحديثِ: (...ثمَّ ذكَر الجُبنَ والبُخلَ؛ فإنَّ الإحسانَ المتوقَّعَ من العبدِ إمَّا بمالِه وإمَّا ببَدَنِه؛ فالبخيلُ مانعٌ لنفعِ مالِه، والجبانُ مانعٌ لنَفعِ بَدَنِه ...) . وقال: (والجُبنُ والبُخلُ قرينانِ؛ فإن عُدِم النَّفعُ منه إن كان ببَدَنِه فهو الجُبنُ، وإن كان بمالِه فهو البُخلُ) . - وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((ضرب رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَثَلَ البخيلِ والمتصَدِّقِ، كمَثَلِ رجُلَينِ عليهما جُنَّتانِ من حديدٍ، قد اضطُرَّت أيديهما إلى ثُدِيِّهِما وتَراقيهما ، فجعَل المتصَدِّقُ كُلَّما تصدَّق بصَدَقةٍ انبسَطَت عنه، حتى تغشى أنامِلَه وتَعفوَ أثرَه ، وجعَل البخيلُ كُلَّما همَّ بصَدَقةٍ قلَصَت ، وأخذَت كُلُّ حَلقةٍ مَكانَها، قال: فأنا رأيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ بإصبَعِه في جيبِه، فلو رأيتَه يُوسِّعُها ولا تتوَسَّعُ)) . قال ابنُ القَيِّمِ تعليقًا على هذا الحديثِ: (لمَّا كان البخيلُ محبوسًا عن الإحسانِ، ممنوعًا عن البِرِّ والخيرِ، وكان جزاؤه من جِنسِ عَمَلِه؛ فهو ضَيِّقُ الصَّدرِ، ممنوعٌ من الانشراحِ، ضَيِّقُ العَطَنِ، صغيرُ النَّفسِ، قليلُ الفَرَحِ، كثيرُ الهَمِّ والغَمِّ والحُزنِ، لا يكادُ تُقضى له حاجةٌ، ولا يُعانُ على مطلوبٍ؛ فهو كرجُلٍ عليه جُبَّةٌ من حديدٍ قد جُمِعَت يداه إلى عنُقِه، بحيث لا يتمكَّنُ من إخراجِها ولا حركتِها، وكلَّما أراد إخراجَها أو توسيعَ تلك الجُبَّةِ، لَزِمَت كُلُّ حلقةٍ من حِلَقِها مَوضِعَها، وهكذا البخيلُ كُلَّما أراد أن يتصدَّقَ منعَه بُخلُه فبَقِيَ قلبُه في سِجنِه كما هو) . - وعن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: لمَّا قَدِم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((يا بني سَلِمةَ مَن سَيِّدُكم قالوا: الجَدُّ بنُ قَيسٍ وإنَّا لنُبَخِّلُه! قال: وأيُّ داءٍ أدوى من البُخلِ؟! بل سَيِّدُكم الخيرُ الأبيضُ عَمرُو بنُ الجَموحِ)). قال: وكان على أضيافِهم في الجاهليَّةِ، قال: وكان يُولِمُ على رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا تزوَّجَ . قال المُناويُّ: (أيُّ عَيبٍ أقبَحُ منه؛ لأنَّ من تَرَك الإنفاقَ خَوفَ الإملاقِ لم يُصَدِّقِ الشَّارعَ، فهو داءٌ مُؤلِمٌ لصاحِبِه في الآخِرةِ، وإن لم يكُنْ مؤلِمًا في الدُّنيا) . - وعن جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((اتَّقوا