سحرُ المدائن شهدٌ مستفيضٌ من أقداح القلب نثراً وشعراً فصيحًا ( يمنع المنقول ) |
شهدٌ مستفيضٌ من أقداح القلب نثراً وشعراً فصيحًا
( يمنع المنقول )
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
|||||||||||||
|
|||||||||||||
أمه التي لم يرها ...
ثلاثة أسباب وحوافز روحية تجعله دوماً يتكرر على ذات المكان. صورتها المعلقة في أعلاه. يدها التي مسّها لأول مرة فيه. قطرات الدماء التي سقطت من جبهته وهو يحاول إنقاذ بروازها من السقوط. كل شيء غدا به يعنيه. يشتمّ فيه الحياة، ويركن إليه كل ما عجز عن توصيف فرحه به للجاهلين لمكانته، وقيمته. في الحدود العُليا زخارف جبسية تأخذ شكلاً للزوايا الحادة، فمزهرية على يمين البروزا الشامخ، وباليسار يقف هو دائماً، وبيده منديله الذي يسدّ به ثغرة ذاكرته الخارجة من عينيه. كان يعتني بكل شيء في محيط صورتها على حدة. هكذا علمته. هكذا نشأ يحبُّ القيام بكل هذه الأعمال؛ ليبدو مطيعاً لكل ما يمسها، أو يفرحها. كان يركض تجاهها باغتباط وسرور. في الصباح يقبّلها، وفي العصر يمسح الأتربة عن وجهها المنهك الذي قضى نصف يومٍ في مواجهة رياح العابرين. يحمل الأحياء في عينيها، والأموات في نظرتها التي تأخذه لألف قبرٍ أكبر من قامته، وأصغر من وجهه النحيل الذي كبُر على يد مواصفات لم تلامسه، وأخلاقٍ ورثها دون أن يتساءل من الذي تكرّم عليه بها؟ ظلّت تصنع الحلوى من أناملها وتجففها؛ وكأنها تعلم بأنهما لن يلتقيان؛ لتهبها له فتشعره بأمومته أكثر. كيف يستطيع الرجال عادة الصمود أمام مفترق الأحضان؟ كيف يكبرون بلا لمسات، ولا تربيتات دافئة؟ ما الذي ينعش حياتهم عادةً ما لم يكن لهم أمهات يشعرونهم بعظيم إنجازاتهم، وأنهم الأسباب الهامة وراء صنعها؟ ما الذي يفعله الرجل حينما يقف في مواجهة ذاكرتها التي ربّته دون أن يرها، أو يمسها، أو يشعرها، أو يحتفظ بها؟ كم سيحتاج الرجل منّا إلى توصيف علامات الأنوثة، والبحث عن أشباهها داخل النساء اللاتي يمرّ بهن؟ ما الذي سيجمعه عادةً من كل أنثى تقف بين ذراعيه؟ أو على مفترق طرقه؟ متى يمكنه التيقن بأنّ امرأة تشبه بروازه العتيق، أو أشبهت -ولو على الأقل- نصفه؟ أيُرضي غرور الرجل بلوغه لشبيهة أمّه، شكلها أو روحها، عطفها، أو إحسانها، أو رقتها، أو فرحتها بإنجازاته، أو حضنها الآمن؟ أمه .. أم أنصاف الأمهات اللاتي يتقاسمن معه نصف الحب، ونصف العاطفة الأمومية المتأخرة؟ متى يشبع الرجل من العطف؟ أيمكنه الاعتراف بأنه طفل تجاوز الأربعين؟ أو صبيٌّ في الستين؟ أيهم يهزمه أكثر في الكهولة: وصوله إليها بلا أم؟ أم دخولها بلا حب؟ يصبح المرء عاجزاً عن رسم مواصفاته، وعن تحديد الحاجة التي تئن داخله لاستنطاق ملامحاً يشك بين الحين والآخر أنها تعبره عبر منامه. يستطيع أن يبكي أثناء ضحكه، يمشي أثناء نومه. يتكلم بهستيريا وقت الصمت. ويضحك بالمقابر. كل هذا حين تكون أمه الضيف الوحيد على ذاكرته. هذا خاص بالذين رأوا أمهاتهم. فكيف يمكن للذين لم يلتقوا بأمهاتهم إلا على هيئة براويز معلقة، أو مواصفات ورثوها عن جدّاتهم .. كيف لهم أن يحملوهن، ويطيعوهن، ويستعيدون ذكرياتهم التي لم يعيشوها بهن؟ أيمكننا القيام برسم أمٍّ لإنسانٍ لم يشاهد أمه؟ ألم يتوصل العلم والطب حتى الأن لاستخلاص الصور بالذاكرة ونقلها إلى الأدمغة والقلوب التي بحاجتها كي تشفى من حنينها وأنينها وولهها القهار… ؟! إنه هو كل هذا .. إنه مثلكم تمامًا: واحد لطالما عانى حتى حاز على براوزها الذي حفظ له ملامحها الموصوفة، ليضمّها ويقبلها كلما عاش مع العصر عُسرا. للمزيد من مواضيعي
المصدر: منتديات مدائن البوح إلهي منحتني نعمة الكلام ، إلهي فاجعل آخره الشهادة...
