» يومٌ من عمري « | ||||||
|
آخر 10 مشاركات |
روابط تهمك | القرآن الكريم | الصوتيات | الفلاشات | الألعاب | الفوتوشوب | اليوتيوب | الزخرفة | قروب | الطقس | مــركز التحميل | لا باب يحجبنا عنك | تنسيق البيانات |
|
الكلِم الطيب (درر إسلامية) رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا |
رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
اليوم, 03:41 AM | #101 |
|
رد: الأخلاق المحمودة في الإسلام ( متجدد )
تابع – الإيثار
نماذج من الإيثار نماذج من إيثار رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من جميع الأخلاق أوفر الحظ والنصيب, فما من خلق إلا وقد تربع المصطفى صلى الله عليه وسلم على عرشه, وعلا ذروة سنامه, ففي خلق الإيثار كان هو سيد المؤثرين وقائدهم , بل وصل الحال به صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن يشبع لا هو ولا أهل بيته بسبب إيثاره صلى الله عليه وسلم، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (والذي يظهر أنه صلى الله عليه و سلم كان يؤثر بما عنده فقد ثبت في الصحيحين أنه كان إذا جاءه ما فتح الله عليه من خيبر وغيرها من تمر وغيره يدخر قوت أهله سنة ثم يجعل ما بقي عنده عدة في سبيل الله تعالى ثم كان مع ذلك إذا طرأ عليه طارئ أو نزل به ضيف يشير على أهله بإيثارهم فربما أدى ذلك إلى نفاد ما عندهم أو معظمه) . وإليكم بعض الصور من إيثار رسول الله صلى الله عليه وسلم: - عن سهل بن سعد، قال: ((جاءت امرأة ببردة، قال: أتدرون ما البردة ؟ . فقيل له: نعم، هي الشملة، منسوج في حاشيتها . قالت: يا رسول الله، إني نسجت هذه بيدي أكسوكها، فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجا إليها، فخرج إلينا وإنها إزاره، فقال رجل من القوم: يا رسول الله، اكسنيها . فقال: ( نعم ) . فجلس النبي صلى الله عليه وسلم في المجلس، ثم رجع فطواها، ثم أرسل بها إليه، فقال له القوم: ما أحسنت، سألتها إياه، لقد علمت أنه لا يرد سائلا . فقال الرجل: والله ما سألته إلا لتكون كفني يوم أموت. قال سهل: فكانت كفنه)) . - وعن جابر بن عبد اللّه- رضي اللّه عنهما- قال: ((إنّا يوم الخندق نحفر فعرضت كدية شديدة فجاءوا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقالوا: هذه كدية عرضت في الخندق فقال: أنا نازل ثمّ قام وبطنه معصوب بحجر ولبثنا ثلاثة أيّام لا نذوق ذواقا فأخذ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم المعول فضرب في الكدية فعاد كثيبا أهيل أو أهيم فقلت: يا رسول اللّه ائذن لي إلى البيت، فقلت لامرأتي: رأيت في النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم شيئا ما كان في ذلك صبر فعندك شيء؟ فقالت: عندي شعير وعناق فذبحت العناق وطحنت الشّعير حتّى جعلنا اللّحم بالبرمة. ثمّ جئت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم والعجين قد انكسر والبرمة بين الأثافيّ قد كادت أن تنضج. فقلت:طعيّم لي فقم أنت يا رسول اللّه ورجل أو رجلان.قال: كم هو؟ فذكرت له فقال: كثير طيّب قال:قل لها لا تنزع البرمة ولا الخبز من التّنّور حتّى آتي، فقال: قوموا. فقام المهاجرون والأنصار فلمّا دخل على امرأته. قال: ويحك جاء النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بالمهاجرين والأنصار ومن معهم، قالت: هل سألك؟ قلت:نعم. فقال: ادخلوا ولا تضاغطوا. فجعل يكسر الخبز ويجعل عليه اللّحم ويخمّر البرمة والتّنّور إذا أخذ منه، ويقرّب إلى أصحابه ثمّ ينزع فلم يزل يكسر الخبز ويغرف حتّى شبعوا وبقي بقيّة. قال: كلي هذا وأهدي فإنّ النّاس أصابتهم مجاعة)) . وعن أنس بن مالك- رضي اللّه عنه- قال: ((قال أبو طلحة لأمّ سليم: لقد سمعت صوت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ضعيفا أعرف فيه الجوع فهل عندك من شيء؟ قالت: نعم. فأخرجت أقراصا من شعير ثمّ أخرجت خمارا لها فلفّت الخبز ببعضه، ثمّ دسّته تحت يدي ولاثتني ببعضه ثمّ أرسلتني إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. قال: فذهبت به فوجدت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في المسجد ومعه النّاس فقمت عليهم، فقال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: آرسلك أبو طلحة؟ فقلت: نعم. قال:بطعام؟ قلت: نعم. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لمن معه:قوموا فانطلق وانطلقت بين أيديهم حتّى جئت أبا طلحة فأخبرته فقال أبو طلحة: يا أمّ سليم قد جاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالنّاس وليس عندنا ما نطعمهم.فقالت: اللّه ورسوله أعلم. فانطلق أبو طلحة حتّى لقي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: فأقبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأبو طلحة معه، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: هلمّي يا أمّ سليم ما عندك، فأتت بذلك الخبز، فأمر به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ففتّ، وعصرت أمّ سليم عكّة فأدمته، ثمّ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فيه ما شاء اللّه أن يقول، ثمّ قال:ائذن لعشرة فأذن لهم، فأكلوا حتّى شبعوا ثمّ خرجوا، ثمّ قال: ائذن لعشرة فأذن لهم، فأكلوا حتّى شبعوا ثمّ خرجوا، ثمّ قال: ائذن لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتّى شبعوا ثمّ خرجوا، ثمّ قال: ائذن لعشرة فأكل القوم كلّهم حتّى شبعوا والقوم سبعون أو ثمانون رجلا)) . وعن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- أنّه كان يقول: ((اللّه الّذي لا إله إلّا هو إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع. وإن كنت لأشدّ الحجر على بطني من الجوع. ولقد قعدت يوما على طريقهم الّذي يخرجون منه فمرّ أبو بكر فسألته عن آية من كتاب اللّه ما سألته إلّا ليشبعني، فمرّ ولم يفعل، ثمّ مرّ أبو القاسم صلّى اللّه عليه وسلّم فتبسّم حين رآني وعرف ما في نفسي وما في وجهي. ثمّ قال: يا أبا هرّ قلت: لبّيك رسول اللّه قال: الحق ومضى. فتبعته فدخل فاستأذن فأذن لي، فدخل فوجد لبنا في قدح فقال: من أين هذا اللّبن؟ قالوا: أهداه لك فلان- أو فلانة- قال: أبا هرّ قلت: لبّيك يا رسول اللّه. قال: الحق إلى أهل الصّفّة فادعهم لي. قال- وأهل الصّفّة أضياف الإسلام لا يأوون على أهل ولا مال ولا على أحد. إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئا، وإذا أتته هديّة أرسل إليهم وأصاب منها، وأشركهم فيها- فساءني ذلك، فقلت: وما هذا اللّبن في أهل الصّفّة؟ كنت أحقّ أن أصيب من هذا اللّبن شربة أتقوّى بها، فإذا جاءوا أمرني فكنت أنا أعطيهم، وما عسى أن يبلغني من هذا اللّبن ولم يكن من طاعة اللّه وطاعة رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم بدّ فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا فاستأذنوا، فأذن لهم وأخذوا مجالسهم من البيت. قال: يا أبا هرّ، قلت: لبّيك يا رسول اللّه. قال: خذ فأعطهم. فأخذت القدح فجعلت أعطيه الرّجل فيشرب حتّى يروى، ثمّ يردّ عليّ القدح حتّى انتهيت إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وقد روي القوم كلّهم. فأخذ القدح فوضعه على يده فنظر إليّ فتبسّم فقال: أبا هرّ، قلت:لبّيك يا رسول اللّه. قال: بقيت أنا وأنت، قلت: صدقت يا رسول اللّه. قال: اقعد فاشرب، فقعدت فشربت. فقال: اشرب، فشربت فما زال يقول: اشرب. حتّى قلت: لا والّذي بعثك بالحقّ ما أجد له مسلكاً. قال: فأرني فأعطيته القدح فحمد اللّه وسمّى وشرب الفضلة)) ( يتبع ) |
نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا ! و ليتني ما أرضيت سواي ! على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات ! |
اليوم, 03:44 AM | #102 |
|
رد: الأخلاق المحمودة في الإسلام ( متجدد )
تابع – الأيثار
نماذج من الإيثار نماذج من إيثار الصحابة رضوان الله عليهم: ضرب الصحابة أروع أمثلة الإيثار وأجملها, ومن يتأمل في قصص إيثارهم يحسب ذلك ضربا من خيال لولا أنه منقول لنا عن طريق الأثبات وبالأسانيد الصحيحة الصريحة. وإليك بعضاً من النماذج التي تروي لنا صوراً رائعة من الإيثار: ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم: - عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- ((أنّ رجلا أتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فبعث إلى نسائه فقلن: ما معنا إلّا الماء. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: من يضمّ- أو يضيف- هذا؟ فقال رجل من الأنصار: أنا. فانطلق به إلى امرأته فقال: أكرمي ضيف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقالت: ما عندنا إلّا قوت صبياني. فقال: هيّئي طعامك وأصبحي سراجك ونوّمي صبيانك إذا أرادوا عشاء، فهيّأت طعامها وأصبحت سراجها ونوّمت صبيانها، ثمّ قامت كأنّها تصلح سراجها فأطفأته فجعلا يريانه أنّهما يأكلان فباتا طاويين فلمّا أصبح غدا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: ضحك اللّه اللّيلة- أو عجب من فعالكما- فأنزل اللّه وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر:9] الأنصار ... إيثار منقطع النظير أقبل المهاجرون إلى المدينة لا يملكون من أمر الدنيا شيئاً, قد تركوا أموالهم وما يملكون خلف ظهورهم وأقبلوا على ما عند الله عز وجل يرجون رحمته ويخافون عذابه, فاستقبلهم الأنصار الذين تبوؤا الدار, وأكرموهم أيما إكرام ولم يبخلوا عليهم بشيء من حطام الدنيا بل قاسموهم الأموال والزوجات... في صورة يعجز عن وصفها اللسان, ويضعف عن تعبيرها البيان: - فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((لما قدم المهاجرون المدينة نزلوا على الأنصار في دورهم فقالوا: يا رسول الله ما رأينا مثل قوم نزلنا عليهم أحسن مواساة في قليل ولا أبذل في كثير منهم لقد أشركونا في المهنأ وكفونا المؤنة ولقد خشينا أن يكونوا ذهبوا بالأجر كله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلا ما دعوتم الله لهم وأثنيتم به عليهم)) . - وهذا عبد الرحمن بن عوف ((لما قدم المدينة آخى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بينه وبين سعد بن الرّبيع الأنصاريّ وعند الأنصاريّ امرأتان فعرض عليه أن يناصفه أهله وماله، فقال له: بارك اللّه لك في أهلك ومالك دلّوني على السّوق...)) . إيثار ... حتى بالحياة وقد وصل الحال بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن آثروا إخوانهم بحياتهم .. وهذا غاية الجود ومنتهى البذل والعطاء. - يقول حذيفة العدويّ، انطلقت يوم اليرموك أطلب ابن عمّ لي ومعي شيء من ماء وأنا أقول: إن كان به رمق سقيته ومسحت به وجهه، فإذا أنا به، فقلت: أسقيك؟ فأشار إليّ أن نعم. فإذا رجل يقول آه. فأشار ابن عمّي إليّ أن انطلق به إليه فجئته فإذا هو هشام بن العاص فقلت: أسقيك؟ فسمع به آخر فقال: آه. فأشار هشام: انطلق به إليه فجئته فإذا هو قد مات. فرجعت إلى هشام فإذا هو قد مات، فرجعت إلى ابن عمّي فإذا هو قد مات. رحمة اللّه عليهم أجمعين - وفي غزوة اليرموك قال عكرمة بن أبي جهل: قاتلت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مواطن وأفر منكم اليوم ؟ ثم نادى: من يبايع على الموت ؟ فبايعه عمه الحارث بن هشام، وضرار بن الأزور في أربعمائة من وجوه المسلمين وفرسانهم، فقاتلوا قدام فسطاط خالد حتى أثبتوا جميعا جراحا، وقتل منهم خلق منهم ضرار بن الأزور رضي الله عنهم... فلما صرعوا من الجراح استسقوا ماء فجيء إليهم بشربة ماء فلما قربت إلى أحدهم نظر إليه الآخر فقال: ادفعها إليه، فلما دفعت إليه نظر إليه الآخر فقال: ادفعها إليه، فتدافعوها كلهم من واحد إلى واحد حتى ماتوا جميعا ولم يشربها أحد منهم، رضي الله عنهم أجمعين. صور من إيثار أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : - لما طعن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال لابنه عبدالله: (اذهب إلى أمّ المؤمنين عائشة رضي اللّه عنها- فقل: يقرأ عمر بن الخطّاب عليك السّلام، ثمّ سلها أن أدفن مع صاحبيّ. قالت كنت أريده لنفسي فلأوثرنّه اليوم على نفسي. فلمّا أقبل قال له: ما لديك؟ قال: أذنت لك يا أمير المؤمنين. قال: ما كان شيء أهمّ إليّ من ذلك المضجع فإذا قبضت فاحملوني، ثمّ سلّموا ثمّ قل: يستأذن عمر ابن الخطّاب فإن أذنت لي فادفنوني، وإلّا فردّوني إلى مقابر المسلمين.) . - ودخل عليها مسكين فسألها وهي صائمة وليس في بيتها إلّا رغيف، فقالت لمولاة لها: أعطيه إيّاه، فقالت: ليس لك ما تفطرين عليه؟ فقالت: أعطيه إيّاه. قالت: ففعلت. قالت: فلمّا أمسينا أهدى لنا أهل بيت أو إنسان ما كان يهدي لنا: شاة وكفنها. فدعتني عائشة فقالت: كلي من هذا، فهذا خير من قرصك ( يتبع ) |
نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا ! و ليتني ما أرضيت سواي ! على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات ! |
اليوم, 03:47 AM | #103 |
|
رد: الأخلاق المحمودة في الإسلام ( متجدد )
تابع – الأيثار
نماذج من الإيثار نماذج من إيثار السلف رحمهم الله: وعلى نفس الطريق سار سلف الأمة وصالحوها يحذون حذو القذة بالقذة ويتبعون آثار من سبقهم من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم, وإليك نماذج من إيثارهم رحمهم الله: - عن أبي الحسن الأنطاكيّ: أنّه اجتمع عنده نيّف وثلاثون رجلا بقرية من قرى الرّيّ، ومعهم أرغفة معدودة لا تشبع جميعهم، فكسروا الرّغفان، وأطفئوا السّراج، وجلسوا للطّعام، فلمّا رفع فإذا الطّعام بحاله لم يأكل منه أحد شيئا، إيثارا لصاحبه على نفسه - قال الهيثم بن جميل: جاء فضيل بن مرزوق ـ وكان من أئمة الهدى زهدا وفضلا ـ إلى الحسن بن حيي فأخبره أن ليس عنده شيء فقام الحسن فأخرج ستة دراهم، وأخبره أنَّه ليس عنده غيرها فقال: سبحان الله أليس عندك غيرها وأنا آخذها، فأخذ ثلاثة وترك ثلاثة ". - وروي أن مسروقا أدان دينا ثقيلا وكان على أخيه خيثمة دين قال فذهب مسروق فقضى دين خيثمة وهو لا يعلم وذهب خيثمة فقضى دين مسروق وهو لا يعلم . - وقال عباس بن دهقان ما خرج أحد من الدنيا كما دخلها إلا بشر بن الحرث فإنه أتاه رجل في مرضه فشكا إليه الحاجة فنزع قميصه وأعطاه إياه واستعار ثوبا فمات فيه هذا غيض من فيض وما أغفلناه أكثر مما ذكرناه ويكفي من القلادة ما أحاط بالعنق. نماذج من إيثار العلماء المعاصرين: ابن باز.. بقية من إيثار السلف يقول محمد بن موسى وهو يتحدث عن الشيخ ابن باز رحمه الله: (والذي بيده ليس له ولو سئل ما سئل, فربما سئل مالاً فأعطاه, وربما أتته الهدية في المجلس فسأله أحد الحاضرين إياها فأعطاها إياه, بل كثيراً ما يبتدر من بجانبه بالهدية التي تقدم لسماحته بل ربما سئل عباءته التي يلبسها فأعطاها من سأله إياها) . - ويقول: الشيخ عبدالمحسن بن سعد الباز_أحد أقارب سماحة الشيخ، _ أن سماحة الشيخ، وهو يطلب العلم عند المشايخ في مقتبل عمره_كان إذا سلم عليه أحد دعاه إلى غدائه أو عشائه، ولا يحتقر ما يضعه للناس، ويجعل الله في طعامه خيراً كثيراً . يؤثرون له بعيونهم .. والجزاء من جنس العمل كان الشيخ ابن باز رحمه الله قريباً من الناس.. محبباً إليهم .. ومن أعجب قصص الإيثار التي حصلت مع الشيخ قصتان: - أولاها: لرجل مسلم من بلجيكا وهو مغربي الأصل قدم على سماحة الشيخ فلما مثل أمام سماحته قال: يا سماحة الشيخ أنا فلان من محبيك وقد جئتك مهدياً لك إحدى عيني ولقد سألت طبيباً مختصاً فقال لي: لا مانع وسوف أذهب إلى المستشفى وإلى الطبيب المختص لنزعها وإهدائها لك. فقال له سماحة الشيخ: يا أخي بارك الله لك في عينيك , ونفعك بهما, نحن راضون بما كتب الله لنا. - وفي عام 1418هـ جاء رجل من السودان وأخذ يتجول بين المكاتب في دار الإفتاء في الرياض وهو يقول: لم أجد من يتجاوب معي ولا من يدخلني على سماحة الشيخ, قال الشيخ محمد بن موسى الموسى: فقلت له: وماتريد من سماحته. فقال: أنا أتيت إلى سماحته مهدياً إليه إحدى عيني أدخلوني على سماحته, فأخذت بيده وأدخلته عليه فلما رآه وسلم عليه قال: يا سماحة الشيخ أنا من بلاد السودان جئت إليك مهدياً إحدى عيني فتفضل بقبولها وخذ إحداها. فشكر له سماحة الشيخ صنيعه ومحبته وقال: بارك الله لك في عينيك , نحن راضون بما كتب الله لنا أقوال وحكم في الإيثار.. - قال أحدهم: لَا تُوَاكِلَنَّ جَائِعًا إلَّا بِالْإِيثَارِ، وَلَا تُوَاكِلَنَّ غَنِيًّا إلَّا بِالْأَدَبِ، وَلَا تُوَاكِلَنَّ ضَيْفًا إلَّا بِالنَّهْمَةِ وَالِانْبِسَاطِ - وقال أبو سليمان الدارني: لو أن الدنيا كلها لي فجعلتها في فم أخ من إخواني لاستقللتها له . - وقال أيضاً: إني لألقم اللقمة أخا من إخواني فأجد طعمها في حلقي - قال أبو حفص: الإيثار هو أن يقدم. حظوظ الإخوان على حظوظه في أمر الدنيا والآخرة. - وقال بعضهم: الإيثار لا يكون عن اختيار، إنما الإيثار أن تقدم حقوق الخلق أجمع على حقك، ولا تميز في ذلك بين أخ وصاحب ذي معرفة. - وقال يوسف بن الحسين: من رأى لنفسه ملكاً لا يصح منها الإيثار، لأنه يرى نفسه أحق بالشيء برؤية ملكه، إنما الإيثار ممن يرى الأشياء كلها للحق؛ فمن وصل إليه فهو أحق به، فإذا وصل شيء من ذلك إليه يرى نفسه ويده فيه يد أمانة يوصلها إلى صاحبها أو يؤديها إليه ( يتبع ) |
نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا ! و ليتني ما أرضيت سواي ! على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات ! |
اليوم, 03:49 AM | #104 |
|
رد: الأخلاق المحمودة في الإسلام ( متجدد )
تابع – الإيثار
الإيثَار في واحة الشِّعر قال الشَّاعر: عجبتُ لبعضِ النَّاسِ يبذلُ ودَّه ويمنعُ ما ضمَّت عليه الأصابعُ إذا أنا أعطيتُ الخليلَ مودَّتي فليس لمالي بعدَ ذلك مانعُ وقال آخر: وتركي مواساةَ الأخلَّاءِ بالذي تنالُ يدي ظلمٌ لهم وعقوقُ وإنِّي لأستحيي مِن الله أن أُرَى بحال اتِّساعٍ والصَّديق مُضيقُ وقال آخر: مَن كان للخير منَّاعًا فليس له عند الحقيقة إخوان وأخدان وقال علي بن محمَّد التهامي: أُسدٌ ولكن يؤثرون بزادِهم والأُسد ليس تدينُ بالإيثَارِ يتزيَّنُ النَّادي بحسنِ وجوهِهم كتزيُّنِ الهالاتِ بالأقمارِ وقال أحمد محرم: المالُ للرَّجلِ الكريمِ ذرائعٌ يبغي بهنَّ جلائلَ الأخطارِ والنَّاسُ شتى في الخِلَالِ وخيرُهم مَن كان ذا فضلٍ وذا إيثارِ وقال حماد عجرد: إنَّ الكريمَ ليُخفي عنك عُسرتَه حتى يُخالَ غنيًّا وهو مجهودُ وللبخيلِ على أموالِه عللٌ زرقُ العيونِ عليها أوجهٌ سودُ وقال حاتمٌ الطَّائي: وإنِّي لأستحيي صحابي أن يروا مكانَ يدي في جانبِ الزَّادِ أقرعا أقصِّرُ كفي أن تنالَ أكفَّهم إذا نحن أهوينا وحاجاتنا معا |
نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا ! و ليتني ما أرضيت سواي ! على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات ! |
اليوم, 03:52 AM | #105 |
|
رد: الأخلاق المحمودة في الإسلام ( متجدد )
موضوعنا القادم سيكون ان شاء الله عن ( البر )
من خلال هذا الموضوع سوف أتناول المحاور التالية إن شاء الله 1- معنى البِرِّ لغةً واصطلاحًا 2- الفرق بين البِرِّ وبعض الصفات 3- التَّرغيب في البِرِّ 4- أقوال السَّلف والعلماء في البِرِّ 5- فوائد البر 6- أقسام البِرِّ 7- صور البِرِّ 8- موانع فعل البِرِّ 9- الحِكَم والأمثال في البِرِّ 10- البِرُّ في واحة الشِّعر |
نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا ! و ليتني ما أرضيت سواي ! على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات ! |
اليوم, 06:05 AM | #106 |
|
رد: الأخلاق المحمودة في الإسلام ( متجدد )
البِر
جاء تعريف البر في الدين الإسلامي على أنه هو تلك الأعمال التي بها ينال الإنسان السعادة في دنياه وأخرته ، حيث أن مفهوم البر هو ذلك المفهوم الجامع و الشامل للعديد من العبادات و الأعمال الصالحة المراد بها وجه الخالق عز وجل ، و الحصول من خلالها على رضاه ورحمته ، حيث أن البر كمفهوم كما جاء في أيات المولى سبحانه و تعالى لا يقتصر على الصلاة أو الصيام أو الحج وإنما هو مفهوم شامل يمتد إلى صدق الإيمان والقيام بالواجبات والطاعات مثل طاعة الوالدين والإحسان إليهما والتقرب منهما وأيضاً إيتاء الزكاة وتقديم المساعدة لذوي القربى أي الأقارب و صلة الأرحام و الاهتمام باليتامى و المساكين بكل صوره سواء المادية عن طريق تقديم الدعم المادي لهم أو المعنوية مثل متابعة أمورهم والسؤال عنهم والتبسم في وجههم ، حيث يشمل مفهوم البر كل تلك المعاني والأعمال الجميلة و الصالحة كالتحري في فعل الخيرات والعمل على اجتناب المنكرات والذنوب والمعاصي والصدق مع الناس والعطف على المحتاج منهم والوقوف إلى جانب المريض أي الإحسان إليهم بكل صوره وأشكاله وليس بالمال فقط مثل التبسم في وجه الناس وحسن الحديث معهم وتحمل الأذى عنهم وتقديم النصح والإرشاد لهم والوفاء بالعهود والمواثيق أي أن مفهوم البر في الإسلام هو ذلك المفهوم الذي يشتمل على كل مكارم ومحاسن الأخلاق وكل تلك المعاني الإنسانية النبيلة ، حيث أن البر هو أحد أسماء الله عز وجل وذلك ليبين الله للبشر اتساع فضله و إحسانه ولطفه وكرمه على عباده حيث أن الله تعالى هو الرحيم والرؤوف بعباده من دعاه منهم إجابة وهو الرزاق الذي رزقهم ولم يبخل عليهم في عطائه ، حيث يكون بر الله عز وجل بعباده في الدنيا و في الأخرة أما في الدنيا فذلك يكون عن طريق مضاعفة الأخر لهم وإعطاءهم الكرامات وحفظهم من كل أذي وشر وفي الأخرة بتحقيق ما وعدهم به من النعيم في جنته والفوز بأعلى الدرجات للعباد الصالحين . الفوائد المتعددة للبر :- يوجد للبر العديد من الفوائد التي تعود على المومن في دنياه وفي أخرته ومنها :- أولاً :- البر هو مفتاح التقوى وزيادة الإيمان واستجابة الدعاء . ثانياً :- زيادة الرزق وحلول البركة فيه . ثالثاً :- زيادة البركة في الخلف الصالح وفي النسل . رابعاً:- أحد أسباب الحصول على السعادة والراحة والأمن في الدنيا. خامساً :- أحد الطرق المؤدية إلى الفوز بالجنة ونيل الرضوان من الله تعالى حيث أن جزاء الأبرار عظيم عند ربهم . سادساً :- البر من أحد أسباب حب الخلق للإنسان . للبر العديد من الأنواع ومنها :- أولاً :- بر العطاء :- حيث أن بر العطاء هو أحد أنواع البر والإحسان ، حيث أن الإنسان حينما يقدم المساعدة المالية للفقير أو المحتاج فهو يكون من الأبرار المنعمين و ذلك طبقاً لقول المولى عز وجل ( إن الأبرار لفي نعيم) حيث أن الإنسان كلما تقدم في درجات الإيمان تكون سعادته في العطاء للغير وليس في الأخذ وكلما ضعفت درجات إيمانه توهم أن سعادته تكون في الأخذ ، حيث أن للعطاء أشكال متعددة ، حيث لا تقتصر على العطاء المادي فقط فمنها عطاء العلم وعطاء الخبرة و عطاء الجاه وعطاء النصح والإرشاد و الكثير من أنواع العطاء المختلفة . ثانياً :- بر القول :- حيث أن ذلك من إحدى أنواع البر حيث يكون بر القول من خلال عدم قول كلاما به قسوة للناس والرفق بهم وعدم التفوه بما يجرحهم أو يؤلمهم من كلمات وإلقاء السلام عليهم والبعد عن اغتيابهم بالكلام عنهم وعدم السخرية منهم . ثالثاً :- بر السلوك :- وهو إحدى أنواع البر والقائمة على التواضع لمن هو أدنى مرتبة أو اصغر سناً أو اقل مالاً وإعانة الضعيف ونصرة المظلوم على الظالم والوقوف إلى جوار المريض وتقديم التهنئة إلى من إصابة خير أو فرح وتعزية من إصابته مصيبة أو بلاء . :- يعد البر من أحد أهم تلك الأركان الإيمانية الأساسية والتي يكتمل بها مفهوم الإيمان لدى المؤمن وبه ينال ويفوز برضا ربه عز وجل ويحصل على سعادة الدارين الدنيا والأخرة كما أن البر هو من أهم أسباب تماسك المجتمع الإسلامي والحفاظ عليه من التفكك ، حيث أنه بفعله تختفي الأحقاد والفروق الطبقية بين الناس ويحل مكانها الحب والإخاء البر اسم جامع للخير، ويأتي بمعنى الإحسان إلى الوالدين والأقربين، كما يأتي بمعنى الصلة، وهو في استعمال الشرع: ( كلمة جامعة لكل أصناف الخير، ويُراد منه ما هو زائد عن حدود التقوى، فهو مرتبة فوق التقوى، ودون مرتبة الإحسان...). والرجل البار رجل وفيّ عطوف في محبته، ويظهر أثر بره في تعامله مع والديه، وأقاربه، وجيرانه، وضيوفه، ومعارفه، ومعارف والديه، وأيتام المسلمين. ويتميز سلوك البار بالمداومة على الصلة؛ بالزيارة وبشاشة الوجه، والاستمرار في بذل المعروف، والإنفاق على الأرحام والمعارف، والإيثار على النفس. وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم البر في مقابل الإثم في نصوص عديدة، مفسرة مرة باطمئنان النفس إلى الحلال الطيب، الذي لا شبهة فيه فقال: " البر ما اطمأنت إليه النفس "، وفي رواية: " البر ما سكنت إليه النفس، واطمأن إليه القلب، والإثم ما لم تسكن إليه النفس، ولم يطمئن إليه القلب.."