الظُّلمَ؛ فإنَّ الظُّلمَ ظُلُماتٌ يومَ القيامةِ، واتَّقوا الشُّحَّ؛ فإنَّ الشُّحَّ أهلَك من كان قَبلَكم، حمَلَهم على أن سفَكوا دماءَهم، واستحَلُّوا محارِمَهم)) . قال النَّوويُّ: (قولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((واتَّقوا الشُّحَّ؛ فإنَّ الشُّحَّ أهلَك من كان قَبلَكم)). قال القاضي: يحتَمَلُ أنَّ هذا الهلاكَ هو الهلاكُ الذي أخبر عنهم به في الدُّنيا بأنَّهم سفَكوا دماءَهم، ويحتَمَلُ أنَّه هلاكُ الآخرةِ، وهذا الثَّاني أظهَرُ، ويحتَمَلُ أنَّه أهلكَهم في الدُّنيا والآخِرةِ) . - وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((يتقارَبُ الزَّمانُ ، ويَنقُصُ العَمَلُ ، ويُلقى الشُّحُّ، وتظهَرُ الفِتَنُ، ويَكثُرُ الهَرْجُ. قالوا: يا رسولَ اللهِ، أَيُّمَ هو ؟ قال: القَتلُ القَتلُ)) . قال ابنُ حَجَرٍ: (أمَّا قولُه: ويُلقى الشُّحُّ. فالمرادُ إلقاؤه في قُلوبِ النَّاسِ على اختلافِ أحوالِهم؛ حتى يبخَلَ العالِمُ بعِلمِه، فيَترُكَ التَّعليمَ والفتوى، ويَبخَلَ الصَّانعُ بصناعتِه حتى يترُكَ تعليمَ غيرِه، ويبخَلَ الغنيُّ بمالِه حتى يَهلِكَ الفقيرُ، وليس المرادُ وجودَ أصلِ الشُّحِّ؛ لأنَّه لم يَزَلْ موجودًا) . وقال ابنُ الجوزيِّ: (قولُه: يُلقى الشُّحُّ. على وجهَينِ: أحَدُهما: يُلقى من القُلوبِ، يدُلُّ عليه قولُه: ويَفيضُ المالُ. والثَّاني: يُلقى في القُلوبِ، فيُوضَعُ في قَلبِ من لا شُحَّ عِندَه، ويزيدُ في قلبِ الشَّحيحِ. ووجهُ هذا أنَّ الحديثَ خارِجٌ مخرَجَ الذَّمِّ؛ فوقوعُ الشُّحِّ في القلوبِ مع كثرةِ المالِ أبلَغُ في الذَّمِّ) . أ- آثارُ البُخلِ 1- الحِرمانُ من الأجرِ المترتِّبِ على الإنفاقِ في أبوابِ الخيرِ. 2- سَبَبٌ في ضَعفِ الإيمانِ واضمِحلالِه؛ لِما فيه من سوءِ الظَّنِّ باللهِ. 3- كراهيةُ النَّاسِ له؛ فهو مَبغوضٌ مَكروهٌ حتى من أقرَبِ النَّاسِ إليه، كزوجتِه وأبنائِه وأقربائِه، بل قد يَصِلُ بهم الحَدُّ إلى أن يَدْعوا عليه، ويتَمَنَّوا موتَه؛ حتى يستطيعوا التَّنعُّمَ بما حرَمَهم منه من أموالٍ. 4- سبَبٌ لحِرمانِ الرِّزقِ، فكما أنَّ الإنفاقَ سَبَبٌ في زيادةِ الرِّزقِ وسَعتِه فإنَّ البُخلَ والشُّحَّ سَبَبٌ في تضييقِه. 5- الوقوعُ في الإثمِ بسبَبِ منْعِه لِما يجِبُ عليه من حُقوقٍ وواجِباتٍ. 6- حِرمانُ البخيلِ الشَّحيحِ لنَفسِه ولغيرِه من لذائِذِ الدُّنيا المباحةِ. 