آخر تعديل جابر محمد مدخلي يوم
11-06-2024 في 05:55 PM.
|
11-06-2024, 02:07 PM | #3 |
|
رد: أمه التي لم يرها ...
قبل أن تكتمل اللوحة، وقبل اللحظات الأولى للولادة فارقت الحياة
وأقبل المشهد الأخير، وقبل أن أكون أنا حيث هي، كنا بذوات مختلفة لا شيء سوى غصات الألم والحزن والفراق.. تقلبنا الأقدار بلا معيار، اقتربنا بكل فوضى وعبث لم تكن فرشاة بأيدينا لنرسم صورة ونضعها في البرواز، بل لم تكن هناك أصلا ملامح نحاول نرسمها بألوان قوس قزح… كان هناك فراغ روحي يمتص مشاعرنا، فقلوبنا توقفت عن النبض بعد رحيلها، توقف العالم من حولنا، وبدأ كل شيء بالدوران لكنها كانت هي حيث كنت أنا.. كالغرباء التقينا صورة في البرواز تقابلها ابنة لم ترها.. قد أكون امرأة ممتلئة بالحزن المتأصل في شعوري المتدفق بأعماقي المليء بحب أسطوري لأم غادرتها.. هناك أمهات أخي جابر حتى لو لم نرَهُن قطعًا نحبهن لأن الحب الروحاني موجود.. و أكبر دليل أننا نحب رسولنا الكريم دون أن نراه النص هنا مؤثر ومبكي ويهز المشاعر … جميل جدا ما قرأت… |
التعديل الأخير تم بواسطة جابر محمد مدخلي ; 11-06-2024 الساعة 02:54 PM
|
11-13-2024, 10:23 PM | #4 | |
|
رد: أمه التي لم يرها ...
اقتباس:
في الضوء ظلام مُنتظر أيضًا يا الياسمين. لا يستمر شيء مطلقًا. أهل الليل يتمنون انقضاءه عاجلاً وعكسهم أهل النهار وتحديدًا أولئك الذين يعيشون ويقتاتون على الضوء وإن أظلمت صاروا فقراء لا حظ لهم. كذلك نحن.. جميعنا فقراء في اللحظة الأخيرة التي تغادرنا فيها الأم ولو كانت لحظة ولادتها لنا. إننا نسختها الباقية، روحها التي تخلقنا منها، أمانها الذي قضينا فيه تسعة أشهر بلا ملل ولا عناء نأكل لحمها ونشرب ماءها دون أن تتضجر، بل ونرفصها حتى نكاد نسمع أنينها وحينما نكبر نسعى فقط لرسم ملامحها.. متجاوزين كل هذه الملامح الأهم، والروحانيات العظمى التي لولاها لما كنّا. نصف باقٍ من وجوههن التي نحملها في ذكرياتنا، ونصف تحافظ عليه صدورنا لا يراه ولا يسمع عنه إلا قلة هم الذين استحقوا بوحنا، ووجدنا في أحضانهم أماناً وأمناً وُحراسًا لإعادتهن إلينا ولو بكلمةٍ أو سطرٍ أو لوحةٍ تمنحنا فرصة لأن نرى ما نراه إلا بأعينهم ومشاعرهم. وفي الأخت أم أيضًا. قراءة واعية صاغية عالية يا الياسمين.. على ما فيها من شعور الشعر وقافية الأنين، ورصيد رمزي عذب صلُح للبوح الآمن المطمئن. تحياتي وتمنياتي |
|
إلهي منحتني نعمة الكلام ، إلهي فاجعل آخره الشهادة... |
11-13-2024, 10:08 PM | #5 |
|
رد: أمه التي لم يرها ...
|
إلهي منحتني نعمة الكلام ، إلهي فاجعل آخره الشهادة... |
11-06-2024, 03:12 PM | #7 |
|
رد: أمه التي لم يرها ...