الحديث. ووصف ابن حجر النفس البارة بأنها: ( المطمئنة الموهوبة نورا، يفرق بين الحق والباطل، والصدق والكذب ...) كما فُسّر البر في السنة بحسن الخلق كقوله صلى الله عليه وسلم: ( البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في صدرك ) وقيل في شرحه: ( أي التخلق بالأخلاق الحسنة مع الخلق والخالق، والمراد هنا المعروف، وهو طلاقة الوجه، وكف الأذى، وبذل الندى وأنه يحب للناس ما يحب لنفسه...). ولأن درجة البر من أعلى الدرجات فلا يصل إليها المسلم إلا بعد مجاهدة للنفس، وإيثار للآخرة على علائق الدنيا وزينتها، ولذلك قال تعالى: (لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ). حتى لا يكون للقلوب تعلق إلا بما عند الله ، ولتخلص النفوس لبارئها، وعندئذ يعلو مقامها عند الله، ولذلك " فالناس رجلان: رجل بر تقي كريم على الله، وفاجر شقي هين على الله..." – كما جاء في الحديث الصحيح – فالبر تقي كريم على الله، ومن كان كريما على الله كان كريما على عباده الصالحين والعقلاء، ولذلك يقول بعض الحكماء: لا تصادق عاقا فإنه لن يبرّك، وقد عقّ من هو أوجب حقا منك عليه. ( يتبع ) |
نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا ! و ليتني ما أرضيت سواي ! على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات ! |
اليوم, 06:06 AM | #107 |
|
رد: الأخلاق المحمودة في الإسلام ( متجدد )
تابع – البر
ومن أوجب البر الإحسان إلى الأقرب فالأقرب، وليس أقرب من الوالدين، وقد أمرنا بالإحسان إليهما، وبمصاحبتهما بالمعروف، وبشكرهما، وبالصبر عليهما، وعدم التضجر منهما، وبالتواضع لهما وحسن الحديث معهما، والدعاء لهما ... وقد جاء في الحديث: " إن الله يوصيكم بأمهاتكم-ثلاثا- إن الله تعالى يوصيكم بآبائكم-مرتين- إن الله تعالى يوصيكم بالأقرب فالأقرب" والهالك من أدرك والديه فلم يبرهما، وقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذل والهوان على من فاتته فرصة البربوالديه فقال: " رغم أنفه. ثم رغم أنفه . ثم رغم أنفه ... من أدرك والديه عند الكبر: أحدهما أو كلاهما ثم لم يدخل الجنة " لأن الحياة فرص، وتفويت الفرصة المتاحة ليس من شأن المؤمن الفطن. وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الثلاثة الذين لا يدخلون الجنة ( العاق لوالديه ) كما وصفه في حديث آخر بأنه ممن " لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا"، ولا يسلم العاق من عذاب الله حتى في الدنيا، لقوله صلى الله لعيه وسلم: " بابان معجلان عقوبتهما في الدنيا: البغي والعقوق"، بالإضافة إلى أن العقوق من الكبائر. وكما أنه كبيرة شرعا، فإنه من أكبر صور الجحود وعدم الوفاء في نظر العقلاء. وقد جعل الله البر بالوالدين بابا للفوز برضاه سبحانه، كما في قوله صلى الله لعيه وسلم: " رضا الرب في رضا الوالدين، وسخطه في سخطهما". وهو من أحب الأعمال إلى الله " أحب الأعمال إلى الله: الصلاة لوقتها: ثم بر الوالدين، ثم الجهاد في سبيل الله". وقد عبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المبالغة في التماس رضا الأم بقوله: " الزم رجلها فَثمَّ الجنة"، وآثر الصحابي أن يقدم خدمة والديه على الجهاد الكفائي، فقال له: " فيهما فجاهد" –يعني الوالدين. وفي قصة الثلاثة الذين حبسهم المطر في غار، وانسد عليهم الغار بصخرة كبيرة، مثل بليغ لتنزل رحمة الله وتفريج الكروب، إذا ما صلحت العلاقات المالية، وحفظت الأعراض، و استقرت العلاقات الأسرية، حيث توسّل كل منهم بصالح عمله، ومنهم الحريص على رضا والديه والمقدم لهما على أهله وولده، فكانت تنفرج الصخرة كلما دعوا حتى خرجوا من الغار سالمين. ومن أبلغ البر بالوالدين وأصدقه وأخلصه ما يداوم عليه البار في حضور الوالدين، وفي غيبتهما، وفي حياتهما، وبعد موتهما، ومن صور هذا البر إكرام أصدقائهما وأحبابهما، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه بعد أن يولي الأب". وفي رواية أخرى: " من البر أن تصل صديق أبيك" و " من أحب أن يصل أباه في قبره، فليصل إخوان أبيه من بعده"، يقول النووي: ( وفي هذا فضل صلة أصدقاء الأب، والإحسان إليهم وإكرامهم، وهو متضمن لبر الأب وإكرامه؛ لكونه بسببه، وتُلحق به أصدقاء الأم، والأجداد، والمشايخ والزوج والزوجة). ومن إكرام الأب إكرام العم لقوله صلى الله عليه وسلم: " إن عم الرجل صِنْو أبيه" ، ومن البر بالأم الإحسان إلى الخالة، فقد ورد أن رجلا أذنب ذنبا كبيرا وتساءل إن كان له توبة؟ فدلّه رسول الله صلى الله عليه وسلم على باب من البر يكفر عنه ما أذنب، فقال له: "ألك والدان؟" قال: لا. قال: " فلك خالة؟" قال: نعم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فبِرَّها إذن". وأثر بر الولد يصل إلى والديه، حتى بعد موتهما؛ بدعائه لهما، كما في الحديث: " أربع من عمل الأحياء تجري للأموات: رجل ترك عقبا صالحا يدعو له ينفعه دعاؤهم...." وكم يستبشر قلبك حين تعلم أن استغفارك لأبيك المؤمن يرفع درجته في الجنة، ويعجب هو هناك، وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الرجل لتُرفع درجته في الجنة، فيقول: أنى لي هذا؟! فيُقال: باستغفار ولدك لك". ومن صور البر إليهما بعد موتهما التصدق عنهما، جاء في الحديث الصحيح: أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أبي مات ولم يوص، أفينفعه أن أتصدق عنه؟ قال:" نعم "، ولقد كان من بر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمه رغم أنها ليست من أمته أنه استأذن ربه في الاستغفار لها حيث قال: "استأذنت ربي أن أستغفر لأمي، فلم يأذن لي، واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي"، وورد عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت: قدمت عليّ أمي وهي راغبة مشركة فقلت: يا رسول الله، إن أمي قدمت عليّ وهي راغبة مشركة، أفأصلها؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " صليها ". هذا شأن البار حين يكون ابنا، وهو إن نشأ على البر انعكس أثر بره في التعامل مع بنيه، وربما كانت التوجيهات النبوية إلى البر بالآباء أكثف وأغزر، لأن الإنسان بفطرته ميال إلى ولده، حريص عليه، متلهف للأخذ بيده إلى معالي الأمور، بينما قد ينسى البشر جيلا سابقا في طريقه إلى أن يولي، وهم في غمرة انشغالهم بجيل لاحق، يوشك أن يتمكن في الأرض، فاحتاج البشر إلى لفته تذكرهم بفضل الجيل السابق، لئلا يغفلوا عنه، وليقدموا إليه بعض صور الوفاء بحقه، وهم أنفسهم في طريقهم إلى أن يكونوا في يوم من الأيام ذلك الجيل السابق، وسيندبون ضعف الوفاء في بنيهم إن لم يبروهم. ومن صور البر بالأبناء التي وجه إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم العدل بينهم، بحيث لا تثور الضغائن، ولا تتحرك الأحقاد، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: " اعدلوا بين أولادكم في النِحَل-العطايا-كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر واللطف"، ولما جرت به بعض الجاهليات من إيثار الأولاد على البنات، فقد خص رسول الله عليه وسلم البر بالبنات بلفتات خاصة، منها قوله: " ليس أحد من أمتي يعول ثلاث بنات أو ثلاث أخوات، فيحسن إليهن، إلا كن له سترا من النار". ( يتبع ) |
نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا ! و ليتني ما أرضيت سواي ! على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات ! |
اليوم, 06:07 AM | #108 |
|
رد: الأخلاق المحمودة في الإسلام ( متجدد )
تابع – البر
وصاحب البر يتعدى بره الوالدين والأبناء إلى الأرحام والأقارب، ولأن الوفاء والإحسان أصيل فيه، فإنه يتميز به مع جميع الناس الذين يتعامل معهم، وفي مقدمتهم الأقرب فالأقرب، ولذلك حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على توثيق هذه الصلات فقال: " اتقوا الله وصلوا أرحامكم"، وهذه الصلة من أحب الأعمال إلى الله: " أحب الأعمال إلى الله: إيمان بالله ثم صلة الرحم ..." وهي من أبواب الجنة لقوله صلى الله عليه وسلم: " أطب الكلام، وأفش السلام، وصل الأرحام، وصل بالليل والناس نيام، ثم ادخل الجنة بسلام". ولما لبر الأرحام وصلتهم من المنزلة عند الله، فقد أخذ على نفسه –سبحانه- أن يصل البار الواصل، كما جاء في الحديث من قول الله للرحم: " أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى يا رب، قال: فهو لك" وجعل الوصل من أسباب البركة في العمر، كما جاء على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من سره أن يُبسط له في رزقه، وأن يُنسأ له في أثره، فليصلْ رحمه". هذا بالإضافة إلى أثرها الاجتماعي في التأليف والمحبة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: " صلة القرابة مثراة في المال، محبة في الأهل، منسأة في الأجل". وكما يعجل الله عقوبة العاق والقاطع فإنه ليعجل المثوبة في الدنيا للبار الواصل، كما في الحديث: "... وإن أعجل الطاعة ثوابا لصلة الرحم، حتى إن أهل البيت ليكونوا فجرة، فتنموا أموالهم، ويكثر عددهم، إذا تواصلوا" وهذا رغم فجورهم. وقد يقابل الواصل بالجفاء، مما قد يغريه بالقطيعة، ولكن الله نصيره إذا ما داوم الصلة، جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يا رسول الله: إن لي قرابة، أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إليّ، وأحلم عنهم ويجهلون عليّ، فقال: "لئن كنت كما قلت، فكأنما تُسفُّهم الملّ، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك". وخير الوصل، والخالص لوجه الله، ما كان بالبر والإحسان إلى من يقابلك بالعداوة، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: " إن أفضل الصدقة، الصدقة على ذي الرحم الكاشح"، أي المعادي، يقول ابن الجوزي في بيان علة الأفضلية: ( وإنما فُضّلت الصدقة عليه لمكان مخالفة هوى النفس، فأما من أعطى من يحب إنما ينفق على قلبه وهواه)، وقد كان حال البارّين الواصلين لأرحامهم على هذه الصورة من الإحسان، حتى مع اختلاف الدين، ويشهد لذلك ما ورد من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُهديت إليه حُلل كان قد قال عن مثلها: " إنما يلبس هذه من لا خلاق له". فأهدى منها إلى عمر، فقال عمر: كيف ألبسها وقد قلبت فيها ما قلت؟ قال: إني لم أعطكها لتلبسها، ولكن تبيعها أو تكسوها، فأرسل بها عمر إلى أخ له من أهل مكة قبل أن يُسلم. ويجب على البار أن يستمر في صلة أرحامه ولو بأدنى صور الوصل، كما قال صلى الله عليه وسلم: " بُلُّوا أرحامكم ولو بالسلام " –أي صلوا أرحامكم-. وتتسع دائرة البر لتشمل الجيران، وقد أوصى بهم جبريل كثيرا: " لقد أوصاني جبريل بالجار، حتى ظننت أنه يورثه"، وقال صل الله عليه وسلم: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليحسن إلى جاره ...." ونفى الإيمان الكامل عمن " لا يأمن جاره بوائقه " و " من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به" . وفي وصيته صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: " يا أبا ذر ٌ! إذا طبخت فأكثر المرقة، وتعاهد جيرانك أو اقسم بين جيرانك" وقد ذُكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة تقوم الليل، وتصوم النهار، وتفعل وتصّدّق، وتؤذي جيرانها بلسانها، قال صلى الله عليه وسلم: " لا خير فيها، هي من أهل النار". ان كثير من صور البر تقتضي جودا وإنفاقا، ومما حث به رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: " نفقة الرجل على أهله صدقة" ، " وأفضل الدنانير دينار ينفقه الرجل على عياله، ودينار ينفقه الرجل على دابته، ودينار ينفقه الرجل على أصحابه في سبيل الله، وأي رجل أعظم أجرا من رجل ينفق على عيال صغار، يعفهم الله ويغنيهم به؟!" كل هذه الصور إنما هي أمثلة من حياة البار، وإن كانت مظاهر بره تسع جميع المتعاملين معه من القريبين منه والمحتكين به. والبر يولّد البر، والصلة تستدعي مزيدا من الصلة، وتلتحم أواصر الأسر، وتتوثق العلاقات الاجتماعية، فإلى مزيد من البر والصلة. ( يتبع ) |
نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا ! و ليتني ما أرضيت سواي ! على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات ! |
اليوم, 06:11 AM | #109 |
|