7- ومِن ضَرَرِهما في الدُّنيا تعريضُ مالِ الغنيِّ للضَّياعِ والنَّهبِ والسَّرِقةِ والأحقادِ، وفي عَصرِنا وغيرِه ظُهورُ الحمَلاتِ الشَّنيعةِ على الأغنياءِ المُترَفين، وانتِشارُ الأفكارِ والنَّظريَّاتِ المُسمَّاة بالاشتراكيَّةِ، التي ظَهَرت لتقويضِ أركانِ الرَّأسماليَّةِ . 8- سببٌ لكَشفِ عُيوبِ المرءِ وإظهارِها للخَلقِ. قال شمسُ الدِّينِ السفيريُّ: (والسَّخاءُ والكَرَمُ سَبَبٌ لسَترِ العُيوبِ، والبُخلُ والشُّحُّ سبَبٌ جالِبٌ لكَشفِها كما أشار إليه بعضُهم بقَولِه: ويظهِرُ عَيبَ المرءِ في النَّاسِ بُخلُهُ ويَستُرُه عنهم جميعًا سَخاؤُه تغَطَّ بأثوابِ السَّخاءِ فإنَّني أرى كُلَّ عيبٍ والسَّخاءُ غِطاؤُه) 9- الحِرصُ على ملازمةِ الأسواقِ لجَمعِ المالِ، والأسواقُ هي مُعشَّشُ الشَّياطينِ . 10- البُخلُ صِنوٌ لعَدَدٍ من الأخلاقِ السَّيِّئةِ التي يجُرُّ بعضُها بعضًا؛ كالجَهلِ، والحَسَدِ، وسُوءِ الظَّنِّ باللهِ، وغيرِها من الأخلاقِ الرَّديئةِ؛ (ولهذا قيل في حَدِّ البُخلِ: جَهلٌ مَقرونٌ بسُوءِ الظَّنِّ) . ب- آثارُ الشُّحِّ 1- الشُّحُّ من صِفاتِ المُنافِقين: قال تعالى في وَصفِ المُنافِقين-: أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا [الأحزاب: 19] . قال الطَّبريُّ: (إنَّ اللهَ وصَف هؤلاء المُنافِقين بالجُبنِ والشُّحِّ، ولم يَخصُصْ وَصفَهم من معاني الشُّحِّ بمعنًى دونَ معنًى، فهم كما وصفَهم اللهُ به: أشِحَّةٌ على المُؤمِنين بالغنيمةِ والخيرِ، والنَّفقةِ في سبيلِ اللهِ على أهلِ مَسكَنةِ المُسلِمين) . 2- الإنسانُ الشَّحيحُ لا خيرَ فيه ولا عِندَه: قَولُه تعالى: أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ، قال ابنُ كثيرٍ: (وهم مع ذلك أشِحَّةٌ على الخيرِ، أي: ليس فيهم خيرٌ، قد جمعوا الجُبنَ والكَذِبَ وقِلَّةَ الخيرِ) . 3- الشُّحُّ أسوَأُ صِفاتِ الإنسانِ: قولُه تعالى: أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ، قال السَّعديُّ: (أشِحَّةً على الخيرِ الذي يرادُ منهم، وهذا شَرُّ ما في الإنسانِ أن يكونَ شحيحًا بما أُمِر به، شحيحًا بمالِه أن ينفِقَه في وَجهِه، شحيحًا في بدَنِه أن يجاهِدَ أعداءَ اللهِ، أو يدعوَ إلى سبيلِ اللهِ، شحيحًا بجاهِه، شحيحًا بعِلمِه ونصيحتِه ورأيِه) . 4- الشُّحُّ سَبَبٌ في الهلاكِ وفَسادِ المجتَمَعِ: عن جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((اتَّقوا الظُّلمَ؛ فإنَّ الظُّلمَ ظُلُماتٌ يومَ القيامةِ، واتَّقوا الشُّحَّ؛ فإنَّ الشُّحَّ أهلَك مَن كان قَبلَكم؛ حمَلَهم على أنْ سَفَكوا دِماءَهم، واستحَلُّوا محارِمَهم)) . 