قراءتي ل( الهيئة الموقرة) أ. ذات الرداء الأسود

القصة على هذا الرابط ..
https://www.boohalharf.com/vb/newrep...treply&t=17527

جاء في مجمع الأمثال لأبي الفضل الميداني قول أكثم بن صيفي لأبنائه: " مقتل الرجل بين فكيه "، للتحذير من الضرر البالغ الذي يمكن أن يتسبب فيه اللسان المنفلت لصاحبه إذا لم يحسن استعماله. وما من شك أن الحيطة أوجب في حالات خاصة، تقتضي اختيار الكلمات، والتدقيق في استخدام العبارات، من بينها وقوف الشخص في ساحة القضاء وقفص الاتهام، حيث تغدو الحاجة أشد إلى مراقبة اللسان وضبطه، خصوصا حين يمس هيئة مكلفة بالحكم، تحرص على المظاهر والاعتبارات الشكلية أكثر من حرصها على تحقيق العدالة.

ويندرج نص " الهيئة الموقرة " في إطار الأدب الساخر الذي يرتكز في الغالب على انتقاد الظواهر السلبية وانحرافات المجتمع والأشخاص ونقدها، بأسلوب لغوي ساخر ونهاية تتميز بمفارقة مدهشة، ومخالفة لتوقع المتلقي.

ويتضح من خلال العنوان المكون من كلمتين معرفتين تفيدان التعيين والتحديد، وتنسجمان مع سياق النص وتشكلان محور أحداثه، فالهيئة المتصفة بالموقرة، والمكلفة بالسهر على تبيان الحقيقة وتطبيق العدل، ترى أن أهم واجباتها فرض التعظيم والتبجيل اللائق بمركزها، وتصر عليه من خلال أفعالها، المتمثلة في الحكم السريع والزج بالمتهم في السجن فورا حين تعلق الأمر بإهانة هيبتها المزعومة.

فالقاضي يسأل المتهم وفق إجراءات تبرز سلطته، والأخير يجيب بخطبة وعظ وتحذير تستلهم خطابا دينيا، والحضور يقوم بالتصفيق معجبا بجرأة لسانه، مكتفيا بالمتابعة والتشجيع الذي قد تكون له نتائج وخيمة على المتهم.

وفي تنفس القاضي عميقا دلالة على تأثره وانزعاجه من تفاعل الحضور مع كلام المتهم الجريء، أو نفاد صبره مما سمعه من اتهامه بالظلم ووعيد بعذاب الآخرة، وفي توجيه أنظاره إلى الادعاء العام إشارة ضمنية إلى تواطئ خفي بينهما، كما أن في عبارة " انتفض القلم " معنى جميل لغضب داخلي واستعداد لرد عنيف على جرأة لسان المتهم.
والمفارقة المدهشة تتجلى في سخرية الحكم، الذي تبين في النهاية أنه صدر عقابا لتطاول المتهم على الهيئة، وليس بسبب التهمة الأصلية التي لم يذكرها النص في إيجازه الموفق، ولمح ضمنيا إلى أنها تهمة ظالمة من خلال كلام المتهم وحسب ادعائه.

للمزيد من مواضيعي