الأديب الكاتب الكبير
جابر مدخلي ماشاء الله تبارك الرحمن تحدثت عن شيء عظيم وكبير بواقع من حياتنا لانستطيع أن ننكر معنى العاطفة نحن بشر نحن ونعطف ونبادل ونعطي فروح الأمومة تختلف من شخص لآخر منهم من يشعر بها ويظل طوال حياته يقدر تلك المشاعر ومنهم من يعيش ويعطي ولكن دون مقابل أو حتى الاحساس بروح الأمومة وتكون شعور متبادل نلاحظ مهما كبرنا مازلنا نعيش تلك الصفة الجميلة لأنهآ مغروسة بقلوبنا ومع ذلك يظل الحب لتلك الأم شيء حسي وقوى مهما كان شعور الطرف الآخر من ذلك نص كبير من شخص يكتب بكل احساس جميل دوماً أحسنت وأبدعت في وصف النص بطريقة عميقة ومدهشة شكرا تتكاثر لروحك الجميلة هنآ |
هَاتِ القَوَافِيْ ، فَهٰذِيْ المَرْأَةُ الأَسْمَىٰ أَزَاحَ رَبِّيْ بِهَا ، عَنْ مُهْجَتِيْ الهَمَّا فِيْهَا مِنَ الحُبِّ مَا لَا شَيْءَ يَحْمِلُهُ وَمِنْ يَدَيْهَا اِجْتَنَيْتُ الأَمْنَ ، وَالحُلْمَ شكرآ أمير الشعراء وسيف المدائن,, |
11-06-2024, 04:25 PM | #8 |
|
رد: أمه التي لم يرها ...
الكاتب والاديب/ جابر مدخلي
جميل ما قرأت في هذا النص الراقي كل التقدير والإحترام ودمت بهذا العطاء الباذخ 🌷🌷🌷 |
.
|
11-06-2024, 04:30 PM | #9 |
|
رد: أمه التي لم يرها ...
نص جميل كاتبنا
المبدع سلمت يدااك لاخلا ولاعدم |
ذاتَ غياب
أرى رحم الحياة يضج بأجنة الوجع وتتوالد آلامي وتتنامى بسرعة مخيفة أشتاق للأمان ... وأتوه في دوامة البحث عنك من جديد وتتشح القوافي بالسواد يسكنني الشتات أستغرب أني أحيا دون أنفاسك ألمحك تتنشقين ذرات هواء من وطن مختلف ذاتَ بغتة |
11-06-2024, 09:30 PM | #10 |
|
رد: أمه التي لم يرها ...
القدير المبدع جابر محمد مدخلي
نعم والله إستحالة أن نجد من يحل محلها أبدا فالأم لاتقارن ولا توزن بمقياس وليس لها شبيه مهما طال الزمان وكما تفضلت كيف التعايش مع برواز ولم يراها ولم يلمس دفء حنانها ولم يشعره إلا إشتياق بلغ مبلغا لاحد له إنها الفطرة السوية التي جبل عليها وتذوب في جنباتة ويدركها حق إدراك ما أروعك ياسيد الحرف المطعم بالإحساس الصادق بغناوتة ونقاء سريرتة سلم القلم والبنان مودتي وإحترامي |
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 14 ( الأعضاء 0 والزوار 14) | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
الجمل التي لها محل من الإعراب | بُشْرَى | المكتبة الأدبية ونبراس العلم | 6 | 10-05-2023 10:56 PM |
جدتي التي اختفت | الغيث | قناديـلُ الحكايــــا | 10 | 05-25-2022 09:16 PM |
إلى مريم التي لا أعرفها | محمد حجر | سحرُ المدائن | 16 | 12-04-2021 03:32 AM |
سجل حضورك بالأكلة التي تفضلها | نبوءة حب | الصحة والجمال،وغراس الحياة | 11 | 12-22-2020 07:53 PM |