5- يوقِعُ الإنسانَ في كبائِرِ الذُّنوبِ: ومن ذلك سَفكُ الدِّماءِ واستِحلالُ المحارِمِ، كما مرَّ في حديثِ جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ السَّابقِ. 6- سَبَبٌ للخُسرانِ في الدُّنيا والآخِرةِ: قال تعالى: وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر: 9] . قال السَّعديُّ: (لعَلَّ ذلك -الوقايةَ من الشُّحِّ- شامِلٌ لكُلِّ ما أُمِرَ به العبدُ، ونُهِي عنه؛ فإنَّه إن كانت نفسُه شحيحةً لا تنقادُ لِما أُمِرت به ولا تُخرِجُ ما قِبَلَها، لم يُفلِحْ، بل خَسِر الدُّنيا والآخِرةَ) . خامِسًا: صُوَرُ البُخلِ والشُّحِّ للبُخلِ والشُّحِّ صُوَرٌ شَتَّى ومظاهِرُ متعَدِّدةٌ؛ فمن صُوَرِه ما يأتي: 1- البُخلُ بالمالِ والمُقتَنَياتِ: وهذا بدَورِه ينقَسِمُ إلى أقسامٍ عِدَّةٍ ذكَرها الرَّاغِبُ، فقال: (البُخلُ ثلاثةٌ: - بخلُ الإنسانِ بمالِه. - وبخلُه بمالِ غيرِه على غيرِه. - وبخلُه على نفسِه بمالِ غيرِه، وهو أقبحُ الثَّلاثةِ، والباخِلُ بما بيَدِه باخِلٌ بمالِ اللهِ على نفسِه وعيالِه؛ إذ المالُ عاريَّةٌ بيَدِ الإنسانِ مُسترَدَّةٌ، ولا أحَدَ أجهَلُ ممَّن لا ينتَقِذُ نَفسَه وعيالَه من العذابِ الأليمِ بمالِ غيرِه، سيَّما إذا لم يخَفْ من صاحِبِه تَبِعةً ولا مَلامةً، والكَفالةُ الإلهيَّةُ مُتكَفِّلةٌ بتعويضِ المُنفِقِ؛ ففي الخبَرِ: اللهُمَّ اجعَلْ لمُنفِقٍ خَلَفًا، ولمُمسِكٍ تَلَفًا ، ومن وسَّع وسَّع اللهُ عليه) . 2- البُخلُ بالنَّفسِ: كمَن يبخَلُ بنَفسِه أن يُقَدِّمَها في سبيلِ اللهِ رخيصةً، وذلك تعلُّقًا منه بالدُّنيا وحرصًا عليها، وكراهيةَ الموتِ، وهو على عَكسِ من يجودُ بنَفسِه لإعلاءِ كَلِمةِ اللهِ، ونَشرِ دينِه؛ قال الشَّاعِرُ: يجودُ بالنَّفسِ إن ضَنَّ البخيلُ بها والجودُ بالنَّفسِ أعلى غايةِ الجُودِ. 3- البُخلُ بالجاهِ: فترى صاحِبَ الجاهِ والمنصِبِ العَليِّ يبخَلُ بالمنفعةِ التي سيقَدِّمُها لمن يحتاجُها، فلا يشفَعُ إن طُلِبت منه الشَّفاعةُ، ولا يُصلِحُ إن طُلِب منه الصُّلحُ، ولا يسعى في حاجةِ الضَّعيفِ والمسكينِ وذي الحاجةِ. 4- البُخلُ بالعِلمِ: وهو من أسوَأِ أنواعِ البُخلِ وأقبَحِها، بحيث يكتُمُ صاحِبُ العِلمِ عِلمَه عمَّن يحتاجُه، فلا يُعَلِّمُ ولا ينصَحُ ولا يوجِّهُ؛ قال الله تعالى: الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا [النساء: 37] . قال ابنُ عبَّاسٍ: (هي في أهلِ الكِتابِ يقولُ: يَكتُمون، ويأمُرون النَّاسَ بالكِتمانِ) . (يتبع ) |
نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا ! و ليتني ما أرضيت سواي ! على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات ! |
08-28-2024, 10:42 AM | #20 |
|
رد: الأخلاق المذمومة في الإسلام ( متجدد )
تابع - البخل والشح الوَسائِلُ المعينةُ على تركِ البُخلِ والشُّحِّ 1- أن يحسِنَ المرءُ الظَّنَّ باللهِ عزَّ وجَلَّ، ويعلَمَ أنَّ اللهَ الذي أمَره بالإنفاقِ قد تكفَّل له بالزِّيادةِ. وقد قيلَ: (حبَسُ الموجودِ سوءُ الظَّنِّ بالمعبودِ) . 2- الإكثارُ من الصَّدَقةِ، وإن كان ذلك ثقيلًا على من اتَّصف بهذه الصِّفةِ، وبذلك يعتادُ على صفةِ الكَرَمِ والإنفاقِ؛ قال ابنُ القَيِّمِ: (فالفقيرُ الآخِذُ لصدقتِك يستخرِجُ منك داءَ البُخلِ، كالحجَّامِ يستخرِجُ منك الدَّمَ المُهلِكَ) . 3- مَعرِفةُ أنَّ الإيحاءَ بالفَقرِ والتَّخويفَ منه إنَّما هو وعدٌ شيطانيٌّ، وأنَّ وَعدَ اللهِ هو المغفرةُ للذُّنوبِ وزيادةُ الفَضلِ، يقولُ اللهُ تعالى: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة: 268] . 4- الاستعاذةُ باللهِ من البُخلِ، كما كان يفعَلُ أكرَمُ الخَلقِ وأجوَدُهم صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ حيثُ كان يستعيذُ من البُخلِ فيقولُ: ((اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بك من البُخلِ، وأعوذُ بك من الجُبنِ، وأعوذُ بك أن أرُدَّ إلى أرذَلِ العُمُرِ)) . 5- معالجةُ طُولِ الأمَلِ بالإكثارِ من ذِكرِ الموتِ. 6- التأمُّلُ في حالِ البُخلاءِ الذين تَعِبوا في جمعِ المالِ، والحِرصِ عليه، ثمَّ تركِهم له يتقاسَمُه الوَرَثةُ. 7- التَّأمُّلُ في الآياتِ الواردةِ في ذَمِّ البُخلِ، وما أعدَّه اللهُ للمتَّصِفين بهذه الصِّفةِ القبيحةِ. 8- صَرفُ القَلبِ إلى عبادةِ المولى تبارك وتعالى؛ حتَّى لا ينشَغِلَ بعبادةِ المالِ والحِرصِ عليه. 9- معرفةُ أنَّ المستقبَلَ بيَدِ اللهِ؛ إن شاء أغناك، وإن شاء أفقرك، وإن كُنتَ أحرصَ النَّاسِ. 10- عَدَمُ الخوفِ على مُستقبَلِ الأبناءِ، والتَّيقُّنُ أنَّ مَن خلقَهم قد خلَق أرزاقَهم معهم، ولن يُضيعَهم؛ فكم من ولَدٍ لم يَرِثْ من والِدِه مالًا قد أغناه اللهُ! وكم من أناسٍ وَرِثوا أموالًا ثمَّ صار أمرُهم إلى فَقرٍ وقِلَّةٍ! 