قراءتي ل( الخروج عن النص) أ. البراء

قراءتي ل( الخروج عن النص) أ. البراء

لأمير الشعراء أحمد شوقي بيت شعري مشهور يقول فيه:
أحرام على بلابله الدوح حلال للطير من كل جنس
وإذا كان سياق الغربة والدافع الوطني للشاعر هو ما أجج قريحته ليصوغ في منفاه بالأندلس مقولته الرائعة، فإن معناه قد ينطبق على ازدواجية المعايير في الحكم على الأشياء، وعلى على كل من يحظر على الآخر ما يبيحه لنفسه.
ولا شك أن في مثل هذا السلوك الشائن خلل مجتمعي ونفسي، يغذيه ميل إلى الانسياق خلف الشهوات وتقاليد خاطئة، وتغليب لهوى النفس على صوت العقل والأخلاق.

يحمل عنوان "خروج عن النص( حصري) " دلالة عدم التقيد بالخطوط الموضوعة، أو محاولة الابتعاد عنها والتغيير، وورود كلمة حصري تحمل معنى الخصوصية والاستثناء. ويثير التساؤل والفضول، فأي خروج وأي نص يقصد الكاتب؟
وهل يستقيم التعامل مع أي نص أو موضوع من خارجه؟
إن ذلك ما يدفع السارد/البطل الذي يبدي قلقه وتردده إلى سرده لقصته، مفسحا المجال للمتلقي ليشاركه تجربته، مستحثا تفاعله الشعوري والفكري مع ظواهر مجتمعية متفشية.

ويتميز النص بأسلوبه السلس وبطابعه الساخر، وهي سخرية مريرة ترسم واقعا مرا أليمًا. ويتشكل فضاؤه من مشهدين يمثلان اتجاهين متباينين للفن: التفسخ الأخلاقي الناجح جماهيرا والالتزام المنضبط الفاشل في عرضه الأول. ويعبران في معنى أشمل عن الحياة، فالأب يقتل ابنته من أجل صورة وبمبرر ديني أخرج عن سياقه الصحيح، وآخر يزوج ابنته لمسن من أجل أنها ضبطته متلبسا مع خادمة، حيث يعاقب المذنب البريء وينتقم منه. في تجسيد قاس وفج لمبدأ الشاعر الجاهلي عمرو بن كلثوم:
ألا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا
إن الدنيا بهذا المعنى "مسرح كبير، والناس ما هم إلا ممثلون يؤدون أدوارهم على هذا المسرح" حسب عبارة لوليام لشكسبير، ومهما أخفى البعض عراهم وتورعهم الزائف، فإن الأقنعة تتساقط عند أول اختبار، كاشفة عن اختلال ظاهر وانقلاب في الموازين، فالكومبارس يقوم بدور المخرج، والمثقف في خدمة بطلة الإغراء الأمية، والتصفيق الحار والإقبال المستمر من نصيب الأعمال الفنية الهابطة. وحين محاولة إعادة الأمور إلى طبيعتها الأصلية الهادفة لا تبقى سوى قلة من المتابعين.

ويطرح النص أيضا إشكالية تتعلق بعلاقة المبدع بالجمهور، فهل ينساق الأديب أو الفنان مع طلبات المعجبين وإن كانت تافهة أم يحافظ على سمو فنه والتزامه ويخسر جمهوره؟
من الصعب الموازنة بين الأمرين، إذ أنه أشبه بالرقص على حبل معلق في الهواء، وذلك ما يوحي به النص، فالسارد خسر جمهور مسرحيته حين تخلى عن أعماله الهابطة وارتقى بفنه ( بدأ تسرب الجمهور) وفقد المعجبة التي عدها حظا عظيما، وتصورها بداية قصة حب أو مشروع زواج ( زوجها لرجل يكبره بثلاثين عاما!!!)

للمزيد من مواضيعي