رد: الأخلاق المحمودة في الإسلام ( متجدد )
تابع – البر
البر في القرآن الكريم مِن لطائف القرآن ومزاياه أن تأتيَ الكلمة الواحدة فيه متصرِّفةً على وجوهٍ كثيرة، ومعانٍ عِدة قد تكون متغايرةً، وقد تكون متقاربةً أو متوافقة، وقد جعَل بعض العلماء ذلك من أنواع إعجاز القرآن؛ حيث كانتِ الكلمة الواحدة تنصرِف إلى عشرين وجهًا وأكثر وأقل، وقلَّما يوجد ذلك في كلامِ البشر. وسأتناول بالدراسة بعضَ الكلمات القرآنية وموارد استعمالاتها في المواضِع المتعدِّدة؛ كي يكونَ قارئ القرآن ودارسه على بيِّنة من أمر هذه الكلمات ومعانيها. من هذه الكلمات الثرة: كلمة "البر"، وقدْ جاءت في الكتاب الكريم على وجوه كثيرة، إلا أنَّها تدور حول معاني الخير والعمل الصالح، والحق والعدل، والثواب الجزيل والإحسان إلى ذوي القربى واليتامَى والأرامل والمساكين والمحتاجين، ففي سورة البقرة المدنية: ﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 44]، فالبر المراد به الإيمان والعمل الصالح، ذلك أنَّ بعض أحبار اليهود كانوا يأمرون أتباعهم سرًّا بالإيمان بنبينا محمَّد - صلوات الله وسلامه عليه - ولا يتبعونه، ويأمرونهم بالتصدُّق ولا يتصدَّقون، وبالعمل الصالح ولا يفعلون، فوبَّخهم الحق - تبارك وتعالى - على نِسيان أنفسهم، ومخالفة أقوالهم لأفعالهم. وقال - تعالى -: في هذه السورة أيضًا: ﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 177]. وذلك أنَّه لَمَّا كثُر خوض المسلمين وأهل الكتاب في شأنِ القِبلة وتحويلها من بيتِ المقدِس إلى الكعبة المشرَّفة - أول بيت وضع في الأرض - قال الله - سبحانه - لهم: ليس أمرُ القِبلة بالأمر العظيم الذي يجِب أن تشغلوا بشأنه عن سائرِ صنوف البر وأنواعه، ولكن البرَّ الذي يجب الاهتمام به والحِرص عليه "بر" مَن آمن وقام بهذه الأعمال الصالحات التي تعود على المجتمعِ كلِّه بالخير والرخاء، والألفة والفضائل، وهذه الآية أجْمعُ آيات البِر في القرآن كله، وقد ذكَر الله سبحانه في هذه الآية الفذَّة الجامعة خمسَ عشرةَ خَصلة، وهي غرر العقائد والأعمال والفضائل والآداب، وهي تَرجِع إلى ثلاثة أنواع: فالخمس الأولى، وهي: الإيمان بالله، واليوم الآخِر، والملائكة، والكتاب، والنبيِّين تتعلَّق بالكمالات الإنسانيَّة التي هي مِن قبيل صحَّة الاعتقاد، وصِدق اليقين، والتي لا يُقبل عمل عامل مِن ذكر أو أنثى إلاَّ بعد اعتقادها. والست التي بعدَها، وهي: ﴿ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ ﴾ [البقرة: 177] تتعلَّق بالكمالات النفسية التي هي من قَبيل حُسن معاشرة العباد وبِرهم، والاتفاق فيما بينهم، والتي تُقيم مجتمعًا اشتراكيًّا، متكافلاً متعاونًا. والأربع الباقية، وهي: ﴿ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ﴾ [البقرة: 177]، تتعلَّق بالكمالات الإنسانيَّة التي هي من قَبيل تهذيب النفس، وتزكيتها، وتطهيرها مِن مساوئ الأخلاق، وقبائِح الأفعال، وتَطهير المجتمعات من المذاهب الهدَّامة، والآراء المنحرِفة، وإشاعة الفضائل فيها، ولا يَسع الإنسانَ ذا الحس المرهف بعد هذا المطاف في فلك الآية الكريمة ورِحابها الفسيحة، إلا أن يُردِّد قول الله: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 177]. وقال - سبحانه - في سورة البقرة أيضًا: ﴿ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [البقرة: 189]. كان أهلُ الجاهلية إذا رَجعوا من حجٍّ أو عُمرة أو سفر دخلوا البيوتَ مِن ظهروها، ويعتبرون ذلك برًّا، فبيَّن الله - سبحانه - لهم أنها رُسومٌ ظاهرة ليستْ من البر في شيء، وإنما البرُّ هو بِرُّ مَن اتقى الله واتقى الفواحش ما ظهَر منها وما بطَن، فالبر هنا بمعناه العام وهو الخير والحق. وقال - تعالى -: في سورة آل عمران: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ [آل عمران: 92]. فالبر قيل: المراد به الجَنة ونعيمها، كما رُوي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - إذ البِر سبيلُ الجنة أو الثواب الكثير، كما رُوي عن غيره، والمعنيان متقارِبان، وقيل: المراد به: كمال الإحسان، وأيًّا ما كان المراد فالآية مرغِّبة في الإنفاق، دالَّة على أنه من أفضلِ أنواع البر، وقد أرشدتِ الآية إلى أدَب من آداب الإنفاق، وهو الإنفاق ممَّا يحب لا ممَّا يُبغض ويَكره، وتلك - لعَمر الحق - أمارةٌ من أمارات الإخلاص، وفي الكتاب الكريم أيضًا: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾ [البقرة: 267]. وقدْ كان السَّلف الصالح - رضوان الله عليهم - أشدَّ الناس تمسُّكًا بهذا الأدَب، وأحرصَهم على هذا البر، رَوى البخاريُّ ومسلم عن أنس - رضي الله عنه - قال: "كان أبو طلحة - رضي الله عنه - أكثرَ الأنصار بالمدينة مالاً من نخل، وكان أحبّ أمواله إليه بيرحاء، وكانتْ مستقبلة المسجد، وكان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يدخلها ويشرَب مِن ماءٍ فيها طيِّب - أي: عذْب - قال أنس: فلما نزلتْ هذه الآية: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ [آل عمران: 92] جاء أبو طلحة إلى رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: يا رسولَ الله، الله تعالى أنزَل عليك: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ [آل عمران: 92]، وإنَّ أحب أموالي إليَّ "بيرحاء" وإنَّها صدقةٌ لله تعالى أرْجو بِرَّها وذخرها عندَ الله، فضعْها يا رسول الله حيث أراكَ الله. فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((بخ بخ، ذلك مال رابِح.. ذلك مال رابِح، وقد سمعتُ ما قلتَ وإني أرَى أن تجعلَها في الأقربين))، فقال أبو طلحة: أفعلُ يا رسول الله، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبنِي عمِّه. وفي الصحيحين أنَّ عمر - رضي الله تعالى عنه - قال: يا رسولَ الله، لم أصبْ مالاً قط هو أنفسُ عندي من سَهمي الذي هو بخيبر فما تأمُرني به؟ قال: ((حبس الأصل وسَبْل الثمرة))؛ أي: وقف الأصل، واجعلْ ثمرتَها للفقراء والمحتاجين، وعن حمزة بن عبدالله بن عمر قال: قال عبدالله - يعني: أباه - حضرتْني هذه الآية: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ [آل عمران: 92]، فذكرتُ ما أعطاني الله فلم أجدْ شيئًا أحبَّ إلي من جاريتي رُويمة، فقلتُ: هي حُرَّة لوجه الله تعالى، ولولا أنِّي لا أعود في شيءٍ جعلتُه لله لتزوجتُها، وكان عمرُ بن عبدالعزيز - رضي الله تعالى عنه - يَشتري أعدالَ السكر ويتصدَّق بها، فقيل له: لِمَ لا تتصدَّق بثمنها؟ قال: لأني أحبُّ السكر فأردتُ أن أتصدَّق ممَّا أحب". ( يتبع ) |
نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا ! و ليتني ما أرضيت سواي ! على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات ! |
اليوم, 06:13 AM | #110 |
|
رد: الأخلاق المحمودة في الإسلام ( متجدد )
تابع – البر
إن الأبرارهُم المؤمنون الذين يَعملون الصالحات التي منها هذه الأعمال، وقد أشار الله - سبحانه - إلى ما أعدَّه للأبرار مجملاً مع مقارنته بما أعدَّ للفجار، فقال: ﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ﴾ [الانفطار: 13 - 14]، ثم كرَّر الله هذه العدة الجميلة والمنزلة الرفيعة بشيءٍ من التفصيل في سورة المطففين، فقال: ﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ * يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ * خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾ [المطففين: 22 - 26]. ومِن لطائف القرآن أن يأتيَ هذا الوعد الكريم في السُّور الأواخر على نسَق ترتيب السور في المصحَف؛ ليكونَ بمثابة الغاية بعدَ الوسيلة، والنتيجة بعدَ المقدِّمات. وبعدُ، فهذا لفظُ البِر، وهذه مواردُ استعمالاته، وهي تُرينا مكانة البر في الإسلام وأنَّه يكون رافدًا مِن روافد التكافُل الاجتماعي فيه، وأنَّ المسلمين الأوائل بلغوا مِن سماحة النفس، وسخاء اليد، وكرَم الطِّباع وحب الإيثار درجةً صاروا بها مثلاً في الأوَّلين والآخرين، وأنَّ الإسلام دين التعاون على البِر والخير بكلِّ ما تحمِله هاتان الكلمتان من معانٍ، وأنَّ المسلمين لا يزالون بخير ما اهتدَوا بهَدْي القرآن، والتزَمُوا سُنة خاتم الأنبياء كلمة البر في القرآن كلمة لها مدلول واسع تشتمل على أنواع الخير والصالح من الأقوال والأعمال، وفي كتاب ربنا -جل وعلا- آية جامعة لأنواع البر كلها بجمل عظيمة وقواعد وأحكام جليلة، بيّنت فيها أصول الدين والتكاليف النفسية والمالية؛ قال الله -جل وعلا-: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ)، قال المفسرون: إن سبب نزول هذه الآية أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما هاجر إلى المدينة كان يصلي نحو بيت المقدس سنة وأشهرًا، ثم إن الله نسخ ذلك وأمره باستقبال بيته الحرام: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ). فعند ذلك غار المنافقون واليهود كما قال الله: (سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنْ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)، فبيّن تعالى أن البر والإيمان ليس خاصًا بجهة معينة، إنما هو امتثال أمر الله، فأية جهة أمرنا الله باستقبالها فهو الحق الذي يجب التقيد به والعمل به، وهذه الآية بيَّنت البر في أصول خمسة جمعت أنواع البر: الأصل الأول: الإيمان بالله، ويشتمل على خمسة أمور: الأول: الإيمان بالله، فأعظم البر إيمانك بالله ربًا وخالقًا ومدبرًا، إيمانك به خالقًا ورازقًا، وأنه لا رب غيره ولا خالق سواه، فإن هذا أصل الإيمان والأعمال الصالحة: تؤمن باليوم الآخر بذلك اليوم الذي أخبر الله فيه وعن قيام ذلك اليوم: (رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ)، تؤمن بهذا اليوم العظيم، وعدل الله بين عباده في ذلك اليوم العظيم: (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى) تؤمن بذلك. وتؤمن بأن ملائكة الرحمن أجسام نورانية خلقهم الله لعبادته: (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ)، (لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنْ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ)، وكلهم الله بأمور العباد، فهم موكلون بأعمالنا الصالحة والسيئة وأقوالنا، وموكلون بحفظ العباد، وموكلون بشؤون الخلق كلهم؛ قال الله -جل وعلا-: (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ)، وقال: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)، وقال: (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ)، فتؤمن بهم أنهم وسطاء بين الله وبين رسوله في تبليغ الشرائع؛ قال الله -جل وعلا-: (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ)، وقال: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ). وتؤمن بكتب الله التي أنزلها على الأنبياء قبلنا وذكر منها ما ذكر؛ ولكن القرآن العظيم خاتمها وأجمعها وأشملها، جمع معاني ما سبقها من الكتب: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ). وتؤمن بأنبياء الله ورسله الذين أرسلهم الله إلى خلقه لهداية الخلق ودعوتهم، وأنهم كلهم دعوا إلى عبادة الله -جل وعلا-: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ)، إلا أن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- خاتمهم وسيدهم وأكملهم وأفضلهم -صلوات الله وسلامه عليه- القائل: "أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلاَ فَخْرَ". ( يتبع ) |
نعم ، هكذا (كلّنا) لما نريد أن نرضي الجميع "إلا" أنفسنا ! و ليتني ما أرضيت سواي ! على الأقل ، حتى أجد من يشاركني حصاد الآهات ! |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 9 ( الأعضاء 0 والزوار 9) | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
الأخلاق المذمومة في الإسلام ( متجدد ) | البراء | الكلِم الطيب (درر إسلامية) | 352 | 11-17-2024 10:26 PM |
الأخلاق أرزاق | فاطمة | الكلِم الطيب (درر إسلامية) | 14 | 07-16-2024 05:02 PM |
الأخلاق وهائب….!!!! | النقاء | الكلِم الطيب (درر إسلامية) | 12 | 02-25-2024 02:59 PM |
ربيع الأخلاق | بُشْرَى | الصحة والجمال،وغراس الحياة | 4 | 05-15-2023 12:50 PM |
الأخلاق وهائب | المهرة | الكلِم الطيب (درر إسلامية) | 5 | 03-16-2021 10:07 PM |