11- علاجُ القَلبِ من أمراضِه. 12- التَّأمُّلُ في أحوالِ البُخلاءِ، ونُفرةِ الطَّبعِ منهم، وبُغضِ النَّاسِ لهم، وبقاءِ الذِّكرِ السَّيِّئِ مِن بَعدِهم. حُكمُ البُخلِ والشُّحِّ ليس للبُخلِ حُكمٌ واحِدٌ ينطَبِقُ على جميعِ صُوَرِه وأنواعِه، وإنَّما لكُلِّ صورةٍ من صُورِ البُخلِ حُكمٌ خاصٌّ بها، وإن كان البُخلُ في عمومِه مذمومًا مكروهًا؛ يقولُ ابنُ تَيميَّةَ: (والبُخلُ جِنسٌ تحتَه أنواعٌ؛ كبائِرُ وغيرُ كبائِرَ) . فإن كان المنعُ بُخلًا بواجِبٍ فهو محرَّمٌ شرعًا، بل هو كبيرةٌ من الكبائرِ توعَّد اللهُ صاحبَها بالعقوبةِ والعذابِ، كمَن منَع الزَّكاةَ الواجبةَ بخلًا بالمالِ وحِرصًا عليه؛ قال ابنُ تَيميَّةَ: (فإنَّ البُخلَ من الكبائِرِ، وهو منعُ الواجباتِ؛ من الزَّكاةِ، وصِلةِ الرَّحِمِ، وقِرى الضَّيفِ، وتَركِ الإعطاءِ في النَّوائِبِ، وتركِ الإنفاقِ في سبيلِ اللهِ) . وقال ابنُ حزمٍ: (ومنعُ الفَضلِ داخِلٌ في البُخلِ، وعلى قَدْرِ التَّقصيرِ والتَّوسُّعِ في ذلك يكونُ المدحُ والذَّمُّ، وما وُضِع في غيرِ هذه الوُجوهِ فهو تبذيرٌ، وهو مذمومٌ... ومنعُ الواجباتِ حرامٌ، ومَنعُ ما فَضَل عن القوتِ بُخلٌ وشُحٌّ، والمنعُ من الإيثارِ ببعضِ القوتِ عُذرٌ، ومنعُ النَّفسِ أو الأهلِ القوتَ أو بعضَه نَتْنٌ ورَذالةٌ ومعصيةٌ) . ذم البخل والشح في الشعر 1- قال المُقَنَّعُ الكِنديُّ: إنِّي أُحرِّضُ أهلَ البُخلِ كُلَّهُمُ لو كان ينفَعُ أهلَ البُخلِ تحريضي ما قَلَّ مالي إلَّا زادني كَرَمًا حتى يكونَ برِزقِ اللهِ تعويضي والمالُ يَرفَعُ مَن لولا دراهِمُه أمسى يُقَلِّبُ فينا طَرْفَ مخفوضِ لن تخرُجَ البِيضُ عَفوًا من أكُفِّهم إلَّا على وَجَعٍ منهم وتمريضِ كأنَّها من جُلودِ الباخِلين بها عِندَ النَّوائِبِ تُحذى بالمقاريضِ 2- وقال آخر: فلا الجودُ يُفني المالَ والجَدُّ مُقبِلُ ولا البُخلُ يُبقي المالَ والجَدُّ مُدبِرُ 3- وقال إسحاقُ المَوصليُّ: وآمِرةٍ بالبُخلِ قُلتُ لها اقصُري فليس إلى ما تأمُرينَ سَبيلُ أرى النَّاسَ خِلَّانَ الجَوادِ ولا أرى بخيلًا له في العالَمين خليلُ ومن خَيرِ حالاتِ الفتى لو عَلِمْتِهِ إذا نال شيئًا أن يكونَ يُنيلُ فإنِّي رأيتُ البُخلَ يُزري بأهلِه فأكرَمْتُ نفسي أن يُقالَ بخيلُ عطائي عَطاءُ المُكثِرين تجمُّلًا ومالي -كما قد تَعلَمينَ- قَليلُ 4- وقال عمرُو بنُ الأهتَمِ: ذَرِيني فإنَّ البُخلَ يا أمَّ هَيثَمٍ لصالِحِ أخلاقِ الرِّجالِ سَروقُ لعَمْرُك ما ضاقت بلادٌ بأهلِها ولكِنَّ أخلاقَ الرِّجالِ تَضيقُ 5- وقال