آت من بعيد ( قصة قصيرة )

آت من بعيد ( قصة قصيرة )

أحس بالدفء يسري في جسده .. فتح عينيه فإذا به داخل صندوق زجاجي تحيط به عدد من الأجهزة الطبية والشاشات الراصدة .. وجميعها متوقف عن العمل تعلوها طبقات من الغبار والأتربة .. حاول دفع غطاء الصندوق فانفتح بسهولة .. مدد جسده ويديه ( تمطى ) .. أحس بالألم في كل جسده .. سأل نفسه : ترى ما الذي أتى بي إلى هنا ؟ وكم لبثت داخل هذا الصندوق ؟ خرج من ذلك الصندوق الذي يشبه التابوت فإذا به عاريا .. بحث عن ملابس يستر بها جسده فوجدها بالقرب من تلك الأجهزة .. ارتداها سريعا ودهش كيف أتت تلك الملابس على نفس مقاس جسده .
تحرك قليلا داخل تلك الغرفة التي تحتويه وأحس بالجوع .. خرج إلى الشارع القريب منه وأول ما صدم به أن لون الأسفلت كان أبيض .. ذهل كثيرا حين كان يرى السيارات تسير في الشارع بسرعة ولا يسمع لها صوتا البتة لدرجة أنه لم يحس بإحداها تسير بالقرب منه حتى كادت أن تدهسه .. ازداد وقع الجوع عليه فتوجه نحو أقرب مطعم في ذات الشارع .. سأل نفسه :
ـــــــ هل هذا مطعم أم شيء آخر ؟ أرى مكتوبا عليه صحتين وعافية .. عهدي بالمطاعم يكتب عليها ( مطعم .... ) .
ــــــ حسنا سأدخل وأرى بنفسي .
دخل ماهر إلى ذلك المطعم ونادى على النادل :
ــــــ لو تكرمت يا ... نصف دجاج مندي مع الأرز ومشروب غازي .
ـــــــ آسف يا أخي لا يوجد لدينا هذا الطعام الذي تقول عنه .
ـــــــ غريبة ! .. وماذا لديكم ؟
ـــــــ تفضل خذ ( المنيو ) واختر ما تريده من القائمة .
تناول ماهر ( المنيو ) ولم يستطع نطق أي صنف من القائمة فجميعها غريب عليه .. أحس بالحرج وتلفت يمينا وشمالا وتفاجأ بأن كل الموجودين في المطعم يتفرسون في تفاصيله وكأنه قادم من كوكب آخر .
خرج من المطعم وأخذ يتجول في الشارع القريب منه وهاله ذلك الزحام من البشر والسيارات بأشكالها الغريبة .. لمح لوحة كتب عليها ( أكلات تراثية من الزمن الجميل ) .. اتجه نحوها ووجد المحل يبيع البيتزا والشاورما .. استبشر خيرا وتفتحت أساريره .. طلب شيئا من البيتزا وعصير البرتقال .. قدمت إليه البيتزا وتم الاعتذار عن عصير البرتقال لعدم وجوده .. سأل عن المشروبات الموجودة فقيل له : مشروب دانكن .. مشروب سشلا .. مشروب تانكر .. مشروب لوباش .. لم يفهم من ذلك شيئا فطلب كوبا من الشاي .. حين هم بدفع الحساب أخرج من جيب بنطاله وريقات نقدية وناولها صاحب المحل .. دهش الرجل لتلك الوريقات التي لا يعرف حتى مصدرها ولم ير شكلها في حياته فاتهمه بالتزوير :
ــــــ يا أخي أنا لست مزورا .. وهذه نقودي التي أتعامل بها مع الناس يوميا .
ـــــــ هل أنت قادم من كوكب آخر ؟
ـــــــ احترم نفسك يا أخي .. لماذا تسألني هذا السؤال الغريب ؟
ـــــــ لأن شكلك وتصرفاتك يوحيان بذلك .. نوع ملابسك .. حركاتك وسكناتك .. قصة شعرك .. و .. و ..
تجمهر الناس وتعطلت حركة السير واستدعيت الشرطة وتم وضع ماهر تحت الإقامة الجبرية حتى ينظر في أمره .
في اليوم التالي تناقلت الصحف المحلية والإقليمية والعالمية خبر ماهر وصوره وأرسلت المراكز الطبية العالمية وفودها لدراسة حالته .. بعد إجراء الفحوص والاختبارات على حالته والرجوع إلى إرشيفات البحوث القديمة تبين أن ماهرا كان على قيد الحياة قبل مئتي سنة وأن أحد الأطباء الباحثين القدماء قد قضى نصف عمره في بحوث عديدة حتى توصل إلى اكتشاف مادة يستطيع عن طريقها تجميد الإنسان الذي يعاني من مرض غريب إلى حين اكتشاف العلاج المناسب لذلك المرض .. ثم اكتشف مادة أخرى تعيد إليه الحياة عند اكتشاف العلاج المناسب لحالته .. وحين أجرى ذلك الطبيب الباحث تجربته على ماهر نجح في الشق الأول فجمده لكنه فشل في الشق الثاني من التجربة ولم يستطع إعادة الحياة إليه مرة أخرى مما حدا به للانتحار .. والحقيقة أن ذلك يعد مستحيلا ؛ لأن إعادة الحياة بيد الله وحده فقط .. توقفت تلك التجربة بوفاة ذلك الباحث ولم يجرؤ أي باحث بعده من إكمالها وطويت في سجلات الزمن .. والآن شاء الله أن يعيد إليه روحه من جديد ؛ لتكون عبرة وعظة لكل ذي لب .

***
( مع الاعتذار للفيلم العربي قاهر الزمن )
حصري للمدائن

للمزيد من مواضيعي