ابنُ الزقاقِ: لا يُحمَدُ البُخلُ إن دان الأنامُ به وحامِدُ البُخلِ مذمومٌ ومدحورٌ 6- وقال عليُّ بنُ ذَكوانَ: أنفِقْ ولا تَخْشَ إقلالًا فقد قُسِمَتْ بَيْنَ العبادِ مع الآجالِ أرزاقُ لا ينفَعُ البُخلُ مع دُنيا مُوَلِّيةٍ ولا يَضُرُّ مع الإقبالِ إنفاقُ 7- وقال عبدُ اللهِ بنُ المُعتَزِّ: أَعاذِلُ ليس البُخلُ مني سَجيَّةً ولكِنْ رأيتُ الفَقرَ شَرَّ سَبيلِ لموتُ الفتى خيرٌ من البُخلِ للفتى ولَلْبُخلُ خَيرٌ من سؤالِ بخيلِ 8- وقال العُثمانيُّ: فلا الجودُ يُفني المالَ قَبلَ فَنائِه ولا البُخلُ في مالِ الشَّحيحِ يَزيدُ فلا تلتَمِسْ رِزقًا بعيشٍ مُقتَّرٍ لكِلِّ غَدٍ رِزقٌ يعودُ جديدُ 9- وقال قيسُ بنُ الخَطيمِ: وليس بنافِعٍ ذا البُخلِ مالٌ ولا مُزرٍ بصاحِبِه السَّخاءُ وبعضُ الدَّاءِ مُلتَمَسٌ شِفاه وداءُ النُّوكِ ليس له شِفاءُ 10- وقال آخَرُ: ويظهِرُ عَيبَ المرءِ في النَّاسِ بُخلُهُ ويَستُرُه عنهم جميعًا سَخاؤُه تغَطَّ بأثوابِ السَّخاءِ فإنَّني أرى كُلَّ عيبٍ والسَّخاءُ غِطاؤُه 11- وقال آخَرُ: وهَبْني جمَعْتُ المالَ ثمَّ خزَنْتُه وحانت وفاتي هل أُزادُ به عُمْرَا إذا خزَنَ المالَ البخيلُ فإنَّه سيُورِثُه غَمًّا ويُعقِبُه وِزرَا 12- وأنشَد محمدُ بنُ إسحاقَ الواسطيُّ: لكلِّ همٍّ مِن الهمومِ سَعَهْ والبخلُ واللؤمُ لا فلاحَ معَهْ قد يجمعُ المالَ غيرُ آكلِه ويأكلُ المالَ غيرُ مَن جمَعهْ اقبَلْ مِن الدَّهرِ ما أتاكَ به مَن قرَّ عينًا بعيشِه نفَعهْ موضوعنا القادم سيكون ان شاء الله عن (( البغض والكراهية )) |
نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا ! و ليتني ما أرضيت سواي ! على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات !
التعديل الأخير تم بواسطة البراء ; 08-28-2024 الساعة 10:47 AM
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 37 ( الأعضاء 0 والزوار 37) | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
الأخلاق أرزاق | فاطمة | الكلِم الطيب (درر إسلامية) | 14 | 07-16-2024 05:02 PM |
الأخلاق وهائب….!!!! | النقاء | الكلِم الطيب (درر إسلامية) | 12 | 02-25-2024 02:59 PM |
ربيع الأخلاق | بُشْرَى | الصحة والجمال،وغراس الحياة | 4 | 05-15-2023 12:50 PM |
لنتصدق على فقراء الأخلاق. | رهيبة | الكلِم الطيب (درر إسلامية) | 6 | 09-16-2022 10:57 PM |
الأخلاق وهائب | المهرة | الكلِم الطيب (درر إسلامية) | 5 | 03-16-2021 10:07 PM |